الفصل الثاني

الإقناع

عندما أقول الحقيقة، فإن هذا ليس من أجل إقناع الذين لا يعرفونها، بل لأجل الدفاع عمَّن يعرفونها.

ويليام بليك

هذا الفصل الذي يتحدَّث عن الإقناع ليس فصلًا طويلًا؛ لأنه في الواقع متابَعةٌ مُوجَزةٌ للفصل السابق واستهلالٌ لباقي الكتاب، الذي يدور كله حول الإقناع وطريقة إنجاحه. يرمي هدفي من هذا الفصل إلى إظهار وجود بعض الاختلافات بين الإقناع والتلاعب، لكنها في الأغلب تكون نوايا داخلية؛ نواياك أنت الداخلية. عليك أن تتخذ قرارًا — قبل أن تُقنِع أيَّ شخص بأي شيء — بشأن ما إذا كان ما تقوم به منطقيًّا وأخلاقيًّا وقانونيًّا وأدبيًّا. إذا كانت الإجابة عن أحد هذه المعايير فقط بالنفي، فعليك إذن ألَّا تفعل ذلك.

عندما يُنفَّذ الإقناع على نحو صائب يكون أمرًا جميلًا؛ فهو يكون أشبه بمشاهدة عرض باليه منظم بعناية؛ فكل جزء من العملية يكون فريدًا في حد ذاته، ومع ذلك يكون بالضرورة جزءًا من كل جزء آخَر.

يرتبط الإقناع ارتباطًا وثيقًا بالتلاعُب لدرجةٍ يصعب معها على الناس عادةً التمييزُ بينهما. ولا بد من توافُر معظم عناصر التلاعب حتى تنجح عملية الإقناع، لكن الفرق الأساسي هو نية الشخص الذي يحاوِل الإقناع.

تحدَّثنا في الفصل الأول عن تجربة شراء سيارة مستعملة سيئة، ومع ذلك، فقد كانت لمعظمنا أيضًا تجربة طيبة مع شراء سيارة. في هذه التجربة الجيدة كان الشخص الذي يبيع لك السيارةَ مهتمًّا بالفعل بمساعدتك في تلبية احتياجاتك تمامًا مثل اهتمامك بتحقيقها.

سنتعرَّف فيما بعدُ على معادلة الإقناع، التي توضِّح الطريقةَ التي تربط بها كافةَ عناصر الإقناع معًا بتماسُك من أجل تحقيق نتيجة متوقَّعة في كل مرة تُقدِم فيها على الحصول على ما تريد.

إن الإقناع الجيد فنٌّ يُتقَن بالممارسة، فهو كالرقصة المنظمة بينك وبين الشخص الذي تقنعه، ويتطلَّب هذا التنظيم فهْمَ احتياجاتِ الشخص الذي تقنعه ورغباتِه الحقيقية، وفهْمَ معاييره في اتخاذ إجراءٍ ما، وأخيرًا تقديم المعلومات بطريقةٍ تناسب رغباته المشار إليها.

يُمضِي المتلاعِبون وقتًا طويلًا في بناء مظهر خارجيٍّ زائف، لكنَّ المقنعين يبنون سمةً شخصية، وهي جزء من شخصيتهم يشكِّلونه بعناية تسمح لهم بالتفاعل مع الآخرين من موقع قوةٍ وتأثيرٍ. إن سمات الشخصية المقنعة جزءٌ مقبول من هوية الشخص، وينمِّي الأفراد هذا الجزءَ بنشاط ووعي بهدف الحصول على المزيد ممَّا يريدون بسرعةٍ وعلى نحوٍ أخلاقي، في أي موقف.

يتمتع أفضل المقنعين بفضول فطري بشأن العالَمِ من حولهم والأفرادِ الذين يتفاعلون معهم؛ فهم يريدون معرفةَ القوى المحركة للآخَرين؛ ويهتمون برغباتِ الشخص الذي يقنعونه وأحلامِه وأهدافِه من أجل استخدامها — بالطبع — في التأثير عليه، ولكنهم أيضًا يستخدمونها بالمثل في تكوين علاقةٍ طويلةِ الأمد قائمةٍ على الاحترام المتبادَل. يتعلق الإقناع بمعرفة ما يحتاج إليه الشخص الآخَر على المستوى المادي (المُنتَج)، وعلى المستوى الشعوري، وسبب احتياجاته تلك، بقدر ما يتعلَّق بتقديم المنتج أو الخدمة المناسبة بسعر مناسب؛ فعادةً يتفوَّق على أفضل المنتجات أو الخدمات المطروحة بأفضل الأسعار المقدَّمة بأسوأ الطرق، منتجٌ أو سعرٌ أسوأ مقدَّم بأسلوب مقنِع.

مع هذا فإن الإقناع لا يتعلق فقط بالبيع، وإنما أيضًا بالحصول على الموافقة والدعم. إنه يتعلَّق بالتوصل إلى أرضية مشتركة يمكن لشخصين أو أكثر التلاقي عليها في الفكر والمعتقد. يوجد الإقناع فعليًّا في كل مجال من مجالات الحياة، بدايةً مما تتناوله على الإفطار حتى مَن يحضِّره لك كل صباح. ففي الواقع، يقتضي كل جانب من جوانب حياتنا إقناع شخصٍ ما — حتى أنفسنا — من أجل فعل الأمور التي نريد منه فعلها، حتى نستطيع الحصول على مزيدٍ مما نريد.

إن الإقناع شكل من أشكال الفنون يتحسن بالممارسة؛ فما من أحدٍ يُولَد قادرًا على الإقناع بقوة (على الرغم من أنه في أثناء كتابتي لهذا الكلام أقنعَتْني ابنتي البالغة من العمر ١٠ أشهر، بالتوقُّف في منتصف الجملة وإعطائها ما تريد دون أن تنطق بكلمة واحدة). حتى تصبح مقنعًا مؤثرًا عليك أن تستغرق وقتًا في معرفة ما يجعل الناس يتخذون القرارات التي يتخذونها. لحسن الحظ عندما تنتهي من قراءة هذا الكتاب ستكون قد تعرَّفْتَ على كل ما تحتاج إلى معرفته حتى تصبح مؤثرًا في إقناعك في أي موقف؛ ومع هذا، فإن قراءة هذا الكتاب لن تكون كافيةً، فعليك أن تحلِّل عملية الإقناع التي تطبِّقها حاليًّا، وتحلِّل شخصيتك لترى المَواطِن التي يمكنك تحسينها. كذلك أنت بحاجة إلى تحديد في أية مرحلة في العملية تطبق كل مبدأ من المبادئ التي توشك على تعلُّمها. أخيرًا، أنت بحاجة إلى التدريب؛ فلا بد لك من اختبار إدخال أساليب أو أفكار معينة في عملية التقديم التي تستخدمها حاليًّا، ودراسة التغذية الراجعة من أجل فهم كيفية استخدامها بفاعلية أكبر من أجل الحصول على أسرع النتائج وأفضلها.

ملخص الفصل

  • يتعلَّق الإقناع بخلق بيئة تسمح لشخصين أو أكثر بالعثور على أرضية ومعتقد مشتركَيْن.

  • يتمثَّل ذلك الحد الدقيق الفاصل بين الإقناع والتلاعُب في النية.

  • كذلك فإن للدلالة دورًا كبيرًا في طريقة تفسير كلٍّ من الحدثَيْن؛ فعادةً ما تكون للإقناع دلالةٌ إيجابية للغاية بينما لا ينطبق هذا على التلاعُب.

أسئلة النجاح

  • ما هي معتقداتي الشخصية بشأن الفَرْق بين حالات الإقناع وحالات التلاعب؟

  • كيف أدت معتقداتي بشأن الاثنين إلى دعمي أو منعي حتى الآن؟

  • كيف يمكنني أن أصبح أكثر فضولًا بشأن العالَم من حولي، وأن أتحدى معتقداتي حتى أبني قاعدةً أوسع من المعرفة والخبرة أطلق منها حججي المقنعة؟

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤