ماريا باكونين (١٨٧٣–١٩٦٠)

ماركو شاردي ومريم فوكاشا

أسهمت ماريا باكونين — التي كان أصدقاؤها يطلقون عليها «ماروسيا» وهو الاسم الذي نشرت به بعض أعمالها — إسهامًا بارزًا في تقدم مجال الكيمياء، وكذلك في تحرر المرأة في الأوقات العصيبة عندما بدأت المرأة في إيطاليا بالتدريج وبصعوبة تحتل مكانًا لنفسها في مراتب العلوم «العظيمة» في الجامعة: الكيمياء والرياضيات والفيزياء. في ١٩١٢ عُينت في منصب محاضِرة للكيمياء في الكلية الفنية؛ مما أَذِنَ بمخالفة التقاليد التي سادت في القرن التاسع عشر من حيث السماح للنساء بتدريس «العلوم الطبيعية» فقط. وتمكنت ماريا بفضل شخصيتها القوية والحازمة من أن تصبح من أهم الشخصيات في الدوائر النابولية؛ من أجل كلٍّ من بحثها المبتكر في الكيمياء الفراغية والكيمياء الضوئية ورئاستها للعديد من المؤسسات العلمية ومشاركتها في الحياة الثقافية للمدينة. في ١٩٤٧ كانت أول سيدة تُنتخب عضوًا في الأكاديمية القومية للعلوم، في قسم العلوم الفيزيائية.

•••

كانت ماريا باكونين الابنة الثالثة للفيلسوف والثائر الروسي ميخائيل باكونين، وولدت في كراسنويارسك بسيبريا في الثاني من فبراير عام ١٨٧٣. عندما توفي والدها في برن في ١٨٧٦، ذهبت مع عائلتها إلى نابولي، حيث حافظوا على الروابط الكثيرة التي أقامها والدها مع المدينة. وبعد إتمام دراستها في الليسيه التقليدية (التي كانت وقتها حديثة العهد بانضمام النساء إليها)، مع أخيها كارلو وأختها جوليا صوفيا التحقت بدورة للحصول على شهادة الكيمياء الجامعة. وفي ١٨٩٥ تخرجت بأطروحة بعنوان «عن أحماض الفينيل نيتروسيناميك وأيزومراتها الفراغية». وتخرجت أختها جوليا صوفيا من الجامعة نفسها في عام ١٨٩٣ بعد أن درست الطب والجراحة.

من ناحية، منذ عام ١٨٩٠ فصاعدًا كانت تُعدُّ واحدة من المُعِدِّين في المعهد النابولي للكيمياء الذي كان يديره أجوستينو أوجليالورو تودارو (الذي أصبح زوجها لاحقًا)، ومن ناحية أخرى، كانت مستمتعة تمامًا في روما في ١٨٩٦ بين الكيميائيين الإيطاليين الذين اجتمعوا للاحتفال بعيد ميلاد ستانيسلاو كانيتسارو السبعين.

في الواقع كان رأي كانيتسارو وإيمانويلي باتيرنو الطيب فيها هو الذي أدى لتكريم دراساتها وتقديرها وذلك بإعطائها جائزة الأكاديمية للفيزياء والرياضيات في نابولي عام ١٩٠٠.

figure
ماريا باكونين (الجامعة الحرة للسيدات).

في عام ١٩٠٢ كانت من الحاضرين في المؤتمر القومي الأول للكيمياء التطبيقية، وهو مؤتمر أَمَرَ بعقده اتحاد الكيمياء الصناعية من أجل محاولة تأسيس شركة كيميائية إيطالية. وقد تم التعبير عن هذا الهدف أيضًا من خلال نشر دورية «كيمستري آند إندستري».

في ١٩٠٩ بدأت تدريس الكيمياء التطبيقية في الكلية الفنية العليا في نابولي، وفي ١٩١٢ ربحت المنافسة المفتوحة على كرسي في الكيمياء التكنولوجية التطبيقية في نفس المؤسسة. وفي ١٩٢١ أصبحت رئيس الفرع النابولي للاتحاد الإيطالي للكيمياء. في ١٩٢٨، إلى جانب كونها العضو الآمر في الهيئة الرئاسية لمجلس الكيمياء المعني بالمجلس القومي للبحوث، تم تعيينها واحدة من ١٣ عضوًا في لجنة الهيدروكربونات العطرية على يد الرئيس نيكولا بارافانو. بعد ذلك قام بارافانو بحل هذه اللجنة في ١٩٣٠ لإفساح مكان لأعضاء لجنة وقود الاحتراق.

في ١٩٤٠ شغلت منصب رئيس قسم الكيمياء العضوية في كلية العلوم جامعة نابولي، حيث عملت حتى عام ١٩٤٧، وكانت جزءًا من لجنة الكيمياء التابعة للمجلس القومي للبحوث أثناء فترة إعادة الإنشاء في ١٩٤٥ و١٩٤٦.

أجرت ماريا باكونين بحوثًا عميقة واسعة النطاق في الإندونات؛ بحوثًا يمكن ربطها بدراساتها الأولى للأيزومرية الهندسية للأحماض النيتروسينامية والأوكسيسينامية، التي ركزت جهدها عليها منذ مشروع تخرجها في الكلية. وإلى جانب دراساتها المبتكرة هذه يمكننا أيضًا أن نلاحظ بحوثها في تركيب البيكروتوكسين، وأسترة الفينول، والتأثير المحفز لمحاليل غروية معينة في التركيبات العضوية، فضلًا عن إسهاماتها في مجال الكيمياء التطبيقية والتي أدت إلى تحضير بعض المنتجات الطبية المهمة.

فيما يتعلق بالتركيبات العضوية، ستظل ذكرى باكونين حاضرة لتقديمها طريقة مبتكرة لتحضير الإندونات والبلامائيات والإثيرات بالاعتماد على استخدام خامس أكسيد الفسفور في الكلوروفورم (١٩٠٠). وكثيرًا ما يتم الاستشهاد بالدراسات التي أجرتها بالتعاون مع بيتشيريلو والتي نُشرت في الجازيتا (١٩٣٣–١٩٣٥).

كذلك نظرًا لاهتمامها بعلوم الأرض، شاركت باكونين في ١٩٠٦ في مجموعة مراقبة تدرس ثورة بركان فيزوف، في حين أنها تولت من ١٩٠٩ إلى ١٩١٠ مشروعًا لوزارة التعليم الإيطالية لوضع خريطة جيولوجية لإيطاليا. ومن أجل هذا المشروع، ركزت انتباهها على الصخر الزيتي والرواسب الإكتيوليثية المعتادة في سلسلة جبال دولميت جنوب تيرول وسلسلة جبال بيتشينتيني في منطقة ساليرنو.

من عام ١٩١١ إلى ١٩٣٠ تقريبًا، عملت مستشارة لصالح مجلس مقاطعة جيفوني ولصالح شركات من المنطقة نفسها أملًا في استغلال مناجم الإكثيول المحلية. يساعدنا هذا النشاط في معرفة مدى نشاط باكونين في العمل سعيًا نحو تحقيق حلمها المتمثل في دفع التنمية الصناعية في المناطق المحيطة بنابولي؛ مما يجعلها ذات أهمية أكبر في العملية الاقتصادية الحاسمة للبلد ككل. في ضوء كل هذا يبدو التعاون الوثيق بينها وبين تلميذها فرانسيسكو جورداني — الذي أصبح فيما بعد تكنوقراطيًّا مشهورًا، والذي حافظت على علاقة عمل قوية معه في السنوات التالية — تعاونًا له دلالته الخاصة.

لقد اجتمعت في ماريا، المعرفة الواسعة والقدرات التنظيمية والإمكانيات التدريسية مع الصفات الأكثر إنسانية كالشجاعة والصرامة الأخلاقية، ففي ١٩٣٨ تدخلت ماريا لمنع القبض على ابن أخيها، عالم الرياضيات ريناتو كاتشيوبولي، بسبب نشاطه المعادي للفاشية. لم تشعر ماريا للحظة بالخوف من السلطات الفاشية أو من محنة الحرب: فعندما حرق الألمان منزلها، انتقلت إلى قاعة كبيرة وفارغة في الجامعة، سرعان ما تحولت إلى سفينة نوح حيث استمرت في استضافة كلِّ من لجأ إليها. وطوال فترة الحرب، لم تترك معهد الكيمياء على الإطلاق، وأنقذته حقًّا من قوات التحالف التي حاولت احتلاله للاستخدام العسكري.

كانت ماريا على علاقة وثيقة بالفيلسوف بينيديتو كروشي وأعادا معًا بناء Accademia Pontaniana بعد الحرب العالمية الثانية. في ١٩٤٤، وبعد اندحار الفاشية، تم ترشيحها رئيسًا للأكاديمية، التي كانت عضوًا فيها منذ عام ١٩٠٥. وكان من أهم وأعظم إنجازات باكونين في هذا الدور إحياء المكتبة القيمة التي كانت قد دُمِّرت في حريق. وساعدت ماريا أيضًا في فترة ما بعد الحرب في إعادة تشييد الجامعة، عاملةً جنبًا إلى جنب مع عميدها أدولفو أوموديو.

نشرت ماريا بحثها في «جازيتا كيميكا إيتاليانا» و«أنالي دي كيميكا أبليكاتا» وفي «بروسيدينجس أوف ذا سوسيتا دي ساينزي، ليتيري إد أرتي» في نابولي وفي «ذا أكاديمي أوف ساينس» في بولونيا.

وقد توفيت عام ١٩٦٠ في منزلها في ميتسوكانوني، في سباكانابولي — على بعد خطوات من معهد الكيمياء — عن عمر يناهز السابعة والثمانين.

وفي الرثاء الذي قرأه رودولفو نيكولاوس، أحد تلاميذ باكونين في جامعة نابولي، في أكاديمية العلوم بنابولي في ١٩٦١، وُصِفت ماريا بأنها كانت أستاذة «سلطوية ولكنها كانت تتمتع بسحر وهيبة عظيمين» وأنها كانت تتمتع أيضًا بشخصية مميزة. في الواقع، أضافت ماريا لسنوات بريقًا لعالم الكيمياء في نابولي، وكانت بأنوثتها الأنيقة أفضل مضيفة، وكانت حفلاتها البهيجة على استعداد دائم لاستقبال الشخصيات المهمة في دنيا الثقافة والمعرفة على الصعيدين المحلي والقومي.

المراجع

  • D’Auria, M. (2009) La nascita della fotochimica in Italia. Il ruolo di Maria Bakunin. in Atti del XIII Convegno di Fondamenti e Storia della Chimica (Roma, 23–26 Settembre 2009), (ed. Calascibetta, F.) Accademia Nazionale delle Scienze, Roma, pp. 161–172.
  • Fascicolo Personale di Maria Bakunin, Archivio Centrale dello Stato, Ministero Pubblica Istruzione, Direzione Generale Istruzione Universitaria, Fascicolo professori Universitari, III serie (1940–1970), Da Bay a Bak, B. 28.
  • Malquori, G. (1961/1962) Marussia Bakunin. Atti dell’Accademia Pontaniana, 11, 393–399.
  • Maria Bakunin. Commemorazione letta dal socio Rodolfo A. Nicolaus. (1961) Rendiconto dell’Accademia delle Scienze Fisiche e Matematiche della Società nazionale di Scienze, Lettere ed Arti in Napoli, ser. IV, 28, 15–21.
  • Mongillo, p. (2008) Marussia Bakunin. Una donna nella storia della chimica, Rubettino, Napoli.
  • Nicolaus, R. A. (1988) Bakunin Marussia, in Dizionario Biografico Degli Italiani, vol. 34, Istituto della Enciclopedia Italiana, Roma, pp. 223-224.
  • Nicolaus R. A. (1960) Maria Bakunin. La Chimica e L’Industria, 42 (6), 677-678.
  • Patuelli, F. (2008) Bakunin Maria. in Scienza a Due Voci. Le Donne Nella Scienza Italiana dal Settecento a Novecento, (eds V. Babini and R. Simili) (http://scienzaa2voci.unibo.it)
  • Simili, R. (2008) In punta di penna, in La Scienza nel Mezzogiorno Dopo l’Unità d’Italia, vol. 1, Rubettino, Napoli, pp. 27–89.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤