آنَّا، أميرة الدنمارك والنرويج، وملكة ساكسونيا (١٥٣٢–١٥٨٥)

ريناتا شتروماير

كانت آنَّا، صاحبة أكبر وأفضل معمل كيميائي أُسِّس في ألمانيا القرن السادس عشر، وواحدة من الكيميائيات/الخيميائيات القليلات اللائي نعرفهن من القرن السادس عشر؛ ونظرًا لأن لها أهمية في تاريخ ساكسونيا؛ فقد كتب مؤرخو القرن التاسع عشر سيرتها الذاتية وقدَّروا مراسلاتها الكثيرة. وقد وصفت اهتماماتها وأنشطتها في رسائلها الموجَّهة غالبًا لنساء أخريات مهتمات بنفس مجال المعرفة. وليس هناك الكثير من البيانات المتوفرة عن غيرها من خيميائيات القرن السادس عشر، مثل: إيزابيل لا كورتيز (؟–١٥٦١) أو ماري موردراك (التي عاشت على الأرجح في القرن السابع عشر)، اللتين سمعنا عنهما لأنهما نشرتا دراسات في الكيمياء. كان علم الخيمياء الغامض خطيرًا، وربما مهددًا للحياة؛ إذ قد يؤدي بالنساء إلى الموت حرقًا.

•••

في القرن السادس عشر، عندما كانت الكيمياء لا تزال يُطلق عليها الخيمياء، أنشأ باراسيلسوس (١٤٩٣–١٥٤١) علاجًا طبيًّا بمواد كيميائية بالاعتماد على القوة العلاجية للنباتات والمعادن. وأدى الفضول العلمي بالإضافة إلى علم التنجيم والأفكار المتعلقة بالسحر والمعتقدات القديمة المؤمنة بالخرافات إلى تطوير الطب الكيميائي القديم (الصيدلة)، وكان هذا هو مجال أنشطة آنَّا العلمية. اخترعت الكثير من الأجهزة والإجراءات المعملية الجديدة في أوائل القرن السادس عشر، واستخدمتها في معاملها، وكان أهم هذه الأجهزة جهاز التقطير المحسَّن الخاص بماء الحياة الشهير الخاص بها.

أنشأت آنَّا في آنابيرج بساكسونيا، تلك المدينة التي سُمِّيت تيمُّنًا باسمها، ما يشبه «المصنع» لإنتاج الأدوية، وضمَّ المبنى الذي تبلغ مساحته ٢٠٠ خطوة مربعة بجدرانه وخنادقه المائية أجهزة تقطير ومعامل ذات أحجام مذهلة. كان أحد هذه الأجهزة في حجم كنيسة، وبه قباب ذاتية الدعم والكثير من المداخن. قال عنه أحد الزوار إنه: «رأى معملًا به ست عشرة مدخنة ويحتوي على أفران بشكل وارتفاع الخيول والأسود وإنسان الغاب وأحدها على شكل صقر بجناحين مفرودين مطليين بالذهب.» في هذه المعامل كان يتم معالجة جميع أنواع المكونات وتحويلها إلى منتجات طبية. وكانت المكونات العشبية تأتي من حدائقها أو تُجمع من الغابات والحقول المجاورة بواسطة نساء محليات يعملن في جمع الأعشاب. وكان يتم تجفيف وتخزين كميات ضخمة من الأوراق والفواكه والجذور والزهور. ومع ذلك، ليس فقط النباتات، وإنما أيضًا علاجات من المملكة الحيوانية، مثل: عظام السيقان البشرية المطحونة والطحالب المزروعة على الجماجم البشرية، والدهن البشري، وصفراء الثور ودهن الكلاب ولبن الخيول والحمير، ودم الغزلان والماعز، ولا ننسى بالطبع الحصان أحادي القرن المرغوب بشدة، كانت تخلط في المراهم والشراب واللعوق. وبعد وفاتها عُثر على ١٨١ مكونًا من مكونات الشراب المعالج الخاص بها في مخازن ومعامل آنابيرج. ولعل هذه العلاجات تبدو غريبة في الوقت الحالي، ولكنها كانت توصف في الكثير من المستوصفات في القرن السادس عشر.

figure
آنَّا أميرة الدنمارك والنرويج وملكة ساكسونيا.

نظرًا لأن آنَّا لم تكن تعرف اللاتينية، يمكن للمرء أن يفترض أنها لم تتلَقَّ تعليمًا عاليًا، وأغلب الظن أن معرفتها واهتمامها العميق بالأدوية وإنتاجها استيقظ في طفولتها على يد أمها؛ لأنه أصبح من الموضوعات الأساسية في المراسلات بين الأم وابنتها في وقت لاحق. وكانت معلمتها الأولى لفن تقطير ماء الحياة هي الكونتيسة آنَّا من مانسفيلد. وجاءت معظم معرفتها المعاصرة المتقدمة والإجراءات الحديثة في زمانها من أفراد البلاط الدارسين للطب، وربما كان الدكتور بول لوثر (١٥٣٣–١٥٩٣) الطبيب والخيميائي أهم معلِّميها. وقد عثر على رسائل استفسارية موجهة لكل الأطباء والخيميائيين المهمين في ذلك الوقت في مراسلات آنَّا وأغسطس. على سبيل المثال: طلبا من الدكتور بيثوبويس أن يدرِّس لهما «أساسيات علمه ودوائه الجديد، الذي يؤثِّر باستخلاص القوى والأشياء الأساسية (المواد النشطة) في النار». ولم يكن الأطباء المتعلمون هم المصدر الوحيد لمعارفها الطبية؛ إذ جمعت آنَّا تركيبات من جميع أنواع المعالجين المعاصرين مثل النساء المعالجات والمعالجين غير المتعلمين والرعاة والحلاقين. وكانت مجموعة الوصفات والعلاجات الطبية الكبيرة الخاصة بها تُطلب وتُزوَّد من قِبل الصيادلة والأطباء في دستور الأدوية الخاص بها.

figure
قلعة آنابيرج التي بَنَتها آنَّا وأغسطس الأول ملك ساكسونيا (١٥٧٢–١٥٧٥).

شاركت آنَّا زوجها في تجارب خيميائية، وبمساعدة الكيميائي السويسري سيبالد قامت بصناعة «ثلاث أونصات من الذهب باستخدام ست أونصات من الفضة في غضون ستة أيام» في عام ١٥٧٨. وفي عام ١٥٨٥ أعطيا بعض «الأكرانوم، من صنع يديهما» لكونت براندنبيرج، الذي قَبِلَ الهدية بامتنان، وكانت هذه الأنشطة خطيرة للغاية بالنسبة للنساء في زمنها، وربما تكون مكانة آنَّا الاجتماعية كأميرة قد أنقذتها من الاتهام بالعرافة والحكم عليها بالحرق حية.

المراجع

  • Carl von Weber (1865) Anna, Churfürstin von Sachsen, Tauchniz, Leipzig.
  • Harless, J. C. F. (1830) Die Verdienste der Frauen um Naturwissenschaft, Gesundheitsund Heilkunde, so wie auch um Laender-, Voelker- und Menschenkunde, von der aeltesten Zeit bis auf die neueste: ein Beitrag zur Geschichte und geistiger Cultur, und der Natur- und Heilkunde insbesondere, Vandenhoeck- Rupprecht, Goettingen.
  • Keller, K. (2007) Anna von Dänemark, in Sächsische Biografie, ed. Institut für Sächsische Geschichte und Volkskunde e.V., revised by Martina Schattkowsky, Online: http://www.isgv.de/saebi/.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤