حرف الحاء

  • الحاء: يقولونها مقصورة لزجر الحمير، والحث على السير، ويستعملونها أيضًا في اللغة العامية مقصورة أو من غير ألف للدلالة على الفعل يحصل في المستقبل القريب.

    فيقولون: حاقرأ، وحاكتب، وحامشي؛ أي سأفعل ذلك سريعًا، وربما كان اختصارًا من كلمة حالًا؛ أي حالًا أكتب، وحالًا أقرأ، وحالًا أمشي.

  • الحاتي: أصلهم عائلة مصرية، والحاتي لقب لهم، وقد اشتهر من بعض هذه الأسرة جماعة عرفوا بصناعة اللحم المشوي، يُسمى الكباب، يصنعونه فورًا عند الطلب، وينضجونه بسرعة، ومن عوامل نضجه بسرعة أنهم يضيفون عليه بعض المواد كملح النطرون، ومن غلبة هذه الصنعة عليهم أن صاروا يسمون كل من يصنع الكباب: «حاتي» حتى اشتقوا أيضًا من الكلمة أفعالًا، فقالوا: «حتاه»، و«يحتيه»، بمعنى أكل مخه، وضحك على عقله، وهذه إحدى الكلمات التي شاهدنا تطورها في حياتنا، فانتقلت من اسم أسرة إلى اسم صناعة إلى الدلالة المعنوية.

    ومن لذة الكباب، أن شبهوا الطعمية به إذا كانت لذيذة فقالوا: طعمية كباب، وكنت أعرف بائعًا للطعمية لا يرضى أن يقال: هات طعمية، بل لا بد أن يقال له: هات كباب، اعتزازًا بطعميته.

    ومن مشهيات أكل الكباب إتقان أنواع السلطات، فسلطة طحينة، وسلطة لبن وسلطة قوطة إلخ …

    وقد صار طعام الحاتي هذا مشهورًا عند المصريين، كالفول المدمس والطعمية، والبسارة، وإذا أتى أجنبي وأراد أن يعرف الأطعمة المصرية، كان في مقدمتها الكباب الذي يصنعه الحاتي، والفول المدمس، والطعمية، والكنافة.

    ومما يتظرف به بعض المصريين أن يجعلوا مائدتهم كلها من هذه الأطباق المصرية البحتة.

  • حادثتان: خصصتهما بالذكر؛ لأنهما كانتا مؤثرتين في نفسي وفي نفس معاصريَّ وفي الرأي العام، وتدلان على مقدار حساسية الرأي العام في بعض النواحي دون بعض، الأولى حادثة زواج الشيخ علي يوسف، وهي حادثة لو وقعت في البلاد الأوروبية ما اهتمت بها، ولا التفت إليها الرأي العام أي التفات … ولكنها كانت في مصر كبيرة الشأن جدًّا، حتى إن الرأي العام اهتم بها أكثر مما اهتم بمصائب الاحتلال الإنجليزي، بل ربما كان الاحتلال قد وسعها ليلهينا بها عن أعماله فينا، وخلاصتها أن الشيخ صاحب جريدة «المؤيد» تزوج بالسيدة صفية بنت الشيخ السادات، وهي حادثة تحدث كل يوم ولا تحرك ساكنًا، ولا تلفت ناظرًا، ولكن هذه الحادثة أقامت مصر وأقعدتها، وملأت الصحف والمجلات، وحركت مشاعر الشعراء فشعروا فيها، والمتندرين فتنادروا عليها، حتى سموا عامها عام الكفء، كما سموا عامًا قبلها عام الكف، وشغل بها الناس من الخديو إلى البائع الجوال، ذلك أن الشيخ علي يوسف، وهو رجل كهل، تزوج بنتًا بلغت سن الرشد، برضاها دون رضا أبيها، واعترض أبوها على هذا الزواج، فما أهمية هذا الحادث؟ ولكن لعبت الخصومات السياسية، فقد كان للشيخ علي يوسف صاحب جريدة «المؤيد» أعداء كأصحاب «المقطم» وجريدة «اللواء» للحزب الوطني، ومحافظة المصريين على حرمة الزواج وعدم التعدي على تقاليده المتبعة، وفراغ عقول الناس جعل هذه المسألة مسألة الرأي العام.

    وقد رفعت قضية الشيخ السادات لطلب فسخ عقد الزواج لعدم تساوي الزوجين في الكفاءة؛ إذ هي شريفة من نسل النبي، وهو ليس شريفًا.

    واشترك في هذه المعمعة القضاء والسياسة والأدب والأخلاق، فجلسات المحاكم وما دار فيها من مرافعات تطلع على الناس في الجرائد، والشعراء يضعون المقطوعات الظريفة، والجرائد الهزلية تنشر النكت اللاذعة، والباحثون يبحثون في سلسلة نسب الشيخ يوسف، هل هو من الأشراف أو لا، والشيخ على يوسف يدعي الشرف، ويستخرج من نقابة الأشراف سلسلة نسبه، فإذا أحد أجداده يلقب بالخواجه فلان، فيبحث: هل الخواجة لا تطلق إلا على النصراني أو لا؟ وهكذا من سخافات.

    وقد كانت هذه الحادثة سببًا في انتشار الجرائد بين الناس ليروا فيها كل يوم طريفة، وكان ذلك أيضًا سبب اتصالي بالجرائد بعد أن كنت لا أقرؤها.

    والحادثة الثانية حادثة دنشواي، ودنشواي بلدة في المنوفية، وكان قد خرجت فرقة من جنود الإنجليز مع ضباطها من القاهرة إلى الإسكندرية، فلما وصلت إلى منوف انحرفت في سيرها، وقصد خمسة ضباط منهم بلدة دنشواي، لعلمهم أن فيها حمامًا يصاد، فبينما هم يصيدون، خرجت من يد أحدهم رصاصة أصابت امرأة في الجرن، وأشعلت فيه النار، فهاج زوجها ولم يرد أكثر من أن يساق الجندي إلى المركز، فاجتمع حول الضابط زملاؤه وجاء الرجال من أهل البلدة لإنجاد صاحبهم، فأطلق الضباط الإنجليز النار على الأهالي، فأصيب بعضهم، فهجم الأهالي على الضباط وجردوهم من سلاحهم، وضربوهم بالعصي الغليظة، فأصيب ضابطان، وجرى ثالث وهو جريح وعدا مسافة طويلة، ثم سقط على الأرض ميتًا، فلما علم الجنود الإنجليز بذلك حضروا وقبضوا على من حول القتيل من الأهالي وفر أحدهم فأطلق الإنجليز عليه الرصاص وقتلوه، ومثلوا بجثته، وقامت الدنيا لهذه الحادثة وقعدت، وتوعد الإنجليز أهل دنشواي بأشد العقاب وفعلًا أقيمت المشانق في دنشواي، وقتل بعض الفلاحين وجلد البعض، ونستخلص من الحادثة الأولى:
    • (١) أن الرأي العام المصري في ذلك الوقت كان يتحرك للتوافه من الأمور، وبغض النظر عن عظائمها، كالاحتلال الإنجليزي، والظلم الذي يقع على رأس الرعية من حين إلى حين.
    • (٢) أن مسألة الزواج عندهم مقدسة وخاضعة للتقاليد القديمة.
    • (٣) تدخُل السياسة في الأشياء حتى البعيد عنها فتفسدها.
    • (٤) غلبة المسائل الشخصية على المسائل العامة.
    ونستطيع أن نستخلص من الحادثة الثانية:
    • (١) محافظة الفلاح محافظة تامة على حرمة الزواج، وحرمة ملكيته الخاصة لا العامة، فلو ضاعت البلد بأكملها ما أهمته، ولكن لو حرق جرنه الخاص لسفك فيه الدماء.
    • (٢) نجدة الفلاحين بعضهم لبعض عند نزول الكارثة بأحدهم.
    • (٣) عسف الإنجليز وظلمهم.
    • (٤) أن هذه الحادثة تغلغلت في أعماق نفوس المصريين حتى لم يزلها شيء، وكانت سببًا في التفات بعض الناس إلى الوطنية، وملء قلوبهم نارًا لم يطفئها شيء إلى اليوم، ومنهم كاتب هذه السطور وكثير من المصريين، وقد أطاحت هذه الحادثة باللورد كرومر عميد الإنجليز في مصر وبغيره من المصريين والإنجليز.

    ولكن كل ذلك لم يخفف من لوعتها، ومن أجل هذه النتائج ذكرنا الحادثتين.

    وأذكر أني قرأت الجرائد يوم محاكمة بعض أهالي دنشواي، وكنت معزومًا في الإسكندرية على العشاء، فبكى الحاضرون جميعًا وتركوا مكانهم من غير عشاء.

  • حادي بادي: هي غنوة مصرية يتغنون بها …

    يقولون: حادي بادي، سيد محمد البغدادي، شاله وحطه، كله على دي …

    وهم يقولونها عندما يلعب الولد مع الآخر أو مع البنت، ويكون اللاعب قد مدّ يديه مفرودتين على الأرض، فتقال كلمة من هذه الغنوة على يد، والكلمة الأخرى على اليد الأخرى، حتى إذا وقعت القرعة وهي آخر كلمة على إحدى اليدين ضربت.

    ونظير ذلك غنوة تقال في أصابع اليد، فيقال على كل إصبع جملة من هذه: آدي البيضة … وادي اللي قشرها … وادي اللي أكلها … وادي اللي قال … هات حته حتيته … أحسن أقول لأم ستيته.

  • الحارة: هي بقعة على يمين الشارع أو شماله، يسكنها قوم بينهم روابط، والشارع يشمل حارات أو دروبًا، والحارة تشتمل على عطفات، وهي تكون الوحدة الاجتماعية بعد الأسرة، فالأسرة في البيت والحارة تنتظم مجموعة من البيوت أو الأسر، والشارع يمد الحارة بالوسائل التجارية، والمسجد والمستوقد والسوق.

    وبين سكان البيوت في الحارة الواحدة روابط متينة، فيشتركون في المآتم والأفراح، ويتسامرون في المنادر وكل رجل في الحارة يعرف بقية الرجال، وكان في القديم على كل حارة بوابة كبيرة وعليها بواب، وفي وسط الباب الكبير باب صغير يفتح إذا جاء رجل واحد بالليل فيكون فتح الباب الصغير اقتصاديًّا، وكان الداعي إلى هذا عدم انتظام الأمن والهجوم بالليل فلزيادة الأمن يغلق باب الحارة حتى لا يمكن اللصوص الدخول، وبها يعتز أبناؤها وإليها ينتسبون، فيقولون نحن أولاد الحارة الفلانية، كالعادة القديمة في الافتخار بالقبيلة.

    وعلى كل جملة حارات شيخ يُسمى شيخ الحارة يزعمون أنه يعرف أهل الحارات التي في اختصاصه، فيشهد لهم إذا اتهموا بتهمة في نظير عشرة قروش أو نحو ذلك وعليه التنبيه على من بلغ سن القرعة وضمان المشتبهين ونحو ذلك، وهو ليس له مرتب حكومي، ولكنه يعيش على ما ينفحه به بعض أهل هذه الحارات عند اللزوم كالمأذون ليس له ماهية، ولكن ما يتقاضاه من المتزوجين والمطلقين.

  • حانوت: كلمة تقال على معنيين: على كل دكان، وأحيانًا تطلق على دكان محضر الميت، فهو الذي يغسله ويكفنه، يحضر من الدكان الخشبة، ويحضر من يمشي أمام الميت وهكذا … ويسمى الرجل (حانوتي)، ولعلها محرفة عن «حنوط» والرجل «حنوطي»، والناس يتشاءمون من هذا الدكان إذا مروا عليه، كما يتشاءمون من ذكر الموت.
  • الحب: الحب والغزل شائعان بين المصريين، وهما كثيران في زجلهم وشعرهم، وللعامة منهم اعتقادات، ووصفات وأحجبة، يزعمون أنها تحبب الأزواج في الزوجات، والزوجات في الأزواج، وللنساء على الخصوص أحراز وحجب ووصفات كثيرة؛ منها أن تأخذ المرأة قليلًا من شعر رأسها وتمزجها بقطعة من العجين تخبزها فطيرًا، أو تعملها رغيفًا، ليأكل زوجها شعرها، ومنها أن تأخذ من دم حيضها شيئًا قليلًا تضيفه على الماء الذي يشربه زوجها؛،ومن الأحجبة أن يأخذن كاغدًا أحمر، ويكتبن فيه يا ودود يا ودود، يا عطوف يا رءوف، سبعين مرة ثم يكتب الخاتم الآتي:
    و د و ٤
    ٦ ٤ ٦ د
    د و د ٦
    ٤ ٦ ٤ و
    و د و د
    ٦ ٦ ٦ ٦
    د و د و
    ٤ ٦ ٤ ٦

    ويجعل فيه تراب يؤخذ من تحت أقدام الزوج وكان مشهورًا في هذا الباب الشبشبة (وستأتي في الشين)، ومن ولع المصريين بالحب أكثروا من ذكره وذكر الوصال والهجر في أغانيهم وأمثالهم.

  • حَبَرة: ثوب أسود كانت تأتزر به المرأة، وكان منه مشجر ومقلم، وسادة ومخرق، وهو يختلف في التفصيل، فمنه ضيق الوسط، واسع الذيل، ومنه تفصيل فاضح: يظهر جسم المرأة، وقد يخيط بعضهن على الحبرة شرائط حرير سوداء يسمونها «خروقًا»، ويتخذها النساء الداعرات وسيلة لاجتذاب الرجال لحسن تفصيلها والتخلع فيها، وقد ذهب التمدن الحديث بهذه الحبرات وأشكالها وخلاعتها؛ فقد أصبحت المرأة سافرة تخرج بالفساتين العادية، وذهب جمال الحبرة وخلاعتها وفنها وصنعها.
  • حبلة وشايلة ولد: تعبير يعني أنها مصابة بكثرة الأولاد، وتقال مجازًا في كثرة المصائب.
  • حبُّه غطى على الكلّ: تعبير يعني أن حبه فاق كل حب ومن أغانيهم: حبك يا سيدي غطى على الكل ارحم فؤادي كان ذلّ والنبي ترحم.
  • حبيبي خفة مقطقط: خفة؛ أي خفيف الروح، ومقطقط، صغير الأعضاء جميلها، ومن هذا القبيل يقولون: «البيت ده محندق»؛ أي صغير على قدر الحاجة، وعكسه مبهوق؛ أي كبير بلا معنى.
  • حَبِّيتك خالص: تستعمل خالص بمعنى كثير، فأحببته خالص، وكرهته خالص، ومش بيشوف خالص؛ أي أبدًا، وتعبت خالص؛ أي كثير.
  • حِتة: تستعمل في معنين متناقضين اعتمادًا في التفرقة بينهما على النغمة والقرائن: فيستعملونها في معنى الشيء الصغير، فيقولون: ما عندوش إلا حتة ولد أو حتة بنت، أو حتة عزبة كحيانة، ويقولون في ضدها دي حتة ولد عليه الكلام، وعنده حتى عزبة ما فيش كدة …
  • الحج: فريضة من فرائض الدين الإسلامي، ويحتفل به المصريون أكثر من غيرهم، فلهم المحمل الذي لا يساويه محمل آخر، وهم الذين يعدون كسوة الكعبة كل عام، وكثير من الناس لا يحجون إلا ليلقبوا بالحاج فلان أو الحاجة فلانة، وإذا عاد الحجاج عادوا بهدايا وخصوصًا ماء زمزم والبلح على شكل سبح، والعنبر والدبل والخواتم الفضة والسبح، وبعض العامة قبل حضور الحاج يبيضون بيوتهم من الخارج ويرسمون عليها رسمًا بدائيًّا شكل رجل راكب جملًا أو نحو ذلك، ثم يستقبلون الحاج بالزفة، ويقيمون الولائم، وينصبون نصبة كنصبة الأفراح، وكثيرًا ما يؤثر الحج في الحاج أثرًا حسنًا، فيقلع عما كان يرتكبه من الجرائم، ويعود صالحًا لاعتقاده أن الله يغفر الذنوب جميعًا بحجه، ووقفته على عرفات، وكثير من الناس يحرص على أن يلقب بالحاج دائمًا، فيقال: الحاج محمد، والحاج علي.

    وبعض الناس يبالغ في الحج فيحج سبع مرات أو أكثر، وبعضهم يبالغ أيضًا فيحج على رجليه ماشيًا، وبعض المسلمين يحج عنه عددًا على قدر ماليته، ورأيت بعضهم يقف وقفًا على عشرة يحجون عنه كل عام، والحج يعلي عادة صاحبه بين أصحابه ومعارفه أكثر من الصلاة والصوم والزكاة.

    وبعض الفقراء يقتصد من القوت الضروري له ولأولاده ليتمكن من الحج، وكان الحج دائمًا على جمال، ثم أصبح يحج الناس في السيارات، وبعضهم يحج بواسطة الطائرات.

  • حَجّاج الخُضَري: كان من طائفة الفتوات، طويل القامة، مهيبًا، عظيم الهمة، وكان شيخًا لطائفة الخضرية، وله عليهم الصولة، مسموع الكلمة، وقد بنى البوابة المعروفة بالرملة «المنشية» وسميت بوابة حجاج؛ وقد زالت الآن، وقد شنقه الوالي مظلومًا … قالوا إنه فعل به ذلك زجرًا لغيره.

    وشاهدت ابنته تسكن في حارتنا تسمى حجاجة، وكانت نحيفة القوام ولكنها غجرية، ذات لسان طويل، يخاف منها أهل الحارة.

  • حجر الكباس: هو من أحجار المشاهرة، يحكّونه للوالدة في ماء يدهون به جسمها، وخصوصًا صدرها وثدييها، منعًا للكبسة، وسيأتي تعريفها، وتوجد أنواع كثيرة من الأحجار للاستشفاء بها، منها حجر العقرب، وقد مر الكلام عليه في اصطبل عنتر، ومنها حجر الدم، وهو نوع من العقيق الأخضر فيه عروق حمراء، يحملونه لمنع نزيف الدم ومنها حجر الحب، وتحمله النساء وخاصة السودانيات، وهو من نوع الزلط، إلا أنه خفيف هش، لونه أحمر قاتم، إذا حك في ماء تتحلل منه مادة بيضاء، وهن يزعمن أنه إذا أراد إنسان أن يحبب فيه آخر، يتحايل حتى يرش عليه ماء من الماء الذي حك فيه ذلك الحجر، وأن يتدهن هو أيضًا به.

    وقد قرأت قصة بهذه المناسبة أن امرأة فرنسية كان زوجها يضربها كثيرًا بعد أن يشرب كثيرًا من الخمر حتى يسكر، فذهبت إلى عجوز وشكت إليها زوجها وطلبت منها أن تعمل لها شيئًا من السحر عساه أن يكف عن ضربها، فوعدتها العجوز أن تعزم لها عزيمة حين تأتيها في الغد، فلما جاءت أعطتها زجاجة ماء، وأمرتها إذا جاء زوجها أن تملأ فمها من الماء وتعمل ما يأمرها به الزوج ولا تتكلم، وبعد أسبوع قابلتها وسألتها عن الحال فقالت: إن سحرك نفع، فلم يعد يضربني، ثم تبين أن المرأة كانت ثرثارة كثيرة الكلام، وكان زوجها يضربها لثرثرتها، فلما أمرتها العجوز بإطاعة زوجها، وملء فمها بالماء، لم يعد هناك ما يدعو إلى الضرب.

  • حَد يبقى في إيده القلم ويكتب نفسه شقي: تعبير يعني أن من قدر على نفع نفسه فلينفعها.
  • الحدق يفهم: الحدق، معناها الحاذق.
  • حدوتة: هي تحريف لكلمة أحدوثة في اللغة الفصحى، ولا تطلق إلا على القصة باللغة العامية، وهم عادة يفرشون لها فرشًا صيغته: كان ياما كان يا سعد يا إكرام، ولا يطيب الحديث إلا بذكر النبي ، ونسرد هنا بعض الحواديت على نمطهم:
    • (١) كان فيه سلطان ولا سلطان إلا الله، ولا نبي بعد رسول الله، وكان للسلطان ثلاثة أولاد: الشاطر حسن، والشاطر محمد، والشاطر علي؛ وكانوا فرسان شطار، ومتعلمين كل حاجة، ونافعين أبوهم ومريحينه، ومنظمين أمور المملكة.

      وبعدين أمهم ماتت، والسلطان تزوج بنت الوزير، وكان الوزير يكره أولاد السلطان؛ لأنهم مضيقين عليه، ومش مخليين له كلام، فسلط بنته، وقال لها: لازم تعملي حيلة تخلي السلطان يكره أولاده.

      قامت البنت احتارت تعمل إيه، إلا ودخلت عليها مربيتها، وكانت عجوز نحس وإبليس يتعلم منها المكر، فقالت لها: مالك زعلانة محتارة، فقالت لها: يا أمي العجوز، الأمر فيه وفيه، وأنا مش عارفه أعمل إزاي؛ قالت لها: بس كده! دا شيء بسيط، وبكره الصبح ما تقوميش، ولما يسألك السلطان قولي له بس عيانه شويه، وبعدين يحلها ربنا، نهايته ولا أطولش عليكم في الصبحية قعدت تنازع، قال لها السلطان: مالك، قالت له بس عيانه شويه النهارده، فاتها وطلع لشغله جاتها العجوزة، ومعها رقاق ناشف، حطته تحت فرشها، وصارت كل ما تتقلب يطقطق الرقاق، وتقول هي: دي عظامي بتطقطق، وتنازع وتصرخ، استعجب السلطان وجاب لها الحكماء وهم ما يعرفولهاش دوا.

      شويه وفات واحد من تحت الشباك وكان دا ابن العجوزة ومعلماه، وهو ينادي ويقول: عيان نداوي، مريض نداوي قالت امرأة السلطان له: نادي الحكيم ده يمكن يعرف مرضي، دخل عليها وبص كده وكده وفتح الكتاب، وبعدين قال: يا ملك الزمان ووحيد العصر والأوان، دا مرض الملكة مش من الأرض، دا مرضها من الجان؛ قال له السلطان: إذا كنت عرفت مرضها اعرف لنا دواها.

      قام فتح الكتاب وقال: دواها ميجيش إلا على بلبل الصباح، قال السلطان: وفين بلبل الصباح؟ فقال له: في البستان المسحور، ورا السبع بحور، ولا يجبوش إلا أولاد الملوك، قال السلطان: دا أمر سهل، وأنا عندي أولادي ما شاء الله ما فيش أشجع من كده، وطلع حكى لهم على ما قاله الطبيب قالوا له: يا أبونا إحنا في خدمتك، ومطرح ما تأمرنا إحنا ما نتأخرش، أخذوا الزاد، وركبوا خيولهم، واعتمدوا على خالقهم، وساروا على بركة الله، وصلُّوا على زين الملاح، ومشوا التلاتة، بلد تشيلهم وبلد تحطهم، لما دخلوا في وسط الجبال، انتهى بهم المسير إلى آخر الطريق، ثم وجدوه ينقسم إلى ثلاثة شعب مكتوب على واحدة منهم دي سكة السلامة، وعلى التانية دي سكة الندامة، وعلى التالتة دي سكة اللي يروح ما يرجعش، وأخيرًا انتظروا على أنهم يعملوا قرعة، وكل واحد يمشي في سكة، فأما الشاطر حسن فمشي مشي وبعدين رجع لبلده، وحكى لأبوه على ما كان؛ وأما الشاطر محمد فتاه في الطريق ومشي مشي مالاقاش حاجة ورجع لبلده، وأما الشاطر علي ففضل ماشي طول النهار، أخيرًا لقى جنينة لا ليها أول يعرف ولا آخر يوصف، وفيها كل أصناف الزهور والفواكه، وفي وسطها قصر عظيم، دخل جميع قاعات القصر ما عرفش حد، فاستعجب، وفي أوضة من الأرض لقى سفرة تامة من جميع الأصناف، والكراسي مرصوصة حوالين السفرة، وقعد يستنى يستنى ماحدش جه.

      فقال له عقله: قوم اتعشه، فأكل لما شبع، وراح غسل إيديه وقعد جنب الشباك يشم الهوا، بص على باب الجنينة لقى غول داخل، فخاف وارتعش، قام جري يدور على مطرح يستخبى فيه، واحتار ورجع تاني دخل الأوضة اللي كان فيها، واستخبى ورا الباب، فالغول ضرب الحيطة وخبط بإيده عليها، انفتح فيها باب مسحور، وجلس على السرير وقال: اطلعوا، طلعت عشر بنات زي النجف، وقعد الجميع على السفرة، وقعدوا يأكلوا، ثم قال الغول: مين اللي رايحة تكون عورستي الليلة؟ ما حدش رد، قام وسحبهم من شعورهم، ودخلهم أوضة وقفل الباب، قام الشاطر علي وخرج في الجنينة لقى العشر بنات مساكين، وقالوا له: إنت إنس ولا جن؟ قال لهم: إنس، قالوا له: إيش جابك هنا؟ فحكى لهم على اللي حصل، فخرجوا يلفوا في القصر، وبعدين لقوا دولاب فتحوه، لقوا سلم فضلوا نزلين أربعين سلمة، فضلوا ماشيين لقوا بحر مالح، وقعدوا على البحر يستنوا مراكبي، ولما فات مراكبي شاوروا له بمناديلهم قالوا له: إحنا فين؟ قال لهم: أنتوا جايين منين؟ وعزّم المراكبي علشان يأتي بالغول، ومسك سيف، ولما دخل الغول، قال: باسم الله يا عزم أبوي وجدي، وخبطه قسمه نصفين، وبصوا لقوا دمه لهاليب نار، ويسأل الساحر الشاطر علي، فحكى له حكاية بلبل الصباح، وأخيرًا وبعد عذاب طويل رجع الشاطر لأبوه وحكى له الحكاية فلما سمع الملك هذه الحكاية شال الملكة من على السرير، وفتش تحتها فلقى رقاق، فسحب عليها السيف وقال لها: وحياة راس أبوية إن ما قلتليش على الحكاية اقطع راسك، فحكت له الحكاية فقال لها: سامحتك، وخرج على الديوان وقطع رأس الوزير وجهز موكب عظيم وركب الشاطر علي وقعد هو وأبوه متهني لآخر عمره، وتوتة توتة فرغت الحدوتة، حلوة ولا ملتوتة، وإن كانت حلوة، عليك غنوة، وإن كانت ملتوتة، احكي لنا حدوتة.

    • (٢) أحدتك حدوتة، بالزيت ملتوتة، حلفت ماكلها، حتى ييجي تاجرها، تاجرها فوق السطوح، والسطوح من غير سلم، والسلم عند النجار، النجار عاوز مسمار، والمسمار عند الحداد، والحداد عاوز بيضة والبيضة في بطن الفرخة، والفرخة عاوزة قمحة، والقمحة عند التاجر، والتاجر عايز فلوس، والفلوس عند الصريف، والصريف عاوز حنة، والحنة في إيديهم، ضربة تكور عينيهم، وهي حدوتة لطيفة تدل على مبلغ اتصال الأعمال بعضها ببعض، وهي في معنى قول المتنبي:
      الناس للناس من بدو وحاضرة
      بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم

      •••

      وقد سمعها رجل صوفي فشرحها شرحًا صوفيًّا قال: أحدتك حدوتة، بالزيت ملتوتة، يعني السر الإلهي، حلفت ماكلها؛ أي أتناولها؛ فإن القصد لا يتم إلا بالوسيلة، حتى ييجي تاجرها المراد به المرشد الكامل، والمربي الواصل، والتاجر فوق السطوح، لا يذهب ولا يروح، بل إليه يراح، وبه تنتعش الأرواح، والسطوح عاوزة سلم، يتوصل به إليها، حيث إن المدار عليه والسلم عند النجار، وهو الأستاذ الكامل، والمسلك الواصل، والنجار عاوز مسمار، يثبت به سلم القرب والوصول، والمسمار عند الحداد، صانعه المخصوص به، والحداد عاوز بيضة؛ إذ لا يكون شيء بلا شيء … إلخ.

    • (٣) دخلت من عاطفة لعاطفة، لقيت مغني بزفة، لقيت حبيبي متكي، على مخدة فستقي، قال لي خدي المفاتيح واسبقي، أخذت المفاتيح وسبقت، لقيت صبية لبية، زي الشمس المضية، متكية على مخدة حرير طرية، لو كان بيتنا قريب، كنت جبتلكو صحن زبيب؛ تأكلوا لما تصلوا على الحبيب فيجيب السامعون: «ألف صلاة عليه.» وهذا فرش الحدوتة، ثم تبتدي فيها فتقول: كان يا ماكان يا سعد يا إكرام، ما يطيب الحديث إلا بذكر النبي عليه الصلاة والسلام فيجيب السامعون عليه الصلاة والسلام، ثم يقول: كمان صلوا على النبي، ثم يقول: كمان وحدوا الله، وكله تشويق للسامعين لكي تزيد فيهم رغبة السماع.
    • (٤) كان فيه واحدة جميلة فايتة في السوق لقيت شاب جميل جالس وعلى دكانه يافطة مكتوب فيها: كيد الرجال غلب كيد النساء، فاغتاظت من ذلك، وذهبت إلى الدكان وأخذت تغازل الشاطر حسن صاحب الدكان وأخيرًا قال لها: أريد أن أخطبك من أبيك فمن أبوك؟ قالت له: قاضي البلد! ولكن أبي لا يريد أن يزوجني، ولذلك يقول لمن جاء إليه يخطبني: إن بنتي هتمة بأتب، فقل له قابل، ولا أريد إلا شرف النسب؛ فأخذ كام تاجر وياه العصر، وذهبوا إلى القاضي وقالوا له: نريد أن نتشرف بالنسب إليك، فقال لهم: إن بنتي كذا وكذا كما ذكرت الفتاة، فقال الشاطر حسن: قد قبلت؛ لأني أريد شرف النسب ولا أريد الجمال، وأخيرًا عقد العقد ودخل الشاطر حسن على زوجته، فلم يجد الفتاة التي رآها وإنما وجد فتاة شوهاء كما ذكرت، فغطى وجهها وخرج، وفي ثاني يوم جاءت الفتاة وضحكت، فقال لها: ما المخرج؟ فقالت: لا، حتى تغير اليافطة وتكتب: كيد النساء غلب كيد الرجال، وأخبرته بأبيها الصحيح وقالت له: أحضر طائفة القرداتية والغوازي والخولات واذهب بهم إلى القاضي، وقل له: هؤلاء أقاربي، فتضايق القاضي، فقال له الشاطر حسن: وأنت شفت إيه، دول لسة جايين طوايف طوايف من قرايبي، فقال للشاطر حسن: اعمل معروف خد فلوسك وطلقها، فأخذ فلوسه وطلقها، وذهب إلى أبي الفتاة الحقيقي وتزوجها، وعاشا في التبات والنبات، وخلفوا أولاد وبنات، وتوتة توتة فرغت الحدوتة.
    • (٥) وحدث في عهد محمد علي باشا أن كان رجل نخاس، وكانت تجارة الرقيق منتشرة، متزوجًا بامرأة غنية بعض الغنى؛ ثم أهملها، فغضبت منه وعملت على الطلاق منه، فعشقت رجلًا فقيرًا؛ وفتحت له دكانًا بجوار البيت، وكانت في البيت نخلة تتصل بمشربية، يقفز إليها عشيقها كلما أراد؛ فقفز إليها مرة، وإذا بصاحب البيت يحضر، فأمرت خداميها بأن رجلًا عندها، فأخبروه فدق الباب طويلًا، وصرخ: عشيق، عشيق.

      فحضر الجيران، وكسروا الباب، ودخلوا فلم يجدوا أحدًا، وكان العشيق قد قفز إلى النخلة ونزل عليها إلى الأرض، فتنمرت المرأة وقالت: هو يتهمني في عرضي كذبًا، وذهبت ثاني يوم على القاضي وحكت له، وطلبت الطلاق، واستشهدت بالشهود، فرفض القاضي أن يطلقها، وفي مرة أخرى حضر العشيق كعادته وحضر صاحب المنزل، فوجد عشيقها معها، فأمسكته مع عشيقها وكتفته ووضعت منديل في فمه، وسكينًا بجانبه، وهددته إن صاح أن تقتله ونامت مع عشيقها أمامه، حتى إذا انتهيا حلته، وشالت السكين وأخرجت المنديل من فمه، وصرخ الرجل: حرامي حرامي! فجاء الجيران فلم يجدوا أحدًا، فظنوا أنه مجنون فسألوه، فقال لهم: حرامي! فقالوا: مسكين! شفاك الله، وذهبت ثاني يوم إلى القاضي تطلب الطلاق، فحكم بإرساله إلى مستشفى المجاذيب، وأخيرًا ظل سبعة أشهر وكلما زاره أحد حكى له حكاية اللص فيقول: لا زال مجنونًا، شفاه الله وأخيرًا وبعد تعب، رضي أن يطلقها، فأحضرته إلى البيت، وأحضرت المأذون وطلقها.

    • (٦) كان فيه شابة جميلة متزوجة تاجر، فأراد التاجر أن يسافر، فخاف عليها أن تخونه، فأوصى بقالًا يفتح دكانًا تحتها أن يراقبها ويحافظ عليها؛ وأمرها أن تدلي حبلًا فيه مقطف كل يوم، وأوصى البقال أن يضع لها اللحم والخضر في المقطف كل يوم وهي تشده.

      وفي مرة من المرات نظر إلى فوق فرأى المرأة فأعجبته، فعشقها وكتب لها ورقة مع اللحم والخضار يخبرها بذلك فرفضت؛ فمرض الرجل وجاءت إليه امرأة عجوز فحكى لها الحكاية، فوعدته أن تسهل له الأمور؛ فذهبت العجوز إليها وادعت أنها خالتها، وقبلتها كثيرًا، وزعمت أنها مشتاقة إليها، وكان معها كلبة تطعمها من حين لآخر وتعطف عليها، فسألتها المرأة من هذه الكلبة فقالت لها: إنها كانت شابة جميلة وغضب عليها عاشقها فسحرها كلبة، فقالت: يا أمي إني أخاف من البقال الذي تحتي أن يسحرني، فقالت لها العجوز: وماذا تعطيني إن رجوته ألا يسحرك بشرط أن تنيليه ما طلب؟ فرضيت ووعدتها أن تمنحها زوجًا من الأساور، وعينت لها موعدًا تستقبل فيه البقال، فلما جاء الموعد تزينت وتجملت الفتاة وانتظرت العجوز البقال فلم يحضر، وخافت أن تضيع عليها الأساور، فترقبت أن يمر عليها أي رجل مناسب، وصادف أن مر التاجر زوج الفتاة، وكان عائدًا من سفره، فاستوقفته وقالت له: ما رأيك في فتاة جميلة تستقبلك؟ فقال: لا بأس، ولك الحلاوة، وقادته إلى بيت الفتاة؛ فما كان من الفتاة إلا أن لطشته على وجهه، وقالت له: أهكذا تفعل أيها الرجل الخبيث؟ فأخذ يعتذر لها ويسترضيها … توتة توتة، فرغت الحدوتة.

    • (٧) ومن حكاياتهم الدالة على إيمانهم البالغ بالحظ، وأن الطمع لا يفيد، أن رجلًا فقيرًا كان طيبًا وكان عطوفًا على زوجته وأولاده، وطلبت إليه زوجته مرة أن يأخذ سلطانية ويحضر لها سمنًا لتصنع به كنافة، فلما ضاقت الأمور على الرجل ترك دكانه وهام على وجهه حتى بلغ شاطئ البحر، وركب سفينة أوصلته إلى جزيرة غنية انقطع أهلها عن العالم، وقبض عليه وأرسل إلى الملك، فسأله الملك: أصديق أنت أم عدو؟ فقال الفقير: صديق فقال الملك: ما دليل صداقتك؛ فقال: الدليل أني أهديك هذه وكانت سلطانية فظن الملك أنها تاج عظيم ووضعها تاجًا على رأسه، وأعطاه في مقابل هديته ذهبًا كثيرًا، وجواهر كثيرة؛ وعاد الرجل إلى أهله وأوسع معيشتهم ومعيشته فلما رآه بعض الطامعين الأشرار على هذه الحال غار منه واستفسره، وذهب إلى هذه الجزيرة يحمل معه هدايا فخمة من ثياب مزركشة وعقود … إلخ، فلما أهداها للملك فرح بها وأراد أن يهديه أعظم هدية في نظره فأهداه السلطانية، وكان نصيبه خيبة الأمل.

    هذه نماذك من الحواديت التي تحكيها العجائز وخاصة بالليل حيث يجتمع الأطفال والنساء، ولا تزال تحكي حتى يجيء موعد النوم.

    وهي باب كبير من أبواب تربية الأطفال، بالحدوتة الطيبة التي تدل على شجاعة أو صدق أو بطولة، تنتج نتاجًا طيبًا، والعكس.

    والحدوتة نمرة (٢) مثلًا تدل على معنى طيب في التعاون، ولكن مما يؤسف له أن أكثر حواديتنا في الجن ومكر النساء ولعب القدر كما رأينا، وحبذا لو جمعت الحواديت الشعبية وقيدت ثم درست ثم تبين أثرها.

  • حدِّيلُه علقة سخنَهْ: أي شديدة ومن هذا القبيل: دول يستاهلوا النار؛ أي العذاب الشديد.
  • حرام تنسوني بالمرة: استعمال مصري، تعبيرها العربي يحرم عليكم أن تنسوني دائمًا.
  • حرامي: كان في كل بلدة تقريبًا في المدن أو القرى طائفتان: طائفة تنتسب إلى سعد، وطائفة تنتسب إلى حرام؛ فهذا سعدي؛ أي منتسب إلى سعد، وهذا حرامي؛ أي ينتسب إلى حرام، ويظهر أن سعدًا انتصرت على حرام، فتدلى حرام حتى كان من نسبه لصوص؛ وسمي اللص حراميًّا.
  • الحرب: للمصريين في حال الحرب أحوال نفسية وأخلاق اجتماعية، لعل خير ما يمثلها ما حكاه الجبرتي في موقفهم عند الحالات الخصوصية.

    فإنه في يوم من الأيام حضر إلى ثغر الإسكندرية عشرة مراكب إنجليزية، ووقفت على البعد بحيث يراها أهل الثغر، وبعد قليل حضرت خمسة عشر مركبًا، وحضر عدد صغير مكون من عشرة، وطلعوا إلى البر واجتمعوا بكبار البلد، والرئيس إذ ذاك السيد محمد كريم؛ فاستخبرهم المصريون عن غرضهم، فقالوا: إنهم إنجليز حضروا للتفتيش على الفرنسيس؛ لأنهم خرجوا بعمارة عظيمة يريدون جهة من الجهات، وربما كان مقصدهم مصر، وربما دهموكم فلا تقدرون على دفعهم فلم يقبل السيد محمد كريم، وظن أنها مكيدة، وجابههم بكلام خشن، فقال رسل الإنجليز: إننا سنقف بعيدًا، ولا نحتاج منكم إلا الإمداد بالماء والزاد بالثمن فلم يجيبوهم لذلك، وقالوا: هذه بلاد السلطان، وليس للفرنسيس ولا غيرهم عليها سبيل، فاذهبوا عنا، فعادت رسل الإنجليز وأقلعوا من الإسكندرية ليمتاروا من غيرهم، فلما عرفت هذه الأخبار بمصر حصل بها لغط كثير، وتحدثوا كذلك فيما بينهم، وكثرت المقالات والأراجيف.

    وأما الأمراء فلم يهتموا بشيء من ذلك لم يكترثوا به، اعتمادًا على قوتهم، وزعمهم أنه إذا جاءت الفرنج لا يقفون في مقابلتهم، وأنهم يدوسونهم بخيولهم، ثم وردت مراكب الفرنسيس وعمارتهم الكثيرة، فأرسوا في البحر، وأرسلوا جماعة يطلبون بعض أهل البلد، فلما نزلوا إليهم، عرفوهم مقصدهم، ولما دخل الليل تحولت مراكبهم إلى جهة العجمي، وطلعوا إلى البر ومعهم آلات الحرب والعساكر، فلم يشعر أهل الإسكندرية إلا وهم كالجراد المنتشر حول البلدة؛ فاجتمع الكشاف والعربان، فلم يستطيعوا مقاومتهم، واضطر أهل الإسكندرية إلى التترس في البيوت والحيطان، ودخل الفرنسيس البلد، وأهله يدافعون عن أنفسهم ويقاتلون، فلما أعياهم الأمر، وعلموا أنهم مأكولون بكل حال، وليس عندهم استعداد للقتال لخلوّ الأبراج من آلات الحرب والبارود، وكثرة العدو وغلبته، طلب أهل الثغر الأمان فأمنوهم.

    •••

    وعوّل أكثرهم على الفراق، فلما علم بذلك الأمراء بمصر، اجتمعوا والعلماء وقرروا أن يرسلوا مكاتبة إلى استانبول، وجهّز مراد بك العساكر وخرج لملاقاتهم وحربهم، وصاروا يصادرون الناس، ويأخذون ما يحتاجون إليه من غير ثمن، وأمروا بعمل سلسلة تخينة جدًّا طولها مائة ذراع وثلاثون لتمنع العبور من بحر النيل، فلما خرج مراد بك بدت الوحشة في الأسواق وكثر الهرج بين الناس والإرجاف، وانقطعت الطرق، وأخذت الحرامية في كل بلدة تطرق أطراف البلد، وانقطع مشي الناس من المغرب، ونادى الأغا والوالي بتفتيش الأسواق والقهاوي ليلًا، وتعليق القناديل على البيوت والدكاكين لإذهاب الوحشة.

    ووردت الأخبار بورود الفرنسيس إلى دمنهور ورشيد، وازداد الرعب، وكانت العلماء عند توغل الفرنسيس يجتمعون كل يوم بالأزهر ويقرءون البخاري وغيره من الدعوات، وكذلك مشايخ الطرق الأحمدية والرفاعية والبرهامية والقادرية والسعدية، وغيرهم من الطوائف، وأرباب الأشاير، ويعملون لهم مجالس بالأزهر، وكذلك أطفال المكاتب، ويذكرون اسم اللطيف وغيره من الأسماء، ولما وصل الخبر إلى الأمراء شرعوا في نقل أمتعتهم من البيوت الكبار المشهورة إلى البيوت الصغار التي لا يعرفها أحد.

    واستمروا طول الليل ينقلون الأمتعة ويوزعونها على معارفهم وثقافتهم، وأرسلوا البعض منها إلى بلاد الأرياف، واستحضروا دواب للشيل وأدوات الارتحال، ولما رأى أهل البلد ذلك تخوفوا وخرج الجميع لبرّ بولاق، وكانت كل طائفة من طوائف الصناع يجمعون الدراهم من بعضهم وينصبون لهم خيامة، أو يجلسون في مكان خرب، أو مسجد، ويرتبون لهم ما يصرف عليهم وما يحتاجون إليه من الدراهم التي جمعوها.

    وبعض الناس يتطوع بالإنفاق على البعض الآخر، ومنهم من يجهز جماعة من المغاربة أو الشوام بالسلاح، والأكل وغير ذلك بحيث إن جميع الناس بذلوا وسعهم وفعلوا ما في قوتهم، وخرجت الفقهاء وأرباب الأشاير بالطبول والزمور والأعلام والكلبات، وهم يدقون ويصيحون، ويذكرون أذكارًا مختلفة، وصعد السيد عمر نقيب الأشراف إلى القلعة فأنزل منها بيرقًا كبيرًا سمته العامة «البيرق النبوي»، فنشره بين يديه من القلعة إلى بولاق، وأمامه وحوله ألوف من العامة بالنبابيت والعصي يهللون ويكبرون ويكثرون من الصياح، ولم يبق في القاهرة إلا النساء والصغار وضعفاء الرجال، والطرق معفرة من عدم الكنس والرش.

    وأما بلاد الأرياف فإنها قامت على قدم وساق يقتل بعضهم بعضًا، وينهب بعضهم بعضًا وغارت العرب على الأطراف والنواحي وصار قطر مصر من أوله لآخره في قتل ونهب وإغارة على الأموال، وإفساد المزارع، وغير ذلك من أنواع الفساد.

    وكان الرجال متنافرة قلوبهم، منحلة عزائمهم، مختلفة أمراؤهم، حريصين على حياتهم وتنعمهم ورفاهيتهم، مغترين بجمعهم، محتقرين شأن عدوهم، مرتبكين في رويتهم مغمورين في غفلتهم؛ وهذا كله من أسباب ما وقع من خذلانهم وهزيمتهم … إلخ.

    •••

    ويدل على أخلاقهم أيضًا في الحرب ما ذكره محمد «باشا» شفيق في الثورة العرابية؛ إذ قال: شعر «عرابي» باشا ورفاقه بالحيف الواقع عليهم وعلى أمثالهم من جراء التمييز بين المصريين والشراكسة والأتراك، فألفوا مظاهرة، فازدادت قوتهم، واختلف النظار بين معاملته هو وإخوانه بالشدة، أو معاملتهم باللين والحسنى، واغتر عرابي بما كان يسمعه من رعاية الخليفة له وعنايته به، واجتماع الناس حوله، فاعتقد أنه زعيم مصر الأكبر، وخيل إليه أنه صار صاحب الكلمة النافذة، وأنه إليه يرجع الأمر كله دون الخديو وحكومته؛ وطاف في البلاد يستميل الأهالي ويتألفهم ويبث فيهم دعوته.

    ولم يقف غرور عرابي عند حد حكومته، بل رسخ في ذهنه أنه لا خوف عليه من وقوف فرنسا وإنجلترا في سبيله، لما بينهما من منافسة في السياسة المصرية، مع أن الدولتين كانتا على وفاق فيما يتعلق بمصر.

    وبناء على ذلك أرسلوا لجناب الخديو خطاب مؤداه: أنهما يكفلان استمرار السلم والسكون في البلاد المصرية، وأنهما متفقان على الاشتراك في السعي من دفع كل ما من شأنه أن يحدث في مصر ارتباكًا، فأثارت هذه المذكرة غضب العرابيين، وسخط الباب العالي، وفهم عرابي من ذلك أن الخديو توفيق قد انضم إلى الدولتين، ثم قامت الثورة، فتدخل الإنجليز حربيًّا بدعوى إقرار السلام والمحافظة على سلامة الخديو، وخشي العلماء وبطريرك الأقباط والأعيان والتجار استمرار الإضرابات، فأرادوا التوفيق بين الخديو وعرابي فلم يمكن وأخيرًا صار عرابي باشا الحاكم بأمره، وقامت الثورة الفكرية، وحدثت المذابح في الإسكندرية، واشتبك عرابي مع الإنجليز، وانهزم العرابيون بعد قليل، وقد ذكرنا من قبل ما أشيع في أيام الثورة عن البيضة التي باضتها الدجاجة ومكتوب عليها ما يستفاد منه النصر، والأعلام المنسوبة على السيد البدوي وإبراهيم الدسوقي وسيدي عبد العال.

    ولم يقف جيش عرابي في التل الكبير طويلًا، فقد انهزم جيشه سريعًا، ووجد الإنجليز أن العرابيين أهملوا الطريق بين الصالحية والتل الكبير، وتركوه خاليًا من نقط الدفاع؛ ولم يطل القتال أكثر من عشرين دقيقة، وأسفر عن انهزام العرابيين شر هزيمة، بعد أن قتل منهم نحو ألفين، وأسر نحو ذلك.

    وما برح الإنجليز يتقدمون، والعرابيون مستغرقون في نومهم، فحاول عرابي أن يستوقف الفارِّين، ويستفزهم إلى القتال والدفاع فلم يمكنه ذلك؛ لأن الذعر كان قد دب في قلوبهم، ففر عرابي لينجو بنفسه وكان الإنجليز كلما تركوا نقطة أقاموا فيها دورية للمحافظة عليها ثم كان من أمر الثورة وفشلها ما كان.

    ويمكننا أن نستنتج من تلك العناصر، مما ذكره الجبرتي وشفيق «باشا» النتائج الآتية:
    • (١) غرور المقاتلين المصريين، واستهتارهم بعدوهم من غير دراستهم لحالهم.
    • (٢) عدم الاستعداد الكافي للحرب.
    • (٣) الهرجلة وعدم النظام.
    • (٤) الاعتماد على الأدعية والبخاري والأذكار مما ليس وسيلة حربية.
    • (٥) قلة الثبات أمام العدو.
    • (٦) عدم العلم بالأفانين العسكرية الحديثة، والاعتماد على الأساليب القديمة في الحرب، وعدم معرفة شئون الدنيا، والجهل بالسياسة الخارجية وشئونها.
    • (٧) فوضى الناس غير المحاربين وتعطيلهم لحركات الجيوش.
    • (٨) مساعدة بعض الناس الخيرين بكل ما يملكون من مال وقوة، ولكن ذلك لم يكن منظمًا ولا خاضعًا للعقل.
    • (٩) عجرفة الرؤساء وشموخهم بأنوفهم من غير كفاية.

    •••

    كل هذا سبب في الحربين الهزيمة السريعة مع الأسف الشديد.

    ولكن والحق يقال، إن المصريين حديثًا تعلموا من هذه التجارب، فظهرت في الحرب العالمية الأولى والثانية، وفي حرب القنال، مظاهر رائعة تخالف التي مضت، فكان من الشبان — وخصوصًا الإخوان المسلمين — مواقف عجيبة تستدعي الإعجاب، من بيع الأرواح، بيع السماح، وبالأمس سمعنا أن شابًّا غنيًّا يملك نحو الأربعمائة فدان تقدم للقتال وراح ضحيته، فما لبث أخوه الشاب أن حل محله في الصف … إلى كثير من هذه الحوادث التي تدل على التصميم والتضحية، وهما العنصران اللذان لم يكونا من قبل، هذا إلى القدرة على اكتشاف المؤامرات والدسائس التي كانت تجوز على المصريين فيما مضى، والقضاء عليها في حينها.

    فإذا أضفنا إلى ذلك امتناع أكثر العمال المصريين عن معاونة الأعداء دلَّ ذلك كله على تغير الحال في السبعين سنة الأخيرة، وأن فيهم من يصح أن يكون مثالًا للجهاد والبطولة مما لا يقل عما يصدر من الأمم الحية الأخرى.

  • حرز: كلمة تطلق على الأحجبة وغيرها، للاحتراز من الجن والحسد (انظر أحجبة).
  • الحروف: يزعمون أن لكل حرف من حروف الهجاء سرًّا، وأن أسرار القرآن، كلها وضعت في سورة الفاتحة، وأن الفاتحة وضعت في البسلمة، وأن أسرار البسملة وضعت في حرف الباء، وهكذا.

    وكل حرف له خواص، وله أعداد، ومن ذلك حروف الجمل وتقابل أبجد هوز … إلخ، فالألف بواحد والباء باثنين … إلخ، وترابي، وهوائي، ومائي، ويقولون: إن بعض هذه الحروف ناري، والأعداد للحروف كالأجساد للإنسان، وللحروف قوة في باطن العلويات، ولها قوة في باطن السفليات، وبعضهم يجعل للحروف طبائع، فبعض الحروف حار، وهي أ و ي ل م ع، وبعض الحروف يابسة، وهي س ق ب ج، وبعضها رطبة، وهي ﻫ ر ش ص ط والباردة هي ب ﻫ د ظ ص ض.

    ثم إذا كان الحرف منصوبًا فحار، أو مرفوعًا فيابس، أو مجرورًا فرطب، أو مجزومًا فبارد.

    وللحروف أيضًا اتصالات بالبروج معقدة مما إذا وفقت على طريقتهم تسبب عنها العداوة والبغضاء، والسعادة أو الشقاء، ولهم في ذلك حساب طويل، وكتب خاصة.

  • الحسد: يعتقد المصريون كثيرًا في الحسد، وخلاصة هذه العقيدة أن بعض الناس عنده خاصية في عينه، إذا نظر إلى شيء أماته أو أتلفه، ومن غريب الأمر أن رجلًا عظيمًا كابن خلدون يحكي مثل هذا ويقول إنه شاهد بعض الناس إذا نظر إلى خروف أو نعجة نظرة خاصة أماتها، ثم إذا شرحت وجد قلبها قد تحتت وقال: إنه رأي في بلاد المغرب جماعة من هذا القبيل يسمون «البعاجين».

    ويعتقد المصريون أن الحسد يكون على أتمه إذا نظر الحاسد وشفع نظرته بالشهيق، وكان من الشائع عند النساء أنه إذا نظر رجل تلك النظرة أسرعت المرأة وقالت له: «وراك تعبان أو عقربة أو نار» فيلتفت وراءه لينظر إليه، وبذلك يذهب سحر عينه.

    ويداوون ذلك بأن يأخذوا قطعة من طرف ثوب الحاسد ويبخروا بها المحسود، سواء كان إنسانًا أو حيوانًا أو أي شيء آخر.

    ويزيد الاعتقاد في الحسد إذا اشتهي ما عند المحسود، كأن كان الحاسد فقيرًا والمحسود غنيًّا، أو عند المحسود مواش أو أموال يشتهيها الحاسد، وكما إذا كان الحاسد ليس له ولد والمحسود كثير الولد، ويزعمون أن الحجاب يمنع العين، ولهم في ذلك طرق منها وضع قليل من الملح الجريش في كيس يعلق في عنق الأطفال، وكذلك ناب الذئب أو ناب الضبع، أو رأس هدهد عليه ريش، توضع في قطعة من السختيان الأحمر ويخاط، وأحيانًا يداوون الحسد بالرقى من ذلك رقية مشهورة وهي:

    بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، ومن كل عين حاسد، بسم الله أرقيك، والله يشفيك، من كل نفس أو عين.

    ومن هذه الطرق أن يوضع قليل من الملح فوق جمر من النار، ويقف المحسود، ويجعل الجمر بين رجليه، وتتلى الرقية المذكورة، ثم تجعل الراقية وجهها في وجه الذي ترقيه، وتتثاءب بشدة حتى يتثاءب المحسود، ويحكون أن رجلًا اشتهر بالحسد، فكان يجتمع إليه أصحابه، فإذا مر جمل اشتهوه طلبوا إلى الحاسد أن يحسده، فيقع على شفا الموت، فيُذبح ويُؤكل.

    ومن الرقى:

    بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله عظيم الشأن شديد البرهان، ما شاء كان، حبس حابس من حجر يابس وشهاب قابس اللهم إني رددت عين العائن عليه، وعلى أحب الناس إليه، وفي كبده، وكليتيه، ولحمه ودمه فارجع البصر، هل ترى من فطور، ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئًا وهو حسير.

    وأحيانًا تأتي بعض العجائز فتوقد نارًا، وترمي فيها شيئًا من «الشب» وتذكر أسماء الذين يظن أنهم الحسدة، وتأخذ دبوسًا أو إبرة فتضعه في عين الصورة التي تحول إليها الشب، وتقول: فقأ الله عينها.

    وقد تأخذ قطعة من الورق وتشك فيها الدبوس مرات متعددة في كل مرة تقول: من عين فلانة، ومن عين فلانة، ثم يبخر المحسود بهذه الورقة مع الملح.

    والاعتقاد في هذا الحسد شائع كثير، ومن الأقوال المشهورة: «عين الحسود، فيها عود» (انظر قر).

  • حسن كيف: هو اسم غريب يطلقونه على نوع من السجاير وضعت فيه قطعة من الحشيش، وأحيانًا يطلق على التبغ الذي يوضع في حجر الجوزة ويوضع فوقه الحشيش ثم يدخن، وكيفية استعماله أنهم يقطعون التبغ قطعًا صغيرة، ثم يأخذون قليلًا من عسل القصب في الكف، ويفركون التبغ فيه حتى يلين ويمتزج بالعسل، ويضعونها في حق من الصفيح، فإذا أرادوا تدخينها أضافوا عليها قطعة من الحشيش، ثم يضعونها جميعًا في حجر الجوزة.
  • حسنة وأنا سيدك: حسنة؛ أي صدقة، يقولونها للرجل إذا استجدى شيئًا وتكبر في استجدائه، مع أن موقف الاستجداء موقف الذل.
  • الحسن خي الحسين: معنى خي أخو يقال للشخصين يتشابهان.
  • الحسوم: ويسمونها أيضًا الحسومات، أو أيام الحسوم، وهي السبعة الأيام أول برمهات من الشهور القبطية، ويمتنع فيها الفلاحون من بذر الأرض، يزعمون أن ما يزرع في هذه الأيام يخرج عليلًا ضعيفًا لا يأتي بمحصول، ويزعمون أيضًا أن ريحًا سامة خفيفة تهب في تلك الأيام.
    وفي القرآن: سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا.
  • حش: حش البرسيم إذا قطعه من الغيط، وحش القمح أو القطن إذا قطعه وهو صغير، وعلى سبيل المجاز يقولون: «حش وسطه بالنبوت»، كأنه ضربه فقسم وسطه إلى قسمين كما يفعل بالحشيش.
  • حشكلة: يقول الرجل لرجل آخر «بلاش حشكلة»، ويعنون بها التملق، وربما كان أصله فارسيًّا، ففيها الحشكل: الرديء، والحشكل: ما تطاير من الحديد.
  • الحشيش: الحشيش كيف قديم، وربما نافس الخمر؛ ويسمونه في كتب الطب القديمة (القنب)، يقول بعضهم: إن أول من استعمله الشيخ حيدر في سنة ٦٥٨.

    ذلك أن الشيخ حيدر خرج يومًا وقد اشتد الحر وقت القائلة منفردًا بنفسه إلى الصحراء، ثم عاد وقد علا وجهه النشاط والسرور بخلاف ما كان يعهد من حاله، فإنه أخذ يحادث أصحابه ويؤانسهم، فسألوه عن السبب، فقال: خرجت إلى الصحراء وحدي، فوجدت كل شيء من النبات لا يتحرك إلا نباتًا له ورق فجعلت أقطف منه وآكل، فحصل عندي من الارتياح ما شاهدتموه.

    وكان هو القنب، وقد نصح أصحابه باستعماله، فاستعملوه، فاشتهر بالعراق ووصل إلى الشام ثم إلى مصر، وفي ذلك يقول بعضهم:

    دع الخمر واشرب من مدامة حيدر
    معنبرة خضراء مثل الزبرجد
    يعاطيكها ظبي من الترك أغيد
    يميس على غصن من البان أملد
    فتحسبها في كفه إذا يديرها
    وقيم عذار فوق خد مورد

    وأحيانًا ينسبونها إلى أهالي الهند ويقولون: إنهم أول من استعملوها، قال الشاعر:

    فقم فانف جيش الهم واكفف يد العنا
    بهندية أمضى من البيض والسمر

    وقال فيها آخر:

    وخضراء كافورية بات فعلها
    بألبابنا فعل الرحيق المعتق
    إذا نفحتنا من شذاها بنفحة
    تدب لنا في كل عضو ومنطق
    غنيتُ بها عن شرب خمر معتق
    وبالدلق عن لبس الحرير المزوق

    وقوله: «كافورية» ليس المراد نسبتها إلى كافور المشهور، وإنما نسبتها إلى بستان في القاهرة يقال له: بستان كافور، وكان يُسمى البستان الكافوري، نسبة إلى كافور الإخشيدي، وكان يزرع فيه الحشيش بكثرة ويستجاد، كالذي قال:

    رب ليل قطعته ونديمي
    شاهدي وهو مسمعي وسميري
    مجلسي مسجد وشربي من خضـ
    ـراء تزهو بحسن لون نضير
    قال لي صاحبي وقد فاح منها
    نشرها مزريا بنشر العبير
    أمن المسك؟ قلت ليست من المسـ
    ـك ولكنها من الكافور

    وقال آخر:

    قم عاطني خضراء كافورية
    قامت مقام مدامة صهباء
    يغدو الفقير إذا تناول درهما
    منه له تيه على الأمراء

    وقال بعضهم: «شر سكر سكر الحشيش.»

    وقال المقريري: «ما بلي الناس بأفسد من هذه الشجرة لأخلاقهم.»

    وقال بعضهم: إذا اعتدتها وجدتها تورث السفالة والرذيلة.

    والفقراء يستعملونه على طرق شتى: فمنهم من يطبخ الورق طبخًا بليغًا، ويدعكه دعكًا جيدًا باليد، حتى يتعجن، ويعمل منه أقراصًا، ومنه من يجففه قليلًا، ثم يحمصه ويفركه باليد، ويخلط به قليلًا من السمسم المقشور والسكر، ثم يسفه ويطيل مضغه، ومنهم — وهم الأكثر — من يدخنونه في الجوزة أو في السجاير باسم حسن كيف.

    وبعض الأمراء كان يعاقب عليه بقلع الأضراس، وكان يزرع في القاهرة في أرض الطبالة، وباب اللوق، وحكر بولاق ثم منعت الحكومة زرعه في مصر، فكان يزرع في سفوح الجبال، وهو الآن أكثر ما يجلب من لبنان وما حولها.

    وقد انتشر هذا الكيف فوقع فيه بعض الأغنياء وبعض الفقراء وبعض الموظفين، ولما اعتاده بعض الأغنياء أقاموا له صالونات فخمة وانتشر في مصر انتشارًا كبيرًا، وتحايلوا على تهريبه، واشتهر متعاطوه بالنكتة والخيال البارع، ونسبت إليهم كثير من القصص اللطيفة، وحل المشاكل العويصة، وقال من يتعاطها ويتعاطى الخمر معًا: «إن الحشيش يجبن والخمر تشجع.» وهذا طبيعي؛ لأن الحشيش يخدر الأعصاب ويضعفها، والخمر تنشط الدورة الدموية وتهيجها، وقال واحد من هؤلاء: إنه إذا أراد مقابلة الحكام شرب الخمر؛ لأنها تدفع عنه الخوف، وإذا أراد الاتصال الجنسي استعمل الحشيش؛ لأنه ألذ.

    وللحشيش استعمالات أخرى كالمعجون والمنزول، المادة الأساسية في كل ذلك هو الحشيش.

    وقال مجرب للحشيش: «شعرت كأن جدران الكون انبسطت حولي، وصدرت منه أصوات مطربة، أزالت ما في نفسي من هم وخوف، وفتح أمامي فردوس النعيم، وخضت في بحر من البهجة والسرور، وطفح الحب على نفسي، وبعد ساعات قليلة أخذت هذه المناظر تقل، وشعرت بجوع شديد، فدخلت مطعمًا أكلت فيه كل ما قدم لي من الطعام، وأحسبه ألذ ما ذقته، ثم عدت إلى مخدعي ونمت نومًا عميقًا، ولم يبق من تأثير الحشيش سوى اصفرار وجهي وتعب جسمي.»

    وقيل في الحشيش موّال هو:

    بلعت يوم بندقة في لونها خضرة
    رأيت بياض عيني صار عليه حمرة
    وصرت عابر وخارج بيتا ما أدره
    وأنا ما باشوفش جوه ولا بره
  • حط: بمعنى وضع، يقولون: حط رجله على السلم؛ أي وضعها، وحط في عينه قطرة؛ أي وضع، ولذلك يسمون القطرة والششم «حطوطًا» ويقولون: حط السعر؛ أي نزل، وفي اصطلاح بعض التجار: الحطيطة، وهي القدر الذي يتجاوز عنه التاجر لعميله مما اتفق عليه.

    ومن الأمثال في هذه الكلمة «حط ديله في أسنانه» إذا أسرع، «ويحط على الغلبان لما يستعجب القوي» والضمير في يحط يرجع إلى القدر، ويقولون: «حط فلوسك في كمك، تشتري أبوك وأمك»، و«حط إيديك على عينك، زي ما توجعك توجع غيرك»، وهي كقولهم: عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به، «وحط الفاس في الرأس»، بمعنى أنه وضع الشيء في مكانه ويقولون: «حط في الخرج» عند الاستهانة بالشيء، «وحط ركك على عافيتك، وقول يا عيني يا حيلي»، يقال لوجوب الاعتماد على النفس، ويقولون: «شال الحمام، حط الحمام»، إذا أدرك الإنسان خيرًا ثم ذهب عنه سريعًا، ويقولون: «حط في بطنك بطيخة صيفي»؛ أي لا تسأل ولا تهتم.

  • حطة يا بطة: تعبير يقوله الأطفال في بعض ألعابهم.
  • الحظ: يؤمن المصريون كثيرًا بالحظ، ويسمونه الحظ أو البخت، وأنه خير من الكفاية؛ ومن أمثالهم المشهورة: «قيراط حظ ولا فدان شطارة»، ويقولون: «إن الحظ قد يسوق الأرزاق لمن لا يدرك الخط في الأوراق ويحرم صاحب البلاغة ولا يجد من القوت بلاغة»، ويقول الشاعر:
    رزق التيوس يجيئها بسهولة
    وذوو الفصاحة رزقهم مسجون
    فإن كان حرماني لأجل فصاحتي
    أمن عليَّ من التيوس أكون

    ويقول البوصيري صاحب البردة موالًا:

    رب الفصاحة عديم الذوق يقف أبلم
    والأبلم التيس مصدر ومتعظم
    يا رب إن كان حرماني كما تعلم
    أمن عليَّ أكون تيس بن تيس أبلم

    وقال الزاجل:

    يا ابن آدم قل طمعك
    دي السعادة وعد سيدك
    لا تقل دا بالشطارة
    أو تحصلها بإيدك
    إن رزقك مثل ظلك
    إن مشيت مشى قبالك
    من له في الغيب شيء
    لا يموت حتى يناله
  • حظر فظر حقولك إيه: تعبير يعني احدس على ماذا أريد أن أقول.
  • الحفا: عدم لبس شيء في الرجل، والمصريون ربما كانوا أكثر الأمم حفاء، وخصوصًا الفلاحين نساء ورجالًا، وهم من حفاهم قد يبس جلدهم، لتعوض الطبيعة عن النعل، ومن قريب تأسست في القاهرة لجنة لمنع الحفاء؛ لأنها وجدته سُبَّةً، وتبرع ناس كثيرون بمبالغ طائلة لمنع الحفاء، ولكنه لم يدرس دراسة صالحة، فلم ينجح نجاجًا تامًّا وربما أمكن استعماله في المدن والقاهرة والإسكندرية، أما في الفلاحين حيث يعمل الرجال طول النهار في الغيط المسقي ماء وفي الزرع فلا بد من تفكير طويل لمكافحة هذا الحفاء.
  • حفلة التكنية: كانت تقام في بيت شيخ السادات حفلة تسمى حفلة التكنية، في ليلة ٢٧ رمضان، وهي ليلة القدر المعروفة، يجتمع فيها كثير من الناس، ويجلس فيها سيد السادات على منصة عالية وسط هذا الجمع، وبالقرب منه كاتب أمامه سجل، فإذا أراد أحد الحاضرين أن يكنى من شيخ السادات تقدم ومعه نقيبان من النقباء، وتقرأ الفاتحة، وتمر برهة في سكون وصمت يتوهم فيها أن شيخ السادات يستلهم السماء، ثم يلقبه بأبي الأنوار أو أبي الوفاء أو نحو ذلك، والمسجل يسجل اسم الشخص وكنيته وتاريخه، ومن المشاع أن من تكنى كنية لا تعطى الكنية لغيره، ثم بطلت هذه العادة.
  • الحفوف: اسم لعملية إزالة الشعر النابت على الوجه ونحوه، بواسطة نوع من اللبان الأسود، يسيحونه على النار ويأخذونه ساخنًا، تضعه المرأة على وجهها ثم تشده بقوة، فيخرج معه الشعر من جذوره، يفعلن ذلك في وجوههن وأعناقهن، وبعضهن يزججن بواسطته حواجبهن، وهناك طريقة أخرى، وهي أن يأخذن الرماد الحار يدعكن به الوجه دعكًا شديدًا، فيكون له مثل هذا التأثير، وقد يعقدن العسل الأسود أو السكر على النار، وبعد أن يعقد قليلًا يستعملنه استعمال اللبان، وهو نوع من التجمل اعتدنه بين حين وآخر، فإن المرأة لا تستلطف إذا ظهر في وجهها أو عنقها أو نحو ذلك شعر غزير.
  • الحقُّ له ناس بالعِنْية: تعبير يعني أن للحق أناسًا مخصوصين يعملون على وفقه ويدافعون عنه.
  • حكم قراقوش: يضربه العامة مثلًا للحكم الظالم، ولهم في ذلك حكايات كثيرة عن قراقوش هذا، وللسيوطي «الفاشوش في حكم قراقوش» قال فيه: إنه سئل عنه سنة ٨٩٩ وهو يدرس بجامع ابن طولون فألف فيه كتابًا يحتوي على عشرين ورقة.

    وكان قراقوش هذا وزيرًا للسلطان صلاح الدين، والمعروف عنه أنه كان عادلًا، ولكنه شديد في العدل؛ يخضع للعقل لا العاطفة، ويظهر من سيرته أن اتهامه بالظلم ظلم، وأنه كان مصلحًا عادلًا معمرًا، ولكن الناس ظلموه، فنسبوا إليه كل حكم ظالم مستبد، ومن عادات السيوطي أن يفتخر بالسرعة لا بالتدقيق.

  • الحكومة المصرية: كانت مصر ولاية عثمانية وكانت تحكم بباشوات من قبل السلطان، وأحسن باشا في نظرهم هو من ورد لخزينة الدولة أموالًا كثيرة فكان يجور على الأهالي لتحسين سمعته عند السلطان.

    وكان يعين إلى فترة قصيرة ثم ينقل، فكان ينتهز فرصة وجوده ليغتني، وليحسن سمعته ويصلح حال نفسه، ولذلك كان يبهظ المحكومين بالضرائب والجبايات، إلى أن خرجت مصر من الحكم العثماني وأصبح ارتباطها بها ضعيفًا، وألفت للإدارة فروع مختلفة للبحرية والزراعة والتعليم وغير ذلك، وأنشئ مجلس عام يشمل كل المجالس الخصوصية يسمى مجلس الحكومة، ومن اختصاصه النظر في جميع الأقسام، فكان إذا عرض عليه أمر هام تدعى إليه جميع الحكام.

    وقد قسم محمد علي باشا مصر إلى سبع ولايات، جعل على كل ولاية منها مديرًا، اثنتان في الوجه البحري، وأربع في الوجه القبلي، وواحدة للقاهرة، وكل مديرية تنقسم إلى مراكز، كل مركز عليه مأمور، وفيه من يمثل الحكومة في الزراعة، وآخر للتعليم، وثالث للصحة، وهكذا، وكل مركز ينقسم إلى قرى، وكل قرية عليها عمدة، والعمدة تحت رياسته مشايخ بلد، وشيخ البلد هو الرئيس المباشر للفلاحين، وكان على كل مأمور ومدير أن يبعثا بتقرير أسبوعي للداخلية يبينان فيه أعمالهما اليومية.

    ومما جدّ على مصر في عهد محمد علي اختيار كثير من المديرين والمأمورين من المصريين، ومن الأقباط أيضًا بعد أن كانوا لا يعينون إلا من الأتراك، وجعل لكل منهم إشارات خاصة لتميز كل واحد عن الآخر في عمله ووظيفته.

    وكان قبل عهد محمد علي أكثر الأراضي ملكًا للمماليك والحكومة، والباقي للملتزمين والبعض موقوف على المساجد والجهات الخيرية، ويعرف بالرزقة.

    وفي عهد محمد علي غير هذا النظام وجعلت الأراضي كلها ملكًا له إلا القليل المركون، وقد أبطل ملكية الملتزمين وعوضهم عنها بريع يدفع لهم كل سنة، وبذلك زادت أمواله.

    وكان هناك ضرائب على الأطيان وضرائب شخصية على الرءوس، وكانت تجبى هذه الضرائب على العموم بشدة وبظلم، ومن أجل ذلك ورثنا نظر الأهالي إلى الحكومة نظر المصيد للصائد، وورثنا أيضًا اعتقاد أن ما يمكن الاستيلاء عليه من مال الحكومة لا حرج فيه؛ لأن الحكومة قد استولت عليه ظلمًا، فمن استطاع أن يفر من الضرائب، أو يأخذ قطعة أرض من أموال الحكومة فليفعل، وهكذا، كما ورثنا أشياء أخرى كثيرة من هذا القبيل.

    وكان من أهم أعمال الحكومة القضاء أو المحاكم، وكان في القطر المصري عدة محاكم بدائية، بعضها للزواج والطلاق، وبعضها للجرائم كالقتل والضرب والجرح وبعضها للعقوبات، وتعتبر سلطة المحكمة مستمدة من سلطة الوالي، فهو الذي يختار كبار القضاة ويعينهم، وهؤلاء يباشرون تعيين من دونهم، وكان السلطان يرسل قاضيًا كل سنة على مصر، وهو رئيس السلطة القضائية على اختلاف أنواعها، ولم يكن للعدالة وزن كبير فقد عرف عند المصريين عن القضاة أنهم يقبلون الرشوة ويحكمون بغير العدل، وحدثت جملة حوادث تدل على هذا، منها أن رجلًا غنيًّا ترك بنتًا واحدة وترك لها نحو ستة آلاف جنيه، فأراد أحد التجار أن يشاركها في الإرث، فأوعز لأحد البوابين أن يدعي أنه عاصب لها ويرث معها الميراث الشرعي، واتصل بالقضاة ورشاهم فحكموا بذلك، وكان الشيخ المهدي متغيبًا عن المجلس، فلما حضر شكت إليه الوارثة، فقال لها: لا يمكنني نقض الحكم إلا إذا وجدت فيه منفذًا، ثم اطلع على القضية فوجد المنفذ وألغى الحكم، وقضى لها بالميراث كله بحضرة الوالي، وتذمر العلماء وكبير التجار. وهكذا كان من بين المرتشين من يسمع لضميره ويحقق العدالة … ومن الرشوة أن يكون أحد الخصمين وجيهًا والآخر غير وجيه، فيقضي للوجيه لوجاهته لا لحقه، ومن المصائب أيضًا كانت شهادة الزور، وتوسط النساء في الأحكام، وانتشار الرجاء، وغير ذلك.

    ولم تكن الأمور منظمة ومرتبة ومحددة الاختصاص كما هي اليوم، إنما كان نظامًا بدائيًّا وأحكامًا بدائية.

  • حلب النجوم: عزيمة يزعمون أنها تحبب الرجل في زوجته كالشبشبة، ومن الغريب أن هذا الاصطلاح — وهو حلب النجوم — اصطلاح قديم، استعمله أبو العلاء المعري في لزومياته.
  • حلق بلا أودان: إذا رأوا شيئًا وليس له ما يرتكز عليه قالوا حلق بلا أودان، وذلك مثل كتاب في يد أمي، أو أولاد ولا مال لتربيتهم، ومثل ذلك كثير، ويقولون في عكسه: أودان بلا حلقان، وذلك إذا كانت هناك وسائل وليس هناك الغاية: كمال بلا صحة، وامرأة جميلة بلا أولاد، ونحو ذلك.

    ويتحسر بعض الناس فيقولون: لما كانت أودان لم يكن لنا حلقان، فلما وجدت الحلقان لم يكن لنا أودان، كالرجل لما كان صحيحًا كان فقيرًا، فلما اغتنى جاء الغنى بعد أن فقد الصحة.

  • الحلم: يعتقد المصريون كثيرًا في صحة الأحلام، وهناك بعض الفقهاء والعلماء قد شهروا بتفسير الأحلام من عهد ابن سيرين، ولا يزال كتابه في تفسير الأحلام مصدرًا لهؤلاء العلماء والفقهاء، وبعض الأحلام مجرد هلوسة لا قيمة لها، وبعضها يصدق، وفي ذلك يقول الشاعر:
    وغزالة وعدت تزور محبها
    في النوم كي تشفى بها الأسقام
    فأجابها مستبشرًا بوصالها
    يا حبذا لو صحت الأحلام

    والعامة يعتقدون بأن النائم تطير روحه في النوم وهي في لون أخضر، فترى حوادث كثيرة، فإذا رجعت على البدن تذكرت ما رأته، وكثيرًا ما يفسرون الشيء على نقيضه، فإذا رأى النائم نفسه في ضيق دل ذلك على السعة، وإذا رأى سعة فهو ضيق وشقاء، ويعتقدون في ركوب الحمار فرجًا، وفي ركوب الفرس عزًّا؛ وإذا أخذ شيئًا من ميت دل ذلك على طول العمر، والزواج موت، ولبس الأبيض فرح، والأسود حزن.

    ويزعم بعض الناس أن أحلامهم لا تكذب، وأعرف تاجرًا كبيرًا خاصمه دائنوه ورفعوا عليه دعوى بالإفلاس، فذهب إلى فقيه وقرأ له سورة، فحلم أنه سيحكم للتاجر بالبراءة وقد كان ذلك، وحكمت المحكمة برفض دعوة الإفلاس.

    ولي بنت تقيم في لندن، وهي شغوفة جدًّا بكسب الرهان، فحلمت يومًا بأن الذي سيكسب فرس فرنسي اسمه كذا، ولم تعلم من قبل ولا ورد ذلك الاسم على سمعها، اشتهر عند الناس أن هذا الفرس لا يقدر على النجاح؛ إذ هو فرس مغمور، ومن العجيب أنها وضعت بعض المال على هذا الفرس بعد التحذير، ثم أعلنت النتيجة في الراديو في المساء فإذا هي الفرس الرابحة، وكثير من هذا يرويه كل إنسان في تجاربه الشخصية وبعض الأوروبيين يفسره باشتغال العقل الباطن فيما يعرض للإنسان في الحياة، فيجد في المنام رموزًا تدل على هذه الأحداث، إن بعض الأحلام لا تصح ولا يذكرها الحالم، وبعضها يتحقق، وهو الذي يذكره.

  • الحماة: أم الزوج، وشهرتها في عدائها لزوجة ابنها مشهورة في الشرق والغرب، ومن الأمثلة المشهورة «الحمة حمى»، ويقصون عليها الأقاصيص الكثيرة، وقد قال بعض العوام فيها بعض الأزجال، من ذلك قول بعضهم:
    إن كنت داير وابن غرام
    قف واستمع واملا الأفهام
    قصة ظريفة بالأحكام
    اصح تكون عينك غفلانه
    قلتها في غيرة الحموات
    لما رئيت منهم نكبات …
    لما تشوف ابنها نشوان
    يقوم يعمل حالته زعلان
    تقول له أمه زعلان على إيه
    إن كان جواز قل لي عليه
    وأنا أخطب لك بنت البيه
    ست جميلة وأهل أمان
    من لطشتها تقوم وتطبل
    وتجمع العيلة وتهلل
    يدخل جوزها يقف يتأمل
    يلقى الدار بالفرح ملآنه
    يقول لها جوزها جرى إيه
    هو جنون جالك واللا إيه
    الجرسة دي أمّال على إيه
    دي فضيحتنا بقت رنانه
    وبعدها ينصبوا الأفراح
    ثلاثين ليلة طوال ملاح
    والهم عنهم راح وانزاح
    وأم العريس تجري فرحانه

    … إلخ وقد اتخذت الحماة موضوعًا للتنكيت على الألسنة.

  • الحمار: الحمار من أحسن وسائل النقل قبل اختراع الأتومبيلات، وكان يركبه الناس كثيرًا في التنقلات، وخصوصًا النساء، فكان يصنع لهن بردعة خاصة مريحة ويستحضر لهن كراسي للصعود منها على الحمار، وكان في القاهرة لوحات زرقاء في أنحاء مختلفة كتب على كل واحدة منها (موقف ستة حمير)، واشتهر الحمارون بالنكت والظرف لاستعمالهم الحشيش، كما يستعمل الحمار عادة في حمل السماد في الغيط ونقل المحصول، وقل من لم يكن عنده حمار أو حمير.

    ويستعمل الحمار المصريون في السب والشتائم دليلًا على البلادة، وهو سب للحمار ظالم؛ لأنه صبور على الشدائد، وفي هذا المعنى الجيد لقب آخر خلفاء بني أمية بمروان الحمار؛ لأنه كان جلدًا صبورًا على احتمال الشدائد.

    حمارتك العرجة تغنيك عن سؤال اللئيم.

  • حَمَام: الحمام طائر معروف، وقد كان كثيرًا في الديار المصرية ولكنه قل اليوم، فقد كان أغلب القرى لا تخلو من أبراج تصنع مخصوصًا للحمام، فكنت ترى في القرية عشرين برجًا أو ثلاثين، وتكون الأبراج مرتفعة من سبعة أمتار إلى عشرة، تبنى أولًا مربعة بالطوب الأحمر، كل ضلع منها نحو أربعة أمتار، فإذا علوا قليلًا أبدلوا الطوب بقواديس الساقية، ويجعلونها من الفخار صفوفًا صفوفًا، ويجعلون فمها من الداخل، ويصنعون حول الصفوف من الخارج عيونًا بارزة، لكي يقف عليها الحمام، ويضعون أيضًا ألواحًا من الخشب عريضة يستريح عليها، ويأتي الحمام من البرية ويقف على تلك الأبراج أو العيدان، والقواديس تصلح لتعشيشه، فيتخذ له منها عشًّا ليبيض فيه، ومتى اعتادها لا يفارقها، ولا تمضي أشهر إلا وقد كثر في البرج البيض، ومن عادة الحمام أن يبيض ويفرخ ويكون صالحًا للذبح في شهر تقريبًا.

    وقد يكون في البرج نحو ألف زوج، وربما ولد هذا العدد خمسمائة بيضة؛ فيكون مصدر ربح كبير للتجارة فيه، وبعضهم يعتقد أن الجان تسكن بيوت الحمام.

    وهم يصفونه للضعاف الناقهين من المرض، وفي الإنجيل: «كونوا حكماء كالحيات وبسطاء كالحمام»، والحمام معروف بالحب والغزل، فإذا غاب أحد الرفيقين عن الآخر حزن عليه حزنًا شديدًا، وقد قالت العرب والمصريون في ذلك أشعارًا كثيرًا وزجلًا كثيرًا، وفي التاريخ كان لنوع من الحمام شأن كبير، وهو حمام الزاجل، لإرسال المراسلات، قبل الوابورات والطائرات، وحمامة نوح التي أرسلها لتستكشف الأرض مشهورة معروفة، فقد أرسل الغراب أولًا فلم يرجع، فعرف أنه لا يصلح لهذا الغرض، فأرسل الحمام فرجعت وفي فمها ورقة زيتون.

    وقد أخبر بعض الناس أنهم راقبوا الحمام فوجدوا أن الزوجين لا يخون أحدهما الآخر إلا نادرًا، وحكى بعضهم أنه رأى أنثى حمامة خانت زوجها، فرآها الزوج بغتة فما زال ينقرهما حتى أماتهما، ثم خرج هائمًا وغاب يومين ورجع بأنثى جديدة.

    ومن أمثال العامة «فلان زي الحمام، يغوي كل يوم برج»، ويضربونه للرجل المتقلب، فإن الحمام قد يكون في برج، ثم يألف برجًا آخر فيطير إليه، وعدو الحمام الثعبان، وهذا هو الذي دعا المصريين إلى وضع القواديس ونحوهما، وقد تألف الثعابين برجًا من الأبراج، فيهرب الحمام حتى لا يعود في البرج شيء، والثعبان يألف أبراج الحمام، فيشرب بيضها، ويقتل أفراخها، ومن أجل ذلك يتعهد أصحاب الأبراج البرج بالنظافة، وكلما كبرت الأفراخ زادوا في نظافته وبخروه بفاسوخ، لاعتقادهم أن رائحته تبعد الثعابين.

  • الحمَّام: قال أبو العلاء المعري:
    يعيب أناس أن قومًا تجردوا
    لحمامهم نصب العيون الشواذر
    لقد سعدوا إن كان لم يجر عندهم
    من الوزر إلا تركهم للمآزر …

    وقال:

    أعوذ بالله من ورهاء قائلة
    للزوج، إني إلى الحمام أحتاج
    وهما في أمور لو يتابعها
    كسرى عليها يشين الملك والتاج

    وهو يدل على أنه كان يرتكب في الحمامات في زمانه بعض الجرائم من نوع خاص، ويكاد يكون في كل حي مصري حمام أو حمامات، وخصوا له بعض أيام للرجال وبعض أيام للنساء، وكثيرًا ما يذهب الرجال إلى الحمام صباح الجمعة بعد الجنابة للاغتسال، واعتاد الرجال أن يناموا بعد الحمام في ردهته قبل أن يلبسوا ملابسهم ويخرجوا.

    وفي الحمام عادة رجل عريان مؤتزر إزارًا يسمى «المكيِّس»؛ لأن بيده كيسًا من الجلد لا يزال يحكه على جسم المستحم، فتتكون معه إفرازات يطردها، وذلك قبل أن ينزل المستحم في المغطس، واعتادت الآنسات قبل الزواج أن تذهبن إلى الحمامات مع من تسمى «البلانة» فتحميهن بعناية خاصة، وذلك قبل الليلة التي تسمى ليلة الدخلة، وفي الحمام أحجار خفيفة هنا وهناك يحك بها المستحم رجليه للتنظيف، وكذلك هناك قوم وظيفتهم نتف الإبط والشعر، ومن الأمثلة الدائرة على لسان المصريين «حمام بلا مية» يشبهون به الجماعة من الناس يتصايحون على غرض لم يتحقق وهم يعتادون أن يقول بعضهم لبعض «حمام العافية» يريدون أنهم يسألون الله أن يجعله حمامًا يذهب بالمرض ويسبل الصحة.

    وقد غزت فيما غزت المدنية الحديثة الحمام، فصنع كل في بيته حمامًا له ولعائلته، واكتفوا بالبانيو عن مغطس السوق، وصار لكل أسرة حمامها الخاص.

    وكم كنت أذهب مع أبي في حمام حينا، وكان حمامًا كبيرًا، بجانبه مكان يسمى المستوقد، من وظيفته أن يسخن ماء الحمام، ومن وظيفته أيضًا أنه يدمس قدور الفول المدمس للحي كله، ثم يخلط الحريق ببعض التراب، وتسمى المادة بعد ذلك «القصرمل»، ولا أدري من أين أتت هذه الكلمة، ويستعمل في البناء مخلوطًا مع الجير والرمل، ولا أدري لماذا كنت أكره الذهاب مع أبي إلى الحمام.

    على كل حال كان الحمام مرفقًا كبيرًا من مرافق الحي، يتقابل فيه الناس، ويتحدث فيه الصحاب، وأحيانًا يقضون فيه بعض معاملاتهم، وكان لكل حي حمام، ومسجد أو أكثر، وسوق وكتاب … فسبحان مغير الأحوال.

  • حمامة بيضة بفرد جناح: بفرد جناح واحد؛ أي بجناح، ويقولون للأعور بفردة كريمة.
  • حمرق: تعبير يعني أنه غالط وهي بمعنى (زوزغ).
  • الحمصة والكي بالنار: شاهدت في زماننا الحمصة والكي بالنار لبعض الأمراض، فالحمصة كانت عبارة عن أن المزين يفتح فتحة في الذراع بمقدار ما يضع الحمصة، ثم يضع الحمصة ويضع عليها ورقة من الورق المقوى، ويربطها بمنديل أو شاش، ويتركها هكذا، وهي تمتص من الجسم بعض الفضلات، وكلما عطبت الحمصة غيرها بغيرها وهكذا، ويعتقدون أنها تشفي من الصداع ومن أمراض كثيرة، وقد رأيت أبي يستعملها في بعض الأحايين.

    وأما الكي بالنار فيمهر فيه بعض الناس، وخصوصًا بعض البدو، ويستعملونه في بعض الأمراض كعرق النساء والروماتزم، وهو علاج صعب استغني عنه ببعض الأدوية الحديثة، ولصعوبته قال العرب: «آخر الدواء الكي» ولا يلجأ إليه اليوم إلا عند قليل من المعتقدين فيه، وبلغني عن بعضهم أن الكي نفع العلاج به في أمراض لم ينجح فيها الطب الحديث.

  • حمل الأثقال: اشتهر المصريون بحمل الأثقال على ظهورهم وعلى أكتافهم، سواء كانت أثقالًا مادية أو معنوية، فقد يحملون فوق وزنهم، وترى مثال ذلك إذا وقفت في محطة السكة الحديد في القاهرة والإسكندرية، ورأيت مقدار ما يحملون، كما يدلك على ذلك أيضًا ما إذا وقفت على عمارة كبيرة تبنى ورأيتهم وخاصة الصعايدة منهم يحملون على أكتافهم الحجارة الثقيلة ومواد البناء، بل منهم من اشتهر بأنه يستطيع أن ينقل خزانة حديدية ثقيلة على ظهره، وتدرك مقدار تحمل المصريين الأثقال إذا رأيت بلاد الإنجليز مثلًا، فقد رأيتهم يستخدمون غالبًا العربات الصغيرة في نقل العفش والأمتعة، كما يستخدمون الآلات المتنوعة في البناء ونقل الأحجار والمؤن، وممن اشتهر بهذا أيضًا العربجية عند نقل عفش البيوت من بيت إلى مكان آخر، فلهم قدرة عجيبة على حمل الأثقال.
  • الحملي: لقب يطلقونه على رجل يحمل على ظهره إبريقًا كبيرًا من الفخار له بزبوز، يسقي به من شاء، وقد يمر إلى الدكاكين فيملأ لهم قللهم وقد دعا ذلك قديمًا صعوبة الحصول على ماء الشرب في الطريق مع حرارة الجو.

    ومن هذا القبيل ما كنت ترى في كثير من الشوارع رجلًا يحمل قربة لها بزبوز ويزعم معه الناس أن هذه القربة حلت فيها البركة فهي لا ينتهي ماؤها، فكلما فرغت امتلأت، وهو يلقي ماء حوله من القربة ليوهم الناس أن ما أفرغ منها كثير، ويزعمون أنه يسقي الناس من الصباح إلى المساء وهي لا تنتهي.

  • الحمَّى: الحمى معروفة وهي أنواع وقد دلت تجارب العلماء على أنها ميكروبات مختلفة، لكل نوع من الحمى نوع منها يمكن الاستدلال عليه بالفحص، بعضها شديد وبعضها خفيف، وبعضها مميت، وبعضها لا يميت، ولكن العامة يعتقدون أنها نوع من الجن تلبس الإنسان فيمرض بها، وقد وصف المتنبي حمى الملاريا وصفًا دقيقًا لطيفًا، وقد مرضت مرة بالحمى فمنعوا عني كل أنواع اللحم حتى مرقته، وغيروا كل أنواع الطبيخ حتى لا تصلني رائحته، حتى ضعفت وتعبت جدًّا، وفي اليوم الرابع والخمسين صممت على الأكل، فقدموا لي فرختين سمينتين وطبخوا لي ملوخية وتخوفوا من أكلي، ولكن من الغريب أني شفيت بعد هذه الأكلة تمامًا، ويداوي العامة الحمى أحيانًا بذبابة من ذباب الخيل، وأحيانًا يلصقونها بقطعة عجين ويلزمون المريض بأن يبلعها، وأحيانًا يستعملون الخل مع النشا دهانًا، وأحيانًا يلجأون إلى الأحجبة ويكتبون ورقة فيها لا إله إلا الله، نارت واستنارت، لا إله إلا الله حول الوسن دارت، لا إله إلا الله وفي علم الله سارت، لا إله إلا الله أذنت الحمى وغارت … وغارت … وغارت، وأحيانًا يعلقون عظمة ميت كافر في رقبة المريض، وأحيانًا يكتبون حجابًا فيه (ا ح أ ك ك ح ع ح م م خ)؛ لأن هذا يميت العفريت فتذهب الحمى، وكم لهم في ذلك ضحايا.

    ومن أمثلة العرب المشهورة «الحمى أضرعتني إليك»، يعنون بذلك أن الذلة التي يسببها مرض الحمى جعلتني أتضرع إليك وأتذلل.

  • حنبلي: يقال للرجل المتشدد المتزمت: «حنبلي»، نسبة إلى أحمد بن حنبل، وهي نسبة خطأ؛ لأنهم كانوا يعتقدون فيه أنه متشدد عن غيره من الأئمة، كما يطلقونها على الموسوس في الوضوء والصلاة ونحو ذلك، كالرجل الذي يقول عند الدخول في الصلاة نا نا نا نا، نويو نويه، نويت الصلاة نويت الصلاة، وهكذا، ويتوضأ ثم يتوضأ ثم يتوضأ.

    كالذي يقول الشاعر:

    وموسوس عند الطهارة لم يزل
    أبدا على الماء الكثير مواظبا
    يستصغر النهر الكبير لذقنه
    ويظن دجلة ليس تكفي شاربا
  • حنا: لها شأن كبير عند العرب قبل الزفاف، وفي ذلك ليلة تسمى الحنا سنذكرها فيما يأتي، وبعض النساء يضعن عليها مواد تجعلها خضراء أو سوداء، ثم ينقشن بها نقوشًا مختلفة، وأحيانًا قليلة يستعملها الرجال، وبعض الرجال يخضبون بها لحاهم إذا شاب الشعر، ويمزجونها بالخل لتثبت، ويضعونها على رأس المحموم لتخفف حرارته، وخضاب الحنا منتشر في الشرق من قديم، وفي ذلك يقول الشاعر:
    خود كأن بنانها
    في خضرة النقش المزرد
    سمك من البلور في شبـ
    ـك تكون من زبرجد

    وروى لي بعض تلاميذ المرحوم الشيخ حسين المرصفي الأستاذ في دار العلوم أنه كان واسع الاطلاع، دخل مرة في أول السنة فصلًا، فسأل الطالب الذي أمامه عن اسمه، فقال له: الحناوي، فابتدأ الكلام في الحنا وما ورد فيها، واستعمالها، حتى انتهت الحصة، ثم سكت وقال: ذكروني في الحصة الآتية، وما زال في الحنا أسبوعًا كاملًا؛ مما يدل على سعة الاطلاع وكثرة الاستطراد في الأدب العربي.

    ومن الأغاني المشهورة عند المصريين:

    الحنا يا الحنا يا قطر الندى …

    وربما كانت الأغنية قديمة ترجع إلى قطر الندى بنت خمارويه بن أحمد بن طولون لما زفت إلى الخليفة في بغداد، وقد كانت الأغنية موجودة حتمًا في عهد محمد علي، إذ سجل بعض المستشرقين نوتة لغنائها.

    وزهر الحنا لطيف الرائحة يباع في الأسواق وشجرتها تزرع في البساتين، ويعتقد النساء أنه إذا أخذت جماجمها، وهي الرءوس التي لم تفتح، وغليت في الماء ثم شربت أسقطت الحمل، والله أعلم.

  • الحوَّاشين: هي في لسان العامة من الأولياء يحوشون البلاوي عن الناس؛ أي يمنعونها، يدل على ذلك القصة التي أرويها، وهي أن رجلًا من العراق جاء إلى مصر، وكان من الأولياء، وقابل وليًّا من الأولياء، وسأله عن القطب المتولي خفارة مصر، فدله على جزار، فذهب إليه وطلب منه رطل لحم فأعطاه فقال: هذا لا يعجبني، فقطع له الجزار رطلًا آخر، فقال مثل الأول، وما زال كذلك حتى قطع له الخروف كله، وذلك لأنه علم أن اللحم ضار، فكان هذا الولي من الحواشين، ويقولون في بعض استغاثتهم: «حوشوا يا حواشين.»
  • حواليه كلام كتير: تعبير يعني كثر حوله الكلام السيئ.
  • حوش: هي كلمة تطلق على وسط الدار، وتطلق أيضًا على بناء يبنى حول المقابر، وتبنى فيه غرف ولوازمها حتى تمكن الإقامة فيها في المواسم والأعياد، ويطلق ثالثًا على البيت الكبير يشتمل على مساكن أرضية كثيرة يسكنها الفقراء وأخلاطهم، ولذلك يقولون عن أدنياء الناس «حوشي» أو «حوشية»، واشتهر من هذه الأحواش حوش «بردق» في المنشية؛ لأن سكانه كثيرو النزاع وكثيرو الخصام، لا تمر عليه إلا وتسمع غوغاء، ولذلك إذا رأى الناس زيطة قالوا: «زي حوش بردق» ويقولون: حاش بمعنى «منع» فحاشه من الضرب «أي منعه، وحوش» بمعنى جمع. (انظر الحواشين).
  • حوشوا الهوى عن فؤادي لا الهوى يجرح: هو تعبير عامي مشهور، وأحيانًا يستعملون في مواضعها كلمة لاحسن فيقولون: حوش الهوى لاحسن الهوى يجرح. ومثله قولهم في أغنية:
    يا عمي يابو الحسن
    حوش الحسن عنا
    لاحسن جمال الحسن
    قرب يجننا
  • حيلة أمه: أي واحد أمه، ولذلك تكون كثيرة الحنان عليه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤