الفصل الرابع

المنظر الأول

في كنيسة

(يدخل دون بدرو، دون جون، ليوناتو، القس فرانسس، كلوديو، بنيديك، هيرو، بياتريس، والحاشية.)

ليوناتو : أقبل أيها القس فرانسس وأوجز.
فلا تتجاوز الصيغة المألوفة في عقد القران، واترك شرح واجبات الزوجين إلى ما بعد.
القس : هل جئت هنا يا مولاي لتتزوج هذه السيدة.
كلوديو : كلا.
ليوناتو : ليقترن بها أيها القس. وقد جئت أنت لتزويجهما.
القس : هل جئت أيتها السيدة لتقترني لهذا الكونت.
هيرو : نعم.
القس : إذا كان أحدكما يعرف عائقًا خفيًّا يحول دون قرانكما فإني أناشده بحق نفسه عليه أن يفضي به.
كلوديو : هل تعرفين شيئًا كهذا يا هيرو؟
هيرو : كلا، يا مولاي.
القس : وهل تعرف أنت يا كونت؟
ليوناتو : أجترئ فأرد عنه نافيًا.
كلوديو : كم من امرئ يجترئ على أن يفعل، وكم من رجل يجوز له أن يفعل، وكم من أناس في كل يوم يفعلون وهم لا يعلمون أنهم يفعلون.
بنيديك : ما هذه الألفاظ كلها؟ إن بعضها أشبه بعلامات الضحك، كقولك آه — هأ … هي!
كلوديو : تنحَّ قليلًا أيها القس، ودعني أسألك يا أبي١ هل أنت واهبي هذه العذراء ابنتك بنفس طائعة مختارة؟
ليوناتو : كما وهبنيها الله بمشيئته ورضاه.
كلوديو : وماذا تسألني لقاءها، حتى يتكافأ وهذه الهبة النفيسة الغالية؟
دون بدرو : لا شيء إلا أن تردها إليه.
كلوديو : أيها الأمير العزيز، إنك تعلمني نبل العرفان بالجميل، أي ليوناتو. خذها، ولا تعطِ صديقًا لك هذه البرتقالة العفنة، فليس عليها من شرف العذراء غير مظاهره.
انظر إليها كيف يتورد محياها خجلًا، يا لله! ما أقدر الخطيئة النكراء، على إخفاء ذاتها بميسم الصدق. أليس هذا الحياء على الطهر والنقاء دليلًا متواضعًا؟ وأنتم يا من تنظرون إليها ألا تقسمون إنها لعذراء، حين ترون هذه المظاهر الخارجية؟ ولكنها ليست كذلك. لقد عرفَت حرارة الفراش ودفيء المضجع، وليس تورد وجهها حياءً، بل استنكافًا من جرمها واستخذاء.
ليوناتو : ماذا تعني بهذا يا مولاي؟
كلوديو : أعني أنني لن أتزوج.
ولن أربط روحي بامرأة آثمة ثبت الجرم عليها.
ليوناتو : إذا كنت يا مولاي العزيز بما لك من قوة الحجة قد استطعت أن تتغلب على مقاومة شبابها وهزمت عذرتها … فإن …
كلوديو : أعرف ماذا كنت قائلًا لو أنني عرفتها من قبل وخبرتها. ستقول إنها اعتنقتني بوصفي زوجها، وفي هذا ما يخفف من إثم التعجل.
ليس الأمر كذلك يا ليوناتو، فما أغريتها يومًا بكلمة عوراء، بل رحت كأخ لأخته أبدي لها الإخلاص الحيّ والحب النقي.
هيرو : وهل كنتُ يومًا غير ذلك نحوك؟
كلوديو : سحقًا لك، أيها الرياء، لأكتبن عنك٢ ولأندّدنّ بك، إنك لتظهرين شبيهة بديانا في فلكها،٣ وفي مثل نقاء الزهرة في كمها، قبل أن تهب عليها الأنفاس، بل إنك لأحرّ دمًا من فينوس،٤ وأطغى بهيمة من تلك الحيوانات المرفهة، التي تحتدم الشهوة فيها احتدامًا.
هيرو : هل مولاي سليم وهو يتكلم على هذا النحو البعيد من الصدق؟
ليوناتو : أيها الأمير الكريم، لماذا لا تتكلم؟
دون بدرو : ماذا أقول؟
إنني أقف الآن مثلوم الكرامة، وأنا الذي سعيت في ربط صديقي العزيز بامرأة لا شأن لها ولا قدر.
ليوناتو : أأسمع حقًّا، أم أنا في حلم.
دون جون : إنك تسمع، وإن ما تسمعه لحق.
بنيديك : ليس هذا من مظاهر العرس.
هيرو : حقًّا … رباه!
كلوديو : أي ليوناتو، أتراني في هذا المكان واقفًا؟ وهل هذا هو الأمير وهل هذا أخوه؟ وهل هذا وجه هيرو، وهل هذه حقًّا أعيننا؟
ليوناتو : كل هذا صحيح، ولكن ماذا تعني يا مولاي؟
كلوديو : دعني أوجه سؤالًا واحدًا إلى ابنتك، وَأْمُرْها بحق سلطانك الأبدي الرفيق عليها أن تجيب عنه صدقًا.
ليوناتو : آمرك وأنتِ ابنتي أن تفعلي.
هيرو : رب، خذ بيدي، فقد أحيط بي، بأي اسم تدعو هذا الاستجواب؟
كلوديو : أريد أن أحملك على جواب صادق يكشف عن اسمك.
هيرو : أليس اسمي هيرو؟
فمنذا الذي يستطيع أن يدنسه بمعاب صحيح.
كلوديو : ذلك ما تستطيعه هيرو نفسها، فهي التي تستطيع أن تمحو شرفها. خبريني مَن ذلك الذي كان يتحدث إليك ليلة أمس؟ تحت نافذتك بين الثانية عشرة والواحدة؟ إن كنت حقًّا عذراء فأجيبي.
هيرو : لم أتحدث إلى أحد في تلك الساعة يا مولاي.
دون بدرو : أنت إذن لست عذراء.
يا ليوناتو يحزنني أن أنبئك، مقسمًا بشرفي وشرف أخي وشرف هذا الكونت الكليم المحزون، إننا رأيناها وسمعناها في تلك الساعة من الليلة البارحة تكلم وغدًا مجرمًا من نافذة مخدعها، وقد اعترف فعلًا شأن السافل المستهتر، باللقاءات الأثيمة التي جرت سرًّا بينهما مئات المرات.
دون جون : العار. العار!
إن هذه اللقاءات لا تُحصى يا مولاي ولا توصف، فليس في اللغة من العبارات العفة، ما يكفي المرء من غير سوء أن يفوه بها.

إنني لآسف أيتها السيدة الحسناء، لهذا المسلك الأثيم الذي سلكته.
كلوديو : أي هيرو، لقد كنت تروحين اسمًا على مسمى٥ لو أن نصف هذا الجمال الظاهر الذي أوتيته، أحيط بدوافع قلبك وخوالج فؤادك! ولكن سعدت حالًا يا من جمعت بين أشد الدنس، وأبهى الحسن. وداعًا أيها الدنس النقي، وداعًا أيها النقاء الدنس،٦ في وجهك سأغلق جميع أبواب الحب، وعلى أجفاني سأعلق الريبة، حتى أرى كل جمال أذًى وضرًّا، فلن أُفتن به يومًا.
ليوناتو : ألا من خنجر هنا أغيبه في هذا الصدر؟

(يغمى على هيرو.)

بياتريس : ما هذا يا ابنة العم، ولماذا تخرين مغشيًّا عليك؟
دون جون : هلموا بنا إن الأمر قد وضح، فخنق أنفاسها خنقًا.

(يخرج دون بدرو ودون جون وكلوديو.)

بنيديك : ماذا بها …؟
بياتريس : أحسبها قد ماتت — الغوث يا عماه …
هيرو، هيرو …! عماه … سنيور بنيديك، أيها القس …
ليوناتو : أيها القدر، لا تنزع يدك الثقيلة الداهمة عنها، إن الموت خير ساتر لعارها، وأحسن غطاء نتمناه لها.
بياتريس : … هيرو ابنة العم، ما الذي دهاك؟ أفيقي.
القس : رَوّحي عنك يا سيدة ولا تراعي.
ليوناتو : أتفيقين؟
القس : أجل، ولم لا؟؟
ليوناتو : لم لا؟؟ ألا ترى أن كل شيء في الأرض ينادي بعارها؟ أتستطيع أن تنكر القصة التي طبعها العار على وجهها؟ لا تحيَي يا هيرو ولا تفتحي عينيك. ولو كنت أظن أن الموت غير معاجلك، وكان في حسباني أن روحك أقوى من عارك، لانتزعت بنفسي الحياة منك انتزاعًا، عقب ما وجهه إليك من تأنيب.
وا حُزني، ووا فجيعتي. وليس لي إلا ابنة واحدة، أفأعيب على الطبيعة بخلها!

أواه. إن واحدة من طرازك لكثير. لمَ رزقتُ واحدة؟ ولماذا كنت على الدهر جميلة في عينيّ؟ ولماذا لم يقدر لي رحمة وإحسانًا، أن أكون السائل المتكفف عند بابي؟ أنا الذي تلوث على هذا النحو عرضه! وتلطخ بالعار اسمه!

لقد كان في إمكاني أن أقول، إنها ليست في شيء مني. وإن إثمها جاء من صلب مجهول، ولكنها ابنتي التي أحببت وأعززت، ابنتي التي أشدت بها ونوّهت، وفاخرت بها الناس وباهيت، إنها مني بل أكثر، حتى لقد ذهبت في الغلو بقدرها، أحسب نفسي ليست لنفسي. وإنني لا أملك لذاتي بعدها شيئًا. فإذا هي، أواه، إذا هي تتردى في هوة من مداد، إذا أريد منه تطهيرها، لنفد البحر قبل أن تطهر منه.

ولما كفى ملح البحر لتطهير لحمها الملوث.
بنيديك : سيدي. سيدي. صبرًا، بعض هذا الحنق، إنني من فرط العجب لا أدري ماذا أقول.
بياتريس : أواه … ونفسي التي بين جنبي، إن ابنة عمي ضحية إفك وافتراء.
بنيديك : هل كنت ليلة أمس يا سيدتي نائمة معها في فراش واحد؟
بياتريس : كلا … في الحق. وإن كنت طيلة هذا العام أرقد معها إلا الليلة الماضية فلم أفعل.
ليوناتو : لقد حصحص الحق … إن هذا ليزيد الحجة قوة، وإن كانت من قبل قد سيجت بقضبان من حديد، أفيكذب الأميران، ويفتري عليها كلوديو، الذي أحبها الحب كله، وراح في الحديث عن رجسها يغسله بالدموع. ألا بعدًا لها … دعوا الموت يخترمها.
القس : استمع لي هونًا ما.
فقد اعتصمت بالصمت كل هذه اللحظة، وتركت المقادير تجري في أعنّتها، لقد لاحظت وأنا أرقب حركاتها وسكناتها، أطيافًا من حياء تتوارد على وجهها، وأخرى بريئات في مثل بياض وجوه الملائكة، تغالب ذلك الخجل وتلاشيه، ثم بدت في عينيها شعلة نار تحرق الإفك الذي أقامه هذان الأميران على صدق عذرتها. فلتدعني مغفلًا ولا تثق بما قرأته، ولا تركن إلى ملاحظاتي التي طبعتها التجارب بخاتمها مؤكدة صدق قراءتي، ومضمون حكمتي. لا تثق بكبر سني ومركزي، وقدسية معرفتي، إذا لم تكن هذه السيدة الحسناء بريئة من الإثم، ولكنها ضحية خطأ أليم.
ليوناتو : لا يمكن أن يكون الأمر كذلك أيها القس، ألا ترى أن الكفارة الوحيدة التي بقيت لها أنها لا تضيف إلى إثمها إثمًا آخر، وهو القسم زورًا. أنها لم تنكر. فلماذا تريد أنت أن تستر بالأعذار ما بدا في صورته الحقة؟
القس : سيدتي، أي رجل هذا الذي تُتهمين به؟
هيرو : يعرفه الذين اتهموني، أما أنا فلا أعرف أحدًا، ولو عرفت عن أحد من الأحياء أكثر مما يبيحه حياء العذارى، فلتنأ الرحمة عن كل خطاياي، أبت إن ثبت لك أني تحدثت مع رجل في ساعة لا يسوغ فيها الحديث، أو أني تبادلت ليلة أمس الكلام مع مخلوق، فابرأ مني وامقتني، وعذبني حتى أموت.
القس : أحسب الأمراء قد وقعوا في خطأ عجيب.
بنيديك : إن منهم اثنين هما مثال النزاهة والشرف، فإن أخطأهما الصواب في هذا الأمر وضلا سبيل الحكمة، كان هذا الكيد من تدبير جون النغل الذي دأبت نفسه على الشر.
ليوناتو : لست أدري، ولكن إذا كان الحق ما قالوا عنها فسأقطعنها بيدي إربًا. أما إذا كانوا فيما تناولوا به شرفها ظالمين، فوالله لأحاسبن أشدهم اعتدادًا بنفسه وأكثرها كبرياء، إن الزمن لم يجفف بعد الدم الذي يجري في عروقي، وتقدم السن لم يستنفد مني حيلتي، ولا الأقدار أتلفت مواردي، ولا العيش المرسل على عواهنه أفقدني أصحابي، لسوف يرون قوة البدن، وأصالة العقل، حين يستيقظان في رجل مثلي، ولسوف يشهدون مقدرة الموارد، وخيرة الصحب والمناصرين، كيف تثأر لي أشد الثأر من المتجنين والظالمين.
القس : مهلًا، ودع نصيحتي تَهْدِكَ في هذا الأمر سواء السبيل لقد انصرف الأمراء وهم يحسبون ابنتك قد ذهبت في الهالكين، فاحتجزها سرًّا عن الناس إلى حين، وأعلن على الملأ أنها قد ماتت حقًّا واصطنع عليها حدادًا.
وأقم على مقبرة عشيرتك رثاء لها يروح على مماتها شهيدًا، واحتفل بالدفن احتفال الأحياء بالموتى، مراسم وطقوسًا عدادًا …
ليوناتو : وما أثر ذلك وما جدواه؟
القس : يمينًا، إن هذا سيحيل الوشاية، إلى ندامة، إذا أُتقنت الحيلة. وفي هذا التحول بعض الخير، ولكن ليس هذا السبيل الغريب هو الذي أرمي إليه، بل الذي أرجوه من وراء هذا الجهد الشاق أكبر من ذلك شأنًا. وأبعد منه مدى. إن موتها في اللحظة التي اتهمت فيها، إذا أحكمتم إعلانه، سيحمل السامعين على التفجع عليها، والرثاء لها، واستماحة المعاذير عنها. فقد جُبل الناس على أن ما نملكه لا نعرف قيمته، ما دمنا ننعم بمتعته.
فإذا انتُزع منا وفقدناه، عرفنا له يومئذ قدره، وبدا لنا فضله وخطره، وكنا من قبل وهو في أيدينا بقيمته جاهلين، وسيكون هذا حال كلوديو، حين يسمع بأنها ماتت من أثر أقواله، فلا تلبث صورتها قبل الممات أن تتسلل برفق إلى خياله، وإذ تبدو له كل معالم جمالها في الحياة في صورة أجمل وأغلى مظهرًا، وتتمثل لعين نفسه وخاطره، أفتن وأرق أثرًا مما كانت وهي في عالم الحياة، وعندئذ سيحزن عليها إن كان للحب مكان في جوانحه، ويتمنى لو أنه لم يتهمها بمثل ما اتهمها به، وإن اعتقد أن الاتهام كان حقًّا، فافعل كما أشرت، ولا تشك في أن ما سوف يحدث بعدئذ، سيشكل النتيجة خيرًا مما أستطيع أن أصورها أنا. أما إذا أخطأنا التوفيق في كل ما عدا هذا، فإن تصور ميتتها، سيروي ظمأ العجب من سوء فعلتها، فإذا لم تأتِ النتيجة كما نتمنى، فلك أن تخفيها في معزل أو متبتل٧ تضمد فيه جرح سمعتها، بعيدًا عن الأعين والألسنة والأذهان ومساءة المسيئين.
بنيديك : خذ يا سنيور ليوناتو بنصيحة القس، وإنك لتعلم خبيئة نفسي وحبي للأمير وكلوديو. ولكنني أقسم بشرفي أنني معالج هذا الأمر سرًّا وعدلًا كما تعامل روحك جسدك.
ليوناتو : لقد هدني الأسى هدًّا، حتى ليقودني الطفل الصغير.
القس : اتفقنا — فلننصرف في الحال، ومن يطلب لغرائب القروح شفاء، فليلتمس لها — جهد الطاقة — الدواء. وأنت يا سيدتي هلمي، اطلبي الموت توهبي الحياة، ومن يدري، فلعل هذا العرس مُرجأ إلى حين، فاصبرا وتجلدا.٨

(يخرج الجميع إلا بنيديك وبياتريس.)

بنيديك : أي بياتريس — هل كنتِ تبكين كل هذه الفترة؟
بياتريس : أجل وسيطول بكائي.
بنيديك : لا أريد ذلك.
بياتريس : ليس لك حق، إنني أفعل ذلك باختياري.
بنيديك : أعتقد يقينًا أن ابنة عمك الحسناء مظلومة.
بياتريس : كم يستحق عندي الرجل الذي يستطيع أن ينصفها.
بنيديك : هل من سبيل إلى إظهار هذه الصداقة؟
بياتريس : السبيل جلية واضحة، ولكن أين الصديق؟
بنيديك : هل يستطيع رجل أن يتولاه؟
بياتريس : إنه عمل رجال، ولكنه ليس عملك.
بنيديك : لست أحب في هذا العالم شيئًا قدر حبي لك، أليس هذا غريبًا؟
بياتريس : غرابة الشيء الذي لا أعرفه.٩ لقد كان في مقدوري أن أقول إنني لا أحب شيئًا قدر حبي لك، ولكن لا تصدقني وإن كنت لا أكذب، ولست أعترف بشيء، ولا أنكر شيئًا، إنني في أسف على ابنة عمي.
بنيديك : أقسم بسيفي يا بياتريس إنك تحبينني.
بياتريس : لا تقسم به، بل ابلعه.
بنيديك : أقسم به إنك تحبينني، وأدفعه في حلق من يقول إنني لا أحبك.
بياتريس : أَوَلَنْ تبتلع كلامك؟
بنيديك : لم يُصطنع بعد المرق الذي يطبخ به، إنني أقر أنني أحبك.
بياتريس : إذن ليغفر لي الله!
بنيديك : أي ذنب جنيته أيتها الحسناء بياتريس ليغفره؟
بياتريس : لقد أخَّرتني لحظات هنية، فقد كدت أقر أني أحبك.
بنيديك : أقرِّي به من كل قلبك.
بياتريس : أحبك حبًّا ملكَ عليَّ كل قلبي، فلم يترك منه شيئًا ليقره.
بنيديك : مريني أفعل شيئًا من أجلك.
بياتريس : اقتل كلوديو.
بنيديك : ها! هذا محال، ولو أُعطيت العالم كله.
بياتريس : إنك برفض سؤالي تقتلني … وداعًا!
بنيديك : مهلًا … بياتريس الحلوة.
بياتريس : لقد ذهبت، وإن كنت هنا.
ليس في فؤادك حب لي … أناشدك دعني أذهب.
بنيديك : بياتريس!
بياتريس : يمينًا، لأذهبن عنك.
بنيديك : لنكن صديقين أولًا.
بياتريس : أأيسر لك أن تكون لي صديقًا من أن تقاتل من أجلي عدوًّا لي؟
بنيديك : وهل كلوديو عدوك؟
بياتريس : ألم يثبت أنه أوغد الأوغاد؟ أن قذف ابنة عمي وازدراها وولغ في عرضها، ليتني كنت رجلًا! يا للنكر! أكذلك يأخذ بيدها إلى الموضع الذي سيطلب فيه يدها؟! وعندئذ يوجه علانية التهمة إليها، يا للفضيحة السافرة! ويا للحقد الشديد … رباه، لو أني كنت رجلًا، لأكلت قلبه على الملأ أكلًا.
بنيديك : استمعي إليّ يا بياتريس.
بياتريس : تتحدث إلى رجل من النافذة! ما شاء الله! قول صادق.١٠
بنيديك : ولكن يا بياتريس …
بياتريس : واهًا لهيرو الحسناء، لقد ظُلمت وافتُري عليها وهُدمت هدمًا.
بنيديك : بياتريس …
بياتريس : أمراء وأشراف، ومن ذا يجادل في شهادة أمير، ويدحض قول كونت؟ كونت حلاوة؟١١
رجلا حلو، شهم حقًّا … أواه … لو كنت رجلًا من أجله، أو كان لي في الصحاب من يكون رجلًا من أجلي، ولكن الرجولة قد استحالت انحناءات، وانقلب الرجال ألسنة، لا تقول إلا متلطفة، وانقلبت الشجاعة ملقًا، وزخرفًا، واستحال الناس ألسنة، وألسنة مزخرفة.

وأمسى الشجاع في مثل شجاعة هرقل من يكذب، ويحلف إنه لصادق، وهيهات أن أكون رجلًا بمجرد أمنية، فلأَمُت إِذَنْ امرأة ذاهبة النفس حسرة وبكاء …
بنيديك : بياتريس. مهلًا، أقسم بهذه اليد التي أمدها إني أحبك!
بياتريس : استخدمها من أجل حبي في شيء آخر غير الحلف بها.
بنيديك : هل تعتقدين في أعماق نفسك أن الكونت كلوديو قد ظلم هيرو؟
بياتريس : نعم، إني لعلى يقين بهذا كيقيني بنفسي التي بين جنبيّ.
بنيديك : حسبي هذا مبررًا … لك إذن عهدي، وإني لمبارزه، دعيني ألثم راحتك ثم أنصرف.
وحق هذه اليد١٢ لأحاسبن كلوديو حسابًا عسيرًا.

وليكن ظنك فيّ قائمًا على ما تسمعينه عني.

اذهبي لتواسي ابنة عمك، لا بد لي أن أقول إنها قد ماتت، والآن، وداعًا …

(يخرجان)

المنظر الثاني

السجن
(يدخل دوجبري وفارجس والكاتب١٣ وهم في أرديتهم. والحرس ومعهم كونراد وبوراشيو.)
دوجبري : هل اكتمل عقد شتاتنا.
فارجس : مقعدًا ووسادة لحضرة الكاتب.
الكاتب : ومَن الجناة؟
دوجبري : أقسم أنهما أنا وزميلي هذا.
فارجس : هذا مؤكد … نحن الذين أُذن لنا أن نتولى الاستجواب.
الكاتب : ولكني أسأل مَن الجُناة الذين يُراد استجوابهم. أحضروهم أمام حضرة الضابط.
دوجبري : نعم أحضروهم أمامي، ما اسمك يا صاح.
بوراشيو : بوراشيو.
دوجبري : اكتب من فضلك اسمه (بوراشيو)، وأنت يا مولاي؟
كونراد : أنا سيد يا حضرة … واسمي كونراد.
دوجبري : اكتب (الرئيس السيد كونراد).
اسمع أنت وصاحبك هل تخدمان الله؟
كونراد، بوراشيو (معًا) : نرجو ذلك يا سيدي.
دوجبري : اكتب. إنهما يرجوان أن يكونا في خدمة الله.
وابدأ بالله أولًا، ومعاذ الله يتقدم عليه هذان الشقيان. يا أيها السيدان، لقد ثبت فعلًا أنكما لا فرق بينكما وبين الأوغاد الخائنين — وهذا ما سيظهر عاجلًا، فما أقوالكما؟
كونراد : أقوالنا يا سيدي أننا لسنا كما وصفت.
دوجبري : ألا ما أعجب ذكاءك! سأعرف كيف أحيط به. تعال هنا أيها الإنسان أسرُّ إليك كلمة؛ لقد قلت إنكما وغدان خائنان.
بوراشيو : وأنا أقول لك إننا لسنا كذلك.
دوجبري : إذن … قف في ناحية. والله إنهما لمتفقان على كلام واحد يقولانه. هل كتبت عندك أنهما ليسا كذلك.
الكاتب : ليست هذه هي طريقة التحقيق.
إن عليك أن تحضر الحراس الذين اتهموهما.
دوجبري : أي والله، هذه أيسر طريقة. أحضروا الحرس في الحال. أيها الحرس أطلب إليكم باسم الأمير أن توجهوا الاتهام إلى هذين الرجلين.
الحارس ١ : إن هذا الرجل يا سيدي قال إن دون جون أخا الأمير، وغد أثيم.
دوجبري : اكتب أن الأمير جون وغد أثيم.
هذه وحدها خيانة صريحة. أفتصف أخا الأمير بالوغد.
بوراشيو : يا حضرة الضابط …
دوجبري : أرجوك يا حضرة … أن تسكت.
وأؤكد لك أن نظراتك لا تعجبني.
الكاتب : وماذا سمعته يقول أيضًا.
الحارس ٢ : سمعته والله يقول إنه أخذ ألف دوقية من دون جون لاتهام السيدة هيرو ظلمًا.
دوجبري : مؤامرة صريحة ما بعدها مؤامرة.
فارجس : وحق عشاء الرب إنها لكذلك.
الكاتب : وماذا أيضًا؟
الحارس : وأن الكونت كلوديو أقسم بشرفه إنه سيشهر بهيرو أمام الجمع كله، وأنه لن يرتضيها زوجًا له.
دوجبري : يا للشقي، سيحكم عليك بعقاب مؤبد نظير هذا القول.
الكاتب : وماذا أيضًا؟
الحارس : هذا هو كل شيء.
الكاتب : وهو أيها السيدان أكثر مما تستطيعان إنكاره، فإن الأمير جون غادر البلد خفية في صباح اليوم، واتُّهمت هيرو فعلًا على هذا النحو، ورُفض القران بها، على هذه الصورة، فعاجلها الموت فجأة من فرط الحزن. يا حضرة الضابط مُر بشد وثاق هذين الرجلين، واستياقهما إلى دار ليوناتو وسأسبقك إليه لأعرض التحقيق عليه (يخرج).
دوجبري : هيا أوثقوهما.
فارجس : وضعوا الأغلال في أيديهما.
كونراد : بُعدًا لك أيها المأفون.
دوجبري : لي الله، أين الكاتب. ليدون قوله عن خادم الأمير مأفون. هلموا شدوا منهما الوثاق … أيها الوغد الأثيم.
كونراد : بُعدًا لك … إنك لحمار … إنك لحمار.
دوجبري : ألا تحترم مركزي، ألا توقر سني، ليت الكاتب هنا ليكتب أني حمار.
ولكن تذكروا يا سادة أنني حمار وإن لم يدوَّن هذا في المحضر. لا تنسوا أنني «حمار».

كلا أيها الشقي إنك لملء ثوبك شرًّا وغدرًا، وسيثبت ذلك عليك بأقوال الشهود الصادقين، إنني رجل عاقل، وأكثر من هذا ضابط، بل أكثر من ذلك رب بيت، وأكثر من أولئك إنسان مهذب كخير من احتوتهم مسينا. ورجل يعرف القانون، وميسر الحال، دعني أقل لك، وامرؤ كسب في حياته وخسر، وله رداءان لا رداء واحد.

وعنده كل ما يسر ويرضي هلموا خذوه … ليتني كتبت في المحضر «حمارًا».

(يخرجون)

هوامش

(١) هو الرجل الذي كان مفروضًا أن يصبح «حميه».
(٢) هكذا في الأصل، ومعناها سأفضحك أو أندد بك.
(٣) إشارة إلى «ديانا» ربة العفاف، وهي هنا تمثل القمر في دورانه حول الأرض وهي في أساطير الإغريق ابنة الإله زفس وشقيقة أبوللو وهي عذراء يعبدها العذارى ويحرصن على عذرتهن حتى يتزوجن.
(٤) ابنة جويتير، وقد رسمها الرسامون في صورة من الحسن الباهر وهي أم كيوبيد إله الحب ومن لوازمها اليمامة والخطاف والريحانة والوردة والتفاحة.
(٥) هيرو معناها «البطل» ومؤنثها البطلة أي كان منتظرًا أن تكوني اسمًا على مسمى.
(٦) من باب القلب كقولهم «كلام الملوك ملوك الكلام».
(٧) أي دير.
(٨) هذا القس يشبه زميله في رواية «روميو وجوليت» فقد أعطى هذا جولييت دواء يحدث غيبوبة إلى حين ريثما يعود إلى القبر فيوقظها منه ولكنه جاء بعد مصرع حبيبها. وفي هذه الرواية شيء كثير يكاد يشبه ما في الرواية الأخرى التي كتبها شكسبير قبل هذه بقليل.
(٩) تعني حبها له.
(١٠) تردد التهمة متهكمة ساخرة.
(١١) تقول هذا سخرية وكل ما تقوله الآن عنه سخرية لاذعة، ولهذا أردفت في وصفه التهكمي قولها «رجل حلو» حقًّا.
(١٢) يدها هي.
(١٣) دعوناه الكاتب ولكنه في الأصل «القندلفت» أو المنوط بالقناديل.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤