تمهيد

أمران يضيق بهما الكاتب ذرعًا؛ قلة المادة حتى تَقصُر عن مراده، وكثرتها حتى تزيد عليه. والثاني شأن من يحاول أن يلخص في صحف قليلة سيرة ملكة عظيمة جلست على سرير المُلك ستين عامًا، وساست نحو أربعمائة مليون من البشر في مشارق الأرض ومغاربها، وشدَّت أزرها بأحكم الوزراء وأدهى رجال السياسة، فارتقت بلادها في عهدها ارتقاءً لا مثيل له في عصر من العصور؛ فإن المادة غزيرة تملأ مجلدات كثيرة ومجال البحث واسع لا يتسنى للمؤرخ أوسع منه، ولكن تلخيصه في صحف قليلة يوقع الكاتب في حَيرة فيتردد بين الإقدام والإحجام. غير أن مناقب هذه الملكة العظيمة، وتشوُّف المشارقة إلى استطلاع أخبارها والوقوف على سر السياسة التي ارتقى بها شعبها هذا الارتقاء النادر المثال، وخلو اللغة العربية من كتاب سطَّر فيه تاريخها وانضواء ملايين كثيرة من المتكلمين بها تحت اللواء البريطاني؛ كل ذلك حملنا على استخفاف المشاق والجري في هذه العقبة الكئود، فجمعنا الفصول التالية معتمدين على ما كتبه مترجمو حياتها، وعلى ما طالعناه في كثير من المجلات العلمية، وسنوجز المقال على قدر الإمكان.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤