مقدمة

الحمد لله المُوفِّق لكل عمل صالح، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء؛ أما بعد، فهذه قصة تاريخية حاولتُ أن أعرض في فصولها ما جرى في مصر والشام من أحداث في الفترة بين سنتَي ٥٥٨ و٥٦٩ﻫ، وقد انتهت هذه الأحداث بالقضاء على دولة مَجيدة — ظلَّت تحكم القُطرَين الشقيقين مُستقِلة مُدة قرنين من الزمان، وهي الدولة الفاطمية — وقيام دولة جديدة مَجيدة أيضًا هي دولة بني أيوب.

وأنا بهذه المُحاوَلة أُحقِّق رغبة خاصة كانت ولا تزال تتردَّد في نفسي كلما جلست إلى مَراجع تاريخنا القديمة بأسانيدها وأساليبها وخطوطها المُتعثِّرة الباهتة — إن كانت مخطوطة — وورقها الأصفر وطبعاتها الكليلة — إن كانت مطبوعة — كنت إذا خلوت إلى هذه الكتب القيِّمة دمغتْني صُوَر الماضي الجميلة إليها فعشت في تلك العصور الغابرة المَليئة بصفحات المَجد وتجارب الإنسان، وصُوَر البطولة وعِبر الزمان؛ فإذا جلست إلى تلاميذي أُحدِّثهم عن هذا التاريخ، وأروي لهم أحداثه، وأُغريهم بقراءة مَراجعه، وجدت منهم صدودًا عنها، وصدوفًا عن السعي إليها، والاستمتاع بقراءتها، واستخلاص الحقيقة من بين ثناياها.

لهذا كنت أُعلِّل النفس بالآمال؛ إن هذا التاريخ لو استُخلص من هذه المخطوطات، ونفضْنا عنه ما يتعلَّق به من أسانيد واستطرادات وعرضناه على شبابنا عرضًا قصصيًّا جذابًا، إذن لوَجد طريقه إلى نفوسهم سهلة ميسورة، وإذن لأثَّر فيهم أثرًا طيبًا فأحيا هِممهم، وشحَذ عزائمهم، وزوَّدهم بتجارب غالية ثمينة، تُفيدهم الفائدة كلها وهم يضطربون في هذا العصر القلِق يبنون لأنفسهم وللعرب أسُس النهضة الجديدة والمَجد الجديد.

وهذه القصة هي المُحاوَلة الأولى لتحقيق هذه الرغبة التي كانت تضطرم في نفسي — ولعلها تضطرم في نفوس الكثيرين غيري — أرجو أن أكون قد وُفِّقت فيها بعض التوفيق، وإلا فالخير أردتُ، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكَّلت، وإليه أُنيب.

جمال الدين الشيال
الإسكندرية ٧ جمادى الآخرة ١٣٦٦ / ٢٨ إبريل سنة ١٩٤٧

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤