بذور للزارعين

جاءتني من الأستاذ ناصر الدين البغدادي هذه الكلمة الشديدة تصحبها بعض غراس من مغرس أفكاره الكريم:

أبقاك الله أيها الريحاني ومتع بك، اعلم أنني زرعت من «بذورك» في مزرعتي فلم تنبت إلا قليلًا، وهذا القليل سريعُ النشوء سريع الذبول، وقد بعثت بمثال منه إلى ناظر الزراعة في العاصمة ليفحص ويحلل علنًا نهتدي إلى أسباب السقم فيه فنتلافاه، وإخال أن مكروبًا غريبًا كامنًا في «بذورك» يحول دون نموها، وهاك مثال من الغراس «البلدية» السليمة الجيدة وما أقلها وا أسفاه! أغرسها في بستان أدبك ليتمتع بثمارها الناس، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.

ناصر الدين البغدادي

وقد غاب عن سيدي الأستاذ أن المكروب الذي أشار إليه قد يكون في التربة لا في البذور نفسها، وليته بعث بمثال منها أيضًا إلى «ناظر الزراعة في العاصمة.»

أما الغراس التي تفضل بها فهاك بعضها.

يبقى الملك بالعدل مع الكفر، ولا يبقى بالجور مع الإيمان.

حديث شريف

السلطان الكافر العادل إذًا أفضل من السلطان المسلم الجائر.

•••

أتخشون الموت أيها الناس ولا تشعرون بموت أنتم فيه، إن عظامًا في الأجداث بالية لخير من هاته الأشباح التي تتمشى في أسواق المدينة.

•••

أصلحك الله أيها الأديب المصلح! أتمسح حذاءك ثلاثًا كل يوم ولا تمسح نفسك مرة في السنة؟ أبماء الوجه تغسل يدك الأثيمة وتلحف بماء الورد مثل العاهر البغي نتاناتك؟ أتجرد يراعك على النائين من الظلام وأمام أسيادك الطغاة العتاة تُعفِّر وجهك، إلى النار بيراعك وإلى «البويجي» بنفسك لا بحذائك.

•••

مارك الله أيها الأمير، فإن من تطريهم من العرانين، يصرون الدرهم بالقلشين، ومن تنصرهم من الغطاريف، يعوذون بالله الرغيف، وأصحابك الأعيان، الباقي في خاتم مجدهم فص أو فصان، يبتاعونك غدًا برتبة ونيشان، انتصح مارك الله ورعاك، واطرق باحثًا عن رزقك غير هذا الباب.

•••

نظرة في الهيئة الاجتماعية الشرقية صائبة ترينها مركبة في الإجمال من طبقتين من الناس، الساهرين والنائمين، الظالمين والمظلومين، المغتصِبين والمغتصَبين، أما النائمون فينهضون بعد طويل الرقاد أقوياء أشداء، فيظلمون أبناء الليل اللصوص وقد أصبحوا كهامًا سفهاء.

•••

روى أبو داود في سننه أن النبي قال: «سيأتيكم ركبٌ مبغضون يطالبون منكم ما لا يجب عليكم فإذا سألوا ذلك فأعطوهم ولا تسبوهم وليدعوا لكم.»

وهل كان أبو داود جاسوسًا للأغيار فلفق الحديث؟ وهب أن النبي نصح مرة هذا النصح لقومه أيرضى أن يكونوا مستذلين مستعبدين مدى الدهر؟ أحديثًا تقدسون! أسيفًا للباغي تصقلون وتشحذون؟ أجواهر للطغاة تصوغون؟ وايم الله إن جواهر في تاج الظالم لأغلال في أيدي الأُمَّة، وإن سلامة الشرق والشرقيين لفي تحطيم التيجان والأغلال.

قال ابن مسعود: قال لنا النبي: إنكم سترون بعدي أثرة وأمورًا تنكرونها، قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: أدوا إليهم حقوقهم واسألوا الله حقكم، إن في هذه الحكمة طريقان قويمان إلى عرش الكفر وسجن الإيمان، في هذه الحكمة الشرقية وأمثالها يحلل الظلم ويقدس الاستعباد، قوم يسودون لا واجب عليهم غير البلص والاغتصاب، وقوم مستعبَدون تعوَّدوا أن يسمعوا طائعين، ويسلموا صابرين ساكتين، ومعاذ الله أن تكون هذه سنة الحياة القويمة. إن عكس الآية في الشرق لهي عندي عين الحكمة، خذوا حقوقكم من الظالمين أيها الناس ومتعوهم على المشانق بحقوقهم.

•••

لا تأمن شر الاغتصاب إلا إذا اقتلعتَ عينَه، الاغتصاب دَاوِهِ بالاعتصاب.

•••

إن بدويًّا منتهى البلاغة عنده قوله: لا أو نعم لَأفضل من أولئك الأُدباء المتحذلقين والسياسيين المرائين الذين يقضون حياتهم بين اﻟ «لا» واﻟ «نعم» مصانعين مذبذبين منافقين.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤