الفصل التاسع

العرس والميدان

خصت بلاد الشام بإقليم لا أعدل منه على وجه البسيطة، ساحلها من المنطقة الحارة ينبت فيه النخيل والصبر والبرتقال، ويقتني سكانه الإبل لحمل أثقالهم، وجبالها يكللها الثلج أكثر فصل الشتاء والربيع، وينبت فيها الأرز والبربريس، وتقيم فيها الدباب والأرنب، والبلاد بين بين الاعتدال بعينه لا ينبت نبات في المنطقة المعتدلة، إلا ويجود فيها التين والزيتون والكرم والتوت واللوز والجوز والمشمش والتفاح والليمون والرمان والصنوبر والسنديان والدلب والشربين والورد والياسمين. كل شجر مثمر وغير مثمر، وكل نبت مزهر وغير مزهر، فصول أربعة تتوالى في مواقيتها كأنها جارية على قواعد الحساب.

الخريف بوسميه يعد الأرض للزرع، والشتاء بمزنه يخترق طبقاتها، ويروي جذور أشجارها ويمد مياه ينابيعها ويفعم غدرانها وأنهارها، ويأتي الربيع بشآبيبه فيروي نباتها حتى يزهر ويثمر، ثم تمسك السماء عن المطر ستة أشهر متوالية بين الاعتدالين من أواسط الربيع إلى أواسط الصيف، فتنضج الأثمار وتتيسر الأعمال، وإذا ترفه المرء وأراد الابتعاد عن الساحل فلا أكثر من أن يسير ساعتين، فيصل مكانًا هواؤه عليل وماؤه نمير، كأنه انتقل من وادي النيل إلى جبال الألب.

ولكن مهما كثر الخير والمير في بلاد صغيرة كبلاد الشام لا تستوفي أسباب الحضارة ما لم يكن لأهلها بضاعة يتجرون بها، حتى يشتروا بثمنها ما لا يجدونه في بلادهم من الحاجيات والكماليات، فإذا كثر عندهم الحديد فقد ينقصهم النحاس، وإذا كثر الحرير فقد ينقصهم الكتان، وإذا كثرت الفضة فقد ينقصهم الذهب.

ولقد كان السوريون أهل تجارة من قديم الزمان، بل هم أول من ركب السفن وخاض البحار وضرب بالقوافل شرقًا وغربًا، وامتدت تجارتهم من الهند إلى إسبانيا على طول نصف الكرة الشرقي، وساروا بسفن سليمان إلى جنوبي أفريقية، وما ذلك إلا لأنهم وجدوا في بلادهم من البضائع ما تروج سوقه في سائر البلدان، وتقلبت الدول وكرت القرون بغيرها وأهالي الشام يسعدون ويشقون، ولكنهم لم ينفكوا عن التجارة برًّا وبحرًا، ومرت بهم سنون تشيب الولدان، وابتلوا بولاة كأنهم زبانية الحجيم، ولكنهم لم يفقدوا خصب أرضهم وكبر همتهم.

الزمن الذي حدثت فيه حوادث هذه الرواية سبق بقرون كلها ظلم وجور وإرهاق، تلتها فترة صغيرة ساد فيها الأمن الفترة التي استتب فيها الأمر للأمير بشير الشهابي المعروف بالكبير، ثم لإبراهيم باشا ابن محمد علي باشا عزيز مصر، في هذه الفترة عاد الناس إلى زراعتهم وتجارتهم فنقبوا أراضي الساحل وزرعوا فيها التوت، وربوا دود الحرير وبعثوا به إلى فرنسا، فتدفقت عليهم ميازيب النضار.

رجل واحد من أهالي عمشيت لا من الأمراء ولا من المشايخ كسب من تجارة الحرير ما استطاع أن يوفي به الأموال الأميرية عن بلاد البترون وبلاد جبيل وبلاد الفتوح دفعة واحدة. هذا الرجل، واسمه ميخائيل طوبيا، أقام في عمشيت قريته، وجعل يشتري الحرير من أهالي البلاد المجاورة ويرسله إلى مرسيليا وبلغ من علو همته أنه كان يملي على خمسة من الكتاب في وقت واحد كأنه نبوليون الأول، ولا يستطيع الإنسان أن يدبر الأعمال الكبيرة إلا إذا كان كبير الهمة.

واقتنى غيره قوافل من الجمال أو البغال لنقل بضائع المشرق الأقصى من العراق إلى دمشق، ومنها إلى ساحل بيروت، وحمل بضائع أوروبا إلى داخلية البلاد لنقلها إلى المشرق الأقصى، فلا تمر بك ليلة إلا وتسمع غناء المكارين يحدون لجمالهم، وأجراس بغالهم تحيي ظلمة الليل وتطرب آذان النيام، فتتدفق ينابيع النضار على جانب كبير من السكان، خلة جرى عليها أهالي الشام من عهد الفينيقيين، واستمروا عليها أكثر من ثلاثة آلاف عام، يسعدون بها آونة ويشقون أخرى، والدهر في الناس قلَّب.

وكان أمراء لبنان قد ذاقوا لذة الراحة بعد طول الكفاح، وباروا الفلاحين وسبقوهم في زرع التوت وتربية دود الحرير، فصارت مزارعهم في البقاع تأتيهم بما يحتاجون إليه من الحبوب، وحراجهم في الجبل تسوم فيها قطعانهم ومواشيهم، وبساتينهم في الساحل يربى فيها الدود ويعصر منها الزيت، فتمتعوا برفاه العيش، وظهر ذلك في أعراسهم ومآتمهم.

وكانت الأميرة صفا مخطوبة للأمير قاسم من أمراء الحدث، وجاء الوقت المعين للاحتفال بزفافها إليه، فجاءها التجار والصاغة من بيروت بالأطالس، والمقصبات الحلبية، والحلى المختلفة من عقود، وقلائد، وخواتم، وأساور، وأقراط، وضفائر مرصعة باللؤلؤ، والماس والياقوت. وأهدى العريس إليها هدايا فاخرة من أنسجة دمشق ودير القمر ومصوغات بيروت وصيداء.

وجاء اليوم الموعود للخروج بموكب العروس من كفر شيما إلى الحدث، وهو يوم أحد قبل الصوم الكبير، وكانت الأميرة جلنار أم الأمير قاسم تخاف أن يكون يوم العرس يومًا مطيرًا، فنذرت لمار أنطونيوس أنه إذا كان اليوم صحوًا تصنع له إكليلًا من الذهب وتعلق أمامه قنديلًا من الفضة، وعلم المطران بنذرها فلما انحبس المطر من أول الأسبوع وغابت الشمس يوم السبت تحيط بها غيوم حمراء، خاف أن يأتي الأمر على غير ما يود، ولكن أصبح الصباح يوم الأحد ولا غيم في السماء ولا ضباب في الجو، وفاضت أشعة الغزالة على ربى لبنان وانتشرت على ساحل بيروت:

وفاخر بحر الروم لون سمائه
وسارت جواريه عليها المطارف
وسالت على الكثبان غدران عسجد
من الشمس فيها الظل غرثان وارف
وساحل بيروت الخصيب ونهرها
وتلك الروابي والقرى والصفاصف
بساط وسيف والنهود ولؤلؤ
نضيد على صدر الربى متراصف

وكان الأمراء آل شهاب وآل أبي اللمع قد وفدوا إلى الحدث من جهات مختلفة، أتي كل منهم بموكبه من الخدم والحشم، فلم تعد تسمع إلا صهيل الخيل، وإطلاق البنادق، وأصوات الطبول والدفوف والزمور، وكلما وصل وفد منهم قوبل بالأغاني والزغاريد وقماقم العطر ومجامر البخور، واجتمع أولاد القرية ووقفوا عن كثب مبهوتين مدهوشين، والسعيد منهم من أعطي فرسًا ليمشي به، أما آباؤهم فقاموا على خدمة الضيوف والأتباع كأنهم كلهم من خدم الأمير.

وقام الأمراء في الصباح واعتلوا صهوات خيولهم، فتألف من ذلك موكب كبير يأخذ الطرف مهابة وجلالًا. سارت في مقدمته الأميرة جلنار أم الأمير قاسم على جواد أشهب يتهادى بما عليه من الحلى، وإلى جانبيها اثنان من خواص أهل القرية ماسكان بركابها، ووراءها سائر الأمراء، وأمامهم وخلفهم خلق كثير فيه المغنون والمطبلون والمزمرون، وسار هذا الموكب الهوينى، وكلما مر ببيت قابلته نساؤه بالزغاريد وقماقم ماء الود إلى أن خرجوا من بين البيوت، وساروا في الأرض البراح بين الحدث وكفر شيما، وكان الماء قليلًا في نهر الغدير فقطعوه، ولقوا هناك وفدًا من كفر شيما آتيًا لاستقبالهم والترحيب بهم، فتصافحوا وهم على ظهور الجياد، وأكثر رجالهم من إطلاق البنادق، ثم نصب الميدان في سهل فسيح على ضفة الغدير، فانقسم الأمراء فريقين وجعلوا يترامون بالجريد؛ يهجم الفارس منهم والجريدة في يده ويرمي بها خصمه فتخرج كالشهاب الثاقب؛ لأن زخم الفرس يضاف إلى قوة الساعد، ويراها الخصم مقبلة إليه، فيحيد من طريقها أو يغطس تحت بطن جواده أو يستلقيها بيده أو يدفعها عنه بجريدة أخرى، والفتيان من القريتين يجولون في الميدان، وكلما وقعت جريدة التقطوها وأعطوها لفارس من الفرسان، وظل أولئك الأمراء في كر وفر وهجوم ودفاع إلى أن تصببت جباههم عرقًا وسبحت جيادهم في عرقها، وإذا بفتى يصرخ ويقول: أخ يا عيني يا أمي. كان هذا الشاب يلتقط الجريد فأصابته جريدة ذهبت بعينه، فالتف عليه غيره من الفتيان، وأتوا به إلى الأمير الذي ضربه، وقالوا له: انظر يا سيدي، عبدك فلان طارت عينه. فقال: اربطوها له. ثم نادى وكيله وقال له: أرسل إلى هذا المسكين كيس غلة وخمسمائة غرش. فتقدم أبو الفتى وقبل يد الأمير ودعا له بطول العمر، ومن يهن يسهل الهوان عليه!

وكان الأمير أحمد أرسلان في جملة المدعوين إلى هذا العرس، وذكره للسر هنري بدمونت في إحدى خطراته إلى بيروت فود السر هنري أن يكون حاضرًا ليشهد الميدان ولعب الجريد، فدعاه الأمير أحمد إلى الحضور، وكان يعلم أن الميدان سينصب على ضفة الغدير، فوافاه السر هنري إلى كفر شيما، وسارا مع أمرائها الذين لاقوا أمراء الحدث، ووقفا يريان الفرسان تكر وتفر، ولم يشتركا معهم، وحاول كثيرون إغراء الأمير أحمد بالنزول إلى الميدان، فلم ينزل معتذرًا بوجود السر هنري معه، وهو في الباطن يخشى حدوث ما لا يرضاه؛ لأن الأحقاد الكامنة بين النصارى والدروز كانت قد أخذت في الظهور، وتطاول أحد الفتيان عليه ووجه جريدة إليه، وهو يقول: خذها يا أمير أحمد، ولا تقل إني غدرتك. فاستلقى الأمير أحمد الجريدة بمحجن كان في يده ولم يحذفه بها، وكان ابنا الأمير عباس أخوا الأميرة سلمى هناك فبادرا إلى الذي رمى الجريدة وتكلما معه؛ لأن أمهما أوجست شرًّا من حضور ابن أختها، فأوصت ابنيها أن لا يفارقاه، وقالت لهما: إن العيون محمرة فلا تدعا ابن خالتكما وحده.

ولما انتهى الميدان وأصيب الفتى بجريدة فقأت عينه، قال بعض الحضور: إن هذا الأمير الإفرنجي لا بد وأن يكون عارفًا بالطب. فأتوا بالفتى إليه فنظر وإذا العين قد فقئت تمامًا، فقال للأمير أحمد: لا أرى أن رد النظر إليها في الإمكان، ولكن يجب أن تعالج لكيلا تلتهب، ويمتد الالتهاب إلى أختها. ثم نزع ورقة من جيبه، وكتب له سطرين إلى طبيب في بيروت ليذهب إليه بها، فأخذها الفتى وقبل يده.

ثم سار الموكب في طريقه كأن عين ذلك الفتى ذبابة كانت على رأسه فأطارتها الجريدة عنها! حتى إذا بلغ الموكب دار العروس في كفر شيما علت الزغاريد، وطلقات البنادق وأصوات الطبول والزمور، وبادر رجال القرية إلى استلام الخيول والمشي بها، وتصافح الأمراء ودخلت أم العريس واعتنقت كنتها، ثم قدمت القهوة والشبقات، ومدت أسمطة الطعام من الخرفان المحمرة والديوك المقمرة والرز المفلفل والألبان والأسماك وأنواع الحلوى، ولما فرغ الأمراء من الطعام جلس الأهالي والأتباع أفواجًا أفواجًا، حتى إذا امتلأت الخواصر وفرغت الجفان انتظم الموكب ثانية، وقامت العروس فودعتها الأميرة سلمى وكاد يغمى عليها، واعتنقتها الأميرة هند وهي تبكي؛ لأنها ربتها بعد وفاة أمها فكانت مثل أم لها وودعها أبوها وزوجته؛ لأنه كان قد تزوج بعد وفاة أمها، فخنقت العبرات الأميرة صفا، لا سيما وأنها تذكرت أمها وشعرت حينئذ باليتم شعورًا أليمًا لم يخامر قلبها من قبل.

ثم أركبوها وساروا بها الهوينى وهم ينشدون الأناشيد ويطبلون ويزمرون، إلى أن وصلوا إلى دار العريس، فقام المطران ولفيف الكهنة بصلاة الإكليل، ووزعت الهدايا من أكياس القصب ومناديل الحرير ومدت أسمطة الطعام، وزينت الدار وما حولها تلك الليلة وأطلقت فيها السهام النارية.

وبينما الناس في لهو وطرب يغنون ويزمرون ويطلقون السهام فتشق عنان السماء، علت الجلبة والضوضاء وهجم القوم بعضهم على بعض حتى اختلط الحابل بالنابل؛ فإن شابًّا كان يطلق سهمًا فأصاب فتى من أولاد الأمراء في رأسه فوقع صريعًا، وظن أبوه أن السهم أرداه، فاستل سيفه وضرب الشاب به فانتصر له رفاقه وهجموا على الأمير، وهجم أعوانه عليهم، وعلا الصياح حتى اختلط الجمع كله اختلاطًا، وخرج العريس ومن معه، وخرج النساء أيضًا وتركن العروس في حجلتها، وكان الظلام حالكًا خارج البيت إلا حيث توقد المشاعل، فتركها الرجال الموكلون بها واختلطوا بالغوغاء، ومضت ساعتان من الزمان، وذلك الجمع كالبحر الزاخر، ثم خمد الهيجان رويدًا رويدًا، فانجلى عن كثيرين من الجرحى والعريس في جملتهم، فإنه أصيب بعصى شدخت رأسه فعادوا به إلى داخل الدار، ولكنهم فتشوا عن العروس فلم يجدوها، وتناقل النساء هذا الخبر وبلغ الرجال فجعلوا يفتشون في جوانب البيت وغرفه، وعادت الضوضاء ومضت ساعتان في التفتيش على غير جدوى.

وتضاربت الأقوال حينئذ فمن قائل: إن الجن خطفت العروس بحلاها. ومن قائل: إن أميرًا آخر يحبها وتحبه، ولكن أباها أبى تزويجها منه فأرسل أتباعه اختطفوها، وهم الذين صوبوا السهم إلى ذلك الفتى لكي يقلقوا الجمع فيلهوا عنهم. ومن قائل: إنها كانت تريد أن تترهب ولكن أباها منعها من ذلك وأبى إلا تزويجها، فبعث الراهبات من اختطفها. لكن الأكثرين كذبوا هذا القول الأخير إجلالًا للراهبات عن هذا الفعل المنكر، وكيفما كانت الحال فإن التفتيش استمر إلى الصباح ولم توجد العروس، ولا وجد أثر لها، وقام في نفوس الأكثرين أن الجن اختطفوها.

•••

وجلست الأميرة هند مع ابنتها تلك الليلة وقالت لها: لا أدري لماذا أشعر بضيق في صدري على فراق صفا، مع أن حماتها تحبها كما تحب الأم ابنتها، وقاسم من نخبة الشبان، نعم إنه لا يقاس بأحمد، ولكنه أفضل من كل أولاد عمه، هل رأيت أحمد بين الحضور هو والأمير الإنكليزي؟ يظهر لي أن أحمد تغير كثيرًا في هذين الشهرين فصار قليل الكلام كثير التفكير.

فقالت الأميرة سلمى: ألم تسمعي ما قال أبي؟ إنهم يطبخون لنا طبخة ويدبرون مهلكًا!

فقالت أمها: إن أحمد أعقل من أن يغتر بنفسه، فإن بلاد كسروان كلها قائمة قاعدة، وفرنسا معنا، والإنكليز لا يساعدونهم ولو تظاهروا بمساعدتهم، إن كل أحد يقول الآن إن هذا الأمير الإنكليزي جاء مع أحمد؛ لأنه حليف له، مع أنه جاء لكي يشاهد العرس والميدان لا غير، كما قال لي أحمد نفسه، وقد أوصيت أخويك أن لا يفارقاهما خوفًا من أمر يحدث، إن أحمد من أعقل الشبان وهو يحبك جدًّا، وقد قال لي بالأمس إنك ما عدت تلتفتين إليه.

فصمتت الأميرة سلمى ولم تقل شيئًا، وانتهى الحديث على هذه الصورة، ولكن لما خلعت ثيابها لتنام فكرت طويلًا في أمر يشغل بالها، وذرفت دمعتين سخينتين ثم ألقت رأسها على وسادتها، وسلمت نفسها لسلطان الكرى وهي لا تعلم شيئًا مما جرى لابنة عمها.

•••

وعاد السر هنري إلى بيروت تلك الليلة، وجلس بعد العشاء يكتب لأمه، فوصف لها ما رآه في يومه، وصف الميدان ولعب الجريد وتهادي الجياد العربية بما عليها من الحلى، وملابس الأمراء المقصبة، وأشار إلى الفتى الذي فقئت عينه، وعجب من رضوخ الناس للذل واعتقادهم القضاء والقدر، ثم وصف ما رآه في بيت العروس وأسهب في وصف المآكل وجلوس الأمراء حول السماط على المساند، وانتقل إلى وصف الأميرات وملابسهن وحلاهن، وكان قد رأى الأميرة سلمى واقفة إلى جانب ابنة عمها الأميرة صفا كأنهما بدران أو لؤلؤتان، فلما شرع في وصفهما ارتجف القلم في يده وأُرتج عليه، فكتب يقول: أخاف أن أصف لك جمال هاتين الأميرتين، فتطَّلع إفلين على كتابي وتقول إني نسيتها حتى صرت أرى غيرها جميلًا مثلها، الجمال الشرقي غير الجمال الغربي، الجمال الشرقي مسلح والجمال الغربي أعزل، تنظر الفتاة الشرقية إليك بعينيها، فتشعرين كأنها راشت سهامها ورشقتك بها، أما الفتاة الغربية فترين في زرقة عينيها كأسًا سائغة تودين ارتشافها، ثم قال: لم أهتدِ حتى الآن إلى المغارة، ولكن بلغني اليوم أنهم عثروا على مغارة قرب الشويفات فيها أسلحة قديمة، وسأمضي إلى هناك في هذين اليومين، إذا وجدت رفات جدي والوثيقة، فسأسمِّي نفسي أمير لبنان، وآتي بإفلين إلى هنا فتكون أميرة لبنان، هذه أحلام أهدس بها أحيانًا، ولكن قلبي يحدثني أن إفلين نسيتني؛ أنساها إياي اللورد كارو الذي كتبت لي عنه، أخبريني عن كل ما قاله لها بالتفصيل، وعن مقام هذا اللورد بين قومه، فإنني لا أعرفه.

ثم ذكر لها أمورًا أخرى عن أحوال الجبل وثورة الأفكار فيه، وختم الكتاب وهو يود الرجوع إلى وصف الأميرة سلمى وقلمه لا يطاوعه، كأنه يرى حرمًا حُظر عليه الدنو منه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤