الفصل العاشر
صدر قرار بأن يُعيَّن وحيد سكرتيرًا أول بسفارة مصر في ألمانيا الشرقية، التي كانت تُسمَّى بألمانيا الديمقراطية، وراح هو وزوجته يُعِدَّان العدة للسفر الذي كان محدَّدًا له وقتٌ قريب من صدور القرار.
وقالت سعدية لزوجها: وماذا سنعمل مع الأولاد؟
– ماذا تقصدين؟
– هل ستقبل المربية التي تعمل عندنا أن تذهب معنا؟
– وإذا قبلت هي فلماذا نقبل نحن؟ إنها إن ذهبَت إلى هناك فلن تعرف شيئًا عن البلد، وستكون عبئًا علينا.
– إذن ماذا تنوي أن تفعل؟
– أليس هناك أطفال لهم مربيات؟
– ربما تكون أجورهن مرتفعة.
– ربنا يُعين. توكَّلي على الله.
– كلٌّ على الله.
حين عرف حمدي باضطرار وحيد للسفر حزم أمره أن يُنفِّذ ما استقر عليه رأيه، وطلب من جميع أفراد الأسرة أن تجتمع بالبيت الكبير ولبَّوْا كلهم طلبه، وكان بهجت طبعًا من الأعضاء المجتمعين فهو زوج الأخت الكبيرة، وقال حمدي: أنتم تعرفون أن الباقي من ثروة الباشا بعد الذي وزَّعه على بناته هو أسهُمه في الشركات التي كان يشغل فيها وظيفة عضو مجلس الإدارة، وهذه الأسهم، إذا تُوفي الباشا لا قدَّر الله، ستكون رقمًا كبيرًا، وستكون ضريبة التركات عليه كبيرة. والضريبة أمرها سهل، إنما الذي لا شك فيه أن جميع الأقارب المستحقين سيرثون أنصبتهم في الأسهم.
وقالت الأم: وأنا أيضًا لي أسهم.
– أعرف ذلك.
– وماذا ترى؟
– تبيعين حضرتك أسهمكِ، وتحتفظين بأموالها سائلةً مؤقتًا، ونبيع للباشا أسهمه وأسهمكم وهو على قيد الحياة، وتنالين حضرتك الثُّمن من ثمنها، ويُقسَّم الباقي بالتساوي بين بناته الثلاث.
وقالت تفيدة هانم: كلامك معقول بالنسبة لأسهم الباشا، ولكن لماذا نبيع نحن أسهمنا؟
– أولًا هي ليست كثيرة؛ فأغلب الأسهم باسم الباشا، وثانيًا أن أحدًا منا لا يستطيع أن يُوجِّهها الوجهة الصحيحة كما كان الباشا يفعل، فبيعها يُوفِّر لأموالكم فيها الأمان مع غياب خبرة الباشا الفائقة في هذا المضمار.
وفكَّر كل مستمع لهذا الحديث في مصلحته الخاصة، فوجد أن ما يقوله حمدي منطقي ومقبول وعادل أيضًا، وقالت الأم في حسم: أنا موافقة.
وترادفَت الموافقات من الآخرين إلا بهجت الذي قال في تظاهرٍ بالخجل.
– كلام حمدي بك معقول، ولكن إذا سمحَت كريمة تكون أسهم شركة الغزل التي أعمل بها من ضمن نصيبها هي ونحتفظ هي باسمها.
وقال حمدي: لك حق. أنت تخشى إذا بعنا أسهم شركة الغزل أن يؤثِّر هذا على مكانتك في الشركة.
– أليس من المعقول أن أفكر هذا التفكير؟
– هذه مسألةٌ بسيطة إذا كانت كريمة لا تمانع في بقاء هذه الأسهم باسمها دون بيع.
وقال بهجت في دهاء: والله يا حمدي، إذا اشترت كريمة هذه الأسهم ونُقلَت باسمها فعلًا يكون أصلح.
ويُكمِل حمدي: حتى إذا لا قدَّر الله حدث شيء للباشا لا تكون الأسهم تركة عليها ضريبة، إلى جانب أنها ستكون ميراثًا للجميع.
فعلًا يا بهجت … لك حق … هيه يا جماعة هل أنتم موافقون على هذا التصرُّف؟
ووافق الجميع وقال حمدي: من بكرة سأقوم بالتصرفات اللازمة.
حين خلا بهجت بكريمة بعد الاجتماع قال لها: ألم أكن محقًّا فيما قلتُه بشأن أسهم شركة الغزل؟
– هذا شيءٌ طبيعي.
– ألا أستحق مكافأة؟
– اسمع يا بهجت، العملية التي تذكُرها تمَّت لتبقى أنت على مكانك بالشركة، فالمكافأة قد نِلتَها فعلًا.
واستخزى بهجت قليلًا، وقال: لكِ حق.
– اسمع يا بهجت، إنني سأُعطيك من مالي ما تشاء، ولكن بشرط أن تعرف أنني لست عبيطة.
– أعوذ بالله، وهل يجرؤ أحدٌ أن يقول إنكِ عبيطة؟