الفصل الخامس

المنظر الأول

أمام دار ليوناتو

(يدخل ليوناتو وأنطونيو.)

أنطونيو : إنك لمُودٍ بحياتك إذا استرسلت على هذا النحو، وليس من الحكمة أن تعين الحزن على نفسك هكذا.
ليوناتو : أناشدك أن تكف عن نصحك، لأنه يقع في أذني موقع الماء في الغربال لا يجدي شيئًا، لا تنصحني ولا تحاول أن تسرِّي عني.
وجئني بمن تشبه فجيعتُه فجيعتي، جئني بأب أحب ابنته حبي، وكان فرحه بها عظيمًا مثل فرحي، ودعه يحدثني عن الصبر، ويقس مصابه طولًا وعرضًا بمصابي، ويوازن بين حزنه وحزني، وخَطْبِه وخَطْبِي، من كل ناحية، ووجه وشكل، وصورة. فإن رأيته يبتسم، ويمسك بلحيته١ ليتكلم، فقل عندئذ للحزن توارَ.

واطلب إلى الأسى أن يزول. فإن شهدته يئن أنينًا، فخفف الحزن عنه بالحكم والأمثال، واغمر أصحاب الخطوب الكبار بأقوال العاكفين على الكتب ليل نهار. فلتأتني به إن استطعت لآخذ عنه الصبر، ولكن هذا الرجل لا وجود له؛ لأن الناس يا أخي ينصحون ويواسون في الخطوب التي لا يشعرون هم بها. فإذا ذاقوا من صابها انقلبوا ثائرين، وكانوا من قبل يقدمون الحكم والمواعظ علاجًا من كربتها، وما مثلهم في هذا إلا كمثل من يقيد المجنون الهائج بخيوط من حرير، ويزيل الألم بالنفخ فيه، ويعالج العذاب الأليم باللفظ.

كلا. كلا، لقد جُبِل الناس جميعًا على التحدث عن الصبر إلى من ينوءون بحمل الأسى، ولكن هيهات لامرئ أن يسدي هذه النصائح إذا هو نفسه ذاق المصاب.

فلا تنصحني إذن، إن أحزاني أجهر صوتًا من النصائح.
أنطونيو : لا فرق إذن بين الرجال والأطفال.
ليوناتو : أناشدك أن لا تكلمني، إنني إنسان من لحم ودم. وما رأينا يومًا حكيمًا استطاع أن يحتمل ألم الضرس صابرًا، وإن شهدنا الفلاسفة والحكماء يكتبون أروع الكتب ويتوخون أبدع الأساليب، ويستخفون بصروف الدهر والأحزان.
أنطونيو : ولكن لا تُلقِ التبعة كلها على كاهلك وحدك، بل دع الذين ظلموا يحملوا منها نصيبهم كذلك.
ليوناتو : ها أنت ذا تقول حقًّا. أجل، إني لفاعل، فإن نفسي تحدثني أن هيرو قد ظُلمت، وسيعلم هذا كلوديو، وسيعرفه الأمير وجملة الذين افتروا عليها وثلموا عرضها.
أنطونيو : ها هو ذا الأمير وكلوديو قادمان مسرعين.

(يدخل دون بدرو وكلوديو.)

دون بدرو : طاب صباحك. طاب صباحك.
كلوديو : طاب يومكما جميعًا.
ليوناتو : استمعا إليّ أيها الأميران.
دون بدرو : إننا في عجلة، يا ليوناتو.
ليوناتو : في عجلة يا مولاي، أدعو لك بالتوفيق يا سيدي، متعجلان الآن. هذا شيء لا يهمني.
دون بدرو : لا تشتجر معنا أيها الشيخ الكريم.
أنطونيو : لو استطاع بالشجار أن ينتصف لنفسه، لهوى بعضنا من عليائه.
كلوديو : ومَن الذي ظلمه؟
ليوناتو : قسمًا إنك أنت الذي ظلمتني. أيها المرائي … أيها … حذار … لا تضع يدك على مقبض سيفك، فإني أخافك.
كلوديو : شلت يميني، إن هي أخافت شيخًا في مثل سنك، يمين الله، ما أرادت كفي أن تصنع شيئًا لسيفي.
ليوناتو : أُفٍّ لك يا رجل، أف لك، وحسبك. لا تسخر مني ولا تهزأ بي. فإني لست فيما أقول مخرفًا وما أنا بمأفون. ولا أنا بمستغل سني للتفاخر بما فعلت في الفتوة والشباب، أو أستطيع فعله لو لم أكن شيخًا مسنًّا. ألا فاعلم يا كلوديو صراحة، أنك ظلمت ابنتي البريئة وظلمتني. وإنني لمضطر أن أطرح وقار سني جانبًا، وأدعوك للمبارزة وإن كان رأسي قد اشتعل شيبًا، وإن كنت قد تلقيت كثيرًا من الجراح، أكرر القول إنك قد ظلمت ابنتي البريئة، ومزقت بإفكك قلبها تمزيقًا، فهي الساعة ترقد إلى جانب آبائها، في قبر ما رقدت فيه الفضيحة يومًا من الأيام، خلا هذه الفرية التي نسج الكيد لها الخيوط!
كلوديو : كيدي أنا؟
ليوناتو : أجل، كيدك أنت يا كلوديو، كيدك أنت.
دون بدرو : أخطأت الصواب أيها الشيخ.
ليوناتو : مولاي. مولاي.
سأثبت صدق قولي فوق جثته، إذا هو اجترأ على مناجزتي، رغم براعته في فنون المجالدة، ودُربته الطويلة عليه، وريع شبابه، وعنوان بأسه.
كلوديو : اغرب عني، ليس لي بك شأن.
ليوناتو : أتجرؤ على تنحيتي؟ لقد قتلت ابنتي، فإن تقتلني يا فتى تقتل رجلًا.
أنطونيو : بل سيقتلنا نحن الاثنين، أو سيقتل رجلين حقًّا. ولكن هذا ليس بأمر ذي بال، دعه يقتل أحدنا أولًا، خذني وألبسني.٢ دعه يبرز لي. أقبل يا غلام واتبعني. هلم يا سيدي الغلام. اتبعني. فإني سائطك من عليائك فمرديك.٣ أي والله إني لفاعل، فعلة الرجل المهذب الشريف.
ليوناتو : أخي …
أنطونيو : هدئ روعك، الله يعلم كم أحببت ابنة أخي، فجاء الكيد الخسيس فقتلها. كيد الأوغاد اللئام، فليجرؤ على الخروج لرجل، جرأتي على الإمساك بثعبان من لسانه، يا للصبيان، ويا للقردة، ويا للمتباهين، والمهاذير والبله الأغبياء الضعفاء.
ليوناتو : أخي أنطونيو …
أنطونيو : لا تثر … تكلم يا رجل، إني أعرفهم. وأعرف موازينهم، وأقدارهم، إلى أصغر أجزائها، إنهم غلمة مغرورون صفيقو الوجوه، إخوان حذلقة وزخرف، كل همهم الكذب والمِين والسخرية والدس والكيد، إنهم ليمشون بين الناس مهرجين، ويكثرون من التهديد والوعيد، ويتحدثون عن شجاعتهم في منازلة الخصوم، ومقارعة الأعداء إذا جرءوا على لقائهم، هذا هو كل ما عندهم.
ليوناتو : ولكن يا أخي أنطونيو …
أنطونيو : لا تراع، ولا تتدخل. دعني لهذا الأمر وحدي.
دون بدرو : أيها السيدان … لن نستفزكما، إن فؤادي لمحزون لموت ابنتك، ولكني أقسم بشرفي أنها لم تتّهم، إلا بما وقع حقًّا، وقام عليه الدليل القاطع.
ليوناتو : مولاي! مولاي!
دون بدرو : لن أستمع لك.
ليوناتو : لن تستمع لي. هلم يا أخي. سأعرف كيف أسمعهما قولي!
أنطونيو : وسيستمع أو ليهلكن بعضنا لهذا السبب (يخرج ليوناتو وأنطونيو).
دون بدرو : انظر. انظر! ها هو ذا الرجل الذي كنا نبحث عنه.

(يدخل بنيديك.)

كلوديو : ما وراءك يا سنيور؟
بنيديك : طاب يومك يا مولاي.
دون بدرو : مرحبًا يا سنيور. لو تقدمت لحظة لكدت تشترك في مبارزة.
كلوديو : لقد كدنا نفقد أنفينا في مجالدة مع شيخين ترمت أسنانهما.
دون بدرو : ليوناتو وأخوه، فما رأيك، أحسبنا أن فعلنا، أصغر من أن نقاتلهما …
بنيديك : لا كرامة ولا منّة في معركة ظالمة، لقد جئت أبحث عنكما.
كلوديو : لقد بحثنا عنك في كل مكان لأننا مكتئبان أشد الاكتئاب، ونريد أن تطرد الهم عنا، فهلا استخدمت فكاهتك؟
بنيديك : هي في غمد سيفي، فهل أسحبه؟
دون بدرو : أتضع عقلك في جنبك؟٤
كلوديو : ما فعلها أحد من قبل، وإن رأينا خلقًا كثيرين قد اطَّرحوا عقولهم جانبًا.
ولكني قائل لك ما أقول لجماعة العازفين والمنشدين، اسحب لتطربنا.٥
دون بدرو : في الحق إنه ليلوح شاحب الوجه. أمريض أنت أم مغضب؟
كلوديو : ماذا بك، الشجاعة يا رجل! ولئن قتل الهم الهرة، فلا يزال لديك قدر من خفة الروح يكفي لقتل الهم.٦
بنيديك : إذا أنت وجهت فكاهتك إليّ، فإني ملاقٍ الطعنة السريعة بمثلها أو أشد. أناشدك أن تختار موضوعًا غير هذا.
كلوديو : بل اعطوه رمحًا آخر فقد انكسر بالعرض رمحه.٧
دون بدرو : وحق هذا النهار٨ إن لونه يزداد امتقاعًا. أحسبه في سورة غضب شديد.
كلوديو : إن كان كذلك، فهو يعرف كيف يقلب حزامه.٩
بنيديك : هل تسمح لي بهمسة في أذنك؟
كلوديو : حماني الله من المشاجرة!
بنيديك (منتحيًا بكلوديو ناحية) : أنت وغد، أقولها جدًّا لا هزلًا، وسأدلل على صحتها إن كنت تجترئ، وبأي شيء تجترئ، وحين تجترئ، فاقبل هذا التحدي مني، وإلا أعلنت جبنك. لقد قتلت سيدة كريمة. وسيقع وزر مماتها على رأسك. دعني أسمع منك متى نلتقي.
كلوديو : ليكن ما تريد، سألاقيك حتى أستمتع بمتعة طيبة.
دون بدرو : ماذا؟ أدعوة إلى مأدبة، مأدبة!؟
كلوديو : يمين الله، إني له شاكر. فقد دعاني إلى رأس عجل ودجاجة، فإن لم أبرع في تقطيعهما البراعة كلها فقل إن سكيني مثلم ولا يقد.
ألن أجد على المائدة أيضًا دجاجة من دجاج الراج.١٠
بنيديك : إن النكتة يا سيدي مسعفتك.
دون بدرو : إني لمنبئك بما مدحت بياتريس به مجانتك منذ أيام. قلت لها إنك ذو فكاهة، قالت حقًّا، ولكنها قليلة محدودة. بل عظيمة قالت حقًّا عظيمة خشنة.
قلت كلا، بل حسنة رقيقة. قالت تمامًا. فلا تؤذي أحدًا. قلت كلا إن السيد عاقل حكيم، قالت هذا صحيح إنه مدعي الحكمة ادعاء.

قلت إنه ينطق بعدة ألسن،١١ قالت هذا ما أعتقده. فقد حلف على شيء ليلة الاثنين وحنث في حلفه صباح الثلاثاء، هذا لسان مزدوج. أو قل لسانان. وهكذا لبثتْ ساعة تشوه مزاياك، وانتهت آخر المطاف بقولها وهي ترسل زفرة إنك أملح رجل في إيطاليا كلها.
كلوديو : وعندئذ بكت من كل قلبها وقالت إنها لا تحفل بك.
دون بدرو : أجل، هذا ما قالته، ولكنها قالت مع ذلك إنها إذا لم تمقته إلى حد الموت فهي تحبه إلى حد الإعزاز. لقد نبأتنا ابنة الشيخ بكل شيء.
كلوديو : بكل شيء، ولا تنسَ كذلك أن الله رآه حين كان مختبئًا في الحديقة.١٢
دون بدرو : ولكن متى ستنبت قرون العجل الوحشي، في رأس بنيديك العاقل.١٣
كلوديو : أي نعم، وضع هذه الكلمات تحت الصورة «هنا يسكن بنيديك البعل».
بنيديك : إلى اللقاء يا فتى. أنت عارف ما أقصد.
وإني لتاركك الآن لثرثرتك وفكاهتك السمجة، إنك لتكسر النكت كما يكسر الأدعياء الثرثارون سيوفهم، وهي بحمد الله لا تؤذي ولا تجرح. وأنت يا مولاي، إني لشاكر لك صنائعك الكثر، ومننك الغر، فإني مضطر إلى التخلي عن رفقتك. إن أخاك النغل قد فر من مسينا، وقد اشتركتما في قتل سيدة بريئة كريمة.

وأما هذا المولى الأمرد فسألتقي به … وإلى أن نلتقي … سلام عليكم! (يخرج).
دون بدرو : إنه يجد.
كلوديو : أشد الجد. أؤكد لك أن هذا مرده إلى حب بياتريس.
دون بدرو : ولقد دعاك إلى المبارزة.
كلوديو : أصدق ما تكون الدعوة.
دون بدرو : ما أحمق الرجل الذي يستر بجسده صداره وجوربه، ويتجرد من عقله.١٤
كلوديو : وهو في هذه الحال إذا قيس بالقرد، عملاق، ولكن القرد إذا قيس به، حكيم.١٥
دون بدرو : ولكن لنكف عن هذا ودعني أستجمع فؤادي لنأخذ في الجد١٦ ألم يقل إن أخي قد فر؟

(يدخل دوجبري وفارجس والحراس ومعهم كونراد وبوراشيو.)

دوجبري : تعال هنا يا سيد، وإذا لم تقلم العدالة أظافرك. فلن ترجح كفتها يومًا في الميزان.١٧ وإذا كنت يومًا منافقًا شتامًا لعينًا، فلا بد من النظر في أمرك.
دون بدرو : ماذا أرى. رجلان من أتباع أخي موثقان. وهذا بوراشيو أحدهما؟
كلوديو : أصغِ إلى أقوالهما وألقِ بالك إلى سماع تهمتهما يا مولاي.
دون بدرو : أيها الضابط، ما الذي ارتكبه هذان الرجلان؟
دوجبري : قسمًا يا سيدي، لقد شهدا زورًا، فضلًا عن قول الكذب، وثانويًّا،١٨ إنهما مفتريان.
و«سادسًا» وأخيرًا إنهما قالا إفكًا في حق سيدة. وثالثًا إنهما قررا أمورًا فرية، وفي الختام إنهما من الكذابين الأوغاد اللئام.
دون بدرو : ألا — أسألك ماذا فعلا؟ و«ثالثًا» ما ذنبهما؟ — و«سادسًا» وأخيرًا لماذا قبضت عليهما؟
وفي الختام بأي شيء تتهمهما؟
كلوديو : أحسنت السؤال، وأجدت التفصيل على الطريقة ذاتها، والحق أنك أتيت بالمعنى الواحد في عدة صور.
دون بدرو : إلى من أسأتما أيها السيدان حتى ربطوكما بأقوالكما١٩ على هذا النحو؟
إن هذا الشرطي العالم لأعلم من أن يفهم، نبئاني ما تهمتكما.
بوراشيو : أيها الأمير الكريم، لا تدعني أمعن في القول واستمع لي وَأْذن للكونت في قتلي.
لقد أضللت عينيك ذاتهما، ولكن ما عجزت حكمتك عن كشفه، قد فضحه هؤلاء المعاتيه السذج، فقد استرقوا علينا السمع ليلًا، وأنا أعترف لصاحبي هذا بأن أخاكم دون جون حرضني على الوشاية بالسيدة هيرو، وكيف سيق بك إلى الحديقة فرأيتني أتغزل في مرجريت وهي في زي هيرو.

ومضيت تشهر بها بينما كان عليك أن تراها زوجًا. وقد دوّن هؤلاء الأشراط تفاصيل جنايتي.

وإني لأوثر أن أختمها بموتي، على ما ينالني من العار بترديدها، لقد ماتت السيدة نتيجة فعلتي، وفرية سيدي، ولست أبغي غير جزاء الوغد الأثيم لي عقابًا.
دون بدرو : ألا يجري هذا القول كنصل السيف في دمك؟
كلوديو : لقد كان سمًّا شربته وهو يفوه به.
دون بدرو : ولكن هل أخي هو الذي حرضك على هذا الجرم؟
بوراشيو : نعم، وأجزل لي العطاء على تنفيذه.
دون بدرو : لقد طُبع على الغدر وركبت الخسة فيه.
وها هو ذا قد فر عقب أن اقترف جريمته.
كلوديو : أواه، يا هيرو المحببة، إن صورتك لتبدو الساعة في تلك المعالم النادرة التي أحببتها أول مرة.
دوجبري : هلموا، عودوا بالمجرمين. ولا بد أن يكون كاتبنا قد أبلغ٢٠ السنيور ليوناتو الآن بجلية الأمر وأنتما يا سيدان، لا تنسيا في الوقت والمكان المناسبين أن تقرِّرا أني … حمار …
فارجس : ها هو ذا السيد السنيور ليوناتو قادم، والكاتب أيضًا …

(يدخل ليوناتو وأنطونيو ومعهما الكاتب.)

ليوناتو : أيها الشقي الأثيم … دعوني أرَ عينيه لكي أتحاشى مَن يشبهه إذا التقيت به، أي هذين الرجلين هو؟ …
بوراشيو : إن أردت أن تعرف الذي بغى عليك فانظر إليَّ.
ليوناتو : أأنت العبد الذي قتلت «بوشايتك».٢١ ابنتي البريئة الطاهرة؟
بوراشيو : نعم أنا وحدي.
ليوناتو : كلا، ليس الأمر كذلك أيها الشقي، إنك لظالم لنفسك فها هما هذان سيدان شريفان، ومعهما ثالث لاذ بأذيال الفرار. إنني أيها الأميران لشاكر لكما مصرع ابنتي، فلتدوِّناه في سجل مآثركما المجيدة السامية، لقد فعلتماه بشجاعة إذا كنتما تذكرانه.
كلوديو : لست أدري كيف أطلب إليك صبرًا. ولكن لا مفر لي من الكلام. فلتختر بنفسك وسيلة ثأرك، وافرض عليَّ ما يبتكره خيالك من عقاب،٢٢ جزاء الذنب الذي اقترفته، وإن كنت لم أقترفه إلا عن خطأ.
دون بدرو : ونفسي التي بين جنبيّ، إنني أيضًا قد اقترفته عن خطأ، ولكني — مرضاةً لهذا الشيخ الكريم — مُتقَبِّل أي عقاب هو فارضه.
ليوناتو : ليس في إمكاني أن أطلب إليكما أن تردا ابنتي إلى الحياة لأن هذا مستحيل، ولكني أناشدكما أن تعلنا على الملأ في مسينا أنها ماتت طاهرة الذيل.
وإن هداكما وحي الشاعرية إلى مرثيّة، فعلقاها على قبرها، وغنياها لعظامها. أنشداها الليلة. فإذا كان صبح الغد فتعاليا إلى داري، وما دمت لا تستطيع أن تكون لابنتي زوجًا، فلتكن زوجًا لابنة أخي، فإن لأخي ابنة — تكاد تكون صورة أخرى لفقيدتي. وهي وريثتنا الوحيدة أنا وأخي،٢٣ فاخلع عليها من الحقوق، ما كنت موشكًا أن تخلعه على ابنة عمها.

وكذلك تزول ترتي٢٤ وتشفى موجدتي.
كلوديو : أيها السيد الكريم:
إن حنانك البالغ لينتزع من عينيّ الدمع انتزاعًا، وإني لمتقبل ما عرضت، فافعل بعد الآن بكلوديو المسكين ما أنت فاعله.
ليوناتو : وإذن فإنني مرتقب غدًا مقدمكما، وأما الليلة فأستأذنكما، وسنواجه هذا الرجل الخبيث بمرجريت التي أعتقد أنها وُرِّطت في هذا الإثم الذي استأجرها أخوك له.
بوراشيو : كلا، ونفسي التي بين جنبي إنها لم تشترك فيه، ولم تُوَرَّط ولم تكن تعرف شيئًا حين كلمتني، وعهدي بها أبدًا الوفية الفاضلة.
دوجبري : وفضلًا عن هذا يا سيدي، إن هناك شيئًا آخر لم يسجل في كتاب، وهو أن هذا الجاني٢٥ الماثل أمامكما سماني حمارًا، ورجائي أن تذكروا ذلك عند تقرير عقوبته.
وقد سمعهما الحرس أيضًا يتحدثان عن شخص يدعى «المشوه»، ويقولان إنه يلبس «مفتاحًا» في أذنه ويعلق قفلًا به،٢٦ ويستقرض الناس باسم الله ويكرر القروض ولا يردها، حتى قست قلوب الناس فلم يعودوا يقرضون الله شيئًا. أناشدكما أن تبحثا في هذه النقطة.
ليوناتو : أشكر لك عنايتك وهمتك.
دوجبري : إن سيادتك تتكلم كأحسن الشباب، شكرًا وتقديرًا وأنا أحمد الله إليك.
ليوناتو : خذ جزاء عنائك.
دوجبري : ليبارك الله لصاحب هذا البيت.٢٧
ليوناتو : اذهب وأنا معفيك من سجينك وشاكر لك.
دوجبري : إنني تارك لديك شقيًّا ضالًا، وأرجو أن تقتص لنفسك منه ليكون عبرة لغيره.
ليحفظك الله، وأتمنى لك الخير، ورد الله إليك العافية، وبكل خشوع أستأذنك في الانصراف.٢٨ وأدعو الله أن أراك في أحسن الأوقات. هلم بنا أيها الجار.

(يخرج دوجبري وفارجس.)

ليوناتو : وداعًا أيها الموليان إلى صباح غد.
أنطونيو : وداعًا أيها السادة، إننا في انتظاركما غدًا.
دون بدرو : لن نتخلف.
كلوديو : سأقضي الليلة في التفجع والأسى على هيرو.
ليوناتو (إلى الحرس) : سيروا بهذين الرجلين حتى نتحدث إلى مرجريت، لنعلم كيف عرفت هذا الوغد الأثيم.

(ينصرفون)

المنظر الثاني

حديقة دار ليوناتو
(يدخل بنيديك ومرجريت فيلتقيان.)٢٩
بنيديك : أرجوكِ يا عزيزتي مرجريت أن تسديني صنيعًا ولك عليه أحسن الجزاء، أعينيني على التحدث إلى بياتريس.
مرجريت : هل ستكتب لي أغنية تتغزل فيها بجمالي إن أنا فعلت؟ …
بنيديك : في أبدع أسلوب لا يأتي إنسان بشيء فوقه يا مرجريت، لأنك والحق يقال، تستحقين هذا المديح.
مرجريت : أتقول إن إنسانًا لن يأتي بشيء فوقي … يعني أنني سأظل دائمًا تحت السلم.٣٠
بنيديك : إن النكتة لديك سريعة كفم كلب الصيد؛ حين يلقط٣١
مرجريت : ونكتتك مثلمة «كسيف» اللاعب، تصيب ولكن لا تجرح.
بنيديك : نِعمَ النكتة وما أخلقها أن تصدر من رجل يا مرجريت، إنها لن تجرح امرأة، ولهذا أناشدك أن تنادي بياتريس. إنني أسلم لك دروعي.
مرجريت : هات لنا السيوف، فلدينا دروعنا.٣٢
بنيديك : إذا استخدمتها يا مرجريت فاربطي الرماح بالمنجلة لأنها أسلحة خطرة على الفتيات.٣٣
مرجريت : سأدعو لك بياتريس، إن لها ساقين تسير عليهما.
بنيديك : ومن أجل هذا ستجيء.

(يغني):

يا إله الحب، يا من تجلس في علِ،
أنت العليم بأني للشفقة مستحق٣٤
أعني في الغناء.
أما في الحب فإن لياندر٣٥ السباح الماهر،
وترويلاس٣٦ أول من استعان في الهوى بالرسل والوسطاء،
وسائر معاشر الفرسان الجلوس على الأبسطة،٣٧
وتجار الكلام الذي تملأ أسماؤهم كتابًا كاملًا،
وتجري سهلة هينة في طريق الشعر المرسل …
فلم يغلبهم الحب على أمرهم، قدر ما غلبني —
ولم يستحوذ عليهم مثل ما استحوذ على خاطري،
يمينًا، إنني لعاجز عن وصف حبي شعرًا؛
ولطالما حاولت فلم أجد في القوافي كلمة،
على وزن «سيدة» غير «وليدة»،
ولا وقعت من الأوزان الصادقة غير المتكلفة للفظة «سخرية»
إلا على «قرون ملتوية»،
ولا لكلمة «مدرسة» غير «ذي لوثة»،
إن الشعر لملعون الخواتيم،
كلا لا أحسبني ولدت وفي طالعي أني سأكون ناظمًا للقوافي،
ولا أنا على الغزل بالكلام المنمق قدير.٣٨

(تدخل بياتريس.)

بنيديك : يا عزيزتي بياتريس، أرضيت المجيء حين دعوتك؟
بياتريس : نعم يا سنيور، وسأنصرف حين تأمرني.
بنيديك : أواه، فلتمكثي إلى هذا الحين.٣٩
بياتريس : لقد قلتها، فوداعًا الآن، ولكن قبل أن أذهب دعني أنصرف بالذي جئت له، وهو أن أعرف ما الذي جرى بينك وبين كلوديو.
بنيديك : كلمات كريهة ليس أكثر، وعليها سأقبِّلك.
بياتريس : الكلمات الكريهة كالريح الكريهة، والريح الكريهة إن هي إلا الأنفاس الكريهة، وهذه خبيثة مستكرهة. ولهذا سأنصرف من غير أن أُقبَّل.
بنيديك : لقد أخفت الكلمة ذاتها فأخرجتها من عقلها،٤٠ إن فكاهتك لقوية شديدة، ولكني مصارحك الحقيقة: إن كلوديو مرتبط بالتحدي الذي وجهته إليه، فإما أن أتلقَّى قريبًا جوابه، أو أعلن أنه نذل جبان، والآن أناشدك أن تنبئيني أي مساوئ حملتك أولًا على حبي؟
بياتريس : كلها مجتمعة، فقد احتفظت بحال من السوء جعلها لا تقبل أية حسنة تختلط بها. وأنت خبّرني أي محاسني حملك أولًا على أن «تعاني» حبي؟
بنيديك : «أعاني» الحب! كلام جميل. إنني أعاني الحب حقًّا؛ لأنني أحبك رغم إرادتي.
بياتريس : على كره من قلبك … وا أسفاه لهذا القلب المسكين … إذا كنت له كارهًا من أجلي، فإني له كارهة من أجلك؛ لأنني لن أحب أبدًا ما يكرهه صاحبي.
بنيديك : أنا وأنت من فرط العقل بحيث لا نقدر على غزل رقيق.
بياتريس : ولكن هذا العقل المفرط لا يبدو في هذا الاعتراف، ولن تجد بين عشرين رجلًا، رجلًا واحدًا يمدح نفسه كما فعلت.
بنيديك : تلك حكمة قديمة، جد قديمة يا بياتريس، وُجِدَت حين كان الناس صالحين لا يحسد بعضهم بعضًا، إن المرء إذا لم يبنِ الآن قبره قبل مماته، فلن يحيا في الذاكرات أطول أمدًا مما يستغرقه دق النواقيس بمنعاته، وبكاء الأرملة لوفاته.
بياتريس : وكم يطول هذا في ظنك؟
بنيديك : هذا هو السؤال، ساعة في دق أجراس ورنين، وبعض ساعة في بكاء وأنين، فمن الخير للعاقل أن يعلن عن فضائله كما أعلن أنا عنها، وذلك إذا لم يحلْ شيء بين الإنسان طعمة الديدان٤١ وبين هذا الإعلان. وحسبي هذا في مديح نفسي الجديرة في شهادتي لها بكل مديح وثناء. والآن نَبِّئيني كيف حال ابنة عمك؟
بياتريس : جد عليلة.
بنيديك : وكيف حالك أنت …
بياتريس : جد عليلة كذلك.
بنيديك : اتَّقِي الله وأجيبيني واسأليه لنفسك صلاحًا، والآن أتركك لأني أرى إنسانًا قادمًا نحونا مسرعًا.

(تدخل أورسولا.)

أورسولا : مولاتي — تعالي إلى عمك، إن في البيت حركة قلما شاهدت مثلها.
لقد ثبت أن مولاتي هيرو قد اتُّهمت زورًا وبهتانًا، وأن الأمير وكلوديو ضلا ضلالًا مبينًا، وأن دون جون أسّ هذا البلاء كله قد فر هاربًا. هلمي إليه في الحال.
بياتريس : ألا تأتي لتسمع هذا النبأ يا سنيور.
بنيديك : سأحيا في قلبك، وأموت في حجرك، وأدفن في عينيك، وإلى جانب هذا كله سأذهب معك إلى عمك.

(يخرجون)

المنظر الثالث

في الكنيسة

(يدخل دون بدرو وكلوديو وثلاثة أو أربعة يحملون شموعًا.)

كلوديو : أهذه هي مقبرة آل ليوناتو؟
أحدهم : نعم يا مولاي.
كلوديو (يقرأ في رق مسطور) : «ذهبت ضحية ألسنة السوء، هيرو التي ترقد في هذا المكان، فإن الموت — إنصافًا لها من الظلم الذي حاق بها — قد وهبها مجدًا لن يموت. وكذلك راحت الحياة التي ماتت بعار تحيا في الموت بمجد وفخار. قفوا على هذا القبر وترحموا عليها. واذكروا محاسنها إذا انعقد لساني فلم أجد كلامًا. ويا أيتها الموسيقى اعزفى واصدحي سلامًا وأنشدي أغنيتك المقدسة لحنًا وأنغامًا …»

(أغنية):

يا ربة الليل٤٢ صفحًا وغفرانًا
للذين قتلوا فارستك العذراء؛٤٣
وجاءوا من حول قبرها طائفين
ليغنوا غناء المكروب الحزين،
ويا أيها الليل البهيم أعِنّا على الأنين
وحسرات المتحسرين،
ويا قبور تثاءبي، والفظي موتاك
إلى أن ينادَى بالموت مهزومًا مدحورًا.
كلوديو : والآن طاب ليل أعظمك، وإني لمعاهدك أن أقف كل عام وقفتي هذه بقبرك.
دون بدرو : طاب صباحكم أيها السادة، أطفئوا مشاعلكم، إن الذئاب قد فرغت من الفتك بفريساتها، وانظروا، إن الصبح حول مراكب فيبوس طائف٤٤ يرقط المشرق الوسنان ببقع شهب، شكرًا لكم جميعًا، واتركونا … وداعًا.
كلوديو : طاب نهاركم أيها السادة، وليأخذ كل منكم سبيله.
دون بدرو : هلم بنا من هذا المكان، لنرتدي ثيابًا غير هذه الثياب، ونذهب إلى دار ليوناتو.
كلوديو : ويا إله القران، أسرع بنا الآن إلى حظ أسعد من الذي جئنا نؤدي له هذه التحية محزونين.

(يخرجون)

المنظر الرابع

في إحدى حجرات دار ليوناتو

(يدخل ليوناتو وأنطونيو وبنيديك وبياتريس ومرجريت وأورسولا والقس فرانسس وهيرو.)

القس : ألم أقل لك إنها بريئة؟
ليوناتو : وكذلك الأمير وكلوديو اللذان اتهماها على أساس الفرية التي سمعتنا نتحدث عنها، ولكن بعض الذنب واقع على مرجريت في هذا الأمر وإن أتى على غير إرادتها. كما يبدو من مجرى التحقيق وتتابعه.
أنطونيو : إنني لمغتبط بأن الأمر انتهى بخير.
بنيديك : وأنا كذلك. وإن كنت برًّا بعهد عاهدته قد دعوت الفتى كلوديو إلى الحساب على فعلته.
ليوناتو : والآن، يا ابنتي، ويا أيتها السيدات كُلكن، اذهبن فانفردن بأنفسكن في حجرة أخرى.
وحين أدعوكن، تعالين مخفيات وجوهكن (تخرج النساء).

لقد وعدني الأمير وكلوديو أن يزوراني في هذا الموعد وأنت يا أخي تعرف الدور الذي ستضطلع به. وهو أن تكون أبًا لابنة أخيك، وتسلمها للفتى كلوديو.
أنطونيو : وإني لفاعل ذلك قويَّ العزيمة مطمئنًّا.
بنيديك : أيها القس، أراني مضطرًّا إلى طلب معونتك.
القس : وماذا تريد أن أفعل يا سيدي؟
بنيديك : أحد أمرين، إما أن تربطني أو تفكني٤٥ الحق يا سيد ليوناتو الكريم إن ابنة أخيك تنظر إليّ بعين الرضى.
ليوناتو : إن هذه العين هي التي أعارتها إياها ابنتي، هذا هو الحق المبين.
بنيديك : وأنا بعين الحب أؤدي حقها عليّ.
ليوناتو : أحسبني أنا الذي أخذت بصر هذه العين منه، كما أخذته من كلوديو والأمير٤٦ ولكن ما مشيئتك؟
بنيديك : إن جوابك يا سيدي كاللغز مستغلق، أما عن مشيئتك فهي مشيئتك، وهي أن توافق على ارتباطنا اليوم برباط قران شريف لا عائب عليه ولا ذام، وأرجو منك أيها القس التقيّ المعونة عليه.
ليوناتو : إن قلبي معك.
القس : ومعونتي لك. ها هو ذا الأمير وكلوديو قادمان.

(يدخل دون بدرو وكلوديو واثنان أو ثلاثة آخرون.)

دون بدرو : صباحًا مباركًا لهذا الجمع الكريم.
ليوناتو : صباحًا أيها الأمير وعِم صباحًا يا كلوديو، إننا هنا في انتظاركما … ألا تزال معتزمًا الاقتران اليوم بابنة أخي؟
كلوديو : سأبر بعهدي، ولو كانت حبشية.
ليوناتو : ادعها يا أخي. وها هو ذا القس على استعداد.

(يخرج أنطونيو.)

دون بدرو : عم صباحًا يا بنيديك. ما خطبك ومالي أرى وجهك كأنه في شهر فبراير، يلوح باردًا قاتمًا مليئًا بالجليد والعواصف والسحب الثقال؟
كلوديو : أحسبه يفكر في الفحل الهائج، ولكن اطمئن يا رجل ولا تخَف، فسنُغطَّى طرفيْ قرنيك بالذهب، ونجعل «يوروبا» بأسرها تلهو بك، كما لهت يوروبا من قبلك بجوبيتر الشديد البأس، حين تمثل الوحش الكريم في الحب.٤٧
بنيديك : ولكن الفحل جوبيتر يا سيدي كان له خوار رفيق، وأما أنت فإن فحلًا غريبًا وثب على بقرة أبيك، فأولدها بهذه الفعلة الكريمة عجلًا أشبه شيء بك لأن لك عين ثغائه.
كلوديو : هذه واحدة سأحاسبك عليها، وها هي ذي أمور تتطلب التسوية.

(يعود أنطونيو والسيدات وهن مقنعات.)

أيهن الغانية التي ستكون لي؟
أنطونيو : ها هي ذي، وأنا واهبك إياها.
كلوديو : إنها إذن لي … دعيني أنظر محياك أيتها الحسناء.
ليوناتو : كلا، لن تفعل حتى تتناول يدها أمام هذا القس فتقسم إنك لمقترن بها.
كلوديو : هاتي يدك. وأمام هذا القس الموقر، أنادي أنني زوجك إن رضيت بي زوجًا.
هيرو (تحسر القناع عن وجهها) : يوم كنت بين الأحياء، كنت زوجك الأخرى، وحين أحببت، كنت زوجي الآخر.
كلوديو : أهيرو أخرى …؟
هيرو : لا شيء أكثر توكيدًا، واحدة قضت بالإفك مدنسة، أما أنا فأعيش، ولا ريب في أني عذراء كما لا ريب في أني من الأحياء.
دون بدرو : هيرو الأولى! هيرو التي ماتت!
ليوناتو : لم تمت يا مولاي إلا حين كانت الفرية حية.
القس : سأزيل هذه الحيرة كلها حين انتهي من مراسم القران المقدسة، وسأشرح باستفاضة سر موت هيرو الحسناء. فدعوا العجب في هذه الساعة، واحسبوه من الأمور المألوفة، وهلموا بنا من فورنا إلى الكنيسة.
بنيديك : مهلًا أيها القس، مهلًا. أيهن بياتريس؟ …
بياتريس (حاسرة) : هذا هو اسمي. فماذا تريد؟
بنيديك : ألا تحبينني؟
بياتريس : كلا، ليس أكثر مما أحب العقل والحجى.
بنيديك : عجبًا، لقد كان عمك والأمير وكلوديو مخدوعين حين أقسموا أنك تحبينني.
بياتريس : ألست تحبني؟
بنيديك : في الحق، كلا، ليس أكثر مما أحب العقل والحجى.
بياتريس : عجبًا، لقد كانت ابنة عمي ومرجريت وأورسولا مخدوعات كثيرًا، لأنهن أقسمن أنك تحبني.
بنيديك : لقد أقسمن بأنك في حبي مدلهة أو تكادين.
بياتريس : وقد حلفن أنك تكاد من حبي تفارق الحياة.
بنيديك : لا شيء من هذا القبيل. إذن أنت لا تحبينني …
بياتريس : في الحق لا، ولكن حب الصديق للصديق.
ليوناتو : دعي عنكِ هذا يا ابنة أخي، إني لعلى يقين بأنك تحبين السيد الكريم.
كلوديو : وأنا أقسم أنه يحبها، وها هي ذي ورقة بخط يده، تحوي أغنية متكلفة فاضت بها قريحته، موجهة إلى بياتريس.
هيرو : وها هو ذا كتاب آخر بخط ابنة عمي سرق من جيبها، تصف فيه حبها لبنيديك.
بنيديك : يا للمعجزة! … هاتان يدانا تشهدان على قلبينا … اقبلي، فإني آخذك.
ولكن بحق هذا النهار إني آخذك إشفاقًا عليك.
بياتريس : لست أرفض سؤلك، ولكن وحق هذا النهار المضيء، إني ما رضيت بك إلا بعد حض كثير؛ ولكي أنقذ حياتك، فقد نُبِّئت أن الحب أضناك.
بنيديك : حسبك … سأغلق فمك (يُقَبِّلها).
دون بدرو : ماذا صنعت بنفسك يا بنيديك الزوج …؟
بنيديك : سأشرح لك أمري أيها الأمير، قل لو اجتمع عليّ حشد من محترفي الفكاهة ليسخروا مني، ويستنفروني مما أريد لما استطاعوا أن ينالوا من مأربهم شيئًا. هل تحسبني أحفل بهجو شاعر، أو سخرية ساخر؟ كلا، إذا المرء استخذى لقول القائلين وفكاهة الفكهين، فلن يجد حوله شيئًا جميلًا.
وجملة القول إنني ما دمت قد أردت الزواج فلن آبه بما يقول الناس فيه؛ ولهذا لا تعبث بي ولا تذكرني بما قلت عنه كارهًا له، فقد خُلق الإنسان حوّلًا قلّبًا، وهذا هو كل ما عندي قلته. وأما أنت يا كلوديو فقد كنت معتزمًا أن أقتلك، ولكن ما دمت ستصبح لي نسيبًا، فعش سالمًا وكن بابنة العم مغرمًا.
كلوديو : لقد كنت أرجو أن تأبى على بياتريس، لكي أنتزع منك حياة الأعزب انتزاعًا، وأجعلك مرائيًا ذا وجهين، وأنك بلا ريب لتصبح كذلك إذا لم تشدد ابنة العم الرقابة عليك.
بنيديك : حسبك. حسبك. إننا اليوم صديقان، فلنستمتع برقصة قبل القران. لنُخَفِّف عن قلوبنا وأعقاب زوجاتنا.
ليوناتو : سيأتي الرقص بعد.
بنيديك : يمينًا، ليكونن أولًا. أيها الموسيقيون اعزفوا. وأنت أيها الأمير أراك ساهمًا. فاتخذ لك زوجًا. اتخذ لك زوجًا.
فما رأينا في العصيِّ أجمل ولا أروع من عصا في آخرها قرن.

(يدخل رسول.)

الرسول : مولاي الأمير، لقد قُبض على أخيك أثناء فراره، وجيء به إلى مسينا مخفورًا.
بنيديك : لا تفكر فيه إلا غدًا. وسأبتكر عقابًا له يليق به، اعزفوا أيها العازفون.

(يبدأ الرقص وفي ختامه ينصرفون.)

هوامش

(١) حركة يؤديها المرء حين يشعر بأنه قد اهتدى إلى كلام بديع سيقوله.
(٢) يظهر أن هذا مَثَل كان معروفًا في تلك الأيام، وهو مركب من فعلين من أفعال الأمر يبدأ كل منهما بحرف (W) ويقابلها في العربية حروف «و». ولعله يقال في معرض «التحدي» أي إن كنت ماهرًا فلتجرب أولا كيف تنالني، ثم افعل بي بعد ذلك ما تشاء.
(٣) في الأصل جاء شكسبير هنا باصطلاح كان معروفًا يومئذ في فن اللعب بالسيف ولعل المراد به من موقف التحصن الفني الذي ستقفه وهي تتهكم من أنطونيو ببراعته.
(٤) يبدو من لحظة دخول بنيديك أنه جاء غاضبًا يريد الاحتكاك بكلوديو وهو هنا يتحدث عن سيفه ولكن الأمير اتخذ الأمر هزؤًا. فمضى يسأله متهكمًا هل وضع عقله في جنبه أي حيث يضع السيف.
(٥) أي اسحب آلة العزف من صندوقها أو كيسها لتعزف، وهذا رد ساخر من قول بنيديك أنه سيسحب السيف من قرابه.
(٦) في أمثال الإنجليز. كم قتل الهم هرة. كناية عن مبلغ أذى الهم وأثره في النفوس، ولكن كلوديو هنا قَلَبَ المثل، والمعنى أن خفة روحك كفيلة بقتل الهم.
(٧) إذا انكسر رمح مبارز من عرضه كان هذا عيبًا ومذمة له ولكنه إذا انكسر نصله طولًا فلا بأس وكل هذه استعارات من المجالدة بالرمح والسيف يريد كلوديو منها أن بنيديك منهزم أمامه.
(٨) قسم مألوف في تلك الأيام، وهو اقتصار من قسم آخر، ونعني به وحق الضياء الذي خلقه الله.
(٩) قلب الحزام إنما يكون عند الاستعداد للشجار أو المبارزة، حتى يصبح قفله الأمامي عند ظهر لابسه.
(١٠) مهد الأمير بسؤاله «أدعوه إلى مأدبة» لنكتة لاذعة من كلوديو وهي أن خصمه دعاه إلى رأس عجل ودجاجة. ثم مضى مع زرايته به يتابع الاستعارة بالسكين المثلم إذا لم يحسن القطع وخرج من ذلك إلى نكتة أخرى وهي سؤاله خصمه هل سيجد أيضًا على المائدة طائرًا آخر.
(١١) إشارة إلى معرفته عدة لغات؛ ولهذا جمعنا اللسان هنا على ألسن لا على ألسنة.
(١٢) مأخوذ من التوراة في سفر التكوين، الإصحاح الثالث العدد العاشر وهو قول آدم لربه «سمعت صوتك في الجنة فخشيت لأني عريان فاختبأت».
(١٣) أي متى سنزوجه. وهو قول أراد به تذكير بنيديك بما قاله عن كراهيته للزواج من قبل.
(١٤) أي أنه مجنون فيما يفعل، وفي الأصل، الرجل الذي يمشي في صدار وجورب ويدع العقل عاريًا أو يخلع العقل عنه.
(١٥) هذه العبارة وسابقتها محيرتان وقد شرحها أحد المفسرين اجتهادًا بقوله ما أعجب حال الرجل الذي يركب حصانه وهو مرتدٍ صداره منتعل حذاءه الطويل، تاركًا عقله مع ردائه المخلوع إنه ليلوح في هذه الحال بطلًا في عين الأحمق أو الأبله لأن القرد هنا هو المأفون أو العابث المهذار، ولكن هذا في الحقيقة وسيلة صالحة أو دواء مفيد يجعله يضحك من نفسه ويتبين حماقته.
(١٦) يقصد لنطرح جانبًا جميع المسائل الصغيرة ولننتبه إلى مواجهة مسائل خطيرة.
(١٧) في الأصل «إذا لم تروضك العدالة» فلن تحمل في ميزانها بعد اليوم زبيبًا وقد نطقها هذا الجاهل قائلًا: «أسبابًا» لأنها في الإنجليزية ويزنس والزبيب ويزنس وفي ترجمتها هكذا مناسبة.
(١٨) هكذا نطق بها وهو يقصد طبعًا أن يقول «ثالثًا».
(١٩) تعبير جميل عن تقييدهما هكذا.
(٢٠) انظر إلى قوله «كاتبنا» فهي على هذا التفخيم مضحكة وقد نطق بكلمة «أبلغ» Informed محرفة فقال أي أصلح.
(٢١) في الأصل بأنفاسك، والمعنى بأقوالك ووشايتك.
(٢٢) في الأصل ما تبتكره أو نحو ذلك.
(٢٣) لعل هذا سهو من شكسبير فقد نسي أن لأنطونيو ولدًا كما أورد في المشهد الثاني من الفصل الأول على لسان ليوناتو حين سأل أخاه «وأين ابن أخي ولدك». أو لعل هذا الولد مات بعد ابتداء القصة فأصبحت ابنة أخيه هي الوريثة دون سواها. أو لعله مجرد إغراء وإن لم يكن صحيحًا.
(٢٤) ترة على وزن سنة من الأسن، هي السبب الموجب لثأر أو الموجدة.
(٢٥) سماه في الأصل «الشاكي» كما وصفه هو وزميله كذلك في موضع سابق.
(٢٦) وردت هذه الحكاية في الفصول السابقة حين ظن الحارس أن كلمة «المشوه» هي اسم شخص معين. ورتب على هذا الظن معرفته للصٍّ يسمى بهذا الاسم ذاته.
(٢٧) نطق هنا بكلمة Foundation أي الأساس ولكن المعنى هو ما أوردناه أي المؤسس أو رب البيت، وقد كان من عادة المتسول إذا أُعطي صدقة وهو عند باب الكنيسة أن يدعو لمنشئها بالخير.
(٢٨) كل هذه العبارات جاءت منه محرفة وكلها أغلاط في مبناها. حتى في كلمة أستاذنك، قالها أعطيك الأذن في الانصراف. وقوله «أدعو الله» تبدو أقرب إلى قولة «العياذ بالله» أو أرجو الله أن يمنع ذلك.
(٢٩) هذا المنظر لم يكن ضروريًا ولكن شكسبير جاء به للانتفاع بالفترة التي ستسبق زيارة دون بدرو وكلوديو «قبر» هيرو تلبية لدعوة أبيها. وفي هذا المشهد يلتقي بنيديك بمرجريت فيطلب إليها أن تدعو بياتريس. وعندئذ يبدأ بين هذين العاشقين حوار بديع ندرك منه مدى تطور العلاقة بينهما.
(٣٠) أخذتها الجارية على معنى آخر، فقالت هل سأبقى خادمًا «أي تحت السلم» فلا أتزوج في يوم من الأيام.
(٣١) أي تلتقطين النكتة بالسرعة ذاتها التي يلتقط بها كلب الصيد الأرنب وهو يطارده.
(٣٢) أي أنها أحسن ما تكون النكتة من رجل لأنها تجرح امرأة، وقوله لها «إنني أسلم دروعي» استعارة يريد بها أن يقول إنه منهزم أمام مكنتها وكان ردها أن لدينا دروعًا ولكن ليست لدينا السيوف فهي التي تنقصنا معاشر النساء.
(٣٣) أي بمسمار محدي لكيلا يحدث أذى.
(٣٤) هذا مطلع أغنية قديمة لا شك في أنها كانت معروفة تُغنَّى على المسارح في عهد المؤلف، وقد وضعها ويليام الدرتون ولم يبقَ منها اليوم غير قطعة تسمى «شكوى آثم».
(٣٥) لياندر عاشق هيرو كاهنة فينوس ربة الجمال، وكان من عادته أن يسبح ليلًا لزيارتها ثم يعود قبل مطالع النهار، ولكنه في ذات ليلة والريح عاصفة هلك في سبيل تنفيذه عهده وهو زيارتها كل ليلة. وقد ألقى اليم بجثته على الساحل فلم يكن من حبيبته هيرو إلا أن وثبت إلى اليم فكانت من المغرقين.
(٣٦) أحد أبناء الملك بريام عاهل طروادة وقد أحب كريسيدا ابنة الكاهن كانشاس، وهي ألمانية أسرها الطرواديون، وقد استعان على التعرف بها بعمه بانداراس ومن هناك الوسيط بين الرجل والمرأة.
(٣٧) غمزة في الفرسان الذين يجلسون في الأبهاء وقاعات الجلوس المفروشة بالبسط يتحدثون عن فعالهم والوقائع التي خاضوها، وإن كان مكانهم المعارك وميادين القتال.
(٣٨) يصف شكسبير هنا العناء الذي يجده في الاهتداء إلى كلمات تصلح للقوافي والرد وهو في هذا يأتي بكلام لطيف ليخرج منه إلى القول بأنه لم يولد شاعرًا.
(٣٩) أي حتى آمرك.
(٤٠) أي من معناها الأصلي.
(٤١) أحد المسميات الغربية التي أولع شكسبير بابتكارها. وقد مرت بك منها أمثلة، وهو هنا يسمي الإنسان «دن ويرم» أي السيدة دودة وقد رأينا أن نجعلها كما ترى «طُعمة الديدان» كأحسن تسمية للإنسان.
(٤٢) هي ديانا ربة العفاف والصيد. وكانت تدعى أيضًا ربة القمر.
(٤٣) أي هيرو التي أصبحت بعد موتها بفضل عفافها «فارسة» في خدمة ديانا.
(٤٤) إشارة إلى الإله فيبوس وهو يقود مركبة الشمس كل يوم من المشرق إلى المغرب، وقد سبقت هذه العبارة عبارة أخرى وهي أن النهار قد طلع والذئاب قد انتهت من الفتك بفريساتها لأنها لا تهاجم إلا ليلًا.
(٤٥) أي تزوجني بياتريس أو لا تزوجني.
(٤٦) أي الفضل لنا نحن الثلاثة في هذا الأمر إشارة إلى ما فعلوه بالحيلة في سبيل تحبيب بياتريس وتحبيبه إليها كما مر بك.
(٤٧) إشارة إلى أن الخصومة التي بينه وبين كلوديو لا تزل قائمة، ولهذا بدا بنيديك متجهمًا في وجه كلوديو.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤