كارولينا هنرييتا ماكجيلفري (١٩٠٤–١٩٩٣)

مينكه بوش

كانت كارولينا ماكجيلفري عالمة كيمياء متخصصة في علم البلورات وواحدة من رواد علم دراسة حيود البلورات بالأشعة السينية في هولندا. ونظرًا لأنها كانت ذات موهبة فذة في الرياضيات، فقد ابتكرت على نحو مستقل، شأنها شأن عالمين أمريكيين آخرين في الوقت عينه، طريقة مباشرة لحساب بيانات دراسة البلورات بالأشعة السينية. كانت أطروحتها عن البلورات الملتصقة، ومن ١٩٥٠ كانت مشغولة بدراسة فيتامين إيه. وأصبحت واحدة من أُوليات النساء اللائي شغلن منصب الأستاذية في هولندا وأول امرأة تُعيَّن عضوًا في الأكاديمية الهولندية الملكية للفنون والعلوم. وبعد لقائها بالفنان التصويري إم سي إشر، أصبحت مهتمة بعمله المثير للاهتمام الذي يتعلق بالصور المستحيلة، وفي ١٩٦٥ نشرت كتاب «جوانب التناظر في رسوم إم سي إشر الدورية».

•••

كانت كارولينا هنرييتا ماكجيلفري، أو لين بالنسبة للأسرة والأصدقاء، أو ماك بالنسبة لزملائها في العمل والدراسة، الابنة الثانية بين ستة أبناء لدى بيئة أسرية مثقفة. كان والدها جراح مخ، وكانت أمها مدرِّسة. التحقت بمدرسة بارلايوس الثانوية في أمستردام، وبدأت دراسة الكيمياء في جامعة أمستردام في ١٩٢١، وكانت موهوبة في علم الرياضيات وكثيرة الاهتمام باكتشاف ميكانيكا الكم في ١٩٢٥. قامت كطالبة بعمل عرض تقديمي عن الحسابات الميكانيكية الكمية لجزيء الهيدروجين، وبتشجيع من كبير المحاضِرين جيه إم بايفوت، الذي كان رائدًا في مجال حيود الأشعة السينية للبلورات، وتخصصت في كيمياء الحالة الصلبة، ولا سيما علم البلورات الكيميائي. حصلت على شهادة الماجستير الخاصة بها في ١٩٣٢ بتفوق، وكانت مساعِدة للبروفيسور إيه سميتس في معمل الكيمياء العامة وغير العضوية بجامعة أمستردام. ومن خلال عملها في مجال حيود الأشعة السينية، فُتنت بجمال البلورات الذي نبع من التفاعل والتناغم الكامل بين الترتيب والانتظام والحدود واللون والتنوع وعدم الانتظام الطبيعي والانحراف الموجود في التركيب البلوري. وفي يناير ١٩٣٧، حصلت بتفوق أيضًا على درجة الدكتوراه عن أطروحة تتناول تركيب عدة بلورات متلاصقة. وبعد حصولها على الدكتوراه مباشرة، عملت ماكجيلفري لستة أشهر مساعدًا في معمل الكيمياء الفيزيائية في ليدن، وبحلول سبتمبر من نفس العام شغلت منصب مساعد لبايفوت في معمل البلورات بجامعة أمستردام، الذي ظلت تعمل به طوال ما بقي لها من مسيرتها المهنية. ونشرت مع بايفوت في ١٩٣٨ عملها المرجعي «تحليل البلورات بالأشعة السينية» والعديد من الإسهامات المهمة للجريدة الألمانية الفيزيائية «نيدرلاندس تيسخيفس فور ناتوركوند» ولمجلة «نيتشر» وللجريدة الألمانية الكيميائية «خيمس فيكبلاد». وفي ١٩٤١ عُينت أمينًا على المعمل، وتلا ذلك تعيينها في عام ١٩٤٦ ككبير محاضِرين في علم البلورات الكيميائي بجامعة أمستردام.

figure
كارولينا هنرييتا ماكجيلفري، صورة من الأكاديمية الهولندية الملكية للفنون والعلوم.

بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، غامرت ماكجيلفري بالدخول في مجالات بحثية جديدة، كما وسَّعت نطاق عملها على المستوى الدولي، ففي ١٩٤٧ حضرت المؤتمر الأوروبي الأول حول علم دراسة البلورات، الذي نظمه دبليو إل براج في المؤسسة الملكية بلندن. وفي ١٩٤٨-١٩٤٩ ذهبت مع زمالة الجمعية الكيميائية الأمريكية التابعة لليونسكو لمدة عدة أشهر إلى الولايات المتحدة، وأثناء وجودها هناك مثَّلت هولندا في المؤتمر الأول للاتحاد الدولي لعلم البلورات، وانتُخبت في هذا المؤتمر عضوًا في اللجنة المعنية بالعمل المرجعي المكون من ثلاثة مجلدات «الجداول الدولية لدراسة البلورات بالأشعة السينية» والخاص بالاتحاد الدولي لعلم البلورات. وكانت واحدة من محرري المجلد الثالث «الجداول الفيزيائية والكيميائية» الذي نُشر للمرة الأولى في ١٩٦٢، وكان من بين المحررين المشاركين صديقتها عالمة البلورات البريطانية كاثلين لونزديل والألماني جيرارد ريك.

استخدمت ماكجيلفري في الولايات المتحدة الأمريكية حاسبًا تناظريًّا صُمِّم خصوصًا لإجراء أبحاث علم البلورات، الأمر الذي خلصها من الحاجة لإجراء الكثير من الحسابات اليدوية. وفي العام نفسه، في اجتماع للجمعية الأمريكية لعلم البلورات، قدمت عملها حول «الطريقة المباشرة» للحساب في علم البلورات. وقد اعتبرت هذه الطريقة تطويرًا لمعادلة دي هاركر وجيه إس كاسبر. ونشرت إسهاماتها في الطريقة عن طريق ببينسكي في كتابه «طرق الحساب والمشكلة المرحلية في تحليل البلورات بالأشعة السينية» في ١٩٥٢. وبين عامي ١٩٥٤ و١٩٦٠ كانت ماكجيلفري عضوًا نشطًا في اللجنة التنفيذية للاتحاد الدولي لعلم البلورات.

حظيت ماكجيلفري بفضل معرفتها الواسعة والموضوعات التي اختارتها وتمكنها من التقنيات التجريبية، بدور رائد في مجتمع محلِّلي الأشعة السينية القومي والدولي على حد سواء. وفي ١٩٤٨ كانت واحدة ممن حثُّوا على تأسيس المؤسسة الألمانية لأبحاث المادة الأساسية باستخدام حيود الأشعة السينية، والتي رأستها حتى عام ١٩٧٢. وتواصلت ماكجيلفري وعملت مع الباحثين في معمل فيليبس الوطني الذين اهتموا بجهودها للحصول على حاسب كبير. ونتج عن كل هذه الأنشطة، في ١٩٥٠، تعيينها أستاذًا استثنائيًّا في علم البلورات الكيميائي في جامعة أمستردام. وللمرء أن يتساءل إن كانت ستُعيَّن أستاذًا كاملًا إذا كانت رجلًا، ولكن على الأقل جاء التقدير الكامل لتفوقها في ١٩٥٨. وفي الوقت نفسه كانت أول امرأة ترشَّح عضوًا في الأكاديمية الهولندية الملكية للفنون والعلوم في ١٩٥٠، وفي ١٩٦١ أصبحت مديرًا لمعمل البلورات في أمستردام، الذي كان في ذلك الوقت مؤسسة مستقلة، وفي ١٩٦٦ شكلت شراكة مدى الحياة مع الأخصائي الطبي جيه إتش نيوينهايزن.

كان علماء البلورات الذين شاركوا في هذه المرحلة الريادية يشعرون بأن عملهم ضروري مُلِحٌّ؛ مما عزز لديهم حس التعاون (الدولي) وليس المنافسة. في محاضرتها الافتتاحية في ١٩٥٠ عبَّرت عن جزء من هذا الإحساس بوصفها لعلم البلورات ولممارسيه بأنه مجال بحثي جذاب للمرأة أيضًا. كان من الضروري أن يتمتع العلماء بسمات معينة منها الحس الفني والمرونة العقلية والخيال الفضائي والحدس، علاوة على ذلك كان علم البلورات يُدرس في مجموعات صغيرة وليس في معامل الكيمياء والعلوم الطبيعية الفوضوية الضخمة التي كانت بمثابة معقل للرجال. أدهش مظهر ماكجيلفري الجمهور العريض الذي لا يزال يتصور شكل العالمة الكادحة غير المهتمة بأناقتها، وحصلت على انتباه الصحافة وملاحظتها لها كشابة فتية خلوقة «ترتدي قميصًا مريحًا وتنورة ذات نقوش مربعة زاهية الألوان.» واستطاعت ماكجيلفري أن تخلق في المعمل جوًّا وديًّا تحول فيه الكثير من علاقات العمل إلى صداقات. ومن ١٩٥٧، حصل ٢١ باحثًا على شهادات الدكتوراه الخاصة بهم تحت إشرافها، بالإضافة إلى ذلك كانت ثقافة المعمل أن يحتفل بالنجاح احتفالًا مصحوبًا بالموسيقى.

بعد خمسينيات القرن العشرين، أصبح بحثها البنيوي يركز على دراسة فيتامين إيه والمركبات المرتبطة به. كان هذا البحث مهمًّا لعملية الإبصار الفسيولوجية، وأثناء هذه الأنشطة المتخصصة بدأت الجمع بين حبها لعلم البلورات وحبها للفنون والطبيعة. ومن المظاهر المهمة لهذا الحب لقاؤها الفنانَ التصويري إم سي إشر في ١٩٥٩؛ فقد رأت على الفور أن القواعد المتكررة للأشكال التي تظهر في عمله تشبه القواعد المنتظمة في المواد البلورية، وطلبت منه عرض عمله في مؤتمر الاتحاد الدولي لعلم البلورات في كامبريدج في ١٩٦٠، وبناءً على طلب الاتحاد كتبت مقالًا عن عمله، ونشر هذا المقال في ١٩٦٥ تحت عنوان «جوانب التناظر في رسوم إم سي إشر الدورية». ومع ذلك فلم تنشغل بشكل كبير بالجوانب التاريخية والرياضية والفنية لعلم البلورات، والتي ظهرت أيضًا في سياقات أخرى مثل الفن، إلا بعد تقاعدها عن العمل من منصب الأستاذية. وبالاستناد إلى المنشورات والمحاضرات التي تتناول التناظر في أشياء مثل المرايا والحيوانات والمحاصيل والمعادن والمناظر الطبيعية الألمانية، تمكنت من شرح الأعمال الفنية — وكذلك الطبيعة والعلوم — للجمهور العريض. على سبيل المثال، في محاضرة مؤتمر أمستردام الخاص بالاتحاد الدولي لعلم البلورات في أمستردام في عام ١٩٧٥، التي حملت عنوان «النظام والجمال»، تعرَّف الجمهور على كيفية حصول البلورات على مظهرها وكيفية خلق الجمال من النظام وعدم الانتظام في كل المجالات المشار إليها أعلاه، وكيف يمكن أن نلاحظ تماثلات وتشابهات عظيمة بين هذه المجالات شديدة الاختلاف.

قالت ماكجيلفري في محاضرة الوداع الخاصة بها بوصفها أستاذًا في علم البلورات الكيميائي في جامعة أمستردام: «العلم الخالص وأثره الاجتماعي، هما مجالان مختلفان يمكن الفصل بينهما تمامًا.» يمكن أن يرأب تبسيط العلم هذه الفجوة، ولكن القليل من العلماء نجحوا في ذلك. مع ذلك، فما من شك في أن ماكجيلفري نفسها نجحت في القيام بذلك من الستينيات؛ بالاستناد إلى معرفتها الواسعة واهتماماتها المتعددة. وركزت في مجالها المتخصص على نطاق متنوع جدًّا من الموضوعات البحثية، وتمكنت من أن تبتكر في اتجاهات عديدة. كذلك كان لها معرفة موسعة في النباتات والحيوانات، إضافة إلى الأدب والفنون والموسيقى، كما وجدت الوقت لتعزف الكمان بوصفها عضوًا في الفرقة الرباعية المكونة من أعضاء المعمل. جذبت محاضراتها العامة جماهير عريضة، سواء من العلماء أو من سواهم. ومن خلال قدرتها على التعبير بمصطلحات مادية عما ينبثق منه جمال البلورات، على سبيل المثال، نجحت في توصيل المعرفة العلمية الخالصة إلى الكثيرين من غير المنتمين للمجتمع العلمي قبل وفاتها في ١٩٩٣.

دُفنت كارولينا ماكجيلفري بجوار شريكها الذي توفي قبلها بسبع سنوات. حصلت في حياتها على العديد من الأوسمة والعضويات الشرفية، وتركت جزءًا كبيرًا من إرثها للأكاديمية الهولندية الملكية للفنون والعلوم لإنشاء مؤسسة ماكجيلفري التي تهدف إلى دعم الباحثين الشباب الذين يسهمون بأبحاثهم في العلوم الطبيعية في حل مشاكل البلدان النامية.

المراجع

  • Bosch, M. (2006) Fascinated by Crystals’ Sublime Beauty. Carolina Henriette MacGillavry, First Woman of the Royal Netherlands Academy of Arts and Sciences (KNAW), in R. Oldenziel and M. Bosch (eds) Curious Careers. An Unexpected History of Women in Science and Technology, Stichting Historie en Techniek, Eindhoven.
  • Bruinvels-Bakker, M. and de Knecht-van Eekelen, A. (1997) Carolina H. MacGillavry: eerste vrouw in de Koninklijke Nederlandse Akademie van Wetenschappen; over de schoonheid van kristallen, vrouwelijke intuïtie en lenigheid van geest. Gewina, 20, 309–331.
  • Bruinvels-Bakker, M. Th. Mac Gillavry, Carolina Henriette (1904–1993), in Biografisch Woordenboek van Nederland. URL: http://www.inghist.nl/Onderzoek/Projecten/BWN/lemmata/bwn5/mac_gillavry (accessed 13-03-2008).
  • Looijenga-Vos, A. (1994) Carolina Henriëtte Mac Gillavry, in Levensberichten en herdenkingen 1993. Koninklijke Nederlandse Akademie van Wetenschappen, Amsterdam. pp. 54–59.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤