إلى د. يوسف نجم: هل كان صنوع يعيش في كوكب آخَر؟!١

لم أكن أعلم أن تعقيب د. محمد يوسف نجم — المنشور في جريدة «أخبار الأدب»، عدد ٤١٣ — سيكون بهذا الانفعال الشخصي، المغلَّف بالأقوال العامية، الخالية من أية معلومات مفيدة عن مسرح يعقوب صنوع … قضيتنا الأساسية! فقد كشف الأستاذ الكبير نفسه عندما بحث ونقَّب ونبش التاريخ المسرحي كي يجد معلومة واحدة صريحة تُنقِذ موقفه المُحرِج دون جدوى! وهذا التصرف منه أكبر دليل على أنه يتعرَّف على مسرح صنوع لأول مرة! تلك المعرفة، التي كان من الواجب عليه، أن يعلمها منذ نصف قرن مضى، عندما كتب عن مسرح صنوع في رسالته للدكتوراه عام ١٩٥٤! وكأنه كان ينتظر مَن يلفِت نظره لهذا الأمر عام ٢٠٠١.

وسعيًا للوصول إلى الحقيقة أقول: إنني بنيتُ كتابي «محاكمة مسرح يعقوب صنوع» الذي صدر عن هيئة الكتاب منذ شهرين — على أساس هذا السؤال البسيط: «هل يستطيع أي إنسان أن يكتب عن مسرح صنوع، وأن يُثبِت أن نشاطه المسرحي في مصر كان في أعوام ١٨٧٠–١٨٧٢، وأنه كوَّن فرقتين مسرحيتين، وكتب ٣٢ مسرحية، وعرض مئات العروض، دون أن يعتمد على صحف ومذكِّرات صنوع؟» … لعل القارئ سيتعجب من بساطة السؤال! ولكن عندما يحاول أن يُجيب عليه سيندهش من صعوبة الإجابة التي لم تَظهَر حتى الآن، رغم مرور ١٣١ سنة على افتراض وجودها! وكان الجميع يظنُّون أن الفارس الهمام د. محمد يوسف نجم يستطيع ذلك، ولكنه للأسف تهرَّب من اقتحام صلب الموضوع، وتطرَّق إلى موضوعات جانبية وناقشها ودلَّل عليها بأسلوب المبتدئين! والآن أبدأ تعقيبي على «جميع» نقاط د. نجم التي جاءتْ في ردِّه.

  • (١)

    يُقلِّل د. نجم من قيمة الوثائق الرسمية الأصلية بالقلعة، قائلًا: «أحذِّرك من التورُّط في الاعتماد على الملفَّات الوظيفية في بحوثك العلمية، وأرجوك لفائدتي أن تبحث لي عن الملف الوظيفي لتوفيق الحكيم وتتأكد من سنة مولده، فهو يزعم أنه ولد سنة ١٨٩٨ … (ولكنني) ألقيتُ بحثًا أثبتُّ فيه بما لا يدع مجالًا للشك أنه وُلِد سنة ١٩٠٢. أرجوك أن تراجع ملفه، فقد تتيح لك تلك المراجعة فرصة أخرى للتعريض بي والهزء مني!»

    ولكي أُلَبِّي رجاء أستاذي، سأجعل ورقة واحدة من ملف الحكيم، تقوم بهذه المهمة، قائلةً له: إذا كنتَ ألقيتَ بحثًا لإثبات سنة ميلاد الحكيم، أضيف لك اليوم والشهر، وبعض المعلومات الأخرى دون اجتهاد أو بحث؛ لأنني وثيقة رسمية أصلية عديمة القيمة: فحسين توفيق الحكيم مولود في ١١ / ١٠ / ١٩٠٢ من واقع شهادة ميلاده، ويسكن في ١٩ شارع عدلي باشا، وبدأ كموظف في ٢٩ / ١٢ / ١٩٢٩، وقد ترك وظيفته بناءً على طلبه في ٣٠ / ٥ / ١٩٤٣ عندما كان مدير قسم الإرشاد الاجتماعي، ومِن ثمَّ تَقَاضَى معاشًا قدره ١٥ جنيهًا شهريًّا.

  • (٢)

    اجتهد د. نجم وأثبتَ أن آخِرَ منصب تقلَّده أحمد خيري باشا كان «مهردارًا» عام ١٨٧٣. أما أنا فأثبتُّ — من خلال الملف الوظيفي للباشا — أن آخِرَ منصب تقلَّده كان «رئيس الديوان الخديوي»؛ لذلك يتَّهمني د. نجم بأنني أتيتُ بملفٍّ لخيري باشا آخَر، ويختتم اتهامه قائلًا: «ألم يكن حريًّا وأنت المولع بالوثائق والملفات أن تعود (إليها) لعلك تجد في هذه الوثائق ما تفقأ به عين الحسود؟» … ومرة أخرى سأترك هذه المهمة لورقة واحدة — عديمة القيمة أيضًا — بعنوان «تعريف باسم سعادة أحمد خيري باشا»، مكتوبة بخط يده في ٩ / ١ / ١٨٨٤، وموقَّعة منه باسمه ووظيفته هكذا: «رئيس ديوان خديوي أحمد خيري»، ومحفوظة في ملفه، جاء فيها بالنص: «عمره من سنة ١٢٤٥. جنسيت: جركسي الأصل. ابتدا استخدامنا كان بديوان كتخداي من ١٠ جمادى ١٢٧٠ وبعدها نُقلنا مترجم بقلم تركي محافظة مصر من ٢٠ رجب ١٢٧١، وفي شهر طوبة ٨٥٦ تقلَّدنا بوظيفة أيكنجي قلم تركي، ورُفِتْنا من المحافظة لغاية ٨ أبيب ٨٥٦ نقلًا على تفتيش قبلي، مدة خدامتنا بوظيفة كاتب تركي تفتيش قبلي من ابتدا ٩ أبيب ٨٥٦، مدة خدامتنا بمجلس الأحكام من ٣ هاتور ٨٥٧، مدة خدامتنا بالمعية السنية من بئونة ٨٥٧، وتقلدنا رياسة قلم تركي ومن ابتدا ٢٤ أمشير ٥٧٩، وفي أثناء ذلك تقلَّدنا وظيفة المهردارية من ابتدا سبتمبر ١٨٧٦، مدة إقامتنا بديوان المعارف العمومية من ٢٨ / ٨ / ١٨٨٢، مدة إقامتنا بنظارة الداخلية من ٢٣ / ٥ / ١٨٨٣، ثمَّ من ١٢ / ١ / ١٨٨٤ لحقنا بالمعية السنية.»

    والوثيقة تتنازل عن حقها في فقء عين الحسود، وتقول للدكتور نجم: كان من المفروض أن تترك مسألة إثبات وظيفة خيري باشا، وتبحث لنا عن علاقته بصنوع؟! فقد ذكر صنوع أن خيري باشا قام بتقديم مسرحيته الأولى للخديو، وحصل على الإذن بتمثيلها، وأن خيري باشا بعد غلق جمعيتَيْ صنوع توسَّط له عند الخديو وقُبِلت الوساطة، وأن خيري باشا عرض على صنوع رشوة من قِبل الخديو ليَشِيَ بأسماء مَن يمدُّه بالمعلومات المنشورة في صحفه! فهل استطعتَ أن تأتي بدليل واحد يُثبِت رواية واحدة من هذه الروايات؟!

  • (٣)

    قال د. نجم إن أحمد شفيق باشا في مذكِّراته قال: «بدأتْ تَفِد على مصر بعض الفرق السورية، فكان ذلك منشأ المسرح العربي الأهلي، وأولى هذه الفرق هي فرقة سليم النقاش» … وإذا عاد القارئ لمقال د. نجم سيلاحظ أن كلمة «العربي» غير موجودة رغم وجودها في الأصل، وفي المحاكمة، وفي ردِّي الأول! وهذه الكلمة تؤكِّد أن شفيق باشا يريد أن يقول إن فرقة سليم النقاش كانت بداية نشأة المسرح العربي في مصر، التي تمَّتْ على يَدِ سليم النقاش الفنان العربي … ولم تتمَّ على يَدِ رجل إنجليزي يُدعَى «جمس»! وربما سقطتْ كلمة «العربي» — رغم أهميتها الخطيرة في النص — سهوًا من أستاذي! لأنه كأستاذ جامعي يعرف جيِّدًا أنه إذا أراد أن يحذف كلمة ما — حتى ولو كانتْ ضدَّه — أن يضع مكانها ثلاث نقاط!

  • (٤)

    أشكر د. نجم لأنه — ولأول مرة — يعترف في العلن بأن تاريخ جريدة «الستردي ريفيو» جاء خطأً مطبعيًّا في كتابه! وبناء على ذلك فليسمح لي أن أتوجَّه إلى كل مَن يَعِيش على فُتات ما كتب، قائلًا لهم: قوموا الآن بتصحيح ما كتبه د. نجم في كتابه «المسرحية في الأدب العربي الحديث»، ص٧٩، وذلك بوضع عام ١٨٧٩ بدلًا من عام ١٨٧٦! حيث إن التاريخ الخطأ «١٨٧٦» المطبوع في هذا الكتاب كان يشير على أن هناك مقالة تتحدث عن مسرح صنوع أثناء وجوده في مصر! أما التاريخ الصحيح «١٨٧٩» فيُثبِت أن كاتب هذه المقالة أحد أصدقاء صنوع، ناقلًا ما فيها من صحفه أثناء وجود صنوع في فرنسا! وليسمح لي أيضًا د. نجم بأن أتوجَّه بنفس النداء إلى دار النشر التي طَبَعَتْ هذا الكتاب «١٦» مرة طوال نصف قرن أن تُراعي هذا التصحيح في الطبعة اﻟ «١٧»! كما أنتظر منك يا أستاذي اعترافًا آخَر، حتى ولو بالإشارة، بخصوص جريدة «الأزبكية» في كتابك السابق (ص٩٠) التي تحدثتْ عن مسرح صنوع أيضًا، وذكرتِ اسمه «أبو نظارة» عام ١٨٧٣، علمًا بأن هذا الاسم أُطلِق على صنوع عام ١٨٧٨ عندما أصدر جريدته «أبو نظارة»! وأرجو ألا تقول إن الجريدة «مكشوف عنها الحجاب»!

  • (٥)

    جاء في ردِّ د. نجم على سؤال طرحتُه عليه أقول فيه بالمعنى: لماذا تجاهلتَ الأقوال التي استندتُ عليها في كتابي «المحاكمة» من عام ١٨٧٠–١٩٥٣، والتي تؤكد ريادة سليم النقاش للمسرح العربي في مصر، دون الإشارة إلى مسرح صنوع؟ فأجاب بتواضع العالِم: «يا زميلي العزيز، لو لم أتجاهل كل هذا الغُثاء (أي الكلام الفاسد) الذي بُني أكثره على الوَهْم والتذكر والرواية الشفوية؛ لما كنتُ أول مؤرِّخ موضوعي علمي منهجي للمسرح العربي، ولما أُتيح للكثيرين — ولا أُسمِّي — أن يعيشوا وتنتفخ أوداجهم على فُتات ما كتبتُ»!

    وليعلم القارئ أن مِن أصحاب هذه الكتابات الفاسدة «الغثة»: سليم البستاني، علي فهمي، رفاعة الطهطاوي، أديب إسحاق، جرجي زيدان، بطرس شلفون، محمد تيمور، خليل مطران، د. محمد صبري السربوني، د. طه حسين، د. أحمد ضيف، أحمد أمين، علي الجارم، عبد العزيز البشري، أحمد السكندري، عبد الرحمن الرافعي، أحمد شفيق باشا، قسطندي رزق، محمد لطفي جمعة، د. عبد اللطيف حمزة، عبد الرحمن صدقي، د. محمد غنيمي هلال … وهكذا يكون التواضع وإلا فلا!

  • (٦)

    د. نجم يحاول أن يُثبِت أن صنوع كان مدرِّسًا في المهندسخانة، أما أنا فأثبتُّ في المحاكمة (ص١٦٥–١٦٩) أنه كان تلميذًا بها! ولكن أستاذنا غير مقتنع! لذلك أقول له: باعتبارك دائم التمسك بأقوال صنوع، فأرجو أن تقرأ صحيفة «أبو نظارة» في ٢٦ / ٥ / ١٨٩٩ عندما قال صنوع بنفسه: «دخلتُ في مبادئ أمري مدرسة المهندسخانة المشهورة، واقتبستُ من معلِّميها الفنون والآداب على أجمل صورة … وعمري خمسة عشر.»

    fig200
    اعتراف صنوع بخط يده كما جاء في صحيفته.

    أرجو أن يكون اعتراف صنوع بأنه كان «تلميذًا» في المهندسخانة أقنعك الآن! كما أرجو أيضًا ألا تلجأ إلى «الظن والتخمين»؛ لأنه من عيوب المنهج العلمي عندما يُستخدم في حسم القضايا! وأنت كأستاذ كبير، ما كان يجب عليك أن تقول: «إن الخديو إسماعيل أعاد تنظيم ديوان المعارف وأنشأ مدرسة المهندسخانة في سنة ١٨٦٦ في العباسية … أفلا يجوز أن نفترض أن الخديو أو أحد رجال عهده النافذين عيَّنه مدرِّسًا للغات … في المهندسخانة؟» … لا تعليق!

  • (٧)

    لعل القارئ لاحظ أن د. نجم لا يأتي بأدلة على ما يقول إلا من خلال أقوال صنوع! علمًا بأنني بحَّ صوتي من كثرة التنبيه بعدم الاعتماد على أقوال صنوع المشكوك فيها! وبالرغم من ذلك يقول د. نجم: «أما علاقة صنوع بالأفغاني وهجومهما عليه وعلى صحيفته في جريدة «التجارة»، فقد شرح صنوع ظروف هذا الهجوم وملابساته في صحيفته … وبيَّن أنه كان بضغط وتدبير من إسماعيل ورجاله»!

    وهنا أقول له: كيف يا سيدي تريد منَّا أن نُكذِّب مقالًا منشورًا في صحيفة رسمية محترمة، كتبها الشيخان الأفغاني ومحمد عبده، ونصدِّق ونفضِّل عليها مقالًا كاذبًا مضحكًا كتبه صنوع ونشره في جريدته الهزأة؟! فهل من المعقول أن عظمة إسماعيل باشا الخديو، بالاشتراك مع رجاله، ضغطوا على الشيخين الأفغاني ومحمد عبده، من أجل ذمِّ صنوع الذي يعيش في فرنسا بمقال صحفي منشور في مصر؟!

أما اهتمامك بمقال الأفغاني المنشور في صحف صنوع، كدليل على علاقتهما، فأقول لك: يا سيدي، لقد أراد صنوع أن يُلحِق الأفغاني بعارٍ يُلازمه للأبد، وهو أنه كان على علاقة به! وإليك الدليل، في العدد رقم ١٥ من صحيفة صنوع المصرية، في ١١ / ٥ / ١٨٧٨، تجد محاورة عنوانها: «محاورة بين إنسان وهرة بقلم أحد فضلاء الإسكندرية»! وإذا نظرتَ إلى العدد الصادر بباريس رقم ١٠ في ٢١ / ١٠ / ١٨٨٩ ستجد نفس المحاورة، ولكن بعنوان آخَر هو: «المخاطبة بين الإنسان والهرة لأستاذنا الجليل فيلسوف الأفغان»! هل فهمت مقصدي … أم لا؟! وربما يَجُول في خاطرك الآن هذا السؤال: ولماذا لا نقول إن الكاتب الأول هو الثاني، طالما الأول مجهول الاسم وكنَّى نفسه بأحد فضلاء الإسكندرية؟ والإجابة تأتي من خلال هذا السؤال الذي يفرض نفسه: أكان اسم الأفغاني في عام ١٨٧٨ في مصر أقلُّ شأنًا من أن يُكتَب صراحةً داخل صحيفة صنوع؟!

fig201
محاورة عام ١٨٧٨ في مصر.
fig202
محاورة عام ١٨٨٩ في باريس.

جمس الإنجليزي

ذكر المنقِّب المدقِّق د. نجم في مقاله الأول ثلاثة أخبار منقولة من جريدة «الجوائب» (التي تصدر في الأستانة لا في مصر)، تتحدث عن رجل مسرحي إنجليزي يُدعى «جمس»، كما جاءت في النص المنقول! فقمتُ بتوضيح عدم علاقة «جمس الإنجليزي» بيعقوب صنوع المصري الذي اشتُهر باسم «جمس سنوا»؛ لذلك طالبتُ أستاذي بالبحث عن نص منشور في مصر به اسم «جمس سنوا» صراحةً في فترة ١٨٧٠–١٨٧٢! ولكنه للأسف الشديد لم ينجح في إيجاده! وبدلًا من الاعتراف بذلك وجدتُه يُحاوِل إثبات أن صنوع لم يكن يكتب اسمه «جمس سنوا»، بل كان يكتبه «جمس» فقط، قائلًا: «اقرأ جميع أعداد صحيفة «أبو نظارة زرقا» التي أصدرها في مصر وفي باريس، تجده يخاطب أو يشير إلى نفسه باسم: مستر جمس، مسيو جمس، سنيور جمس»!

وهنا أقول لأستاذي: إليك هذه النماذج اليسيرة من صحف «جمس سنوا»!

يقول صنوع في صحيفته بتاريخ ٢٢ / ٨ / ١٨٧٨: «رحلة أبي نظارة الولي من مصر القاهرة لباريز الفاخرة بقلم جمس سانووا»، وفي ٢١ / ٣ / ١٨٧٩، يقول: «صحيفة أسبوعية … إلخ، مديرها ومحرِّرها الأستاذ جمس سانووا المصري»، وفي عام ١٩٠٥ توجد مقالة بجريدته عنوانها «الشيخ ج سنوا أبو نظارة وعيده الخمسيني»!

هذه بعض أقوال صنوع عن اسمه … هل اقتنعتَ؟! أتريد نموذجًا آخَر … إليك صورة بطاقة تعريف صنوع (الكارت)، وهو في باريس، المنشورة في كتاب «المحاكمة» ص١٢٩.

fig203

ألم تلحظ اسم صنوع المكتوب؟! فقد كتب اسمه هكذا «الشيخ ج سانوا أبو نظارة»! أتريد أن تعرف بماذا كان الناس يُخاطبونه … كانوا يخاطبونه باسم «جمس سنوا»! وإليك الدليل:

عندما أصدر صنوع جريدته المصرية، نشرتْ له جريدة «الأهرام» في أبريل ١٨٧٨ خبرًا تحت عنوان «جمس سانووا وجريدته»، جاء فيه: «جريدة فكاهات ومضحكات، تَظهَر بمصر في كل أسبوع مرة، ومديرها ومحررها جمس سانووا.» وعندما مدحه الشاعر فتح الله خياط عام ١٩٠٥ قال:

واستبشري بسِنِى يوبيل شاعرنا
«سنوا» الذي به عزت دولة الأدب
أكرم بمملكة بالعلم عامرة
حازت بسنوا الفتى ما عز من أرب

ومن الغريب أن د. نجم عندما فشل في ربط العلاقة الاسمية بين «جمس» الإنجليزي وبين «جمس سنوا»، وجدتُه يُحاوِل إيجاد هذا الربط في علاقة أخرى مستحيلة، عندما حاول أن يُثبت أن «جمس الإنجليزي» هو يعقوب صنوع الإنجليزي، ويفسِّر هذا بقوله عن صنوع: «أما كونه يوصف بأنه إنجليزي، وذلك لأنه كان حماية إنجليزية، وكان المقيمون الذين يعودون إلى أصول غير مصرية أو عثمانية يلجئون إلى القنصليات الأجنبية للانتساب إلى بلادها والحصول على حمايتها … إلخ.»

وهنا أردُّ على أستاذي المُتيَّم بأقوال صنوع، قائلًا له: ألم تقرأ صحيفة صنوع، عدد ١٥، في ١ / ٧ / ١٨٧٩، عندما قال فيها: «أنا مصري ابن مصري، وده لي أعظم افتخار؛ لأن نكران الأصل عندي أقبح عار. فإذا والدي المرحوم شقي وتحصل على حماية فدا من شوفه الظلم الحاصل على الرعاية، فله — تعالى — الحمد إنِّي رعية إيطالياني.»

fig204
اعتراف صنوع بخط يده بأنه حماية إيطالية.

وهذا اعتراف من صنوع يُثبت أنه «مصري ابن مصري» يتمتع بحماية «إيطالية»! فكيف تُحاوِل أن تُوهِمنا بأن أصوله غير مصرية، وأنه حماية «إنجليزية» … فمِن أين لك هذا؟! أو ترى أن هذا التبرير يجعل لك مخرجًا؟ ولو افترضتُ جدلًا أن صنوع كان حماية إنجليزية، مكذِّبًا أقواله، مصدِّقًا أقوالك … أسألك: لماذا لم يُنفَ صنوع أو يسافر إلى إنجلترا حاميته؟ ولماذا سافر أو نُفي إلى فرنسا ألدِّ أعداء إنجلترا في ذلك الوقت؟! ولماذا استمر أكثر من عشرين سنة يوجِّه الشتائم والسباب في صحفه إلى إنجلترا «حاميته»؟!

يا أستاذي الجليل … أنت تبتعد عن الطريق المستقيم، وتخلط الأوراق؛ لأنك تتحدث عن شخصية إنجليزية مسرحية تُدعى «جمس»، كانت موجودة ضمن مَن عملوا في المسارح المصرية من الأجانب! ألم تعلم أن ملعب البهلوان بالأزبكية كان يديره «رانسي» عام ١٨٦٩، وكان يُقدِّم عروضًا مسرحية، وبخاصة البانتوميم؟ وأن ملعب السيرك بالأزبكية أيضًا كان يُديره المسيو «دافيد جيليوم» عام ١٨٧١، وكان يقدِّم عروضًا مسرحية شعبية؟ حتى مسرح حديقة الأزبكية كان يديره «أنريكو سانتيني» عام ١٨٧٣؟ وقد استمر الأجانب يديرون المسارح والقاعات — سواء أكانت تقدِّم العروض العربية أم الأجنبية — طوال القرن التاسع عشر، وحتى ثلاثينيات القرن العشرين! ومن أمثلة المسارح: زيزينيا، لوكسمبرج، البوليتياما، السكاتنج رنج، روستي، لونابرك، الهمبرا، الكورسال، الأبي دي روز، دي باري، الماجستيك. ومن أمثلة القاعات: أستوراري، كولنيانو، سانتي بالأزبكية.

أرجو أن تكون قد اقتنعتَ بأن كلمة «جيمس» فقط لا تعني أن المقصود هو «يعقوب صنوع» أو «جمس سنوا»! وإلا سأقول لك: هل بلغ يعقوب صنوع إبان نشأته الفنية الشهرة الداوية والصيت المستطير، إلى درجة أنه يُعرف بين الناس في مصر باسم واحد فقط وهو «جمس» على نحو ما نعرف من المشاهير الحقيقيين، أصحاب المجد، باسم واحد، مثل قولنا: البحتري، الجاحظ، المتنبي، الطهطاوي، شوقي، العقاد، الحكيم … إلخ؟!

وهل تخطَّى صيت «جمس» مصر، ووصل إلى جميع الممالك العثمانية، وبالأخص الأستانة، حتى يذكره مراسل جريدة «الجوائب» باسم «جمس» فقط، على اعتبار أنه «صنوع»! وإذا كان قد بلغ صنوع هذا المجد، وكان فعلًا رائد المسرح المصري، فلماذا تلهث وراء الصحف وتنبش بين طيَّات الكتب لتقتبس كلمة من هنا وكلمة من هناك لتثبت بها هذه الريادة، دون أن تعثر على شيء له قيمة حقيقية يُنهِي الجدل القائم بيننا؟!

ألا فاعلم أيها الباحث الكبير أن الرائد الحقيقي في أي مجال من المجالات لا يحتاج إلى كدٍّ في البحث عن أدلة ريادته! لأنه يكون قد ملأ الدنيا وشغل الناس، والصحف لا تملُّ من الحديث عنه، والناس لا يملُّون من ذكره! أما أنا فقد بحثتُ عن أخبار الرائد المسرحي المزعوم في ميادين وشوارع وحارات وأزقة التاريخ، ولم أقف عليه! فماذا يكون الأمر لو أن «جمس سنوا» كان ممثِّلًا عاديًّا؟! فهل كنت أضرب الودع لأستدل عليه؟!

الفاقرة … بين التلفيق والتدقيق!

قال صنوع — وكذلك كل مَن كتب عنه، وبالأخص د. نجم — إن شيخًا أزهريًّا اسمه محمد عبد الفتاح تأثَّر بحركة صنوع، وألَّف مسرحية اسمها «ليلى» … وتأكد د. نجم بأنه أنهى المعركة، وأخرسني للأبد بفاقرته التي تمثَّلت في إعلان منشور، ونص مسرحية تصوَّر أنهما لمسرحية «ليلى»، مع أسماء بعض الآثار الأدبية الخاصة بالشيخ محمد عبد الفتاح!

ولكنْ لثقتي باهتمام د. نجم بالتلفيق، أكثر من اهتمامه بالتدقيق بحثتُ الأمرَ، فاتَّضَح لي أن د. نجم خلط بين مسرحيتين لا علاقة لهما بيعقوب صنوع، بل إن مؤلف إحداهما ذكر في مقدمتها اسم «جمس» الإنجليزي لا «جمس سنوا» المصري! كما أنه خلط أيضًا بين ثلاثة أسماء لثلاثة رجال، اسم كل منهم «محمد عبد الفتاح»! وقام عامدًا متعمِّدًا بإخفاء حقائق ومعلومات علمية للتضليل! وأخيرًا تعمَّد التدخل «بقلمه» في النصوص المنقولة من أجل ضياع الحقيقة! ومن هذا:
  • (١)
    حصول د. نجم على إعلان مسرحي، في جريدة «الوقائع المصرية» عام ١٨٧٢، واتَّهمني بأنني رأيتُه وأغفلتُه! وسأتجاوز عن هذا، وأقول له: ماذا في الإعلان من معلومات تخص صنوع أو مسرحه؟! فالإعلان يتحدث عن بيع مسرحية مطبوعة! ونص الإعلان يقول:

    قد ارتقتِ الأنام في التمدن في زمن سعادة الخديو المعظَّم حتى بلغتْ ما لا يبلغه غيرها من الأمم السابقة، ومن جملة التمدن وجود التياترات خصوصًا التياترو العربي الجاري مجراه في حديقة الأزبكية. ولما كانت جميع الناس مجدِّين في تحصيل التمدُّن شرعنا في طبع لعبة ونشرها على جميع المحبين للوطن لزيادة التمدن، ويكون أخذ النُّسَخ من محلِّ محمد أفندي عبد الفتاح الكائن بالموسكي بحارة الإفرنج بجوار الخواجة كموراه التاجر، وثمن النسخة الواحدة فرنك واحد، واللعبة التي صار طبعها حينئذٍ تُسمَّى «ليلة» … إلخ.

    ويُؤخَذ من هذا الإعلان:
    • أوَّلًا: أن محمد عبد الفتاح، مجرد صاحب محلٍّ وبائع كتب، ولا صلة له بالتأليف المسرحي.
    • ثانيًا: لم يَرِدْ في الإعلان أي ذِكْر لصنوع.
    • ثالثًا: الإعلان نُشِر من أجل ترويج نُسَخ مسرحية «ليلة»، ولم ينص على أنها مُثِّلتْ أو ستُمثَّل. ولكن د. نجم أراد تأويل نص الإعلان بأكثر مما يحتمل! حيث أراد أن يكون الشيخ محمد عبد الفتاح هو مؤلف مسرحية «ليلى»، والواقع أن محمد عبد الفتاح صاحب محل بالموسكي لبيع نسخ مسرحية «ليلة» المطبوعة! ولعدم منطقية هذا التأويل، أقحم د. نجم نفسَه في النص، فكتب بيده بعد كلمتَيْ «حديقة الأزبكية»، هذه العبارة «أقول: تياترو صنوع أو سنوا أو مستر جمس»! وظنَّ أستاذي أنه بذلك أقنعني وأقنع القرَّاء أن الإعلان يخص مسرح صنوع المزعوم!

    ومن الغريب أنه كرَّر هذا التدخل مرة أخرى عندما كتب بعد كلمة «لعبة»، هذه العبارة: «أقول: الاسم الذي استعمله صنوع للمسرحية»! وذلك ليوهم القارئ بأن صنوع صاحب مصطلح «لعبة» أي «مسرحية»! ولكن إذا قرأ الجزء الخاص بالأزبكية في كتابِي «تاريخ المسرح في مصر في القرن اﻟ ١٩»، سيجد أن أبا السعود أفندي ذكر في مجلة «وادي النيل» كلمة «لعبة» بمعنى «مسرحية» أكثر من ثلاثين مرة، في الفترة من ١٨٦٩–١٨٧١؛ أي قبل إعلانه المُكتشف!

  • (٢)

    اهتم د. نجم بمحمد عبد الفتاح اهتمامًا كبيرًا جدًّا … ويا لَيْتَه ما اهتمَّ! فقد غمز ولمز وعاب على أنني لم أهتم اهتمامه الدءوب، في البحث في المعاجم والفهارس، عن محمد عبد الفتاح، مثلما فعل! وعندما رجعتُ إلى ما استند إليه وجدتُه يُخفِي معلومات أساسية، وهذه هي الأدلة!

    يقول د. نجم بعد اطِّلاعه على «معجم المطبوعات العربية والمُعرَّبة»، إن المعجم ذكر الشيخ محمد عبد الفتاح، وذكر كتابه «تحفة الألباب في مجالس الأحباب» عام ١٨٩٢، وقد أهداه إلى صديقه جمس سنوا! فالعالِم الجليل د. نجم أضاف عبارة: «وقد أهداه إلى صديقه جمس سنوا»، رغم عدم وجودها في المعجم مطلقًا! علمًا بأننا منذ البداية نبحث عن نص منشور في الفترة ١٨٧٠ به كلمة «سنوا»، فما بالنا وأن د. نجم يحصل على الدليل الدامع وهو اسم «جمس سنوا»؟!

    وإليك أيها القارئ المفاجأة التي أخفاها د. نجم! لقد كتب بالفعل الشيخ محمد عبد الفتاح كتابه «تحفة أولي الألباب …»، وذكر في مقدمته صديقه جمس سنوا، قائلًا: «أما بعد، فيقول الراجي مِن الله الفلاح، محمد عبد الفتاح، المعلم بمدارس الأوروباوية، غفر له الباري ولوالديه كل خطِيَّة، لما طلب منِّي صديقي يقينًا وظنًّا، ورفيقي صنعةً وفنًّا، الخوجة جمس سانو النجيب صاحب المعارف والعلوم خوجة فريد السيادة … رسالة مختصرة مفيدة بالصواب في ظريف المخاطبات ودقيق الآداب لما أنه شاهد التلامذة لمطالعة أوجز الكتب يألفون … إلخ.»

    والسؤال الآن: لماذا أخفى د. نجم هذا الدليل القوي؟! الإجابة: أن الشيخ محمد عبد الفتاح صاحب هذا الكتاب، هو مدرس اللغة العربية بالمدارس الفرنسية، صديق المدرِّس (الخوجة) جمس سانو، الذي يعمل معه في مدارس فرنسا! وأنه صاحب الإسهامات المكتوبة في صحف صنوع بباريس، وقد أثبتُّها في «المحاكمة» ص١٥٦–١٥٩، وأثبتُّ أن صداقتهما بدأتْ في فرنسا فقط! والأهم من ذلك أن الكتاب كُتِب وطُبِع عام ١٨٩٢، أثناء وجود صنوع في فرنسا، وهو كتاب لتعليم الطلاب، ولا علاقة له بمسرح صنوع المزعوم في مصر!

    وإصرار د. نجم لتجاهُل هذه المقدمة راجع أيضًا إلى أنه يعلم علم اليقين أن هذا الشيخ يختلف تمامًا عن محمد عبد الفتاح، صاحب مسرحية «نزهة الأدب»، صديق «جمس» الإنجليزي! ويختلف أيضًا عن محمد عبد الفتاح الكُتُبي، صاحب محلِّ الموسكي! فهل اقتنع القارئ بما فعله د. نجم عندما خلط بين ثلاثة أشخاص، كلٌّ منهم يُسمَّى «محمد عبد الفتاح»! أرجو ذلك، وإلا فإليك دليل آخَر:

    نقل د. نجم معلومات عن محمد عبد الفتاح من «معجم المؤلفين» لعمر رضا كحالة، ومنها أنه مدرِّس، وصاحب كتاب «تحفة أولي الألباب»، ولكن هناك معلومة مهمة ذكرها المعجم وأخفاها عنَّا كالعادة د. نجم، وهي تاريخ وفاة محمد عبد الفتاح عام ١٨٨٨! وهذا التاريخ أكبر دليل يعصف بأقوال نجم من أساسها! فكيف يموت محمد عبد الفتاح في مصر عام ١٨٨٨، ثمَّ بقدرة قادر يعود إلى الحياة ويعمل مدرِّسًا مع صنوع في فرنسا، ويؤلِّف كتاب «تحفة أولي الألباب» عام ١٨٩٢؟! والسر في ذلك أن كحالة أخطأ عندما أتى بكتاب الشيخ محمد المدرِّس، صديق صنوع في فرنسا، ووضع تاريخًا للوفاة لا يخصُّه، ولكنه يخص محمد عبد الفتاح المصري، طالب الأزهر، صاحب مسرحية «نزهة الأدب»، صديق جمس الإنجليزي!

  • (٣)

    «بين طالب مصر، وشيخ فرنسا»: هناك فرق واضح، كان من المفروض على الممحِّص المدقِّق د. نجم أن يَعرِفه؛ ليُميِّز بين التلميذ صديق جمس الإنجليزي في مصر، وبين الأستاذ صديق جمس سنوا في فرنسا! فصاحب مسرحية «نزهة الأدب»، صديق جمس الإنجليزي يُعرَف باسم «محمد عبد الفتاح المصري»، وهو طالب بالأزهر! أما صاحب كتاب «تحفة أولي الألباب»، صديق جمس سنوا، فيُعرف باسم «الشيخ محمد عبد الفتاح»، وهو مدرِّس لغة عربية بمدارس فرنسا! وعملًا برجاء أستاذي كي أضيف إلى معلوماته أذكر له وصفًا مختصرًا لكتابين هو في أشد الشوق لرؤيتهما.

    • الأول: كتاب مطبوع عام ١٨٧٦ بالحجر، ١٦٤ صفحة، كُتِب على غلافه: «كتاب السبك واللهج المتضمن لسيرة السيد حزنبل وابنة عمه زلكوتة، وما جرى له في سياحته، للفقير إلى مولاه محمد عبد الفتاح المصري، غفر له المولى ولوالديه ولجميع أمة الإجابة، آمين.» وقال المؤلف في ختام الكتاب: «… حتى أتاهم هادم اللذَّات ومفرِّق الجماعات، فسبحان مَن لا يزول مُلْكُه، ولا يُعزل سلطانه، العزيز الذي لا يَذِلُّ مَن استعز به، ولا يَخِيب مَن دعاه، ولم أُسَمِّ هذا الكتاب بهذا الاسم إلا قصدًا باشتياق كل مَن سمع اسمه أن يَطَّلع على ما في باطنه … إلخ.»
      fig205
      غلاف الكتاب الأول.
    • الثاني: كتاب مطبوع عام ١٨٨٠ بالحجر، ٣٦ صفحة، كُتِب على غلافه: «نجاح السيد غندور وخيابة الأسطى طرطور والصنعة حكمت، للفاضل الأديب محمد عبد الفتاح المصري، عفا الله عنه، آمين.» — لاحظ اختلاف العنوان عند د. نجم — قال المؤلف في بدايته: «كان في غابر الأزمان وسالِف الدهر والأحيان شابٌّ من ذوي الحسب والنسب يُدعَى غندور … إلخ.»
      fig206
      غلاف الكتاب الثاني.

    والشاهد هنا أن صاحب هذين الكتابين هو «محمد عبد الفتاح المصري» — لاحظ كلمة المصري جيِّدًا — وهو أيضًا صاحب مسرحية «نزهة الأدب»، التي جاء على غلافها المنشور في ردِّ د. نجم أن اسم صاحبها «محمد عبد الفتاح المصري»، وهو صديق المسرحي «جمس» الإنجليزي!

    وأقصد من الاقتباسات السابقة أمرين: الأول أن يلاحظ القارئ أسلوب المؤلف؛ لأنه نفس أسلوب مقدمة وخاتمة مسرحية «نزهة الأدب»، كما جاء في ردِّ د. نجم، والذي وصفه بالركاكة الناتجة عن خلط العامية بالفصحى … إلخ! أما إذا عاد القارئ إلى الأسلوب الفصيح الراقي في مقدمة كتاب «تحفة أولي الألباب»؛ سيتَّضح له اختلاف المؤلِّفين! أما الأمر الآخَر، فرجاء للدكتور نجم بأن يتريَّث قبل نَشْر أيِّ نص لمحمد عبد الفتاح قبل أن يتأكد هل هو للمصري صديق جمس الإنجليزي، أم هو للشيخ صديق صنوع في فرنسا!

    ماذا بَقِيَ من أدلة أستاذي الجليل؟ … للأسف لا شيء! حتى قاصمة الظهر (الفاقرة)، ذهبتْ أدْرَاجَ الرياح! فقد حاول بكل وسيلة ممكنة أن يُثبِت أن الطالب الأزهري محمد عبد الفتاح المصري، صاحب مسرحية «نزهة الأدب»، صديق المسرحي «جمس» الإنجليزي، هو الأستاذ الشيخ محمد عبد الفتاح، مؤلِّف مسرحية «ليلى»، كما ذكر صنوع في كلماته المقدَّسة!

    ومن طرائف هذه المحاولات أنه وضع بقلمه كلمة «صنوع» ملاصقة لكلمة «جمس» رغم عدم وجود كلمة «صنوع» في النصوص الثابتة التي اعتمد عليها د. نجم! ومن الطرائف أيضًا أن مؤلِّف مسرحية «نزهة الأدب» قال في مقدمتها: «صديقنا جمس المعتبر الذي صنَّف من أعظم هذا الفن ما يزيد على اثني عشر.» ولعل أستاذنا لا يقرُّ بمصطلحات المجمع اللغوي، عندما عرَّف كلمة «صنَّف الكتاب» أي ألَّفه ورتَّبه! لأنه أراد أن تعني «مثَّله وأخرجه على خشبة المسرح، وعرضه على الجمهور»!

لذلك أقول له: التصنيف غير التمثيل، ونحن نبحث عن رائد مسرحي، كتب ومثَّل وأخرج وعرض على الجمهور … إلخ، أي قام بالعملية المسرحية في مجملها! ولكني ألْتَمِس له العُذْر؛ لأنه كان يجهل أن المقدِّمة تتحدَّث عن كاتب مسرحي إنجليزي، يُدعَى «جمس»! وطالما أنه إنجليزي … لماذا نهتمُّ به؟! ولماذا لم نهتمَّ بغيره من الأجانب ممن كانوا يعملون بالمسرح في مصر، منذ عام ١٨٦٩، أمثال: رانسي، دافيد جيليوم، أنريكو سانتيني، بند، جوت باياس، أنطون روزاتي، كونيانو ساباتينو … إلخ.

وآخِر طرائف أستاذي قوله عن مطبعة المسرحية: «المطبعة الكاستلية هي التي كانت تطبع صحيفة «أبو نظارة زرقا» في السنة التي صدرت في مصر»! ولا أعلم أين الدليل على مسرح صنوع، عندما نعلم أن مطبعة قامت بطبع مسرحية محمد عبد الفتاح عام ١٨٧٢، وبعد ذلك بست سنوات طبعت صحيفة صنوع عام ١٨٧٨!

١  هذه المقالة كتبتُها — ردًّا عَلَى مقالة د. محمد يوسف نجم السابقة — وسلَّمتُها إلى إدارة جريدة «أخبار الأدب» بعد عشرة أيام من نشر مقالة د. نجم. ولكن للأسف الشديد لم تنشرها الجريدة حتى الآن!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤