بيانكا تشوبار (١٩١٠–١٩٩٠)

ديدييه أستروك

بيانكا تشوبار، من طائفة يهودية من بابل، ولدت في أوكرانيا، ووصلت في الرابعة عشرة من عمرها إلى باريس، حيث واصلت مسيرتها المهنية في الكيمياء. تميزت بقوة شخصية أسطورية، كما اتسمت بشغفها وكرمها وحماسها العلمي المتقد حتى أضحت رمزًا للكيمياء في فرنسا في القرن العشرين. لعبت دورًا رئيسيًّا بوصفها مديرة علمية، تشجع البحث العلمي بولعها وإخلاصها ودقتها المتناهية. كانت مبدعة بشكل استثنائي منذ الثلاثينيات في الإتيان بأفكار جديدة في آليات التفاعل العضوي، التي واصلت الدفاع عنها حتى الخمسينيات ضد الأفكار المتحفظة للعديد من علماء الكيمياء العضوية الفرنسيين المشهورين. عملت مديرًا لأحد فروع المركز القومي للبحث العلمي الكبيرة جدًّا في ثييه بين ١٩٦٨ و١٩٧٨، وكانت تتمتع بشخصية جذابة للغاية. لها كتاب شهير للغاية بعنوان «آلية التفاعل في الكيمياء العضوية» (١٩٦٠) تُرجم إلى ست لغات.

•••

كانت بيانكا تشوبار شخصية ذات أبعاد علمية وإنسانية استثنائية؛ فهي ككيميائية، كانت تُعدُّ رائدة الأفكار الحديثة في الكيمياء العضوية الفرنسية في منتصف القرن العشرين، وكان لها نظريات عقلانية مبتكرة في آليات التفاعل العضوي، ولا سيما الأدوار الحاسمة للأيونات كوسائط للتفاعل. وكانت مؤثرة على نحو خاص في المجتمع الفرنسي؛ نظرًا لكونها مديرة أكبر معهد فرنسي للكيمياء العضوية في ثييه، إحدى ضواحي باريس، بين عامي ١٩٦٨ و١٩٧٨.

figure
بيانكا تشوبار (الصورة مقدمة من المؤلفة).

تعاملت بيانكا تشوبار مع علماء آخرين، أيًّا كانت خلفياتهم الاجتماعية، مولية اهتمامًا ضئيلًا للغاية لمصالحها الشخصية. ونظرًا لذكائها المتقد وثقافتها الواسعة وحدسها؛ فقد كان لديها القدرة على تطوير أعمق الأفكار مستعينة بدقتها المتناهية واجتهادها وتفانيها. كانت تتمتع بموهبة وشغف التواصل بكرم زائد أثَّر على أجيال عديدة من الكيميائيين الذين تقربوا إليها أو قرءوا منشوراتها وكتبها. وكانت قوة شخصيتها أسطورية تنمُّ عن تربية شخصية صارمة، وفوق كل ذلك، كانت دائمًا ما تُثبت كرمها الاستثنائي في العلاقات الإنسانية، ومن ذلك إخلاصها العظيم لأصدقائها. إيجازًا لكل ذلك، كانت نوعًا ما عبقرية، أو بعبارة أخرى كانت «دون كيشوت» زمانها.

كانت بيانكا تشوبار من طائفة يهودية من بابل، يعتبرها الأحبار الأرثوذكس «ملعونة»، وما زالت حتى الآن موجودة في شبه جزيرة كريمي الأوكرانية. ولدت في مدينة خاركوف بأوكرانيا في ٢٢ أكتوبر عام ١٩١٠. وتركت أسرتها روسيا مع طفليهما في ١٩٢٠؛ لأن والدها كان ديمقراطيًّا دستوريًّا قريبًا من بافيل ميليوكوف وفلاديمير نابوكوف. وعاشوا لمدة عامين في إسطنبول حيث تعلمت الفرنسية، ثم في بودابست، وأخيرًا وصلت إلى باريس في ١٩٢٤ حيث التحقت بعد ذلك بالمدرسة الروسية. وهناك، كانت معلمة الكيمياء الخاصة بها، الآنسة شامييه، ذات الأصل الروسي رغم اسمها الفرنسي، من مساعِدات ماري كوري، وقالت بيانكا فيما بعد إنها تدين لها بكفاءتها. ومن المرجح أن ماري كوري قد أثرت أيضًا على بيانكا تشوبار؛ لأنها أشارت إلى أنها كانت تحضر دوراتها الدراسية بمنتهى الإعجاب.

حصلت على بكالوريوس العلوم في ١٩٣١، ثم عملت في كلية العلوم بجامعة السوربون مع بول فروندلر، الصديق الحميم لجوزيف-أشيل لو بيل (١٨٤٧–١٩٣٠) الذي كانت تشاركه اهتمامه بالنيتروجين غير المتماثل؛ لذلك، عملت تشوبار على تفاعل أسيتات اليود الإيثيلي مع الأمينات الثلاثية؛ وهو ما أدى بها إلى الحصول على دبلومة الدراسات العليا في ١٩٣٢. بعد ذلك، عينها مارك تيفانو البروفيسور بكلية الطب بباريس، الذي نشرت معه أول مقال لها في ١٩٣٤ حول تفاعل كواشف الجرينيارد مع ألفا-كلوروسيكلوهيكسانون (كلوروهيكسانون حلقي). في ١٩٣٧، كونت فريقها الخاص المتخصص في تفاعلات الإبدال العضوية، وأصبحت رئيس معمل الكيمياء العضوية ومدربة بحثية في المركز القومي للبحث العلمي حديث الإنشاء في ذلك الوقت.

أثناء الحرب، لعبت بيانكا تشوبار دورًا بارزًا في المقاومة، وفي ١٩٤٦، بعد وفاة تيفانو في ١٩٤٥، وبتشجيع من جان ليفي (طالبٌ نابِهٌ أيضًا من طلاب تيفانو)، قدمت رسالة الدكتوراه الخاصة بها بعنوان: «إسهامات في مجال دراسة امتداد الحلقات: تجريد مركبات أحادي أمينوميثيل أحادي سيانوهكسانول من المجموعة الأمينية باستخدام النيتروز»، ثم عُينت مساعد باحث في المركز القومي للبحث العلمي. وفي منتصف الخمسينيات كانت تتمتع بعلاقات قوية مع زملائها السوفييت، ولا سيما إي إيه شيلوف من المعهد العضوي لأكاديمية العلوم الأوكرانية.

لم يتم تعيين بيانكا تشوبار مديرًا للمركز القومي للبحث العلمي قبل عام ١٩٥٥، رغم أنها ظلت رئيس فريق لثمانية عشر عامًا؛ وكان ذلك بسبب أفكارها الحديثة المعارضة للأفكار الشائعة وقتها حول آليات التفاعل، بالإضافة إلى آرائها السياسية. في ١٩٦٠، نشرت بالفرنسية كتابها الأول الشهير: آلية التفاعل في الكيمياء العضوية، الذي تمت ترجمته فيما بعد إلى ست لغات وأعيد تحريره مرتين. في ١٩٦١، انتقلت إلى بلدة جيف سير إيفيت (بالقرب من باريس) إلى معهد كيمياء المواد الطبيعية حيث رسخت سمعتها كرائدة من رواد الكيمياء العضوية في فرنسا.

في ١٩٦٨، أصبحت مدير مركز المعمل رقم ١٢ التابع للمركز القومي للبحث العلمي الذي أسس مع ٥٠ باحثًا في ثييه (بالقرب من باريس) ومنهم فرق ميشلين شاربنتييه وماريان كوب وجينيفييف لي ني وهنرييت ريفيير وزولتان فيلفارت، ثم لاحقًا دانيال ليفورت وجاكلين سيدن-بين وميشيل سيمالتي وهيلينا ستيريزليكا وجورج برام وبوليت فيوت. وشغلت هذا المنصب بفعالية، متمتعة بخبرة علمية واسعة لعقد من الزمن حتى تقاعدها رسميًّا في ١٩٧٨. ولم تتوقف أنشطتها العلمية عند هذه المرحلة، وفي ثييه أصبحت مهتمة بالكيمياء العضوية الفلزية وتثبيت النيتروجين، وهو مجال طورته مع جينيفييف لي ناي وميشيل جروسيل بالتعاون الوثيق مع صديقين روسيين: البروفيسور ألكسندر إي شيلوف، ابن إي إيه شيلوف، وألا شيلوفا. ونشرت بيانكا تشوبار كتابها الثاني في ١٩٨٨ (بالفرنسية) بالتعاون مع أندريه لوبي: «تأثيرات الملح في الكيمياء العضوية والكيمياء العضوية الفلزية» الذي تمت ترجمته إلى الإنجليزية والروسية.

لم يتضاءل نشاط بيانكا تشوبار أثناء فترة تقاعدها على الإطلاق. كان عملها العلمي الأخير عبارة عن مقال مراجعة كيميائية كتبه صديقاها أندريه لوبي وديدييه أستروك عن تأثيرات الملح الناتجة عن التبادل بين أزواج الأيونات. كتبت بيانكا إجمالًا ١٤٠ منشورًا، كما أنها استمتعت بشغف بالحياة الاجتماعية والثقافية والفنية في باريس مع أصدقائها (ومنهم مؤلف هذه السيرة الذاتية) الذين كانوا يزورونها في شقتها القديمة بالقرب من برج إيفل. وتوفيت بيانكا تشوبار في منزلها في صباح يوم ٢٤ أبريل عام ١٩٩٠ نتيجة نزيف داخلي.

كفاح بيانكا تشوبار من أجل الأفكار الحديثة في آليات الكيمياء العضوية ضد الأساتذة الفرنسيين المتحفظين في النصف الأول من القرن العشرين

عندما كانت بيانكا تشوبار في الثانية والعشرين من عمرها، أعربت عن اهتمامها بالأيونات المشحونة أمام أستاذها بول فروندلر البروفيسور في جامعة السوربون، ولكنه قال لها: «إذا كنت قد أتيت لتتحدثي معي عن الأيونات، فاذهبي … عندما يبدأ الطلاب في إعطائي محاضرة ملأى بالتفسيرات المبنية على الأيونات، آمرهم بالصمت، وأعطيهم صفرًا.»

قالت بيانكا لمشرف رسالة الدكتوراه الخاص بها مارك تيفانو — الذي كان أستاذًا معروفًا في الكيمياء التخليقية: «قدرتك الشاملة، وكل تلك العمليات التي تهمك وتشغلك، يمكن تفسيرها على نحو وجيه في ضوء الأفكار القائمة حول طبيعة الرابط الكيميائي.» وتقول بيانكا: «وجدته مهتمًّا، وكتبت مذكرة حول تفسير عمليات التجريد من المجموعة الأمينية باستخدام النيتروز متضمنًا الامتداد الحلقي. وأخذ تيفانو مذكرتي وأعطاني إياها بعد أيام.» ثم قال لها: «آنسة، لا أستطيع أن أقدم للأكاديمية ما يُعَدُّ مجرد تفسيرات لا أكثر ولا أقل.» ولم يتحدث في هذا الأمر ثانية.

فيما بعد، بعد وفاة تيفانو في ١٩٤٥، قدمت تشوبار نص أطروحتها لمدام بولين رامارت-لوكاس، أستاذ الكيمياء بجامعة السوربون. فقالت لها: «يا آنسة، ليس لدي اعتراضات على الجزء التجريبي والوصفي في عملك، ولكنني أعارض بشدة هذه التفسيرات، تخلصي منها؛ لأنني لن أقبلها على الإطلاق.»

لم تكن ترقية تشوبار لمدير البحث أمرًا سهلًا؛ حيث إن اللجنة العضوية التابعة للمركز القومي للبحث العلمي التي كانت صاحبة اليد العليا على هذا المنصب دعمت لعدة سنوات متتالية مرشحي البروفيسور تشارل بريفو الذي كان يعارض النظريات الميكانيكية التي تدافع عنها بيانكا.

لحسن الحظ، كان هناك القليل من العلماء الزملاء الذين اعترفوا بمميزات بيانكا الشخصية؛ مثل البروفيسور إدموند باور، الذي كان أحد أفضل علماء الكيمياء الفيزيائية في ذلك الوقت، وعالم الكيمياء الحيوية المتميز لويس رابكين الذي طلب من تشوبار التعاون معه، وبالفعل تعاونت معه حتى وفاته في ١٩٤٨. فيما بعد، نالت تشوبار تقديرًا كبيرًا على دورها الرائد في الكيمياء العضوية في فرنسا. على سبيل المثال، في ١٩٨١ حصلت على جائزة جيكر من الأكاديمية الفرنسية للعلوم (في عمر ٧١!)، رغم أنها لم تَسْعَ مطلقًا للتكريم أو الجوائز.

•••

كانت نانسي نويس (١٩٤٧–٢٠٠٦) صديقة مقربة لبيانكا تشوبارن، وهذه السيرة الذاتية مهداة لذكراها.

المراجع

  • Bianka Tchoubar published 140 research articles, the following are a selection.
  • Bazhenova, T. A., Lobovskaya, R. M., Shibaeva, R. P., Shilov, A. E., Shilova, A. K., Gruselle, M., Le Ny, G., and Tchoubar, B. (1983) Structure of the intermediate iron (0) complex isolated from the dinitrogen fixing system LiPh + FeCl3. J. Organomet. Chem., 244 (3), 265–272.
  • Loupy, A., Tchoubar, B. and Astruc, D. (1992) Salt effects resulting from exchange between two ion pairs and their crucial role in reactions. Chem. Rev., 92 (6), 1141–1165.
  • Loupy, A. and Tchoubar, B. (1988) Effets de Sels en Chimie Organique et Organométallique, Dunod, Paris; (1992) Salt Effects in Organic and Organometallic Chemistry, Wiley-VCH, Weinheim.
  • Sources: numerous discussions with Bianka Tchoubar, and biography by Jean Jacques, in Mechanisms and Processes in Molecular Chemistry (Dedicated to Bianka Tchoubar), ed. D. Astruc, New J. Chem. 1992, 16, 8–10, and English translation by Nancy Nouis, New J. Chem., 11–13.
  • Tchoubar, B. (1964) Quelques aspects du rôle des solvants en chimie organique. Bull. Soc. Chim. Fr., 2069.
  • Tchoubar, B. (1960) Les Mécanismes Réactionnels en Chimie Organique, Dunod, Paris, (2nd edn. 1964 and 1968); (1966) Reaction Mechanism in Organic Chemistry, Iliffe Books, American Elsevier Pub. Co, New York.
  • Tchoubar, B. (1956) Etat actuel de la théorie de la structure en chimie organique. Nuovo Cimento, 101, Suppl. No. 1, vol. 4, sér. X., 101.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤