الفصل السابع

الرغبة في التصديق

إن ما يصدقه المرء بناءً على أدلة غير كافية على الإطلاق يعبِّر عن رغباته؛ تلك الرغبات التي لا يدركها هو نفسه عادةً. فإذا عُرِضت على الإنسان حقيقةٌ تتنافى مع فطرته، فإنه سيفحصها عن كثب، وإذا لم تكن الأدلةُ عليها دامغةً، فإنه سيرفض تصديقها. من ناحية أخرى، إذا عُرِض عليه أمرٌ يعطيه مبررًا للتصرُّف بما يتوافق مع فطرته، فإنه سيقبله حتى في ظل عدم كفاية الأدلة على صحته؛ وهذه طريقة تفسير أصل الخرافات.

برتراند راسل

يوجد لدى كلٍّ منَّا عدد كبير من المعتقدات التي نعتزُّ بها ونكون مستعدين للدفاع عنها بكل ما أوتينا من قوة. وثمة معتقدات أخرى من تلك التي نؤمن بها تكون أكثر مرونةً، ويمكن تغييرها بسهولة نسبيةٍ. في النهاية، يتمحور كل موقف يُمارَس فيه الإقناع حول تغيير معتقدات شخصٍ آخَر على مستوًى ما.

من المعتقدات البسيطة التي يؤمن معظم الأمريكيين بصحتها، أن الحرية بكل أشكالها القانونية حقٌّ لكل أمريكي. ومعظم الأشخاص مستعدون للدفاع عن هذه الفكرة أيًّا كانت التكلفة؛ لأنها تمثِّل مبدأً أساسيًّا يقوم عليه مجتمعنا. إلا أنه يمكن لحدث واحد أن يغيِّر على الفور معتقدات الناس؛ ففي يوم الحادي عشر من سبتمبر عام ٢٠٠١، عندما اصطدمت طائرتان ببرجَيْ مركز التجارة العالمي في مدينة نيويورك، تغيَّرَتْ معتقداتنا حول كثيرٍ من الأشياء في لحظةٍ. تبلور أحدُ أبرز التغيُّرات التي كان الناس على استعدادٍ لتقبُّلها دون نقاش (على الأقل لفترةٍ من الوقت)، في القيود التي فُرِضت على حريات معينة. لماذا؟ لأنه كان من الأصلح لنا أن نكون آمِنين على أن نعبِّر عمَّا نتمتَّع به من حريات؛ وقد كنَّا بحاجةٍ إلى مزيدٍ من المعلومات قبل العودة إلى المستويات السابقة من الحرية.

بينما قد يرى بعضهم المثال السابق حالةً قصوى، فإنه في الحقيقة يعبِّر عن عملية الإقناع بطريقة يمكن لأي شخص يعيش في الولايات المتحدة فهمها. فقد احتدم الخلاف في الدولة بأكملها عما إذا كان تعذيب الإرهابيين المشتبه فيهم مقبولًا في الوقت الحالي، وهو شيء كان معظم الناس ضده من قبلُ، على الأقل نظريًّا. لقد بات يتوجب علينا فجأةً أن نتجادل حول فكرة مقدار القوة التي يمكن لقواتنا العسكرية وسلطات تنفيذ القوانين والسلطات الأمنية استخدامها ضد إنسان آخَر، من أجل استخلاص معلومات منه بإمكانها إنقاذ آلاف الأرواح. لقد كنَّا على استعدادٍ لفحص معتقداتنا وتغييرها بطرق لم نفكِّر فيها من قبلُ قطُّ.

يوجد أيضًا جانب آخَر للمعتقدات؛ فنحن جميعًا بحاجة إلى الإيمان بشيء ما، ونريد أن نؤمن بشيء أكبر منَّا. وحتى الذين يرون أنفسهم آلهة، يؤمنون، بطريقتهم الخاصة، بنظام معتقدات وأفكار أكبر من أنفسهم، فهم يحتاجون إلى الطمأنينة التي لا سبيلَ إليها إلا بالإيمان. ومن المثير للاهتمام أن كثيرًا من معتقداتنا الراسخة لا يوجد لها أساسٌ واقعي؛ فما من أحد يستطيع إثبات وجود إله أعظم، لكن ملايين الأشخاص حول العالم يجدون راحةً عظيمةً في هذا الاعتقاد. هذا ويؤمن كثيرٌ من الناس بتناسُخ أرواح البشر بعد الموت، أو بوجود حياة خارج مجرتنا. لا يمكن إثبات أيٍّ من هذه الأشياء على نحو قاطع، إلا أن متعة الاعتقاد تعطي المؤمنين بها أساسًا مشتركًا، ومجموعةً متآلِفةً من الأصدقاء والمعارف، ومجتمعًا؛ إنها تخلق مستوًى من الأمان، ويمكنها توجيه السلوك بطرق مختلفة. فالمعتقدات الدينية توجِّه سلوكيات كثيرين، وعن طريق اتِّباع عدة مجموعات مختلفة من المعتقدات نضفي على حياتنا نظامًا وأمانًا ومعنًى.

أي شخص يتحدَّى معتقداتنا يتعرَّض على الفور لوابل من الانتقادات، وعادةً ما يُصنَّف على أنه مهرطق. فكثيرًا ما تعرض العلماء والباحثون عبر الزمان للسخرية لمجرد تجرُّئهم على افتراض أن معتقداتنا الراسخة منذ فترة طويلة لم تَعُدْ صالحةً. إننا في حاجة شديدة إلى الحفاظ على معتقداتنا، لدرجة أننا نعيق التقدُّم من أجل حماية معتقداتنا الغالية.

لقد قضيتُ وقتًا طويلًا في الحديث عن المعتقدات وكيف تؤثر فينا لسبب وجيه جدًّا؛ إن أكبر سبب لفشل معظم الحجج المقنعة هو أننا نفشل في إمعان النظر في المعتقدات التي نحاول تغييرها؛ فنحن في الغالب نرى أن كل ما نفعله لا يعدو محاوَلةَ دَفْع الآخرين إلى القيام بفعل مختلفٍ بعض الشيء، لكننا نغفل عن فهم جميع المعتقدات الراسخة التي قد يؤثِّر فيها تغييرُ هذا التصرُّف.

دعونا ننظر إلى شيء بسيط للغاية، مثل امرأةٍ تحاول إقناعَ زوجها بإنزال مقعد المرحاض. توجد حجة منطقية في إنزال مقعد المرحاض تتمثَّل في كونه سلوكًا لطيفًا، ويجعل شكل المرحاض يبدو أفضل، ويجعل هذه الزوجة أفضل حالًا، بالإضافة إلى عشرات الأسباب الأخرى. وعلى الناحية الأخرى، ثمة حجةٌ تتمثَّل في أن الأمر إذا كان بمثل هذه الأهمية، فإنه يمكن للمرأة أن تُنزِل هي المقعد، ويجب عليها أن تنظر قبل أن تجلس لأن الرجل ينظر ويرفع المقعد حسبما تقتضي الضرورة من أجل استخدام المرحاض. ويمكن لهذا الجدل أن يستمر إلى الأبد، وهذا ما يحدث في كثير من المنازل حتى في عصرنا الحالي.

القضية هنا هي أن هذا الجدل قد يكون أعمق من مجرد معرفة سبب ضرورة رفع مقعد المرحاض أو إنزاله؛ فكثيرًا عند الحديث إلى أحد الأطراف تجده يتبنى معتقداتٍ تجعل احتماليةَ تغيُّر رأيه بعيدةً للغاية. فعندما تتحدَّث إلى السيدة، تجد أنها تؤمن بأن إنزال المقعد علامةٌ على حُسْن خُلُق الرجل وتهذيبه، كذلك تعتقد أنها علامة على احترام زوجها لها؛ لأن والدها كان يفعل ذلك دومًا لوالدتها. من ناحية أخرى، فإن الزوج متمسِّك بالسلوكيات الذكورية، وبما أن والده لم يكن يُنزِل مقعدَ المرحاض قطُّ، وكان يدافع عن موقفه أمام والدته، فإنَّ ترْكَه للمقعد مرفوعًا يكون علامةً على أنه يتحكَّم في المنزل، وإنَّ إنزاله يقوض سلطته.

حتى يتمكَّن كلُّ طرف من حمل الطرف الآخر على الموافقة، لا بد لهما من فهم ماهية المعتقدات التي يحاولان تغييرها. فبمجرد أن تفهم المعتقد ومدى رسوخه، يمكنك أن تبدأ في التوصُّل إلى استراتيجية فعَّالة لإحداث تغيير في هذا المعتقد، أو وَضْع أساس يشتمل على هذا المعتقد. عادةً ما نشعر بضرورة تغيير المعتقد في حين يكون دمجه كما هو لا بأسَ به؛ فغالبًا ما تكون الاستفادة من قوة المعتقد وتحقيق نتيجة أفضل من استغلاله أكثر فاعليةً بكثير.

عندما كنتُ أبيع برمجيات ماكينات تسجيل المدفوعات النقدية الإلكترونية (البرامج الإلكترونية التي تدير هذه الماكينات)، كان هناك اعتقاد بأن وظيفة هذه الماكينات يجب ألا تتعدَّى أمرًا واحدًا، أَلَا وهو إدارة مخزون السلع وعمليات البيع. وبمجرد الانتهاء من هذا الجزء، تدخل المعلوماتُ بعد ذلك في نظام الحسابات، ويبدأ عمل المحاسبين من هذه النقطة. إلا أنه كان هناك كثيرٌ من الأمور المتعلقة بالعمل الإضافي، واحتمال حدوث أخطاء في البيانات، ممَّا أدَّى إلى عدم صحة الاعتقاد السابق، لكن كانت هذه هي الطريقة المطبقة منذ مطلع القرن؛ حيث كانت الأموال تدخل في صندوق الماكينة الصغير ليخرج الباقي، وفي نهاية اليوم، تُجرِي أنت الحسابات.

كانت توجد مشكلة واحدة فقط في هذا الاعتقاد لنا؛ وهي أن برامجنا الإلكترونية قد صُمِّمت على أساس فكرةِ ضرورةِ ربْطِ الحسابات بماكينة تسجيل المدفوعات النقدية. نحن بحاجة إلى تغيير اعتقادهم. كان بإمكاننا إنفاق ملايين الدولارات في تنظيم حملات إعلانية على مدى السنين على أمل أن تدفع الناس إلى التفكير في هذه المشكلة، أو يمكننا الاعتماد على المعتقد الموجود بالفعل لدى الناس، وهذا ما فعلناه بالضبط. فبدلًا من عرض منتجنا على أنه حزمة محاسبية بإمكانها أيضًا تشغيل ماكينة تسجيل المدفوعات النقدية، اعتمدنا على المعتقد؛ فعرضنا البرنامجَ الإلكتروني على أنه برنامجٌ لتشغيل الماكينة يمكن أن يؤدِّي اختياريًّا وظيفةَ المحاسبة إذا أردتَ. لا يتحتم عليك استخدام وظيفة المحاسبة، لكنها موجودة. عرضنا بعض الحجج البسيطة عن كمِّ الوقت الذي سيوفره البرنامج، وكيف أنه يقلِّل من أخطاء إدخال البيانات، وتوقَّفْنا عند هذا الحد. وكانت النتيجة أننا اعتمدنا على اعتقاد أن الذين يستخدمون البرنامج هم بالفعل على حق، وقدَّمْنا برنامجنا على أنه يتوافق مع معتقداتهم الحالية، وأعطيناهم كذلك بعض الأدلة الموجزة على وجود إمكانيات أخرى متاحة إذا أرادوا استكشافها.

كانت النتائج مثيرةً جدًّا للاهتمام؛ فقد ازدهرت فئة منتجنا بنسبة تفوق أكثر من ٥٠٠ في المائة في سنة واحدة، كذلك شهدنا زيادةً متناسبة في عدد المستخدمين والمشترين من المتخصصين في أدوات الدعم الفني لمنتجنا المحاسبي. والسبب وراء ذلك يتمثل ببساطة في أن معظم الأشخاص حاولوا بعد حصولهم على البرنامج الجديد الدفاع عن اعتقادهم القديم عن طريق إثبات صحته، وكان السبيل الوحيد لإثبات صحته هو إثبات أن الفكرة الجديدة خاطئة، وهو ما يتطلب منهم تجربة البرنامج. ونتيجة لتجربة البرنامج، اختبروا النتائج التي أردنا لهم معرفتها وتغيَّرت معتقدات معظمهم على الفور. حاليًّا، نادرًا ما يوجد برنامج تشغيل إلكتروني لماكينات تسجيل المدفوعات النقدية غير مُدمج في وظيفة المحاسبة. يحدث التغيُّر الهائل وتقبُّل المعتقدات الجديدة عندما تُغيَّر المعتقدات.

توجد لدينا جميعًا الرغبة في التصديق؛ فعندما تُعرض علينا معلومات جديدة، نؤمن عادةً بما نراه ونسمعه على الفور، وهذا ما يُطلَق عليه التصديق التلقائي. وحتى يمر المعتقد عبر مجموعة من الاختبارات لنرى ما إذا كان هذا المعتقد الجديد صحيحًا فعليًّا أم لا، فإننا نستمر في تصديق المعلومات الجديدة، وهي حالة تُسمَّى ببقاء التصديق.

توجد لدينا جميعًا أنماط إدراك انتقائية تسمح لنا برؤية الأمور كما تخبرنا معتقداتنا بدلًا من رؤيتها على حقيقتها فعليًّا؛ فنحن نكوِّن تركيباتٍ أو خططًا عقليةً تسمح لنا بترتيب وتبسيط المعلومات الموجودة حولنا. تفرض هذه النماذج علينا وعلى الآخرين ما نحبه وما نكرهه وكل شيء نفعله تقريبًا.

تعمل هذه المخططات مثل المصفاة التي تسمح لنا برؤية العناصر المختلفة لأحد المواقف أو عدم رؤيتها، وهي تدعم معتقداتنا بشأن الصورة التي يفترض أن يكون عليها ما نراه. لقد مررنا جميعًا بتجربة رؤية شخصٍ ما رثِّ الثياب ولا يبدو عليه الحصول على مستوًى تعليمي جيد، فنحكم عليه، ونجد عند الحديث معه أنه في الواقع لبق في الحديث للغاية ومثير للاهتمام، لكنه كان ببساطة يؤدي بعض الأعمال في الحظيرة أو في سيارته. إن المشكلة الموجودة لدينا جميعًا أننا نرى شيئًا ما ونفسره على الفور بما يتوافق مع أنماطنا الفكرية الخاصة، بدلًا من اختبار مُعتقدنا لنرى إذا كان صحيحًا في هذا الموقف أم لا. وحتى تتمكَّن من الإقناع بفاعلية، عليك تعليق عمل نماذجك ومعتقداتك لفترة طويلة بما يكفي لتختبرها، فترى إذا ما كانت تنطبق على هذا الموقف الذي تتعرَّض إليه حاليًّا أم لا.

أحد التحديات الأخرى التي تواجه معتقداتنا ونماذجنا العقلية التي نتبنَّاها عن العالم، هو أنها تظل موجودة حتى عند وجود أدلة مضادة؛ لأننا نميل إلى تجاهل ما لا يتماشى مع تفسيرنا.

إذا كنتَ تأمل في الإقناع بفاعلية، فعليك أولًا اختبار المعتقدات التي يؤمن الناس بصحتها وتتوافق مع وضعك، وتجعلهم يتأكدون مرة أخرى من صحة هذه المعتقدات. بمجرد إعادة التأكد من المعتقدات، تكون قد بدأت في نقل الذين تحاول إقناعهم إلى مكان يمكنك فيه إعادة تشكيل معتقداتهم لتشمل رؤيتك.

يجب أن تظل أيضًا مَرِنًا في معتقداتك، وتعمل بانتظام على اختبار أنماطك الفكرية عندما تتعلق بأنواع معينة من الأفراد أو المعتقدات إذا كنت راغبًا في تغييرها. ولا بد أن تشجع الناس على اختبار معتقداتهم، وتقدِّم لهم أفكارًا جديدةً وأدلةً داعمةً تريد منهم التفكير فيها.

الأمر المثير للاهتمام فيما يتعلَّق بالمعتقدات هو أنها يمكن أن تتغير ببطء أو بسرعة فائقة، بناءً على الموقف وحالة الشخص الذي تحاول تغيير معتقداته. عندما يصاب الناس بدرجة كافية من الإحباط أو الضغط بشأن مشكلة أو حدث معين، تكون لديهم رغبة شديدة في التعلق بحل، أي حل، ويجدون متنفسًا كبيرًا في العثور على هذا الحل. ويسمح لهم هذا المتنفس — هذا الإنجاز — بتشكيل معتقد على الفور. وهذه إحدى تقنيات التحويل الرئيسية التي يستخدمها مَن يجتذبون الناس لإحدى العقائد، وستنجح أيضًا معك عندما تبدأ دراسة المجالات، التي يشعر فيها الشخص الذي تريد التأثير فيه بإحباط بالغ، بإمعان. تسمح الرغبة في التحرر، أو الخلاص من مشكلة معينة، للناس بتغيير معتقداتهم بسهولة (وسرعة) أكبر.

في كثير من الأحيان، عندما نشرع في الإقناع، نريد تغيير المعتقد الموجود لدى الشخص الآخر ليصبح مثل المعتقد الذي نتبناه. نادرًا ما يكون من الضروري أن تدفع الناس إلى الاعتقاد تمامًا في وجهة نظرك، أو تغيير موقفهم بالكامل حتى تحملهم على اتخاذ الإجراء الذي تريده.

أحيانًا مجرد حمل الناس على تعليق الإيمان بمعتقداتهم يتيح لك الفرصة التي تحتاج إليها من أجل تقديم فكرة جديدة، وأحيانًا لا يكون عليك سوى طرح سؤالٍ حول المعتقد الحالي. ففي النهاية، يتمثِّل هدفك كمحترف للإقناع في خلق معتقدٍ جديدٍ، وحمل الناس على تغيير معتقداتهم الحالية بطريقة تسمح لهم أيضًا بتقبل معتقدك.

إن أصعب معتقدات يمكن تغييرها هي تلك التي تعتمد اعتمادًا كبيرًا على الإيمان أو نقص الأدلة. ولهذا السبب بالضبط تكون المعتقدات الدينية أصعبَ معتقداتٍ يمكن تغييرها؛ فإذا أردتَ تحويل كاثوليكي إلى المورمونية، فإن مهمتك تكون بالغة الصعوبة، على الرغم من أن المعتقدين كليهما — ظاهريًّا — يقومان على أساس واحد. ليس عليك أن تغير معتقدًا كبيرًا، بل أنت بحاجة إلى تغيير كثيرٍ من المعتقدات الأقل أهميةً تغييرًا جذريًّا، من أجل حمل الناس على النظر إلى فكرتك بعين الاعتبار. والتحدي الآخر الذي يواجهك مع مثل هذا النوع من المعتقدات، هو أنها عادةً ما تُقيَّم على نحو مطلق. (كأن تعتقد أن المورمونية عقيدة، بينما الكاثوليكية ليست كذلك، أو العكس، بناءً على معتقداتك.)

إن قضية المعتقدات هي إحدى القضايا التي يعاني منها المعلنون كل يوم. فكيف أقنعك بترك علامة تجارية بعينها وكل ما تعنيه لك بعد ٢٠ سنة من استخدامها؛ من أجل علامة تجارية أخرى تجربتك معها محدودة؟ اتضح أن الإجابة عن هذا السؤال ليست بالصعوبة التي قد تظنها، لكنها نادرًا ما تُطبَّق كما ينبغي.

ثمة علاقة وثيقة بين المعتقدات، والذاكرة، والتكرار، ومصداقية الشخص الذي يوصل الرسالة الجديدة. فإذا أخبرتك أن ثمة عملية تتكوَّن من ثلاث خطوات لتغيير المعتقدات، فإنه يوجد احتمال كبير أن تتقبَّل هذا على أنه حقيقة لأنني خبير في الإقناع. وإذا سمعت الفكرة نفسها تُطرَح في عدة منافذ إعلامية مختلفة، فإنها تبدأ في التحول لحقيقة ومعتقد تؤمن بهما. وعندما تبدأ في إخبار الآخرين عن هذه العملية، فإنك تصدِّق على هذه الفكرة وهذا المعتقد؛ فيترتب على ذلك تحوُّل فكرة وجود عملية من ثلاث خطوات لتغيير المعتقدات إلى معتقد مُعترف به على نطاق واسع، أو إلى معلومةٍ عامة. يوجد عدد كبير من مثل هذا النوع من المعتقدات الشائعة التي نتبناها جميعًا، والتي اتضح أنها ليست صحيحة على الإطلاق؛ على سبيل المثال: هل سمعتَ من قبلُ أنك تفقد ٩٠ في المائة من حرارة جسمك عبر رأسك؟ إذا كان هذا صحيحًا، فلن توجد حاجة إلا إلى أخف الملابس في أكثر أوقات البرد القارص في الشتاء ما دمتَ ترتدي قبعة! لكن الآن ما دمتُ قد شكَّكت في صحة المعتقد، فإن عليك أن تفكِّر فيه. فإذا اقترحتُ مثلًا عليك أن تُجرِي اختبارًا بأن ترتدي ثوب سباحة لا يغطي الجسم بأكمله، وتقف به في ظروف مناخية تحت الصفر لمدة ساعة، ولا ترتدي مع هذا إلا قبعة صوفية طويلة، فإنك سترى المشكلة في هذا المعتقد من فورك، وستغيِّره على الأرجح.

في الحقيقة لقد قدَّمتُ لك للتوِّ عمليةَ صنع المعتقد وعمليةَ تغييره، لكن دَعْني أحلِّل الأمر تحليلًا أكثر خطِّية حتى تتمكن من معرفة كيف يمكنك صنع المعتقدات وتغييرها على نحوٍ فعال.

(١) الخطوات السبع لتشكيل المعتقدات وتغييرها

لكي تشكل معتقدًا جديدًا، عليك عرض المادة بأسلوب جدير بالثقة. وأفضل وسيلة لعرض المادة هي أن تعرضها من وجهة نظر خبير. نحن مُلزَمون في مجتمعنا بعدم مجادلة الخبراء، فنحن نستمع لما يقولونه ونتقبَّل آراءهم لأنهم يتمتعون بمعرفة متخصصة نفتقر إليها. وقد عرضتُ كيفيةَ اكتساب لقب خبير في الفصل السادس الذي يتناول الخبرة، لكن الآن من المهم أن تدرك فقط أنه يجب عليك أن تعرض مادتك بثقة وإيمان ومصداقية، سواء أكنتَ خبيرًا أم لا. في الواقع، من الصعب بعض الشيء أن يجادلك أحد في كونك خبيرَ العالَم الأول في آرائك الخاصة.

  • (١)

    استنبطْ أو حدِّدِ المعتقد الحالي الراسخ لدى شخصٍ ما حول الفكرة التي تعرضها. إذا كنتَ شركةً معلنة، يمكنك عرض معرفتك بالمعتقد الراسخ هذا بناءً على أبحاثك الحالية. فإذا كنت تبيع وجهًا لوجه، يمكنك فقط أن تطرح سؤالًا: «ما الذي يهمك في «س»؟» فالناس يميلون إلى التعبير عن معتقداتهم بشأن شيءٍ بعينه عند طرح هذا السؤال عليهم، لكن إذا لم تكن متأكدًا من سبب أهمية هذا الأمر، يمكنك طرح السؤال الاستيضاحي: «ما سبب أهمية هذا الأمر لك؟»

  • (٢)

    حدِّدْ مواضعَ الإحباط أو اللبس المحيطة بالموضوع.

  • (٣)

    اعرضِ الفكرة الجديدة أو النتيجة التي تريد من جمهورك إدراكَها بثقة وبراعة، وادعمها بأدلة موثوقة على صحتها. وإذا كنت تحاول تغيير معتقد راسخ بشدة، فربما تحتاج إلى عرض أدلتك عدة مرات وعبر عدد من المصادر الموثوق بها. عند تغيير المعتقدات، من المهم لكي تدفع الناس إلى الوعي بالفكرة الجديدة أن توجد أدلة مستقلة كافية يستطيعون الاطِّلاع عليها وحدهم. ونظرًا لأنهم قد أصبحوا الآن على وعْيٍ تام بالفكرة الجديدة، فإنهم سينجذبون على الفور إلى الأدلة الصحيحة عندما يرونها، فيصبحون على الفور مدرِكين لكل وقائع الحقيقة من حولهم. مع ذلك، عليك الاحتراس هنا للغاية؛ إذا كان موقفك أو منتَجك أو خدمتك مثيرًا للجدل أو سلبيًّا من ناحية أو أخرى، فإن جمهورك سيَعِي هذه الوقائع أيضًا، وسيصبح من الأسهل عليه الاحتفاظ بمعتقداته الحالية بدلًا من استغراق الوقت في تبيُّن الحقيقة كما هي.

  • (٤)

    إذا كان جمهورك ما زال يعاني من مشكلةٍ في تغيير معتقداته، فاطلبْ منهم التصرف «كما لو أنهم» يؤمنون بشيء معين للحظة فقط، واسألهم عما سيفعلونه على نحو مختلف وكيف سيفعلونه؛ فسيجبرهم تصرُّفهم «كما لو أنهم» يؤمنون بالشيء على تقبُّل المعتقد — على الأقل مؤقتًا — على أنه ما يعتقدونه؛ وبمجرد أن يفعلوا هذا، يصبحون في سبيلهم لإقناع أنفسهم.

  • (٥)

    أكِّدْ على فكرتك مرارًا وتكرارًا، وقدِّمْ لهم مواقفَ تكون الفكرةُ فيها دقيقةً وصحيحةً.

  • (٦)

    قدِّمْ لهم دليلًا، واجعلهم يجرِّبون منتَجَك أو خدمتك، أو أَرِهم أدلةً على تعرُّض آخَرين لمثل هذه التجربة وقد غيَّروا مُعتقدهم.

  • (٧)

    عندما يشكِّل الناس مُعتقدًا جديدًا أو يغيِّرون معتقدهم، كافِئْهم على هذا السلوك، واجعلهم جزءًا من مجموعة حصرية مثل مجموعة النخبة، أو جزءًا من نادٍ يقتصر على الأعضاء فحسب، أو جزءًا من مجموعة الأعضاء المفضلين. تابِعْ معهم دومًا من أجل الحفاظ على بقاء المعتقد.

بمجرد أن تنجح في تغيير معتقد أو تشكيل واحدٍ جديد لدى أحدهم، يصبح إقناع هذا الشخص في المستقبل أسهلَ كثيرًا؛ لأنك قد أفدتَه وهو يثق بك، وقد شكَّلتَ لديه الآن معتقدًا آخَر … وهو وجود علاقة بينكما وقواسم مشتركة، وكلاكما تؤمنان بالشيء نفسه.

تذكَّرْ أننا جميعًا لدينا رغبةٌ في الإيمان بأفكار ومبادئ أسمى أو أفضل بطريقةٍ ما. ونكون في أتمِّ استعدادٍ لتصديق هذه الأفكار وتشكيل معتقدات جديدة عند وجود حاجةٍ معينة أو شكٍّ معين في أذهاننا. ومن خلال فهْمِ مدى أهمية المعتقدات، وكَمِّ القرارات المرتبطة بهذه المعتقدات التي تكون عاطفيةً للغاية أكثر من كونها منطقيةً، يمكننا زيادة نجاحنا في خلق بيئة إقناعية.

ملخص الفصل

  • ترتبط المعتقدات كثيرًا بالمواقف الراسخة لدينا ونحن ندافع عن معتقداتنا بكل ما أوتينا من قوة. يسمح لك فهْمُ معتقدات الأشخاص الذين تحاول إقناعهم بالتركيز على استخدام معتقداتهم الحالية كأساس لعملك، بدلًا من محاولة تغييرها أو تشكيل اعتقادٍ جديدٍ.

  • يغيِّر الناس معتقداتهم على الأرجح عندما يبحثون عن حلٍّ لإحدى المشكلات التي كثيرًا ما سبَّبت لهم توترًا أو قلقًا أو ارتباكًا؛ فيتيح لهم التنفيسُ العاطفي تكوينَ معتقداتٍ جديدةٍ بسرعة.

  • يجب أن تعرض أفكارَك الجديدةً بإيمان ومصداقية، حتى تستطيع خلْقَ بيئة يمكن تقبُّلُ الأفكار الجديدة فيها.

  • يريد كل فرد الإيمان بشيءٍ ما، ووظيفتُك كمتخصِّص في الإقناع أن تعرض الفكرة التي يمكن للذين تحاول إقناعهم تصديقُها واعتناقُها.

  • أكثرُ الأشخاص استعدادًا لتنحية معتقداتهم أو أنماطهم الفكرية جانبًا يكونون أفضلَ المؤهلين لإقناع الآخرين.

أسئلة النجاح

  • ما المعتقدات التي أعتنقها حاليًّا، والتي ربما تتسبَّب في عرقلة تقدُّمي؟

  • ما الواقعة التي منعني فيها اختلافٌ في المعتقدات من التمكُّن من إقناع الشخص الآخَر؟

  • ما المعتقدات المشتركة بالفعل بيني وبين الذين يجب عليَّ إقناعهم؟

  • ما الفكرة أو المفهوم الذي يمكنني تقديمه ويمكن لمَن أقنعهم الإيمان به؟

  • مَن الذين أعرفهم أو أعمل معهم حاليًّا، وأحتاج إلى تغيير معتقداتهم من أجل توطيد علاقتنا؟

  • ما الأدلة التي بإمكاني تقديمها من أجل تدعيم المعتقد الجديد الذي أقدِّمه؟

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤