إلسي ماي ويدوسون (١٩٠٦–٢٠٠٠)

سالي هوروكس

أكثر ما تشتهر به إلسي ويدوسون هو شراكتها العلمية مع روبرت ماكانس، والتي نتج عنها إسهامات مهمة في المعرفة التفصيلية للتركيب الغذائي للمأكولات، وكانت هذه الشراكة أساسًا لنشر كتاب «التركيب الكيميائي للأطعمة» الذي تم تحديثه لاحقًا بانتظام، ويُعرف الآن باسم «التركيب الكيميائي للأطعمة لماكانس وويدوسون». سرعان ما أصبح هذا الكتاب موردًا أساسيًّا للأجيال اللاحقة من علماء التغذية وغيرهم ممن يهتمون بالموضوع في جميع أنحاء العالم. كذلك أسهمت ويدوسون إسهامات مهمة في الأبحاث العملية لتغذية وصحة المجتمعات التي تعاني من ضغوط، بالإضافة إلى ذلك، تضمنت أبحاثها طب حديثي الولادة وتغذية الرضع. ولم تُكرَّم رسميًّا على إنجازاتها العلمية إلا بعد تقاعدها رسميًّا في ١٩٧٣، من خلال انتخابها زميلة في الجمعية الملكية في ١٩٧٦، ومنحها وسام الإمبراطورية البريطانية في ١٩٧٩ ورفيق شرف في ١٩٩٣.

•••

ولدت إلسي ماي ويدوسون في ٢١ أكتوبر عام ١٩٠٦ في ولينجتون بمقاطعة سَري، وكانت كبرى ابنتي توماس هنري ويدوسون، العامل في محل البقالة، وزوجته روز إلفيك. حصلت هي وأختها الصغرى إثيل إيفا، على منحتين للدراسة في المدرسة الثانوية لمقاطعة سيدنام، وهناك وجَدَتا التشجيع من هيئة التدريس على دراسة العلوم، وعلى غير المعتاد في هذه الفترة، كان ثمة تشجيع نحو دراسة العلوم الفيزيائية. اختارت إلسي دراسة الكيمياء في الكلية الملكية، وحصلت على البكالوريوس في ١٩٢٨ ثم على الدكتوراه بعدها بثلاث سنوات. ودرست أختها الرياضيات وحصلت فيها على البكالوريوس ثم على الماجستير في الميكانيكا الكمية والدكتوراه في الفيزياء النووية. وحققت شهرة واسعة تحت اسمها بعد الزواج، إيفا كرين؛ لقاء عملها في تربية النحل، في حين تطورت اهتمامات إلسي من كيمياء الكربوهيدرات إلى التركيب الغذائي للمأكولات.

حصلت ويدوسون على شهادة الدكتوراه الخاصة بها عن بحث موَّله قسم الأبحاث العلمية والصناعية وأجري تحت إشراف هيلين أركبولد (التي أطلق عليها لاحقًا هيلين بورتر، وحصلت على لقب زميلة الجمعية الملكية في ١٩٥٦) في قسم فسيولوجيا النبات في الكلية الملكية. وهناك استخدمت مهاراتها الكيميائية لتطوير طريقة لتحليل محتوى الكربوهيدرات في التفاح. وكانت وظيفتها التالية في معهد كورتولد في مستشفى ميدل سكس حيث عملت مع البروفيسور (الذي حصل لاحقًا على لقب سير) إدوارد دودز حول المشاكل في الكيمياء الحيوية للإنسان. وبالرغم من مؤهلاتها وسجل المنشورات الخاص بها؛ فقد وجدت ويدوسون صعوبة في الحصول على وظيفة في ١٩٣٣، واتبعت نصيحة بروفيسور دودز، فالتحقت بدبلومة علم النظم الغذائية في كلية الملك للاقتصاد المنزلي والعلوم الاجتماعية. أثناء عملها في المطبخ الرئيسي في مستشفى كلية الملك تحضيرًا لهذه الدورة الدراسية قابلت ويدوسون روبرت ماكانس لأول مرة، وكان قد حضر للمطبخ لطبخ قطع لحم لاستخدامها في أبحاثه. وتمكنت ويدوسون من استغلال الخبرة التي حصلت عليها من أبحاثها على التفاح لتصحيح بعض أعماله السابقة حول محتوى الكربوهيدرات في الأطعمة، وأُعجب بها ماكانس لدرجة أنه طلب تمويلًا من مجلس الأبحاث الطبية لتوظيف ويدوسون مساعدة له، وبدآ في المزيد من الدراسات حول مكونات الأطعمة، وأكملت ويدوسون دبلومتها في علم النظم الغذائية أيضًا. كانت خبراتها وتجاربها خلال هذه الدورة الدراسية هي ما ألهمها لتقترح على ماكانس فكرة عمل مجموعة من الجداول العملية تشمل مكونات الأطعمة البريطانية، التي ظنت أنها ستكون أكثر إفادة لعلماء التغذية من الجداول الأمريكية، التي تغطي الأطعمة النيئة فقط، التي كانت مستخدمة حينها. وحصد هذا المشروع ثماره في ١٩٤٠ بنشر الطبعة الأولى من كتاب التركيب الكيميائي للأطعمة. وبين عامي ١٩٣٤ و١٩٣٨ استمر ماكانس وويدوسون في التعاون في مجموعة من الأبحاث حول النظام الغذائي والأيض الخاص بالإنسان في مستشفى كلية الملك. وفي ١٩٣٨ دُعي ماكانس ليصبح محاضِرًا في الطب في جامعة كامبريدج، وتمكَّن من إقناع مجلس الأبحاث الطبية بالاستمرار في تمويل أبحاثه المشتركة مع ويدوسون، واستمرا في أبحاثهما حول الأيض في الإنسان في جامعة كامبريدج، وكثيرًا ما كان هذا يتطلب منهما إجراء التجارب على نفسيهما؛ الأمر الذي لم يكن دائمًا يؤدي للنتائج المخطط لها.

مع اندلاع الحرب توجهت الأبحاث إلى اتجاه مختلف وهو الدراسة التجريبية للترشيد، وبالإضافة إلى إنتاج نتائج علمية، أدى هذا العمل إلى اتخاذ قرار بتعزيز الدقيق بكربونات الكالسيوم تحوطًا من حدوث نقص في الكالسيوم في النظام الغذائي في حالة نقص منتجات الألبان. وبعد نهاية الحرب طُلب من ماكانس وويدوسون، اللذين أصبحا آنذاك عضوين دائمين في هيئة مجلس الأبحاث الطبية، أن يتوجها إلى ألمانيا لدراسة تأثير نقص التغذية على الشعب. وعند عودتها إلى كامبريدج في ١٩٤٩ استأنفت ويدوسون مشروعها الذي بدأته قبل السفر، حول تركيب الجسم البشري، وفي ١٩٦٨ انتقلت إلى معمل تغذية دان بوصفها رئيسًا لقسم أبحاث تغذية الرضع، وفي ١٩٧٣ تقاعدت رسميًّا؛ وكان هذا يعني انتقالها إلى قسم الطب الاستقصائي في مستشفى أدنبروك في كامبريدج، حيث ظل لها لسنوات طويلة مكان في المعمل وأشرفت على عدد من طلاب الدكتوراه. فيما بعد، وعندما لم يَعُدْ متوفرًا لها مكان في المعمل، احتفظت بمكتب حتى تقاعدها النهائي في ١٩٨٨، وتوفيت في ٢٠٠٠ إثر إصابتها بسكتة دماغية حادة.

ورغم قلة الأوسمة التي حصلت عليها ويدوسون قبل تقاعدها الرسمي، انهالت عليها الأوسمة بعد التقاعد، ففي عام ١٩٧٥ منحتها جامعة مانشستر الدكتوراه الشرفية، وفي عام ١٩٧٦ انتُخبت زميلًا للجمعية الملكية. ومُنحت وسام الإمبراطورية البريطانية في ١٩٧٩ ورفيق الشرف في ١٩٩٣. أما عن الأوسمة التي حصلت عليها من زملائها العلماء، فمن بينها ميدالية جيمس سبينس الخاصة بجمعية طب الأطفال البريطانية، وجائزة التغذية الأوروبية الأولى، وجائزة اتحاد جمعيات التغذية الأوروبية، وجائزة إدنا وروبرت لانجولز الدولية الأولى للتغذية. وجائزة مؤسسة الرابطة الأمريكية للتغذية. وعملت رئيسًا لجمعية التغذية (١٩٧٧–١٩٨٠)، وجمعية حديثي الولادة (١٩٧٨–١٩٨١) ومؤسسة التغذية البريطانية (١٩٨٦–١٩٩٦). وعندما أسس مجلس الأبحاث الطبية وحدة جديدة لأبحاث التغذية البشرية في كامبريدج في ١٩٩٨ سُميت معمل إلسي ويدوسون. وفي عام ٢٠٠٠ أنشأت الحكومة البريطانية وكالة لمعايير الطعام وسميت المكتبة في المبنى الجديد باسمها أيضًا.

تضمن عمل ويدوسون العلمي طوال مسيرتها استخدام تجارب تفصيلية جيدة التخطيط لتقديم أدلة يمكن بموجبها تطوير إجراءات تدخُّل عمليةٍ. تضمَّن بحثها الأول استخدام خبرتها الكيميائية في تحليل كيمياء كربوهيدرات التفاح أثناء فترة نضجه وتخزينه، وكان هدف جزء من المشروع تقليل فقْد الفواكه من خلال تحسين ظروف تخزينها لتقليل هذه التغييرات قدر الإمكان، وأدى هذا إلى منشورها الأول في «بيوكيميكال جورنال». أما عملها في معهد كورتولد في مستشفى ميدل سكس فقد نتج عنه ورقة بحثية عن الجوانب الكيميائية الحيوية لالتهاب الكلى. وبعد أن بدأت العمل مع ماكانس جمعت العمل على جداول الأطعمة مع الأبحاث في مشكلة نقص الملح في البشر مما أسهم في فهم أهمية الحفاظ على السوائل والتوازن الكيميائي، ولا سيما في مرضى السكر. انتقلت أبحاثهما فيما بعد لدراسة امتصاص وإخراج الحديد، مطبقين التجارب على نفسيهما، ودراسة الوظيفة الكلوية، ولا سيما الاختلافات المحيرة بين الأطفال والبالغين. بادرت ويدوسون أيضًا بإجراء استقصاءات غذائية تركز على الأفراد وليس العائلات والمنازل، كما كان شائعًا من قبل.

بعد أن انتقل ماكانس وويدوسون إلى كامبريدج واصلا بحثهما في الامتصاص والإخراج، مركزين اهتمامهما على الاسترونتيوم، وظلا يطبقان التجارب على نفسيهما. أدى اندلاع الحرب إلى أن يوجها انتباههما نحو الدراسات التجريبية للترشيد، وتجارب حول التحمل البشري بهدف توفير بيانات لتحديد الأطعمة التي تساهم على أفضل وجه ممكن في كفاية الإنسان ولكنها في الوقت نفسه تستغل مساحة الشحن المتوفرة أفضل استغلال. كذلك بحثا موضوع تركيب الخبز، وقدَّما نتائج كان لها أثر مباشر على سياسة الطعام. وبعد نهاية الحرب، قضت ويدوسون ثلاث سنوات في ألمانيا لإجراء دراسات في ملاجئ الأيتام عن العلاقة بين النظام الغذائي ونمو الأطفال. وقادتها بعض النتائج غير المتوقعة في إحدى هذه الدراسات إلى القول بأن العوامل البيئية، وكذلك عوامل التغذية، مهمة للوصول إلى النمو الأمثل، وأنه حتى الأطفال الذين يحصلون على طعام جيد يعانون من تأخر النمو إذا وُجِدوا في بيئة يعانون فيها من التوتر والضغوط.

عادت ويدوسون إلى كامبريدج في ١٩٤٩، وهناك عملت على دراسة تركيب الجسم البشري، ولا سيما للرضع. كان لهذا منظور مقارن، وامتد ليشمل أبحاثًا حول المقدار المُدخل والمُخرج من الطاقة، وأثر حجم الفضلات على التطور المبكر لمجموعة من الثدييات. وعندما انتقلت إلى معمل تغذية دان في ١٩٦٨ ركزت انتباهها على تركيب الأنسجة الدهنية في الرضع، وقد استوحي هذا المشروع من ملاحظة أن لبن الأطفال في المملكة المتحدة مختلف تمامًا في تركيبته الكيميائية عن لبن الأطفال في هولندا. أكدت ويدوسون أن هذا أدى إلى اختلافات رهيبة في تركيب دهون الجسم في الرضع في البلدين، وتم توسعة هذه الدراسات إلى خنازير غينيا. وقد درست أيضًا أثر الوزن المنخفض عند الولادة على النمو والتطور اللاحق. وبعد تقاعدها رسميًّا تعاونت مع أولاف أوفتيدال في جامعة كورنيل لدراسة رضاعة ونمو الفقمة والدببة السوداء.

كانت إلسي ويدوسون واحدة من أهم الشخصيات في مجال أبحاث التغذية البريطانية وأغزرها إنتاجًا على مدار ما يزيد عن نصف قرن. قدمت أكثر من ٦٠٠ منشور، سواء وحدها أو بالتعاون مع آخرين، ولا سيما روبرت ماكانس. تناولت هذه المنشورات موضوعات متنوعة، بداية من أبحاثها الأولى حول الجوانب الكيميائية لفسيولوجيا التفاح وانتهاءً بآخر أعمالها عن تركيب أجسام الحيوانات قبل الولادة وفي بداية الرضاعة. وربما يفسر تأخرها الواضح في أن تحظى بالتكريم، مثل انتخابها لزمالة الجمعية الملكية، ارتباطها الطويل مع ماكانس وصعوبة تمييز إسهاماتهما الفردية. وربما يرجع أيضًا إلى شخصيتها المتواضعة التي لا تسعى للظهور، وهي سمات اكتسبها الكثير من العالمات في جيلها كاستراتيجية تأقلم في ظل بيئة العمل العدائية التي غالبًا ما تثبِّط السعي للترقي وتشجع العمل في صمت والاكتفاء بدور معاون.

المراجع

  • Ashwell, M. (2002) Elsie May Widdowson, CH, 21 October 1906–14 June 2000, Biographical Memoirs of Fellows of the Royal Society, 48, 483–506.
  • Ashwell, M. (ed.) (1993) McCance and Widdowson: A Scientific Partnership of 60 Years, 1933–1993, British Nutrition Foundation, London.
  • Whitehead, R. Widdowson, Elsie May (1906–2000) in Oxford Dictionary of National Biography, Oxford University Press, Sept 2004; online edn, May 2006, http://www.oxforddnb.com/view/article/74313 (accessed 30 July 2010).
  • Obituaries in The Times, Guardian, Independent, Daily Telegraph.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤