تاريخ القرون الوسطى

إغارة أمم الجرمان

كانت أمم الجرمان تسكن جرمانيا (البلد الذي يُسمى في أيامنا هذه ألمانيا)، وكانت أناس هاتيك الأمم همجًا أميين لا يقرءون ولا يكتبون، ولا يعرفون التصوير ولا النقش، ولا يدرون كيفية تشييد المدن، لكنهم كانوا يحرثون الأرض، ويعتنون بتربية الأنعام، وكانوا يسكنون بيوتًا من الخشب في الخلاء، وكانوا يَصبُون دائمًا إلى المضاربة، وكثيرًا ما كانوا ينصبون لبعضهم أشراك المكافحة؛ حيث إنهم كانوا منقسمين إلى أمم صغيرة بينها البغضاء دائمًا.

وكثيرٌ منهم كان يذهب فرقًا؛ ليبحثوا عن ثروة ينالونها، ولما ذهب أولئك الأقوام إلى مملكة الرومانيين، وأرادوا أن يسلبوا مدنها، قامت جيوشها ضدهم، ومنعوهم عن الذهاب بعيدًا.

إغارة أمم الجوت

إن هذه الأمم كانت منقسمة إلى قسمين؛ قسمٌ يُقال له «ويزيجوت»، وآخر يُسمى «أوستروجوت»، وكانت هاته الأقوام من أمم الجرمان. ففي سنة ثلاثٍ وسبعين وثلاثمائة كانوا هاجروا من ديارهم يبغون النجاة من أقوام يقال لهم «الهون» الذين هم أناسٌ همجٌ متوحشون، كانوا أتوا من آسيا، ودمروا كلَّ ما لاقوه أمامهم، ثم دخلوا مملكة الرومانيين، فلما رأى ذلك الإمبراطرة أقاموا الحرب ضدهم، وأَذَلُّوهم وقادوهم بزمام الاحتقار، وقيَّدوهم بقيد الذل، وجعلوهم خدمًا لهم، ولكن «آلارك» ملك «الويزيجوت» ثار، فأخذ رومة وسلب ما فيها، والملك الذي خلفه ذهب مع أمته، وأقام في جنوب «فرنسا» وشمائل «أسبانيا».

إغارة أمتَي البورجوند والفندال

لما أرادَت الإمبراطرة أن تحامي عن إيطاليا وتدفع عنها العدو، أحضرت عساكر الرومانيين من الجول (أي غالة «فرنسا»)، وعند ذاك أصبح نهر «الران» خاليًا من العساكر يمكن العبور فيه بسهولة، فلما رأت ذلك أمتان من الجرمان انتهزتا الفرصة في الدخول في بلاد «الجول»، فإحداهما وهي المدعوَّة بأمة «البورجوند» أقامت في وادي نهر السون وفي إقليم سلسلة جبال «الجورا».

والأخرى وهي المدعوة «بالفندال» عبرت جميع بلاد «الجول»، ثم جميع «أسبانيا»، وفتحت البلاد التي تسمى في أيامنا هذه «تونس والجزائر»، وكانت تُدَمِّر الأبنية التي تمرُّ عليها، وتذبح القُسُس، ولكن دولتهم لم تَقُم زمنًا طويلًا؛ إذ إن «جيستنيان» إمبراطور القسطنطينية نزع من أيديهم البلاد التي كانوا استولوا عليها من أفريقيا في سنة أربعٍ وثلاثين وخمسمائة.

إغارة الإفرنج

كانت الإفرنج في بادئ بدء قاطنة ﺑ «بلجيكا» منقسمة إلى جماعات؛ لأن إمبراطرة الرومانيين أذنوا لهم بالدخول في هذا البلد التي كانت في ذاك الوقت قاعًا صفصفًا ما بها أحد، واستخدمتهم الإمبراطرة، ثم قام رئيس إحدى الجماعات المدعو «كلوفيس» وبذل ما في وسعه حتى صار الإمبراطرة ملكًا على جميع الإفرنج، وفتح جميع «الجول» التي أصبحت من ذلك الحين تدعى بمملكة الإفرنج.

إغارة الأنجلوساكسون

كانت إنكلترا تُسمى يوم ذاك بريطانيا، وهي كانت تابعة الإمبراطرة الرومانيين، ولكن لما سحبت الإمبراطرة جنودها منها، وأصبحت سكانها لا تدري كيف تدافع عن نفسها من أهل «ائكوس»، ولحقها الخبال، استعانت «بالساكسون» الذين كانوا من «الجرمان»، فهؤلاء أتوا من جرمانيا راكبين سفنهم مع عائلاتهم، وأقاموا في جنوب إنكلترا، وبعدما توطَّنوا فيها ذبحوا السكان الذين دعوهم من بلادهم في سنة خمسٍ وأربعمائة.

ثم أتى قوم من بلاد «دانيمركا» يقال لهم «إنجل» من أقوام الجرمان أيضًا، وفعلوا مثل ما فعل أوائلهم. وفي القرن السادس وجد في البلد أربع ممالك من «الساكسون» في الجنوب، وثلاث ممالك من «الإنجل» في الشمال، ومن ذاك الوقت سميت البلد بإنكلترا أي (أرض الإنجل).

إغارة الأوستروجوت واللومبار

كانت أمة الأوستروجوت توطَّنت بإيطاليا في سنة تسعٍ وثمانين وأربعمائة، وأسَّست فيها مملكة سمَّتها باسمها، و«تيودوريك» ملكهم الذي حكم من سنة تسعٍ وثمانين وأربعمائة إلى سنة ستٍّ وعشرين وخمسمائة كان مسالمًا للرومانيين، وحكم إيطاليا مثل ما حكمتها الإمبراطرة القدماء تقريبًا، ثم «جسيتنيان» إمبراطور القسطنطينية بعث جيشًا استولى على إيطاليا في سنة أربعٍ وخمسين وخمسمائة، ولكن بعد قليل عبرت «اللومبار» (الذين هم من أمم الجرمان أيضًا) سلسلة جبال الألب في سنة ثمانٍ وستين وخمسمائة، وأقامت في وادي نهر «البو»، وكونت مملكة سمتها باسمها، ويطلقون لفظ لومباردي أيضًا على جزء من وادي نهر «البو».

نتائج الإغارات

إن الإغارات مكثت هكذا نحو مائتي سنة تقريبًا وحصل منها انقلاب عظيم؛ إذ قبل الإغارات كان يوجد مملكة واحدة رومانية، ولكن بعدها وجدت جملة ممالك بربرية.

وفي هذه الممالك كان يوجد نوعان من السكان: النوع الأول «أمم الجرمان» الآتية مع الملك، والنوع الثاني رعايا الإمبراطرة المقيمة في البلدة التي كانت تدعى بالرومانيين. وعاش كلٌّ من النوعين مع الآخر، وصارت الجرمان متمدنة نوعًا، وقَلَّ توحُّشُها عن الأول، وشمَّت عَرف التمدن، وأما الرومانيون فإنهم ضلُّوا عن سبيل التمدُّن فأصبحوا لا يُهيِّئُون الطرق، ولا يُقيمون الآثار، وقطعوا أسباب التعلُّم، وفصموا عرى التقدم، وظلت البلدة لا يُكترث بأمر زراعتها، حتى إن الأجمات والعواسج غطَّت جزأً عظيمًا منها.

الملخص

  • أولًا: كانت الجرمان أممًا وحشية تسكن ألمانيا، وكثير منهم كان يرحل إلى مملكة الرومانيين؛ ليبحث عن ثروة ينالها.
  • ثانيًا: هربت أمة «الجوت» من أمة «الهون»، ودخلت في المملكة من سنة خمسٍ وسبعين وثلاثمائة، وخدمت الإمبراطرة أولًا، ثم استولت على رومة وأسست مملكة الويزيجوت في «أسبانيا».
  • ثالثًا: لما وجدت أمة «البورجوند» و«الفندال» أن وادي نهر «الران» ليس محميًّا بالجنود، دخلتا في بلاد «الجول» في سنة ستٍّ وأربعمائة، وأسست أمة البورجوند مملكة في «برجونيا»، وأقامت «الفندال» مملكة بأفريقيا.
  • رابعًا: إن الإفرنج المقيمين ببلجيكا صاروا أكابر «الجول» وهم تحت سلطة الملك «كلوفيس»، ومن ذاك اليوم سميت «الجول» بمملكة الإفرنج.
  • خامسًا: إن أُمَّتَي «الساكسون» و«الإنجل» دخلتا في بريطانيا العظمى بعدما تركها الإمبراطرة، وأسستا فيها ستَّ ممالك، وعندئذٍ سميت بإنكلترا إلى وقتنا هذا.
  • سادسًا: إن الأوستروجوت كانوا أسَّسوا مملكة في إيطاليا، وصاروا أقوياء أشداء وهم تحت سلطة «تيودوريك»، ثم خلفهم أمة اللومبار في سنة ثمانٍ وستين وخمسمائة.
  • سابعًا: مكثت إغارات البرابرة نحو القرنين، وبسببها تكونت جملة ممالك نصفها رومانيٌّ ونصفها بربريٌّ، وأقل تمدنًا من مملكة الرومانيين القديمة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤