الفصل العاشر

زيارة أخرى إلى المعسكر

مرة أخرى، وقف توم بيدلي عند مفترق الطرق أمام المعسكر البريطاني القديم يتطلع في تأمُّل عميق إلى الطريق الأخضر العريض المؤدي إلى هاي بيتش. تحت سماء الشتاء الرمادية، كان المشهد يفتقر إلى الجمال والبهجة اللذَين أسَرا لُبَّه حين رآه في المرة السابقة؛ حين كانت أشعة شمس نهايات الخريف تُنير الأوراقَ البديعة لأشجار الزان وتنثر ذرًّا ذهبيًّا على الشجيرات وزبرجديًّا على العشب، لكنه استحضر تلك الصورةَ في ذهنه بوضوحٍ غير عادي، ولم تكن تلك المرة الأولى التي يستحضرها فيها؛ الهيئتان اللتان تسيران مبتعِدتَين بخطوات مبتهجة وتُثرثران في مرح، تتضاءلان أمام عينَيه مع كل خطوة تخطوانها، ثم تتوقفان أخيرًا عند المنعطف كي تُودِّعاه. لم يخطر بباله حين ردَّ تحية لوتا أن تلك ستكون المرةَ الأخيرة التي يراها فيها؛ وأنها حين لوَّحَت بيدها له كان ذلك هو الوداعَ الأخير، وأنها خرجت من حياته للأبد حين التفتَت واختفت وراء المنعطف.

لم يكن وجوده في الغابة طواعيةً بالكلية. فلم يكن راغبًا في المجيء. لكن صديقه بولتون، توسَّل إليه بشدة أن يظفر بتلك الفرصة (التي أمَّنها له بولتون نفسُه)، فلم يجرؤ توم أن يُخيب ظنه. وها هو ذا يُحاول الظفرَ بأقل قدرٍ ممكن ومعقول من تلك الفرصة مراعاةً لمشاعر صديقه.

كانت تلك الفرصة هي الاستكشافَ الأخير والشامل للعشَرة أو الاثني عشَر قيراطًا التي تقع داخل المتاريس، بغرض كشف الغموض الذي يكتنف اختفاءَ لوتا. كانت الشواهد الظاهرية تُشير بقوةٍ إلى أنها قُتِلت؛ وإن كانت قد قُتِلت بالفعل، فالاحتمال الأغلب أن جثتَها قد أُخفِيت في تلك المساحة المسيَّجة. وهكذا قررت الشرطة، التي رأَت أن جميع الشكوك المحيطة بذلك الموضوع يجب التحققُ منها في أسرع وقتٍ ممكن، أن المنطقة محلَّ الشبهة يجب أن تُفحَص بعناية حاسمة من شأنها حسمُ تلك المسالة بشكل نهائي.

لكن كان ثمة عقبة. فنظرًا إلى أن المعسكر مدرَج ضمن المعالم الأثرية، لم يكن مسموحًا فيه بأي أعمال حفرٍ غير شرعية. لكن تلك عقَبة كان يسهل تخطِّيها. فالعين الخبيرة تستطيع على الفور تمييزَ أي اضطراب في سطح الأرض، مهما أُخفي بمهارة، وقسم التحقيقات الجنائية لا تُعوِزه العيون الخبيرة. في نهاية المطاف، تقرَّر أن يُرسِل مكتبُ الإنشاءات العامة ممثلًا عنه وأن يحظى ضباطُ قسم التحقيق الجنائي بمساعدة بعض المتطوعين الأكْفاء مِن نادي إسيكس الميداني، والسيد إلمهورست، عالم الآثار الكنتي البارز، الذي رشَّحَته خبرتُه الواسعة في التنقيب في المواقع الأثرية للشرطة ومكتب الإنشاءات العامة. وبذلك ضُمِنَت عمليةُ استكشاف متكاملةٌ لمحيط المعسكر، مؤمَّنة ضد وقوع أضرار للمعسكر من منظورٍ أثري.

تصادف أن سمع السيد بولتون بنبأ ذلك التحقيق المزمَع، وفي الحال تلهَّف لحضوره؛ إذ كان ذلك الحِرفيُّ الماهر يُتابع باهتمام حماسي رهيب كلَّ فصل من تلك الجريمة التي شهد اكتشافها. والآن أوشك الستار أن يُرفَع عن الفصل الأخير من تلك المسرحية المأساوية، التي قد تئول ذروة أحداثها إلى انتباش جثة. كان ذلك أكثرَ من قدرته على التحمل. كان عليه أن يُؤمِّن لنفسه مقعدًا في الصفوف الأمامية بأي وسيلةٍ كانت. وهكذا فعل. فبعد أن قدَّم عرضًا ماكرًا ومقنعًا لصديقه المفتش بلاندي الذي تجمعُه به سابق معرفة، بالمساعدة في أمر التصوير الفوتوغرافي وسبكِ القوالب الجصِّية، نجح في اقتناص دعوة للحضور من ذلك الضابط الدمث المهذَّب. لكنه لم يتوقف عند ذلك؛ بل عرَض على المفتش خدمات توم بيدلي الثمينةَ التي بوُسعه أن يُقدِّمها من خلال التعرف على المتعلقات أو البقايا (وأقنعه بحقٍّ تلك المرة)، فشَمِلَته الدعوة، وهو ما لم يُسعِد توم بقدر ما أسعدَه هو. ها هما ذان قد أتَيا برفقة جماعة المستكشفين، يتابع بولتون كل تحركاتهم باهتمامٍ بالغ، بينما يتجول توم في محيط المعسكر متفقدًا إياه كلَّ فينة وأخرى للمعاينة.

جرَت المعاينة بشمولية احترافية. فقُسِمَت المنطقة داخل حدود المعسكر إلى قطاعات على الخريطة بواسطة خطوط القلم الرصاص، وكانت حدود كل قطاع تُرسَم على أرض الواقع بأوتاد تُغرَس في الأرض، ثم يُفحَص باستفاضة قبل الانتقال إلى القطاع الذي يليه. لم يُشارك أيُّ عمال في عملية البحث؛ فالعملية برُمتها نفَّذها المستكشفون الماهرون، الذين أزالوا الغطاء الكثيف من الأوراق الذابلة برفق، ورقةً تلو الأخرى تقريبًا، كي يضمنوا كشف السطح الفعلي بهدوء دون إحداث أيِّ اضطراب به. وحسنًا فعَلوا؛ إذ ظهر في أول قطاع كشفوا عنه آثارٌ غير واضحة لكن يُمكن تمييزها، لزوجين من الأقدام، قدَمَي رجل وقدمَيِ امرأة.

قال بلاندي عندما عرَض بولتون أن يصنع قوالب جصية ويلتقط صورة: «تلك الآثار ليست واضحة كثيرًا. يبدو أنها تُرِكَت من فوق أوراق الأشجار. سنُغطيها في الوقت الحالي حتى نرى إن كنا سنجد آثارًا أفضل منها.»

وعلى ذلك، غُطِّيت آثار الأقدام بعناية بجِوال فارغ، واستمرَّت المعاينة. ظهر المزيد من آثار الأقدام في القطاع التالي، لكنها أيضًا كانت سطحية وغيرَ واضحة المعالم، وتُشير إلى أن حاجزًا سميكًا من الأوراق الذابلة كان يحول بين الأقدام التي صنعَتْها والأرض؛ ثم انتقلَت المعاينة إلى قطاعَين آخَرَين، ظهر بكلٍّ منهما آثارُ زوجَين من الأقدام، وكلا القطاعَين ظهرَت بها آثار الأقدام في أزواج متوازية، مما يُشير إلى أن صاحبَيهما كانا يسيران جنبًا إلى جنب.

في تلك اللحظة، نادى المفتش الذي كان منهمكًا في فحص الخريطة، على الرقيب هيل قائلًا:

«ألسنا نقترب من تلك الشجرة التي وضعنا عليها علامةً أيها الرقيب؟ لقد رسمت على موضعها على المخطط علامة صليب بالقلم الرصاص، لكن ذلك كان مجرد تخمين، قمت به بعيدًا عن المكان.»

أجاب الرقيب: «أعتقد أنك محق يا سيدي، لقد كانت في مكانٍ ما بالقرب من هنا. سأتقدَّمكم لأرى إن كان بإمكاني العثورُ عليها.»

مضى قدُمًا للأمام يخطو بحرص على بِساط الأوراق ذي اللون البني الشاحب، ويُدقق النظر بين أشجار الزان والنِّير المُتقزمة الغريبة الشكل، التي تتزاحم داخل نطاق المعسكر، كحشدٍ من حوريات الأحراج الأسطورية، باسطةً جذورَها الملتوية على السطح. بعد ذلك اختفى داخل تلك الغابة المصغَّرة، ولبعض الوقت، دلت أصوات خشخشة خافتة قادمة من الأَجَمة على حركته غير الظاهرة. وفجأةً نما إلى سمع المفتش صوتٌ أعلى، كصوت جسد سقط أرضًا، مصحوبًا بسُباب، وبعد بِضع لحظات، ظهر الرقيب مرة أخرى يمشي بخطوات غير متوازنة بعض الشيء.

قال موضحًا وهو ينحني ليدلك قدَمه اليمنى: «لقد تعثرت في أحد تلك الجذور اللعينة، لكني وجدتُ الشجرة يا سيدي، ووضعتُ منديلي عند أسفل جذعها كي لا نُغفِلَها.»

في تلك الأثناء، كان المستكشفون يُواصلون عملهم على قدم وساق، وبعد أن كشفوا سطح القطاع بأكمله أخيرًا، وعاينوا كل بوصة مربعة منه بدقة، بدءوا يُحددون القطاع التاليَ تحت إشراف السيد إلمهورست، الذي قاسه بشريط قياس ودوَّن قياساته على نسخته من المخطط. وأثناء قيامه بأخذ القياسات، قابلَ الشجرة ذات العلامة المميزة، التي تقع في حيِّز القطاع الجديد، وبعد أن حدَّد موقعها بالضبط بواسطة شريط القياس الأرضي، «تحدَّدت ومُنِحت اسمًا» على المخطط.

قال الرقيب: «الآن، علينا أن نرى ما يعنيه وجودُ تلك القلادة. لا بد أن شيئًا ما قد حدث، ولا بد أنه حدث في ذلك المكان بالتحديد؛ وأظن أنه من الأحرى بنا أن نبسط بعض الأجْولة كي يقفَ فوقها العمَّال.»

نُفِّذ ذلك الاقتراح، وبعد أن بُسِطت الأجولة على الأرض، ركَّزَت جماعة المستكشفين جهودَها كاملةً على هذه المنطقة، وبدَءوا في إخلاء مسار عريض باتجاه الشجرة من الأوراق، ويفحصون بعناية كلَّ حفنة يُزيحونها من الأوراق. كان السطح الذي انكشف لا يزال يحمل الآثارَ الباهتة غيرَ الواضحةِ المعالم، لزوجَي الأقدام، التي واصلَت السير جنبًا إلى جنب بخُطًى منتظمة، حتى وصلت إلى نقطة تقع على بُعد بضع ياردات من الشجرة. هنا كان ثمة تغيُّر مفاجئ في جانبَين. لم تَعُد آثار الأقدام مبهَمة وغيرَ واضحة المعالم، بل أصبحت واضحة ومحددة وغائرة في التربة الطينية الرطبة؛ وبدلًا من الخطوط المتوازية المنتظمة التي كانت تصنعها، ظهرَت تلك الآثار متداخلةً ومرتبكة وتُشير إلى اتجاهاتٍ شتَّى وتتقاطع ويطمس بعضُها البعضَ جزئيًّا على امتداد مسافة كبيرة. من تلك النقطة، كان خط آثار الأقدام يسير باتجاه الشجرة، وكان يمكن تمييزُ زوجَي الأقدام منها، إلا أنهما لم يعودا متوازِيَين. كان كلُّ زوج منهما يتجه إلى الأمام مباشرة، وفي كلٍّ منهما، كانت أصابعُ الأقدام تبدو غائرةً بوضوح؛ لكن كان ثَمة آثارُ أقدام أخرى تخطو فوق أقدام المرأة في بعض المواضع، بينما كانت آثار أقدام الرجل كاملة وواضحةَ المعالم.

قال الرقيب مخاطبًا السيد إلمهورست وهو ينظر بإمعان إلى مجموعة الآثار برُمتها من حيث يقف على الجوال: «يبدو لي أن تلك الآثار تروي قصتَها بوضوح. أليس كذلك؟»

أجابه ذلك الأخيرُ قائلًا: «هذا ما أراه أيضًا. تفسيري لها هو أن الرجل والمرأة سارا حتى ذلك المكانِ جنبًا إلى جنب، على نحو وُدي تمامًا على ما يبدو؛ ثم هاجم الرجلُ المرأة فجأة، ووقع عراكٌ انتهى بفرار المرأة وركضِها، ومطاردة الرجلِ لها.»

وافقه الرقيب قائلًا: «يبدو أن هذا ما حدث بالفعل، والسؤال الآن هو ما الذي حدث بعد ذلك؟ بالله عليكم، خُذوا حِذركم وأنتم تكشفون آثار الأقدام المتبقية.»

لكن التحذير لم يكن ضروريًّا؛ فقد كان المستكشفون جميعًا الآن على أُهبة الاستعداد، وبعد أن عُرِف موضع الآثار، استطاعوا أن يُباشروا العمل من على جانبَيها كي يتجنَّبوا خطر دهسها بأقدامهم.

قال الرقيب لبلاندي معقِّبًا: «من حُسن حظنا يا سيدي أن الآثار الأهمَّ بالنسبة إلينا هي الأوضح. لا بد أن الأرض هنا كانت مكشوفة حينها، ثم كسَتْها الأوراق بعد ذلك. آمُل فقط أن تكون الآثار المتبقية بذلك الوضوح.»

رد المفتش: «هذا لا يُهم كثيرًا. فنحن نعلم أنهما كانا هنا، ونعلم هُوية أحدِهما. السؤال الحقيقي هو ماذا حدث للمرأة؟»

بعد بِضع دقائق، بدَت إجابة ذلك السؤال وشيكة؛ ففي مواجهة الشجرة ذات العلامة المميزة، وعلى مساحة ممتدة لعدة ياردات بعدها، كان ثَمة مساحة من الأرض وُطِئت بقوة، حيث كانت آثار أقدام الرجل والمرأة متداخلةً ومختلطة حتى لم يكَدْ يُمكن تمييزُ أي آثار كاملة بينها. وتحقَّقت آمال الرقيب. كان من الواضح أن الآثار قد صُنِعَت على أرض مكشوفة، والقِلة الكاملة منها كانت عميقةً وشديدة الوضوح.

قال الرقيب: «حسنًا، يبدو أن عراكًا محتدمًا قد وقع يا سيدي. ولم يَسِر الأمر كما أراد الرجل. أتساءل كيف …»

لم يُنهِ سؤاله؛ إذ لم يكن المفتش مُصغيًا إليه. كان يبدو أنه لمح بنظره الثاقب شيئًا ما أمامه؛ فبعد نظرة طويلة ومتمعنة، صحِبَتها ابتسامةٌ واثقة، تقدم إلى الأمام فوق الأوراق التي لم تُزَح بعد حاملًا جِوالًا في كلتا يدَيه، حتى وصل إلى بقعة خلف الشجرة حيث كانت لا تزال عملية الإزاحة جارية. بسط عندها أحد الجِوَالَين ووقف فوقه، وانحنى ليُدقق النظر في الأرض عند قدمَيه. بعد دقيقة كاملة من التدقيق، اعتدل ونظر نظرة ذات مغزًى إلى الرقيب الذي كان يتبعه.

قال الرقيب: «أجل يا سيدي، أفهم ما تعنيه. هنا انتهى الأمر. ثَمة ثَلْمٌ محدد صنعه كعبُ حذائها عند انزلاقها، وثمة علامتان تُوضحان طرَفَي كعبَي حذائها. لا بد أنها كانت مستلقيةً على ظهرها كي تترك هاتين العلامتين. ويبدو لي أني أرى أثر جثتها.»

ردَّد المفتش في نفاد صبر: «يبدو لك! إنه واضحٌ كالشمس. لقد سقطَت فوق تلك المجموعة من آثار الأقدام فطمسَت بعضًا منها. بإمكانك أن ترى موضع ارتطام كتفَيها بالأرض، وفوقهما علامة غير واضحة حيث يُفترض أن يكون الرأس؛ وتحت أقدامنا مباشرة ثَمة موضع طُمِسَت فيه قليلًا آثارُ الأقدام حيث ينبغي أن يكون رِدْفاها قد استقرا. إنها ليست واضحة كثيرًا، لكنها في الموضع المناسب تمامًا.»

أخرج من جيبه شريطَ قياسٍ زنبركيًّا، وانحنى ليقيس المسافة بين علامتَي الكعبين حتى منتصف المساحة غير الواضحة المعالم التي تسطحَت فيها آثار الأقدام.

ثم عقب قائلًا وقد ثبَّت إبهامه على الشريط: «ثلاث وثلاثون بوصة، وطولها كان حوالي خمسة أقدام وسبع بوصات. السؤال الآن هو ماذا حدث بعد ذلك؟ لا يُمكن أن تكون قد نهضت دون أن تترك آثارَ أقدام مميزةً للغاية، ولا أرى أيًّا منها. لكن ثمة بضعة آثار واضحة جدًّا لقدمَيِ الرجل يبدو أنها طُبِعت فوق الآثار الأخرى. لنرَ إلى أين تقودنا.»

التقط جِوالَيه وتقدم سائرًا، يتبعه الرقيب، فوق أوراق الأشجار المكومة على جانب المسار الخالي من الأوراق، متتبعًا ببصره في حماس آثارَ الأقدام التي تكشَّفَت بفعل إزاحة الأوراق، حتى وصل إلى الموضع الذي لا يزال العمل على إخلاء سطحه جاريًا.

قال معقبًا: «ثمة خطٌّ واحد فقط من آثار الأقدام كما ترى. لكن لا أثر للمرأة، إن كانت قد قدِمَت بذلك الاتجاه، كان كعب حذائها على الأقل سيترك أثرًا واضحًا. ما رأيك بتلك الآثار؟ هل تراها غائرة إلى درجة غير عادية؟»

أجابه الرقيب: «كنت أتساءل عن ذلك الأمر لتوِّي. ينبغي أن تكون كذلك لو كان يحمل امرأةً ربما كان وزنها في مثل وزنه تقريبًا. لكن يصعب الجزم بهذا.»

قال بلاندي: «هذا صحيح، وحتى إن جزمت به، فهو مجرد رأي. ما نحتاج إليه هو القياسات الفعلية. أتساءل إن كان السيد بولتون قد أحضرَ معه عدة سَبْك قوالب الجص.»

قال الرقيب الذي كرهَ بعض الشيء وجود ذلك الدخيل غيرِ المنتمي إلى الشرطة: «إن لم تكن معه، فهي متوفِّرة معنا، ولدينا الكفاءة التامة للقيام بالمهمة.»

قال بلاندي وقد حرَص على استخدام ضمير المتكلم في كِياسة منه: «نحن كذلك بالطبع، لكن بولتون ليس كُفئًا فحسب، بل هو خبيرٌ من الطراز الأول أيضًا. يجب أن نرى إن كان قد أحضر عدته.»

لم يُواجها صعوبة في معرفة الإجابة؛ إذ كان السيد بولتون، الذي تحمس لاكتشاف وجود «آثار عراك»، يتبع المفتش متواريًا، مراقبًا العلاماتِ الدالةَ عليه بعينَين مغتبطتين. وعندما فاتحه المفتش في الأمر، التمعت عيناه.

أجاب في لهفة: «أجل يا سيدي. معي كمية وفيرة من أفضل أنواع الجص الخاص بالنحَّاتين، ومقدارٌ كافٍ من الماء للبدء. وبما أنك تريد تلك القوالبَ من أجل رفع القياسات، سيكون من الضروري تضمينُ سطح الأرض المحيطة بأثر كل قدم مباشرة.»

رد بلاندي: «بالضبط، تلك هي الفكرة. فلتمنَحْنا حافةً يُمكن قياسها.»

«وبالنسبة للمقارنة يا سيدي؟ بعد أن أَسبِكَ قالَبَ أحدِ تلك الآثار، هل تود أن أسبِكَ أحد قوالب آثار الأقدام حيث كان يمشي الرجلُ والمرأة جنبًا إلى جنب.»

«طبعًا، إن تكرمت. يجب أن يكون لدينا وسيلةُ مقارنة للتثبُّت مما إن كانت تلك الآثار أعمقَ من غيرها.»

بعد أن تلقى تلك التعليمات، أسرع بولتون إلى مدخل المعسكر حيث ترك عُدتَه، ثم عاد حاملًا حقيبةَ سفرٍ ثقيلةً وصفيحةً من الماء سَعتُها ثلاثة باينتات. اختار المفتش أحد آثار الأقدام لتكون نموذجًا، وميز السيد إلمهورست موضعها على نسخته من المخطَّط بحرفٍ معين، ثم فتح بولتون حقيبته وبدأ العمل. في تلك الأثناء، كان المستكشفون، الذين كانوا لا يزالون يقتفون أثر الأقدام، قد أجلوا خمسين ياردة أخرى من الأرض، أمكن تتبُّع آثار أقدام لسائرٍ واحد عبْرَها، لكنها تارة تكون غير واضحة حيثما كان يسير فوق غطاء سميك من أوراق الأشجار، وتارة تظهر بوضوح حيث كان يطأ الأرض مكشوفة. لكن في الوقت الحاليِّ، تركهم المفتش يعملون دون الالتفاتِ إليهم، فيما وقف مع الرقيب والسيد إلمهورست يُراقبون تعامل السيد بولتون مع الجص بسرعة ومهارة.

سأل المفتش: «ألا ترشُّ عادة مادةَ صقلٍ داخل تلك الآثار قبل أن تصب الجص بداخلها؟»

أجاب بولتون: «ليس في الطميِ يا سيدي. فالطمي — النديُّ كهذا — يقبل الجص بسرعة ويصنع قوالبَ محددةَ التفاصيل لدرجة بديعة. كما يجب أن نُراعيَ القياسات يا سيدي. فهي ستكون دقيقة جدًّا، وحتى طبقة خفيفة من مادة الصقل قد تُؤثر فيها.»

وافقه بلاندي قائلًا: «هذا صحيح جدًّا يا سيد بولتون. يجب أن نتحرى الدقة لأقصى درجة.»

وهكذا، تابع سابِكُ القوالب عمله، فصبَّ الجصَّ ووضع بداخله الأسلاك الحديدية الداعمة، وكان يُراقب السطح يتجمد حين أتى أحدُ المستكشفين مهرولًا وهو يُمسك بشيء ما بحرص بين سبابته وإبهامه.

قال وهو يُسلِّم الشيء — وكان زِرًّا خشبيًّا مطليًّا — إلى بلاندي: «لقد وجدنا هذا يا سيدي بين أوراق الأشجار عند سفح التبة. فرأيت أن من الأفضل أن أُحضره إليك على الفور.»

قال بلاندي وهو يأخذ منه الزرَّ وينظر إليه بشيء من الاهتمام: «هذا لطف بالغٌ منك. إذن فقد بلغتم التبة بالفعل؟»

«أجل، وثَمة آثارُ أقدام عليها — غير واضحة نوعًا ما لكن لا تُخطئها عين — وثمة غصن شجرة مكسورٌ يبدو أنه انكسر عندما حاول الرجل التشبُّث به وهو يصعد المنحدر.»

«وماذا عن آثار الأقدام؟ هل ثَمة أي أثر للمرأة؟»

«كلا، إلا إن كان ذلك الزر يعود إليها، وهو ما يبدو أمرًا محتملًا نوعًا ما.»

قال بلاندي: «هو كذلك، لكن الاحتمال لا يُفيدنا كثيرًا.» نظر إلى الزر متأملًا، ثم مد يده به إلى بولتون الذي أخذه منه وفحصه بدقة، ثم أعاده إليه.

قال متأسفًا: «لا أستطيع التعرف عليه يا سيدي، وليس من المفترض أن أفعل؛ إذ لم أرَ السيدة إلا قليلًا جدًّا. لكن ربما يستطيع السيد بيدلي التعرف عليه. فقد كان يراها كثيرًا؛ وها هو ذا يُقبِل علينا من المسار في هذه اللحظة.»

فيما كان توم يسير بتثاقل باتجاههم عبر الحافة المغطاة بأوراق الأشجار من المسار، ناداه المفتش ورفع يده إليه بالزر؛ فأسرع توم الخُطى.

قال بلاندي: «لقد التقط أحدهم ذلك الزر للتو يا سيد بيدلي. هل تستطيع أن تخبرنا بأي شيء عنه؟»

أخذه توم منه، وبعد نظرة خاطفة أجاب:

«أجل. إنه زرٌّ من معطف السيدة شيلر.»

قال بلاندي: «أراك تتحدث بثقة. هل تعني أن معطفها كان به أزرارٌ من ذلك النوع، أم أنك تستطيع التعرف على هذا الزر بالتحديد؟ إنه يبدو لي زرًّا عاديًّا شائعًا كتلك الأزرار التي يُمكِن أن يراها المرء في متجر «وولورث».»

أجاب توم: «لقد كان كذلك بالفعل في الأصل؛ مجرد زر خشبي عادي مغطًّى بطبقة وردية لامعة من مادة السِّلْيولوز. لكنها كانت تريد تزيينَ مجموعة الأزرار بتصميم ملوَّن، واستشارتني بشأن طريقة القيام بذلك. فنصحتها باستخدام ألوان الزيت العادية ووضعِ طبقة عازلة عليها من الكوبال؛ وبعد أن انتهت من الرسم عليها، لم يكن لديها طلاءٌ عازل من الكوبال، فأحضرتها إليَّ كي أضعَ عليها طبقة من العازل. وهذا قطعًا واحدٌ من مجموعة الأزرار تلك. لقد عرَفتُه فور أن وقعَت عيناي عليه؛ من المادة والأسلوب الفني والتصميم الذي أعتقد أنه يمثل زهرة من نوعٍ ما.»

قال بلاندي: «إذن بإمكانك أن تُقسم في المحكمة على أن هذا الزر هو بلا ريب من معطف السيدة شيلر؟»

أجاب توم: «بالطبع بإمكاني ذلك. فقد رأيتُ الأزرار مثبَّتة في المعطف — الذي كان لونه أخضرَ بالمناسبة — وها هو خيطٌ من الحرير الأخضر لا يزال بارزًا من ثقب الزر.»

قال المفتش وهو يتحقَّق من الأمر حين أعاد له توم الزرَّ: «أجل، هذا دليل شامل وقاطع تمامًا. أتمنى لو كان باقي الأدلة الأخرى مثلَه.»

وضع الزر بحرص داخل مظروف أخرَجه من محفظته، وبعد أن أودعه في جيبه الداخلي، التفتَ إلى المتطوع الذي جاءه به.

«سأعود معك كي تُريَني الموضع الذي وجدتَ فيه هذا الزر بالضبط. هل انتهَوا من إزاحة أوراق الأشجار عن التبة؟»

«كلا أيها المتفش. لقد بدءوا للتو؛ لكن آثار الأقدام كانت ظاهرة لنا على المنحدر؛ إذ لم تكن الأوراق مستقرَّة فوقه بكثافة.»

قال بلاندي: «إذن ربما يكونون قد كشَفوا عن شيء آخرَ الآن»، وانطلق عبر حافة المسار يُرافقه مُخبره، ويتبعه الرقيب والسيد إلمهورست، لكن دون بولتون، الذي لم يجرؤ على ترك قالَبِه الجصيِّ الذي لم يكتمل بعد.

حين وصلَت المجموعة إلى التبة، كان هناك ما يُبرر حَدْس المفتش المستبشِر. فقد كانت آثار الأقدام على المنحدر الشديد الانحدار، مع كونها غيرَ واضحة، تروي القصة بوضوح كافٍ. لقد صعد الرجل المجهولُ الهويةِ التبةَ أكثر من مرة، مستندًا فيما يبدو إلى الأغصان الدانية لشجرة من أشجار الزان المقلَّمة، والتي لم يتحمَّل أحدها وزنَه فانكسر. في أحد المواضع، أظهرَت علامةٌ مستطيلة موضع انزلاقه، وفي موضع آخر، كانت آثار الكعب الغائرةُ دليلًا على أنه نزل من التبة إلى المعسكر مرة على الأقل.

قال الرقيب معقبًا: «يبدو كما لو كان قد صعد التبة كي يرى إن كان ثَمة أحد على الجانب الآخر، ثم عاد أدراجه ليجلب شيئًا ما؛ وبوسعنا أن نُخمن ماذا كان ذلك الشيء.»

قال بلاندي: «لا حاجة بنا إلى التخمين. انظر إلى هذا.»

من حيث كان واقفًا على أوراق الأشجار المكومة على جانب المسار، أشار إلى أثرَين صغيرين ومبهَمين على المساحة المكشوفة من الأرض، كلٌّ منهما يُصاحبه سنٌّ صغيرة ذات حافةٍ حادة.

وافقه الرقيب وهو ينحني للأمام بحماس قائلًا: «أنت مُحِق يا سيدي. تلك آثار الجزء الخلفي لكعبِ حذاء. وتلك العلامات الصغيرة ذاتُ الحواف الحادة تُبين أنها لقدمَيِ امرأة، فلا يمكن لكعبِ حذاءِ رجُل أن يترك علامةً كتلك.»

في هذه اللحظة جاء بولتون مهرولًا وهو يحمل حقيبته وصفيحة المياه. وضع الحقيبة فوق أوراق الأشجار، ثم فتحها وأخرج صُرَّة من الكتَّان، فتحها وأخرج منها القالَبَ المسبوك حديثًا، وقدمه للمفتش.

نظر إليها الرقيب وضحك ضحكة مكتومة. قال: «إنه مدهش للغاية، يبدو تمامًا كنعل حذاء أبيض، ولأغراض المقارنة، فهي تقوم مقام الحذاء نفسِه. ما رأيك يا سيدي في أن يصنع السيد بولتون قالبًا لهاتَين العلامتين؟»

«هذا ما كنت أُفكر به بالضبط أيها الرقيب. ما قولك يا سيد بولتون؟ هل معك ما يكفي من الجص؟»

«معي ما يكفي لسبكِ ثلاثة أو أربعة قوالبَ أخرى إن استخدمته بحرص، وهذه العلامات الصغيرة غير العميقة لن تتطلب الكثير. سيكون معي ما يكفي لتلك الآثار الأخرى التي نحتاج إلى صُنع قوالب لها.»

قال بلاندي: «شكرًا لك، هذا مهم للغاية؛ فالقوالب المصبوبة ستُبين على الأرجح شكل الكعبين بوضوح أكبر.»

وهكذا شرع بولتون في العمل فورًا، فيما تابع المفتش معاينته للتبة، فصعد إلى قمتها وفحص الأرض بدقة شديدة. هنا وجد آثارًا غير واضحة لشيء جُرَّ عبر القمة، والأهم من ذلك أنه وجد خيطًا صغيرًا من الحرير الأخضر على الطرَف المسنن لغصن مكسور. وضع هذا الخيط الحريري في المظروف الذي يحوي الزر ودوَّن عليه من الخارج ملاحظة توصيفية. ثم نزل المنحدر في الجهة الخارجية للتبة، وعاين الأرض عند قاعدته بحرص شديد. لكن هنا كانت الشواهد العينية غيرَ مبشِّرة إلى أقصى حد؛ إذ كان يقف الآن في الطريق الأخضر، ذلك المرج القديم المطروق الذي لا تنطبع عليه أيُّ آثار أقدام على الإطلاق، وهو ما تحقق منه بالسير بِضع خطوات نزولًا، فلاحظ أن قدمَيه لم تتركا أيَّ أثر فيه.

قال باغتمام للسيد إلمهورست الذي كان يتبعه هو والرقيب: «حسنًا، يبدو أن الأثر ينتهي هنا. هل بإمكانك أن تتبيَّن في أي اتجاه سار؟»

هز إلمهورست رأسه نفيًا. «لا شيء أخفَّ وزنًا من حصان من شأنه أن يترك آثارًا ظاهرة على هذا المرج. يجب أن نُحاول اقتفاء الآثار من مسافةٍ أبعد، لو كان حقًّا حمَل الجثة إلى خارج المعسكر. فمن غير المؤكد أنه فعل. ونحن لم نفرغ بعدُ من إجلاء السطح، وحتى نفحص المعسكر بأكمله، لا يمكن أن نكون واثقين من أن الجثة ليست مخبَّأة بداخله.»

لكن ذلك التشجيع الواهيَ لم ينجح في طمأنةِ المفتش.

قال موافقًا: «هذا صحيح، لكننا اقتفينا الآثارَ حتى قمة التبة، ومن الواضح أنه سلك ذلك الاتجاه. ومع ذلك، أنت محقٌّ تمامًا. يجب ألا نترك أي احتمال دون التأكد منه.»

وهكذا توقفت الملاحقة مؤقتًا في الوقت الحالي. عاد إلمهورست إلى المستكشفين واستأنف فحصه المنهجي للمعسكر؛ وبعد أن أنهى بولتون صنع القالبَين المصبوبين الصغيرين (اللذين أظهَرا بوضوح عَقِبَي حذاءٍ نسائي ذي كعب عالٍ)، سار عائدًا متبعًا تلك الآثارَ وصنع قالبًا لأثرِ قدم الرجل حيث كان يسير مع رفيقته ليكون «مرجعًا للمقارنة»، وآخرَ لآثار قدمَي المرأة في المكان نفسِه، وثالثًا لقدمي الجسد الذي طُرِح أرضًا بالقرب من الشجرة؛ وفي كل هذه الحالات الثلاث، التقط صورة فوتوغرافية للآثار قبل صب القوالب.

كل هذا، إلى جانب فترات التوقُّف الضرورية من أجل الراحة وتجديد النشاط، استغرق وقتًا، وكان ضوء النهار قد بدأ يخفت بالفعل حين بحث السيد إلمهورست عن المفتش كي يُخبره بالتطورات.

قال: «هي ليست هنا أيها المفتش. لقد فحصنا كلَّ بوصة من المعسكر، ولم نجد أيَّ أثر لاضطرابٍ في سطح الأرض. بالطبع لم يكن هذا البحثُ الدقيق ضروريًّا، لكنه جاء بالنفع. فهو يحسم الأمر دون أن يدعَ أي مجال للشك.»

وافقه بلاندي قائلًا في تجهُّم: «هذا صحيح. لكنها نتيجة مخيبة للآمال.»

أقرَّ إلمهورست قائلًا: «أخشى أنها كذلك. لكنها مع ذلك حاسمة، ولا تغلق التحقيق»، ثم أضاف بنبرة تشجيعية: «إن لم تكن هنا فلا بد أنها في مكان آخر. لا يزال أمامك احتمالات قائمة فيما تبقَّى من الغابة، بما فيها من بِرَك وبحيرات.»

ابتسم بلاندي ابتسامة أقلَّ وُدًّا من المعتاد. قال: «لا أستسيغ فكرة تجوُّل رجلٍ في الغابة حاملًا جثةَ امرأة ذات وزن كبير نوعًا ما، حتى وإن كان ذلك ليلًا. مع ذلك، أعتقد أننا يجب أن نضع هذا الاحتمال في الاعتبار.»

وهكذا انتهت حملة الاستكشاف، التي بدَت مبشرة للغاية في الصباح، على نحو غير مرضٍ. ولم تكن تلك هي نهايةَ البحث. ففي الأيام التالية، جابت الشرطة، بمساعدة حراس الغابة والأعضاء المحليِّين للنادي الميداني ساحات الغابة المفتوحة وأجَماتها التي كانت الأوراق المتساقطة تكسو أرضيتها الآن، بحثًا عن أثر للمرأة المفقودة، لكن دون جدوى. فقد مُشِّطَت البرك عند منطقة كوكو بيتس والعديد من المسطحات المائية الأخرى، وفُتِّشت ضفاف الجداول بحثًا عن آثار أقدام، لكن ذلك لم يُسفر عن شيء. حين انتهي كلُّ ذلك، وتُرِك البحث أخيرًا، تبين أن المفتش بلاندي كان مُحقًّا في حكمه. كانت العلامات التي وُجِدَت على قمة التبة بالفعل هي «نهايةَ الأثر». هناك اختفت لوتا شيلر، سواءٌ أكانت حيةً أم ميتة؛ إلى أين ذهبت وفي أي حال، لا أحد يعرف. ذهبَت آخذةً معها سرَّ مقتل إيما روبي الغامضِ واسمَ قاتلها (هذا إن كانت تعرفه).

لا شك أن الشرطة لم تنسَها وتابعت تحقيقاتها بشأنها؛ لكن إن صحَّ ذلك، فلم تُسرَّب أي همسات عن أي اكتشاف جديد. كان السيد بولتون، الذي استقر ملفه المكتظ بقُصاصات الصحف في مكانه المناسب الآن على أحدِ الأرفف، يرى في هذا الفشل خيبةَ أملٍ شديدةً تمنى ألا تكون هي النهاية. أما بالنسبة إلى توم بيدلي فكان بمثابة انفراجة؛ ومع مرور الأسابيع حتى صارت شهورًا وأضْحَت الشهور سنواتٍ، تلاشت ذِكرى تلك الأحداث المفجعة من ذاكرته تدريجيًّا، حتى لم يبقَ منها ما يُسبب له أي ألم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤