الحرارة والعمارة
مقدمة
علاقة الإنسان بالعمارة والحرارة علاقةٌ وطيدة جدًّا، وقد تطوَّرَت هذه العلاقة منذ سالف الأزمان؛ ففي بعض الأماكن كانت تُبنى المساكن بحيثُ تكون معزولةً عن الحرارة الخارجية، كما في المناطق الصحراوية والجافة. وفي أماكنَ أخرى كانت تُبنى لتمتص أكبر قَدْر من الحرارة الخارجية أو تخزِّن أكبر قَدْر من الحرارة الداخلية، كما في المناطق الباردة.
وحتى يحقِّق الإنسان هاتَين الغايتَين تم ابتكار طرائقَ وموادَّ كثيرة للعزل الحراري عن الوسط الخارجي، كما ابتُكرَت وسائلُ كثيرة للتدفئة الداخلية والحفاظ على درجة حرارة الوسط الداخلي بحيث يكون مريحًا في مختلف الظروف.
سنبحث في هذا الفصل مختلف الوسائل والأساليب التي كانت مُتَّبعة من قِبل القدماء بمن فيهم العرب للحفاظ على درجة حرارة أجسادهم وبقائهم في أفضل ظروفٍ للحياة.
المبحث الأول: تدفئة المباني
وقد كان يَتبعُ وسيلتَين لتدفئة المباني؛ إمَّا بوساطة أشعة الشمس أو بوساطة المدافئ الصنعية.
التدفئة بوساطة أشعة الشمس
سبق وتحدثنا في فصل سابق عن علاقة البشرية بالشمس، هذه العلاقة التي بدأَت من باب المَنفعة ثم انتقلَت لطَور العبادة ثم عادت لطَور الاستثمار حاليًّا. وأحد أوجه المنفعة كان تدفئة المنازل بأشعَّتها الحارة إضافةً لنورها.
اليونانيون
الرومان
العرب
لقد عاش المسلمون في بيئاتٍ مختلفة، لكلٍّ منها مشكلاتها وخصائصها؛ إذْ بعض هذه البيئات كان شديد البرودة في الشتاء، كما في هضاب إيران وأفغانستان والأناضول في تركيا. وبعضها الآخر كان حارًّا، كما في مناطق الخليج العربي وإندونيسيا، أو جافًّا كما في مناطق الصحارى، مثل السعودية ومصر وأفريقية. وقد كانت أُسس تصميم الأبنية في المناطق الحارَّة تهدف لتحقيق هدفَين أساسيَّين:
- الأول: في فصل الصَّيف تكون هناك حاجةٌ للتبريد، فيؤخذ بعين الاعتبار تجنُّب أشعة الشمس وامتصاص الحرارة، مع مُحاولة خسارة الحرارة داخل المبنى نفسه.
- الثاني: في فصل الشتاء تكون هناك حاجةٌ لاكتساب الحرارة، فيؤخذ بعين الاعتبار امتصاص الحرارة من الشعاع الشمسي، مع محاولة تقليل الحرارة داخل المبنى نفسه.
وقد اعتمد المهندس العربي والمسلم على موارد الطبيعية المتوفِّرة في البيئة والمتجدِّدة، مثل طاقة الشمس والرياح، والتي تم الاستفادة منها كما يأتي في حل مشكلاتهم البيئية:
-
(١)
توفير الظلال من خلال الحماية من الإشعاع الشمسي.
-
(٢)
تحريك الهواء من خلال التخطيط التقليدي للمدينة، الذي يعتمد على فكرة الشوارع الضيقة والأفنية المكشوفة (داخل المباني).
-
(٣)
تحقيق التهوية الطبيعية باستخدام عناصر معمارية مُعيَّنة كملاقف الهواء.
-
(٤)
تنظيم درجة الحرارة ليلًا ونهارًا، وذلك باستخدام مواد بناء مُعيَّنة كالطين والتبن مثلًا.
-
(٥)
تعديل نسبة الرطوبة في الجو من خلال زيادتها في المناطق الجافة باستخدام المياه.
-
(٦)
الاعتماد على الإضاءة الطبيعية في المباني من خلال استعمال بعض العناصر المعمارية، ومعالجة ظاهرة الإبهار Glare من خلال استعمال المشربيات والفتحات الضيقة.٩
- (١)
النظام البُخاري: ويعمل باستخدام قِدْر معدني في منتصف المسجد تحت منطقةٍ محدَّدة؛ بحيث يُوضع الخشب لتسخين الماء، وتتم التدفئة بوساطة الإشعاع من المعدن، أمَّا البخار والدخان فتجمع في أنابيب تُطرح للوسط الخارجي.
- (٢)
النِّظام الطوخانة: حيث يُمرَّر تحت الأرضية هواءٌ ساخن عَبْر مَمرَّات ثم يُجمع في طرف المبنى بعد أن يفقد حرارته للتصريف.
التدفئة بوساطة المدافئ النارية
المبحث الثاني: الحماية من النار
شعَر الإنسانُ بأنَّ النار نقمة، وليست دومًا نعمة؛ فالحرائق المُدمِّرة التي تُسبِّبها للغابات والمنازل، وحتى أضرار الحروق التي تُلحِقها بالإنسان إذا ما لامَسَته؛ كلُّها أمور تُوجِب التفكير بالبحث عن وسائل للحماية من النَّار والسَّيطرة عليها إذا ما اندَلعَت ألسنة اللهب تأكل الأخضر واليابس.
وسائل الحماية عند الرُّومان والفرس
وسائل الحماية عند العرب
- (١) منع أصحاب الحِرف التي تستخدم مواقد صهر المعادن أو غيرها أن يفتحوا محالَّهم في الأسواق التي تكون فيها مَحال بيع القماش.٢٤
- (٢) منع أصحاب الأفران وورش صناعة الزُّجاج من جعل الحطب على مقربة من النار، خشية أن يصله شيءٌ منها فتتسبَّب بحريق.٢٥
- (٣) يجب على الحدَّادين أن يتخذوا حُجبًا حاجزة بين مَحَالِّهم وبين الطريق الذي تُشرِف عليه محالهم، خشية أن يتطاير شيءٌ من الشرر إلى الطريق، فيؤذي الناس أو الدواب، أو قد يصيب مادةً قابلة للاحتراق.٢٦
- (٤) يُمنع أصحاب المطاعم مُمَارسة عملهم في منتصف الليل أو وقت السحر، خشية أن يحدُث حريق والناس نيام، كما يُمنع الخبَّازون من العمل قبل الفجر؛ نظرًا لأن هذا الوقت يقل فيه التركيز بسبب النعاس.٢٧