الفصل الثاني عشر

طلب المسخ

«قضيت بقية الليل مختبئًا في الغابة. وفي الصباح التالي عدت لأرى هل الأسرة الصغيرة بخير. وعندما وصلت إلى هناك سمعت شخصًا يقول إنهم رحلوا خوفًا على حياتهم. مجرد رؤيتي لحظات معدودات جعلتهم يظنون أنني سوف ألحق بهم الضرر. لقد تخلوا عن كل ما يملكونه ليهربوا مني. تخيل الشعور الذي خالجني حينها يا فرانكنشتاين.

ما كنت لأؤذيهم قط. لقد أحببتهم كما لو كانوا أسرتي.

وأدركت أنني لا بد أن أعثر عليك، فأنت وحدك الذي أتيت بي إلى هذا العالم، وأنت وحدك تستطيع أن تمنحني حياة كريمة.

طال ترحالي، واستغرقت شهورًا عديدة لأصل إلى جنيف.» ثم نظر المسخ من نافذة الكوخ الصغيرة إلى الأمطار المتساقطة بالخارج وتابع: «لم أستطع أن أمنع نفسي عن التفكير في السبب الذي جعلك تصنعني إذا كان العالم كله سيكرهني.

عشت في الغابة خارج جنيف. نفس الغابة التي أعرف أنك رأيتني فيها في تلك الليلة المطيرة. وفي صباح أحد الأيام رأيت ويليام. بدا لي صبيًّا لطيفًا، وظننت أنه ربما يمكن أن يتجاهل شخص صغير مظهري الكريه. راقبته هو وأخاه وقتًا طويلًا وسمعتهما يتحدثان عنك، وظننت للحظة عابرة أنني عثرت على فرد من أفراد أسرتي، فهذه هي الأسرة التي أتيت بي إليها وعليهم أن يقبلوني.

راقبت ويليام وهو يختبئ من إيرنست، وقد ظل مختبئًا إلى أن توقف أخوه عن البحث عنه ورحل. وعندها خرجت من الأجمة. وعندما رآني ويليام صرخ. جذبته حتى لا يتمكن من الهرب، لكنه لم يتوقف عن الصراخ، لذا وضعت يدي على فمه حتى يهدأ، وسرعان ما سقط جسده الواهن بين ذراعيّ وعرفت أنني قتلته. رأيت القلادة حول رقبته فأخذتها، وتركت ويليام هناك وهربت. وجدت الفتاة في مخزن الحبوب هذه الليلة ووضعت القلادة في جيبها.

أعلم أن هذا كان خطأً مشينًا، لكنني لم أستطع أن أمنع نفسي. لقد أردت أن أؤذيك يا فرانكنشتاين لأنك أنت الذي أعطيتني هذه الحياة الموحشة البشعة.»

وأخيرًا، وبعد ساعات من السرد، أخبرني المسخ بما يريد: «لا أستطيع أن أقضي المزيد من الوقت وحيدًا. لا بد أن تصنع كائنًا آخر. لا بد أن تصنع صديقًا لي، أو زوجة؛ إنسانةً مثلي تمامًا. أنت الوحيد الذي يستطيع أن يفعل هذا.»

وبعدما أنهى المسخ قصته جلس في هدوء. ومر وقت طويل وهو ينتظر إجابتي، وأخيرًا أجبته: «كلا. يؤسفني هذا، ولكن الإجابة لا. لن أصنع أبدًا مسخًا آخر مثلك.»

لمعت عينا المسخ لحظة. وجلسنا صامتين. حاول أن يقنعني بأنها فكرة جيدة فقال: «الجميع يكرهونني. أعدك أنني سأرحل إلى الأبد إذا فعلت هذا الشيء الوحيد من أجلي. أما إذا رفضت فسأستمر في إيذاء الأشخاص الذين تحبهم. أنت مدين لي يا فرانكنشتاين، ألا ترى هذا؟ كل ما حدث خطؤك أنت، وأنت الوحيد الذي يمكنه أن يصححه؟»

سألته: «هل تعدني بحق أن ترحل إلى الأبد إذا صنعت لك صديقًا؟ وهل تعد بأن تترك أسرتي وشأنها؟»

قال: «أريدك أن تصنع لي زوجة. إنسانة أقضي أيامي معها. إنسانة مثلي. إذا فعلت هذا أعدك أن أرحل إلى الأبد. وأعدك أنه لن يلحق بأسرتك ضرر آخر.»

أجبته في هدوء: «إذن سأفعل. لكن لا بد أن تعرف أنني لا أريد هذا … لكنني سأفعل كي أحمي أسرتي.»

قال: «أشكرك يا فرانكنشتاين، وسألتزم بوعدي لك.»

نظر إليّ في حذر وقال: «لكن اعلم أنني سأراقبك، كي أتأكد من أنك تلتزم بوعدك لي.»

ثم نهض من مكانه في عجالة وركض من الكوخ تاركًا إياي وراءه. واستغرقت ساعات عديدة كيما أعثر على طريقي للعودة إلى البغل الذي كان جائعًا للغاية حينما عثرت عليه. نزلنا الجبل سريعًا، وقضيت الليلة في النُّزل، واستيقظت مبكرًا في الصباح التالي بعد ليلة من النوم غير المريح.

كانت رحلة العودة الطويلة إلى بيليريف شاقة للغاية. وصلت المنزل في اليوم التالي. ولمّا سرت مسافة طويلة للغاية دون راحة بدا منظري وحشيًّا؛ إذ انتصب شعري وتغضنت ملابسي. في بادئ الأمر صُدمت أسرتي لدى رؤيتي بهذا المظهر، لكنهم ابتهجوا بعدئذ لعودتي إلى المنزل. ومع أنهم أرادوا أن يعرفوا كل شيء بشأن رحلتي، فلم أستطع أن أخبرهم أي شيء مما حدث طيلة الأيام القليلة الماضية، فلدي الكثير لأفكر فيه، لذا استأذنتهم وأويت إلى الفراش.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤