الفصل الثامن عشر

انتقام المسخ

بدأ الليل يرخي سدوله عندما وصلنا إلى فندقنا، وخرجنا في جولة قصيرة ثم تناولنا وجبتنا الأولى كأسرة في غرفتنا. كان من المقرر أن أول شيء نفعله في الصباح التالي هو أن نسافر إلى إيطاليا.

وفجأة بدأت عاصفة مطرية، وكانت المياه تضرب النوافذ بقوة بدرجة شعرنا معها بشيء من الخوف. وما إن حلّ الظلام حتى تلاشى هدوئي وسعادتي. وبعدما خلدت إليزابيث إلى النوم تسارعت إلى ذهني مئات المخاوف. كنت متوترًا ومنتبهًا، فكان كل صوت يرعبني لكنني لم أتحرك، وظللت أحرسها بكل طاقتي.

مسحت كل ممرات النُّزل بحثًا عن المسخ، وتفقدت كل ركن وكل غرفة مفتوحة، فلم تكن هناك أي أمارات تشير إلى وجوده، فظننت للحظة أن كل شيء سيكون على ما يرام، وعندئذ سمعت صرخة.

ركضت عبر السلالم إلى غرفتنا، فوجدتها مستلقية على فراشنا. أوه، لقد أخذ المسخ بثأره! رحلت عزيزتي إليزابيث المحبوبة التي لم تؤذ أي شخص في حياتها. لقد نفذ الوحش وعيده ومنحني حياة مثل حياته، وحُكم عليّ أن أقضي بقية حياتي بائسًا وحيدًا مثل المسخ المخيف الذي صنعته.

هرعت لأفتح النافذة لأرى هل بمقدوري الإمساك به. كان الهواء باردًا واندفعت الأمطار إلى داخل الغرفة. رأيت المسخ يقف على الأرض خارج النافذة.

صرخت: «قف! أيها الوغد! لقد قتلت زوجتي!» حضر جمع من الناس إلى الغرفة لدى سماع صراخي، فصحت: «هذا الرجل قتل زوجتي! أسرعوا، لا بد أن نمسك به!»

ركض الرجال في الخارج ومكثت النساء للاعتناء بجسد إليزابيث. حاولنا اقتفاء آثار المسخ دون جدوى. لم نستطع العثور عليه. لم أستطع تحمل الأمر وغُشي عليّ. حملني أناس المدينة الطيبون إلى الغرفة ووضعوني في الفراش. لكنني لم أستطع أن أرتاح وهو لا يزال بالخارج وقد دمر فرصتي الوحيدة في السعادة. نزعت عني الغطاء وذهبت إلى الغرفة المجاورة لألقي نظرة أخيرة على حبي الحقيقي.

قلت وأنا أبكي: «آه يا عزيزتي إليزابيث. أنا آسف للغاية. لقد أحببتك حبًّا جمًّا يا محبوبتي.» ثم أخذتها بين ذراعيّ وقبلتها قبلة الوداع. أحسن كل من صاحب النُّزل وزوجته معاملتي للغاية، وقالا إنهما سيحرصان على وصول جسد إليزابيث إلى الوطن بالسلامة. سطرت في عجالة خطابًا إلى أبي، وأخبرته أنني أنوي العثور على الرجل الذي تسبب في كل بلايانا.

وخرجت مهرولًا في الليل للعثور على المسخ. لم أعرف إلى أين ذهب أو إلى أين سيذهب، ولكن لم يكن لذلك أهمية. الشيء الوحيد الذي كان يهمني هو العثور عليه.

أدركت أنني لن أعود إلى وطني مرة أخرى، فغمتني هذه الفكرة بشدة. وأدركت أن أبي سيكون شديد التعاسة أيضًا، لكنني لم أشأ أن أسبب له مزيدًا من الألم. سيشق عليه هو وإيرنست الحياة بعد موت إليزابيث، لكن الفعل الوحيد الحميد وسط كل أفعالي هو القضاء على ما جنته يداي.

أسرعت خارج الفندق، وكنت أسمع دوي صدى صوت من بعيد في الفضاء الفسيح. كان الصوت آتيًا من البحيرة نفسها لضحكات عالية وشريرة.

صرخت: «هذا هو! إنه في البحيرة.»

قفزت إلى أحد القوارب وبدأت أجدف بكل ما أوتيت من قوة، وعندئذ بدأت الرحلة الطويلة. أطارده طيلة أشهر الآن؛ من شواطئ سويسرا إلى الحقول الجليدية الباردة في روسيا، هو يركض وأنا أركض وراءه.

كانت حياتي بائسة فقد خلت من الراحة التي يبعثها المنزل والأصدقاء الذين يجلبون البهجة على حياتي والأسرة التي أحبها. لكنني عرفت أنني لن أذوق طعمًا للراحة إلى أن أعثر عليه وأدمره.

وعندما وصلت سانت بطرسبرج ترك لي المسخ ورقة يقول فيها: «أنت لا تزال على قيد الحياة يا فرانكنشتاين، لكنني أعلم أنك تعيس. اتبعني الآن إلى مملكة القطب الشمالي الجليدية، فلسوف تشعر بألم البرد والجليد. إذا أردت أن تمسك بي لا بد أن تفعل ما أقوله.»

وما كنت لأتوقف عن البحث قط، لذا شرعت في رحلتي إلى القطب الشمالي باستخدام المزلاج واتجهت بي الكلاب التي تجر المزلاج شمالًا. وكاد يتعذر عليّ احتمال البرد، وكان يترك لي خيوطًا على طول الطريق في صورة تعليقات مفادها أنني أسير في الاتجاه الصحيح. وكلما ازدادت البرودة صعب عليّ الدفع، فكان الشيء الوحيد الذي يدفعني إلى التقدم هو أنني أخيرًا سألتقي المسخ وأنهي الأمر برمته للأبد.

كانت الكلاب تقود المزلجة بسرعة كبيرة، من ثم مكنوني من اللحاق به أكثر من أي وقت مضى. وصلت إلى قرية صغيرة وسألت الناس هناك هل رأوا أي شيء يسترعي الانتباه.

أخبرني شخص ما أنه رأى رجلًا قبيحًا بدرجة مرعبة كان يسير بمزلاجه قبل وصولي بساعات. وكان المسخ قد سرق بعض الطعام وهرب بعد أن أفزع معظم سكان المدينة الصغيرة. وما هال أولئك الرجال والنساء أن المسخ اتجه نحو أرض مهجورة لا يسكنها أحد.

قال الرجل: «لا يمكن أن ينجو أحد هناك؛ إما أنه سيتجمد حتى الموت أو يعلق في الكتل الجليدية الطافية؛ في كلتا الحالتين لن ينجو قط.»

شكرته على المعلومات التي أمدني بها، ثم اشتريت بعض المؤن للرحلة الطويلة التي أمامي. اهتزت الأرض من تحتي، وتشقق الجليد وتسربت المياه منه. وبدأ البرد يضايقني في أنفي وأذني وأصابع يديّ وقدميّ. غير أنني لم أتراجع. وعندئذ أخيرًا رأيته هناك! كان يبعد عني بمسافة ميل، لذا تقدمت بسرعة.

هبت الريح وهاج البحر، وفجأة حدثت هزة عنيفة كما الزلزال، فانشق الجليد محدثًا فجوة واسعة. علقت فوق كتلة جليدية عائمة، وخابت كل آمالي في الإمساك بالمسخ، وطفوت على صفحة الماء. ما كنت لأتحمل بالطبع قضاء ليلة حبيس كتلة صغيرة من الثلج.

مضت ساعة تلو الأخرى، وأخذ الجليد يذوب بالتدريج أسفل مني. كدت أفقد كل أمل في النجاة. كانت حياتي ستنتهي في هذه الأرض الجليدية القاحلة، ولن أستطيع أن أنهي ما بدأته.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤