بنزرت

مدينة على الشاطئ الشمالي لبلاد تونس، تبعد أربعين ميلًا ناحية الشمال الغربي من مدينة تونس، وبنزرت على خط طول ٥٣ ٩° شرقي جرينتش وخط عرض ١٧ ٣٧° شمالًا.

وسكانها خمسة وثلاثون ألف نسمة، وهي بين البحر وبين بحيرة متوغلة في البلاد إلى مسافة أحد عشر ميلًا، تبلغ مساحتها ٣٥ ميلًا مربعًا.

وموقع بنزرت يسيطر على المضيق بين صقلية والشاطئ الإفريقي، ومن ثم أصبح له شأن عظيم من الناحية الحربية.

وبنزرت في موضع المدينة الفينيقية هبوديرتوس التي أصبحت من ممتلكات قرطاجنة، واستولى عليها الرومان بعد ذلك، وجعلوا منها مستعمرة يحكمها أغسطس، وخربها القوط ثم سلبها معاوية بن حديج عام ٤١ﻫ الموافق ٦٦١-٦٦٢م، واستعادها الروم وظلت في حوزتهم أمدًا وجيزًا ثم استولى عليها آخر الأمر حسان بن النعمان وقت أن استولى على قرطاجنة، وذكر ابن حوقل في القرن الثالث الهجري أنها قصبة الكورة البحرية سطفورة، وإن كان الناس قد هجروها وقت ذاك، فأصبحت خرابًا بلقعًا، وأفاقت المدينة من كبوتها، فكانت أيام البكري محاطة بسور من الحجر، وفيها مسجد جامع وأسواق، وتروج فيها تجارة الأسماك، وكانت تشرف على المدينة قلعة يحتمي الأهلون فيها من غارات الروم، وينزوي فيها الذين يقفون حياتهم على العبادة، وكان بها في ذلك الوقت مرسى يعرف بمرسى القبة، وروى الإدريسي أن بنزرت مدينة نافقة التجارة، وكثيرًا ما روعتها الفتن والغارات التي اجتاحت بلاد تونس، وأوقعتها الغزوة الهلالية في يد أفاقي عربي يدعى الورد اللخمي فاستقل بها، ودانت لعبد المؤمن عام ١١٦٠م، وغزاها يحيى بن غانية المرابطي فيما بين عامي ١٢٠٢-١٢٠٣م. ثم ركدت أحوالها إلى القرن السادس عشر، على الرغم من وفود العرب من الأندلس، وبناء ضاحيتهم فيها، وقد وصفها الحسن بن محمد الوزَّان الزياتي بأنها بليدة أهلها فقراء مساكين.

وكثر القرصان في هذا الثغر إبان القرن الخامس، واستفحل أمرهم حتى رأت الدول المسيحية أن تعمل على الوقوف في وجههم. فظهرت حملة فرنسية جنوية بقيادة كبير أساقفة سالرنو أمام بنزرت عام ١٥١٦م، ولكنها عجزت عن الاستيلاء على المدينة، وأراد أهل بنزرت الانتقام، فما إن أصبح خير الدين سيد تونس عام ١٥٣٤م حتى نفضوا عنهم سلطان بني حفص وخضعوا له. بيد أن شارل الخامس استولى على بنزرت في العام التالي بعد استيلائه على تونس ووضع حامية بها، ثم عمد توًّا إلى تخريب حصونها، فأعاد الإسبان بناءها بعد ذلك، وشيدوا قلعةً أخرى سموها «قلعة إسبانيا»، لا تزال موجودة إلى اليوم، وانتهى الحكم الإسباني للمدينة عام ١٥٧٢م باحتلال الترك لها، وكانت بنزرت من أقبح معاقل قرصان البربر صيتًا، فكم نهبوا شواطئ صقلية وإيطاليا وهاجموا سفن الدول النصرانية الكبرى، على الرغم من مراكب فرسان مالطة، وكان في معتقل بنزرت عشرون ألف أسير من النصارى.

وقد عقدت فرنسا في نهاية القرن السابع عشر العزم على امتشاق الحُسام، بعد أن فشلت مفاوضاتها معهم، فضرب دوكوش المدينة بالقنابل عام ١٦٨١م، وعام ١٦٨٤م، ولم يجد الفرنسيون كذلك بدًّا من ضرب المدينة ثانيةً بالقنابل في القرن الثامن عشر، فتم ذلك على يد عمارة بحرية فرنسية يقودها أمير البحر ده بوفيز في اليومين الرابع والخامس من يوليو عام ١٧٧٠م، ثم على يد أمير البحر البندقي إيمو الذي كاد أن يخرب المدينة تخريبًا تامًّا عام ١٧٨٥م، وأخذت بنزرت تضمحل في القرن التاسع عشر بإخضاع القراصنة وامتلاء الثغر بالبطائح.

ولما احتل الفرنسيون بنزرت في أول مايو سنة ١٨٨١م عند بداية الحملة على بلاد تونس وجدوها بُلَيْدة، خيم عليها البلى، تخترقها دروب مليئة بالرمال.

وتغيرت معالمها وأصلح الكثير من شئونها منذ بسطت الحماية الفرنسية على البلاد. فامتلأ جزء من القناة القديمة بالماء، وحفرت قناة أخرى بين البحر والبحيرة، تسمح للسفن الكبيرة بالسير فيها، وشيدت فيها ميناء صالحة ممتدة في البحر، وقامت العمائر على شواطئ البحيرة، وبنيت دار للصنعة في سيدي عبد الله، على مسيرة عشرة أميال من البحر، وأسست حصون على المرتفعات المحيطة بها لتذود عنها عادية المعتدين. ثم بنيت آخر الأمر مدينة جديدة بين المدينة القديمة والقناة سرعان ما ازدهرت، وإن لم تحقق بعد الآمال المعقودة عليها في زيادة سكانها ورواج تجارتها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤