جين هالديمان مارسيه (١٧٦٩–١٨٥٨)

ماريان أوفرينز

كتبت جين مارسيه أحد أبرز كتب الكيمياء وأشهرها؛ وظل كتابها «محادثات عن الكيمياء» أكثر الكتب استخدامًا في كل مكان في أوروبا وأمريكا لما يقرب من قرن.

•••

كانت جين هالديمان البنت الوحيدة بين اثني عشر ابنًا لأنتوني فرانسيس هالديمان، التاجر السويسري الثري الذي كان يعيش في لندن، وكثيرًا ما كانت تزور أقاربها في جنيف بسويسرا في طفولتها. ومنذ سن الخامسة عشرة، تولَّت جين بعد وفاة والدتها العناية بالمنزل وبإخوتها الأصغر سنًّا. وتعلمت جين في طفولتها على يد المدرسين الذين كانوا يدرِّسون لإخوتها في منزل أبيها، وكانت المواد التي تتعلمها — كما هو الحال في جميع العائلات الثرية — هي الفلسفة الطبيعية (العلوم) وكذلك اللغات والتاريخ، وفي هذا أظهرت اهتمامًا خاصًّا بالفن وعلم النبات. وبعد زواجها في ١٧٩٩ من الدكتور ألكسندر مارسيه (١٧٧٠–١٨٢٢)، أحد السويسريين المقيمين أيضًا في لندن، الذي تخرَّج في كلية الطب بجامعة إدنبرة في ١٧٩٧، ولكنه فضَّل قضاء وقته ككيميائي هاوٍ، ونَحَتْ جين مَنْحاه في الاهتمام بالكيمياء. ورُزق الزوجان في النهاية ثلاثة أبناء، وأصبح ابنهم فرانسوا فيزيائيًّا متميزًا، ولا نعرف الكثير عن الابنين الآخرين.

figure
جين هالديمان مارسيه (http://www.rsc.org/images/FEATURE-marcet-300_tcm18-87786.jpg).

بعد وفاة والدها هالديمان، ورثت جين مارسيه ما يكفي من المال ليتوقف زوجها عن العمل كفيزيائي ويركز على مجال اهتمامه الحقيقي؛ الكيمياء. ونظرًا لأن ألكسندر مارسيه كان زميلًا في الجمعية الملكية حضر الزوجان مارسيه بكثرة عروض سير هامفري ديفي التوضيحية المسلِّية عن الكيمياء في المعهد الملكي، ولكن جين كثيرًا ما كانت تجد هذا العلم مربكًا. ولكي تحسَّن فهمها لهذه المحاضرات، حضرت جين مارسيه دروسًا أخرى في المعهد الملكي. ولحسن الحظ، كان زوجها شديد المهارة في توضيح المفاهيم لها، وأضحت جين مقتنعة أن هذا الأسلوب المبني على المحادثة فعال للغاية، والغريب أنها استنتجت أنه فعال على نحو خاص للإناث، «اللاتي يندر أن يقصد بتعليمهن إعداد عقولهن للأفكار المجردة أو للغة العلمية.» تحرك الزوجان مارسيه وسط دائرة من المثقفين البارزين، منهم: المؤرخ هنري هالام، والاقتصاديان السياسيان توماس مالتوس وهارييت مارتينو، والروائية ماريا إدجورث، وعالم الطبيعة أوجستين-بيراموس دي كاندول، وأوجست دي لا ريف، وعالمة الرياضيات والفلك ماري سمرفيل. وأصبحت جين مشتركة في أنشطة هذه المجموعة، وبدأت — بتشجيع من زوجها — مهنة الكتابة الخاصة بها.

كتبت عددًا من كتب العلوم التمهيدية، ولا سيما تلك التي تستهدف النساء والشباب، وكتبت في المقدمة: «تعتقد المؤلفة؛ كونها هي نفسها امرأة، أنها بحاجة إلى تقديم تفسير لتجرُّئها على كتابة «مقدمة إلى الكيمياء» للجمهور، وبالأخص للنساء، وتشعر أن من الأهمية بمكان أن تعتذر عن مهمتها الحالية؛ لكون معرفتها بالموضوع ليست سوى معرفة حديثة؛ وكونها لا تستطيع ادعاء أحقيتها بالحصول على لقب عالمة كيمياء.»

على الرغم من أنها — كما أكدت لقرائها — لم تدَّعِ أنها عالمة ولم تَسْعَ إلى الحصول على معرفة عميقة بحيث «يعتبرها البعض (…) غير ملائمة للممارسات الطبيعية لجنسها»؛ فقد كانت تؤمن بأن «الرأي العام لم يَعُدْ يستثني النساء من التعرف على عناصر العلم» (محادثات عن الكيمياء، الجزء الثالث).

نُشر كتابها الأول «محادثات عن الكيمياء» في ١٨٠٦، وفي أعقاب نشره ونجاحه نجاحًا منقطع النظير كتبت «محادثات عن الاقتصاد السياسي» الذي أُشيد به إشادة واسعة وحصلت من خلاله على شهرة «تماثل تلك التي يحصل عليها الرجال». شجع هذا النجاح الهائل جين على كتابة «محادثات عن الفلسفة الطبيعية»، وشعرت وقتها بأنها في وضع دقيق! وكما تذكر في التمهيد، فإنها لم تكن على دراية كافية بالرياضيات والفيزياء لتحقيق المستوى المطلوب؛ ولذلك استهدفت بهذا الكتاب الأطفال الصغار جدًّا.

ألقت بعض الكتب الدراسية في النصف الأول من القرن التاسع عشر الضوء على المحتوى المعنوي: اكتساب المعرفة من أجل التمكن من الإعجاب بخلق الله، وتناول بعض الكتب الأمور المنزلية الموجهة للنساء مثل رفع العجينة وحفظ اللبن والزبد وخصائص الوقود، في حين أن الكتب الدراسية التي تتناول أشياء مثل تحليل التربة ودبغ الجلود والطب كانت تُقدَّم للرجال.

figure
محادثات عن الكيمياء بقلم جين مارسيه (مأخوذ من http://manybooks.net/titles/marcetj2690826908-8.html#). يمكن تنزيل الكتاب من هذا الموقع.
مع ذلك يُعَدُّ المنهج الكيميائي لجين مارسيه منهجًا نظريًّا وعمليًّا في الوقت نفسه، كما يقدم رؤية للتجارب «الكيميائية الحقيقية»، مثل إنتاج أكسيد النتروز N2O بالتسخين البطيء لنترات الأمونيوم.

يتكون «محادثات عن الكيمياء» من ٢٦ درسًا، أو «محادثة»، وقد بُنيت المادة العلمية منهجيًّا باستخدام أحدث الرؤى. يسير كل درس كالتالي: سيدة جميلة وراقية تدعى «السيدة بي» تُدرِّس لفتاتين صغيرتين، أولاهما إميلي وهي فتاة ذكية محبة للاستطلاع في الثانية عشرة من عمرها تقريبًا، أما الثانية فهي كارولين وهي تبلغ من العمر حوالي ١٣ عامًا وهي ابنة مدير منجم رصاص، وليس لديها اهتمام بالكيمياء على الإطلاق. تطرح إميلي أسئلة ذكية، في حين أن كارولين بارعة في النقد وتهتم بالانفجارات أكثر من العلم الأساسي. وتوضح مارسيه في التمهيد أنه: «لولا ذلك لأصبح الكتاب مملًّا للغاية.» ونظرًا لكثرة التجارب، مع الرسوم الواضحة، يُعَدُّ التطبيق جزءًا لا يتجزأ من النظرية، ويُستخدم مصباح زيت كمصدر للحرارة، وهو يوفر حرارة كافية للتفاعلات المعتدلة العادية، ويتم جمع الغازات وتخزينها في مثانة خنزير.

تشجع السيدة بي الفتاتين على استخدام لغة ليست شديدة التخصص: «يفضل أن تقولي «الصدأ» بدلًا من أن تقولي «الأكسدة»، وإلا فسيظن الآخرون أنك تدَّعين العلم.»

كان نجاح كتاب مارسيه سريعًا؛ ففي العام نفسه الذي صدرت فيه الطبعة الأولى في إنجلترا، عام ١٨٠٦، ظهرت طبعة أخرى في أمريكا، ومن عام ١٨٠٦ إلى ١٨٥٠ صدرت ٢٣ طبعة، وفي بعض الأحيان كانت تصدر أكثر من طبعة في العام الواحد، وقد قُدِّرَ عدد النسخ التي بيعت في أمريكا بحوالي ١٦٠ ألف نسخة. لم يكن مقصودًا بكتاب مارسيه أن يكون كتابًا دراسيًّا، وقد استُخدم في إنجلترا، على النحو الذي قصد به، دليلًا إرشاديًّا إلى المحاضرات التي كانت مشهورة وقتها حول الكيمياء أو العلم، ولكنه أصبح في أمريكا أنجح منهج كيميائي أساسي في النصف الأول من القرن التاسع عشر. وقد هيأ عددٌ كبيرٌ من الناشرين — الرجال — الكتابَ للاستخدام المدرسي، وبشكل عام يُنسب العمل إلى هؤلاء الناشرين؛ فلم يكن في أمريكا حقوقٌ للنسخ في ذلك الوقت؛ ومن ثم لم يكن لجين مارسيه أي سلطة على نشره، وبالطبع لم تحصل على أي مقابل مادي.

حصل مايكل فاراداي على «محادثات عن الكيمياء» في ١٨١٠ عندما كان متدربًا لدى مجلِّد الكتب ريباو. فيما بعد أصبحا صديقين حميمين، وكانت جين تُضمِّن عملَه الجديد دائمًا، وكذلك عمل ديفي، في طبعتها. وقد بدأ حبه للكيمياء بهذا الكتاب، وكتب مايكل فاراداي لاحقًا بعد أدائه للتجارب: «شعرت أنني حصلت على مرساة من المعرفة الكيميائية، وتمسكت بها.»

تحفز المناقشات المرحة المفعمة بالحياة القارئَ حقًّا على القراءة وإجراء التجارب، وكان «محادثات عن الكيمياء» هو الكتاب الدراسي المستخدم كمقدمة أولى إلى الكيمياء في معاهد التدريب التقني وكليات الطب، وبمرور السنين أصبح الكثير من أجزاء الكتاب متاحًا على الإنترنت، وربما كان في الكثير من الحالات مجانيًّا أيضًا؛ ليتسنى للجميع معرفة مدى فائدة هذا الكتاب حتى الآن.

المراجع

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤