الفصل الرابع

انتقال السلطة والمصداقية

إن كل المصداقية وكل الضمير المستيقظ وكل أدلة الحقيقة تأتي من الحواس فقط.

فريدريك نيتشه

إن لرفاقك والمؤيدين لك تأثيرًا قويًّا على قدرتك على الإقناع؛ فعندما يوصي رجل مثل دونالد ترامب بأحد المصرفيين أو مسئولي التطوير، فإن هذا الشخص نادرًا ما يُشكَّك فيه أو يُنتقَد؛ بسبب التأييد الضمني أو الصريح لترامب نفسه. كذلك يحكم الناس عليك بمَن تُرى بصحبتهم؛ سيكوِّن الناس عنك افتراضات مبنية على أصدقائك ورفاقك، يمكن أن تكون هذه الافتراضات قوية التأثير … أو شديدة التدمير، بناءً على مجموعة أصدقائك ورفاقك. على سبيل المثال: ربما تميل أكثر إلى التعامل مع أحد أعضاء منظمة تحسين الأعمال التجارية (بي بي بي) أو الغرفة التجارية لمجرد ما ترمز إليه هاتان المؤسستان، خاصةً إذا لم تكن لديك تجربةٌ مع فئة الشركة التي ستشتري منها المنتج أو الخدمة.

على كل شخص معنيٍّ بالإقناع أن يطوِّر من قدرته على اكتساب تكتُّل قوي من الأشخاص المستعدين لتزكيته، أو الانتماء إلى المجموعات أو المنظمات الصحيحة. انظر حولك الآن، يقال إن مدى أهميتك يتحدد عن طريق النظر إلى متوسط مدى أهمية أصدقائك المقربين. على النحو نفسه، فإن مدى أهمية إقناعك يمكن تحديده من خلال الأشخاص الذين تختار الاقترانَ بهم؛ فإذا كنتَ تَأْمُل في التفوق في عملية الإقناع، فلا بد أن تربطك علاقاتٌ نَشِطة بأكثر الأشخاص والمنظمات الذين يمكن الوصول إليهم إقناعًا، والذين تربطهم صلات وثيقة بمَن تحاول إقناعَهم. مع ذلك، فإن كونك جزءًا من مجموعةٍ ما أو التمتع بأصدقاء مؤثرين ليس كافيًا في حد ذاته؛ فلا بد أن تعمل بنشاط على تنمية تزكيتهم لك، سواء أكان هذا على نحو مباشر أم ضمنيٍّ.

(١) انتقال السلطة والمصداقية

يحدث انتقال السلطة كل يوم في عشرات المواقف؛ فأنت ترشِّح حلاقك لجارك، فيبدأ هو في التعامل مع هذا الحلاق، وكذلك عندما تريد الذهاب إلى أفضل طبيب في المدينة، فيكون لديك صديق ينصحك بطبيب جيد. كذلك عندما تريد الحصول على أفضل وظيفة، يكون لديك أفضل معارف يمكن الرجوع إليهم للسؤال عنك. في كلٍّ من الأمثلة السابقة حدث انتقال فعَّال للسلطة، بعضها أكثر صراحةً من الآخر، لكن في كل منها ساعَدَ شخصٌ ما غيرَه قائلًا بفاعلية: «أنت تستطيع الثقة في هذا الإنسان لأنني أقول لك هذا وأنت تثق بي.»

عندما كانت زوجتي حاملًا أردنا الذهاب إلى أفضل طبيب نساء وتوليد في المدينة، ولم يكن يقبل أي مرضى جدد، وكان ذلك أمرًا قاطعًا غير قابل للنقاش. كان ذلك الطبيب يعالج زوجة أحد أصدقائي المقربين — كانا قد رُزِقا لتوِّهما بطفل — ويعمل أيضًا مديرًا لحملة أحد أعضاء مجلس الشيوخ. عندما ذكرَتْ له زوجةُ صديقي أننا نريد بحق الذهاب إليه، أتاح لنا على الفور موعدًا ضمن جدول مواعيده. لماذا؟ ليس لأنه لم يكن لديه وقت لمزيد من المرضى، وإنما كان المتسع لديه فقط لنوعية المرضى التي يبحث عنها. ولأنه كان يعرف زوجة صديقي، كان سعيدًا للغاية بإتاحة موعد لنا. وقد مررنا بالعملية نفسها تقريبًا مع طبيب الأطفال.

(١-١) الانتقال الصريح للسلطة والمصداقية

تحدث حالات الانتقال الصريح للسلطة عادةً عندما يطلب شخصٌ ما من آخر أن يزكيه أو يضمنه بطريقةٍ ما. قد تحدث حالات الانتقال الصريح الأخرى عندما يقدمك شخص قابلته للتوِّ إلى أقرانه أو زملائه؛ فإن هذا الشخص يضع علاقته ومصداقيته على المحكِّ من أجل شخص يقدِّمه أو يزكِّيه.

في كثير من الأحيان، نفوِّت على أنفسنا فرصة الحصول على نقل صريح للسلطة بسبب خوفنا من أن نطلب ذلك، إلا أن هذا النقل البسيط للسلطة والمصداقية مني إليك يجعل الإقناع أكثر سهولةً وأكثر فاعليةً. من الأمثلة التي تنطبق أكثر على مجال الأعمال طلب الحصول على إحالات، وجعل الشخص الذي تريد منه إحالتك يقدِّمك بالفعل شخصيًّا أو عبر الهاتف، ويعبِّر عن تزكيته لك في هذا الوقت. الاحتمال الأكبر أن هذا الشخص الذي قُدِّمت له للتوِّ سيشتري منك بسبب علاقته بصديقه؛ المؤيِّد.

إحدى الجمعيات غير الربحية — التي عملت معها في الماضي — تطلب التبرعات من المنازل. جعلتهم يقومون بتغيير واحد بسيط في هذه العملية؛ فبدلًا من مجرد سؤال الناس عمَّن يريد المساعدة من جيرانهم، طلبت منهم أننا عندما نكون في طريقنا ذهابًا من منزل أحد الأشخاص إلى منزل جاره، نقوم بمجرد التلويح لهذا الشخص الأول حين يصلون إلى باب منزل جاره. زاد فعل التلويح البسيط هذا التبرعات بنسبة تفوق ١٥ في المائة. كان التأييد واضحًا، لكن لم تُنطَق كلمة واحدة. وقال الشخص الذي يطلب التبرع ببساطة لهذا الجار: «لقد جئتُ للتوِّ من منزل جارك، وقالوا إنك شخص من الرائع التحدث معه.»

خصِّصْ وقتًا الآن لكتابة قائمة بكل معارفك الذين يستطيعون مساعدتك في مواقف معينة يُطلَب منك الإقناع فيها باستمرار، واطلب منهم تقديمك على الأقل لشخص واحد تريد إقناعه. إذا قدَّموا لك تصديقًا صريحًا فإن هذا يكون أفضل، لكن إذا لم يفعلوا أو إذا لم يكونوا من عملائك في الوقت الحالي، فاجعلهم يتولَّوْن عمليةَ التقديم فقط. وبمجرد حدوث عملية التقديم يصبح الإقناع أسهل إلى حد كبير؛ فسيكوِّن مَن تريد إقناعهم افتراضات بشأنك وبشأن جدارتك في التعامل تجاريًّا معهم بناءً فقط على هذا التقديم. لكنِ احذرْ، فإنهم قد يعودون إلى الشخص الذي قدَّمك إليهم ويتأكدون من المعلومة. وتأكَّدْ من دقة ما تقوله بشأن علاقتك بهذا الشخص.

ثمة شكل آخَر من أشكال نقل السلطة عادةً ما يُغفَل وهو الشهادات؛ فعندما يخبر أحد المديرين التنفيذيين مديرًا تنفيذيًّا آخر في الشركة نفسها، بأن أحد الموردين أفضل من مورد آخر، فإن فرصة هذا المورد في الفوز بالتعامل التجاري تتحسن. ينطبق الأمر نفسه في حالة امتلاكك شهادات مكتوبة، أو إذا عرضتها على موقعك الإلكتروني، أو فيما تنشره من دعاية صوتية أو فيديو. إن حالات انتقال السلطة هذه تقضي على مخاوفي؛ إن سبب قلقي بشأن ما تخبرني به قد يكون أنني لا أعرفك، أو عدم تمتعي بخبرة في التعامل معك، لكن عندما يتقدم شخص آخَر مجازيًّا ويقول إنه يثق بك، أبدأ في الشعور بمزيد من الراحة. ومع كل شهادة إضافية أزداد شعورًا بالراحة.

أخيرًا، إذا تمكَّنْتَ من جعل الشخص الذي ينقل لك سلطته ومصداقيته صراحةً يُظهِر فعليًّا مدى نجاح شيءٍ ما خاصٍّ بك، أو يشارك نتيجةَ تجربته مع المُنتَجِ أو الخدمةِ التي تقدِّمها؛ فإن هذا يزيد من عملية الانتقال؛ فإنه فعليًّا لا يعطيك سلطته ومصداقيته فحسب، بل إنه في الواقع يؤدِّي عملية الإقناع بدلًا منك، وهذه أعلى درجات نقل السلطة والمصداقية.

(١-٢) الانتقال الضمني للسلطة والمصداقية

تحدث عمليات الانتقال الضمني للسلطة عندما يستمع الناس لما تقول بناءً على معتقداتهم بشأن الناس أو الأماكن أو الأحداث أو المؤسسات أو الخبرات المشتركة.

تتمتع المؤسسات التي تنتمي إليها بكثير من السلطة والمنزلة الرفيعة والثقة المرتبطة بها. تتمثل المؤسسات التي قد تكون قوية على وجه الخصوص في الجمعيات الأخوية (الماسونيين وإلك وشراينرز)، والمؤسسات التجارية (الغرفة التجارية، ومنظمة تحسين الأعمال التجارية بي بي بي، والغرفة التجارية الأمريكية الصغيرة، والروتاري، ومنظمة الرؤساء الشباب)، والمنظمات غير العلمانية (الكنائس، والمعابد، وجمعيات رجال الأعمال المسيحيين)، والجمعيات الخيرية (الصليب الأحمر الأمريكي، ومؤسسة ميك إيه ويش). فحتى المؤسسات غير الرسمية، مثل نيبورهود ووتش (حراسة الأحياء السكنية)، تتيح لك فرصة الاختلاط بأشخاص لديهم استعداد أكبر للاستماع إليك والوثوق بك بناءً على الخبرات المشتركة بينك وبينهم، أو الالتزام المشترك بمجموعة من الأفكار أو المبادئ. فعندما تتحدَّث إلى أشخاصٍ آخَرين داخل المؤسسة توجد الثقة بينكم لأنكم متشابهون، أما عندما تتحدث إلى أشخاص من خارج المؤسسة فتوجد درجة من الثقة بناءً على خبرتهم مع المؤسسة وفكرتهم عنها.

تحدث أشكال أخرى من انتقال السلطة والمصداقية عندما تكون موضع تغطية إعلامية، ولهذا السبب بصفتك مقنعًا لا بد أن تكون لديك خطة شخصية للعلاقات العامة. فمع بعض الحالات الاستثنائية الملحوظة، يؤمن الناس بما يرونه أو يقرءونه أو يسمعونه؛ بسبب وجود افتراض أنه إذا ظهر الخبر في الصحف أو الأخبار فإنه يكون صحيحًا بالضرورة. نستطيع كلنا ذِكْر العديد من المرات التي كانت فيها الأخبار غير صحيحة، ومع هذا نستمر في مشاهدتها وتصديقها. فنحن ننتبه أكثر إلى السيارات التي نراها تُعرَض في نشرات الأخبار، ونثق في المنتجات التي تُغطَّى إعلاميًّا. كذلك فإننا نثق بالأشخاص الذين ينتهي بهم الحال إلى الظهور في الأخبار، ونستمع إليهم لأنهم ما كانوا ليظهروا فيها إن لم يكونوا خبراء في مجالهم. يوجد متسع للجميع في الأخبار؛ فحتى الآن، أكثر من ٥٠ في المائة مما تراه في الأخبار ليس أخبارًا حقيقية، لكنْ أدرَجَه أو صنعه وكلاءُ الدعاية الذين يعملون بفاعلية لبناء صورة ذهنية للمنتج في عقل العملاء وإقناع الأشخاص. لذا، تذكَّرْ دومًا أن تحاول جعل الشخص الذي يُجرِي معك لقاءً أو يكتب عنك، يقدِّم توصيةً أو شهادةً صريحة في حقك؛ فحتى إذا لم يكن قد جرَّبَ منتجك أو خدمتك، فاستخدِمْ أسئلة قوية من أجل دفعه إلى الإقرار بأنه يعتزم تجربتها، وهكذا يحدث انتقال السلطة والمصداقية. كذلك بإمكانك صنع أخبار خاصة بك، وسنتحدث عن هذه النقطة أكثر في الفصل السادس.

ثمة العديد من الأوقات الأخرى التي قد يكون فيها نقل المصداقية أمرًا مهمًّا؛ على سبيل المثال: في المفاوضات؛ فمجرد جعل شخص محايد أو محترم ينقل مصداقيته إلى حجتك، من شأنه أن يجعل موقفك أكثر قبولًا أو يُضفِي مزيدًا من المنطقية على كلامك. فعندما تكتب رسائل بريد إلكتروني، أو ترسل خطابات، بإمكانك نقل المصداقية عن طريق محاكاة الشخص الذي تريد إظهار سلطته أو مصداقيته في رسالة البريد الإلكتروني أو المراسلات الكتابية.

إن نقل السلطة والمصداقية عملية متبادلة، فإذا أردتَ أن يزكِّيك الآخرون، فعليك إذن أن تزكيهم أولًا. حاوِلْ أن تُعرَف باستعدادك لمساعدة الناس في تكوين العلاقات التي يحتاجون إليها حتى يصبحوا مدينين لك ويساعدوك في تكوين العلاقات المهمة بالنسبة إليك. كذلك احرص للغاية على كيفية استخدامك للمصداقية التي نُقِلت إليك؛ فأنت تُبعِد عنك شخصَيْن في اللحظة التي تسيء فيها معامَلةَ الشخص الذي وضع ثقته فيك؛ الشخص الذي أسأتَ معاملته، والشخص الذي أوصى بك.

ملخص الفصل

  • عملياتُ انتقال السلطة والمصداقية من شخص محترم أو موثوق به إليك تعزِّز قدرتك على الإقناع.

  • قد يكون انتقال السلطة صريحًا أو ضمنيًّا.

  • يمكن أن تحدث عملياتُ النقل الصريح للسلطة والمصداقية إما شخصيًّا وإما عبر الشهادات.

  • تحدث عمليات النقل الضمني للسلطة عندما يتخذ الناس قرارات بشأنك بناءً على مَن ترافقهم، وعلى المؤسسات التي تنتمي إليها.

  • بادِرْ بالعطاء لتجد المقابل. كُنْ مشهورًا بالأشخاص الذين ترافقهم وباستعدادك — متى كان ذلك مناسبًا — أن تنقل سلطتك ومصداقيتك من أجل الحصول على نقل مشابه عندما تحتاجه.

أسئلة النجاح

  • مَن الذي أعرفه الآن وبإمكانه نقل السلطة أو المصداقية إليَّ في موقف أحاوِل فيه حاليًّا التأثيرَ في الآخرين؟

  • مَن الذي أعرفه ويحتاج إلى سلطتي أو تأثيري؟

  • ما المؤسسات التي أستطيع الانضمام إليها، أو يجب عليَّ الانضمام إليها، لتعزِّز من قدرتي على الإقناع عن طريق إمدادي بسلطة و/أو مصداقية ضمنية؟

  • كيف أستطيع استخدام الشهادات أو غيرها من أساليب التأييد لتساعدني في الإقناع بفاعلية أكبر؟

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤