مارجريتا فون رانجل، فورستين أندرونيكوف (١٨٧٦–١٩٣٢)

ماريان أوفرينز

رفضت مارجريتا فون رانجل أن تستسلم للملل الذي كان قدر النساء في وضعها، شِئْنَ أَمْ أَبَيْنَ، وأصبحت أول امرأة تصل إلى منصب الأستاذية في ألمانيا، وكان عملها في موضوع تخصيب التربة، دون مساعدة الفوسفات الخارجي، أساسيًّا لألمانيا مسلوبة الخصوبة.

•••

انحدرت مارجريتا، التي أطلقت عليها عائلتها ديزي، من أسرة نبيلة من منطقة البلطيق العتيقة، ووُلِدَتْ يوم عيد الميلاد المجيد سنة ١٨٧٦ في موسكو، وكانت الابنة الثالثة للبارون كارل فابيان فون رانجل وزوجته إيدا (في عدد من التراجم ولدت في ٧ يناير عام ١٨٧٧). وأثناء سنوات عمرها المبكرة تمتعت بصحة ممتازة وحس فكاهة رائع، وطوال حياتها كان من أهم مميزاتها أنها لم تَشْتَكِ على الإطلاق، ولكنها كانت تعرف على الفور كيف تستجيب عندما يقع خطأ ما. عندما بلغت الثالثة من عمرها أصابتها الحمى القرمزية، وكانت لها مضاعفات غير معروفة هددت حياتها، وظلت صحتها واهنة؛ ولذا نُصِحَ أبواها بألَّا يُعَرِّضاها لتعليم شاقٍّ. ومع ذلك، لحقت بأختها وأخيها الأكبر، اللذين تَلَقَّيَا تعليمهما في المنزل على يد أمهما، وعندما اكتشفت أمها أنها كانت حاملًا في طفلها الرابع، ذهب أخو ديزي، نيكولاي، إلى المدرسة مثل غيره من الأولاد في نفس السن، ولكن تم تعيين مُدرِّسة روسية للبنات.

figure
مارجريتا فون رانجل (http://margarete-vonwrangell.de/index.php?nav=4).

كان الأب فون رانجل ضابطًا بالجيش؛ ولذا اضطرت الأسرة للانتقال بكثرة. وفي ريفال، عاصمة إستونيا، التي استقر بها منذ ١٨٨٨، التحقت ديزي بالمدرسة الثانوية، وكتبت عن نفسها: «ترتبط أجمل ذكرياتي بمدرسة البنات التابعة للبارونة فون در هافن، تحت توجيهاتها العطوفة والمميزة تعلمنا متعة الدراسة.»

أنهت دراستها في مدرسة هافن في ريفال بتقدير ممتاز، وحصلت على شهادة التدريس في مدرسة الأولاد نيكولاي الأول، وفي التاسعة عشرة من عمرها كتبت روايات نُشرت في «ريفالر تسايتونج» تحت اسم ديزي رانجل. وكما هو معتاد للفتيات في وضعها، لعبت التنس والشطرنج، وقرأت هومر باليونانية وفرجيل باللاتينية، وشاهدت الرقصات «الإلزامية» وذهبت إلى منتجعات الطبقات العليا. وشغلها كل ذلك، ولكنها وجدت حفلات الرقص والمنتجعات مزعجة، ولم تَعْنِ لها الفلسفة أو اللاهوت أي شيء، وفي النهاية اكتشفت الرياضيات، التي ظنت أنها «مسلية للغاية».

كانت ديزي وهي طفلة تتمتع برغبة قوية في الخروج واهتمام شديد بالطبيعة، وفي سن ٢٦ أخذت قرارها؛ إذ أرادت أن تدرس العلوم «حتى لو كلفها ذلك آخر سِوار لديها.» ونظرًا لوفاة أخيها الذي درس الكيمياء في زيورخ، كان عليها أن تُبقي خُططها سرًّا؛ إذ كانت الأسرة مقتنعة بأن وفاته كانت نتيجة الإفراط في الدراسة. وبحجة الذهاب للعلاج بالراحة، أخذت دورات صيفية في جامعة جريفسفالت، ولم تتمكن من التسجيل رسميًّا في توبينجن في جامعة إبرهارت كارلس كطالبة منتظمة إلا في عام ١٩٠٤. وعندما عُرفت هذه المعلومة، قاطعها عدد من العمات بسبب «تلك الفكرة المتحررة المجنونة». لم يُصِبْ ذلك مارجريتا بأي ارتباك أو إحباط، ولكنها كتبت ردًّا عليهن: «الكيمياء شيء شديد الكلاسيكية (…) يسمع المرء من المعادلة دقات قلب الأكسجين الجَزِعة الحساسة، (…) يسمع المرء صوت سريان دم النيتروجين البطيء الثقيل.»

وسرعان ما اكتشفت الكيميائية الزراعية الصغيرة الموضوعَ الذي سيصبح شُغلها الشاغل طوال حياتها: فسيولوجيا النبات، وبعد عام واحد من بدء دراستها كتبت ديزي: «أولًا أريد أن أكرس نفسي للكيمياء تمامًا، ثم أعمل بالكامل في فسيولوجيا النبات، وأخيرًا أرى إن كنت سأتمكن من إيجاد شيء جديد حول الأيض أو تركيب النباتات.»

وفي ١٩٠٩ حصلت على درجة الدكتوراه مع مرتبة الشرف في «ظاهرة الأيزومرية مع إستير حمض جلوتاكونيك فورميل ومشتقات البروم الخاصة به». وبعد ذلك بدأ — ما أُطلق عليه في سيرتها الذاتية — العام الرائع. بناءً على نصيحة أستاذها فيلهلم جوستاف فيسليسينوس، غادرت إلى إنجلترا لإجراء أبحاث مع ويليام رامزي الحاصل على جائزة نوبل. كان عملها، بالنسبة لنظرية النشاط الإشعاعي، بارعًا لدرجة أثارت إعجاب رامزي، حتى إنه هنأها عليه، وفتحت إشادة رامزي بعملها الأبوابَ فيما بعد لها مع ماري كوري. بعد مدة تدريبها في لندن، ذهبت عام ١٩١٠ إلى استراسبورج لفترة، ثم ذهبت بعدها إلى باريس عام ١٩١١. وبالقطع كان تعاونها مع توأم روحها ماري كوري سببًا في ترسيخ اسمها في عالم العلم.

لم تستطع الأسرة في ريفال فهم أي شيء من إنجازاتها العلمية ولم يرغبوا في شيء أكثر من رجوع ديزي إلى وطنها، وكانوا يخشون بالفعل أن تُحتجز في حريم أحدهم كجارية بيضاء. ولم ترجع ديزي إلى ريفال إلا في عام ١٩١٢، عندما طُلب منها أن تصبح مسئولة عن محطة تجريبية زراعية كبيرة في إستونيا.

في ١٩٢٢ دُعيت للانضمام إلى معهد القيصر فيلهلم للكيمياء الفيزيائية والكيمياء الكهربائية في برلين، وفي ١٩٢٣ أصبحت أول امرأة في ألمانيا تُعيَّن أستاذًا كاملًا في كلية الزراعة في هوهنهايم، وظلت لمدة عشر سنوات، إلى حين وفاتها، رئيسًا للمعهد، وتمكنت بحماسها الذي لا يلين من قيادة الكثير من دارسي الهندسة الزراعية للحصول على رخصتهم. ونشرت العديد من الكتب حول تغذية النبات وإخصاب التربة. وفي ١٩٢٦ أحيت صداقتها مع صديق الطفولة فلاديمير أندرونيكوف، الذي يُعتقد أنه مات مقتولًا أيضًا على يد الشيوعيين، وكتب عن هذا اللقاء قائلًا: «أليس هذا كالحلم؟! ديزي، ابنة العم الصغيرة من ريفال، أصبحت أستاذة عظيمة في ألمانيا، الجِنِّيَّة التي يتخيلها أطفالنا، تبني بلدًا من النباتات وتحكمها بعصًا سحرية بدلًا من الصولجان.»

في ١٩٢٨، في عمر ٥١، تزوجت ديزي من فلاديمير، ومنحتها السلطات العليا إذنًا بالاستمرار في العمل أستاذًا ومديرًا للمعهد بعد زواجها (في ذلك الوقت كان على النساء في ألمانيا أن يتخلين عن أعمالهن بعد الزواج، خاصة عندما يعملن في الخدمة المدنية). ولعل حقيقة حصولها على إذن بالعمل يبين بوضوح مدى تقدير عملها العلمي في الدوائر الحكومية. وتبع ذلك سنوات من السعادة، مليئة بالعمل والسفر والاتصالات الاجتماعية، ومع ذلك، لم تستطع التمتع بزواجها لفترة طويلة؛ فقد تركتها الحمى القرمزية التي أصابتها في طفولتها بكُلْيَة عليلة، هاجمتها الآن بمنتهى الشراسة. وبعد فترة قصيرة من المرض توفيت عن عمر يناهز ٥٥ عامًا فحسب، في ٣١ مارس عام ١٩٣٢، ودفنت في ٤ أبريل عام ١٩٣٢.

المراجع

  • Andronikow, Fürst Wladimir (1935) Margarethe von Wrangell. Das Leben einer Frau 1876–1932; aus Tagebüchern, Briefen und Erinnerungen Dargestellt, Albert Langen/Georg Müller Verlag, München.
  • Angermayer, E. (1987) Grosse Frauen der Weltgeschichte. Tausend Biographien in Wordt und Bild. Neuer Kaiser Verlag—Buch und Welt, Klagenfurt.
  • Feyl, R. (1981) Der Lautlose Aufbruch; Frauen in der Wissenschaft. Verlag Neues Leben, Berlin.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤