الفصل الخامس والعشرون

المجنون يتحدَّث

أضاءَ تافرنيك النور. وتمكَّن بريتشارد، بقفزةٍ سريعة إلى الأمام، من إحكام القبض على وينهام حول خصره وسحبه بعيدًا. كانت إليزابيث قد أُغمي عليها؛ واستلقت على الأرض ووجهُها بلون الرخام.

وجَّه بريتشارد أوامره قائلًا: «أَحضِر بعضَ الماء وأَلْقِه عليها.»

أطاعَ تافرنيك. وفتحَ النافذةَ وسمحَ بدخولِ تيار من الهواء. وفي غضونِ لحظة أو اثنتَين تحركَت المرأة ورفعَت رأسها.

قال بريتشارد: «اعتنِ بها دقيقةً. سوف أحبس هذا الشرس في الحمام.»

حمل بريتشارد سجينه للخارج. وانحنى تافرنيك على المرأة التي بدأت تستعيدُ وعيها ببطءٍ.

سألت بصوتٍ أجشَّ: «أخبرني عما حدث. أين هو؟»

أجابَ تافرنيك: «محبوسٌ في الحمام. بريتشارد يتولَّى أمره. ولن يتمكَّنَ من الخروج.»

تلعثَمت وهي تقول: «هل تعرف مَنْ يكون؟»

أجابَ تافرنيك: «لا أعرفُ. هذا ليس من شأني. أنا هنا فقط لأن بريتشارد توسَّل إليَّ أن آتي. كان يعتقد أنه ربما يحتاج إلى مساعدة.»

تعلَّقَت بأصابعه.

وسألت: «أين كنت؟»

«في الحمام عند وصولكما. ثم أغلقَ الباب خلفه واضطُرِرنا إلى الدوران من خلال غرفة نومكِ.»

«كيف اكتشف بريتشارد ذلك؟»

أجابَ تافرنيك: «لا أعرف شيئًا البتة. كلُّ ما أعرفه أنه أطلَّ من خلال النقش الشبكي ورآكما جالسَين على العشاء.»

ابتسمَت بضَعف.

وقالت: «لا بد أنها كانت صدمةً له. لقد كان مقتنعًا خلال الأشهر الستة الماضية أنني قتَلتُ وينهام، أو تخلَّصتُ منه بطريقةٍ أو بأخرى. ساعِدني على النهوض.»

ترنَّحَت وهي تحاول النهوض على قدمَيها. وساعدها تافرنيك حتى جلسَت على كرسيٍّ مريح. ثم دلفَ بريتشارد.

وقال: «إنه آمنٌ تمامًا، جالس على حافة الحمام يلعب بدمية.»

فارتجفت.

وقالت: «ماذا يفعل بها؟»

أجابَ بريتشارد بسخرية: «أراني بالضبط، بدبُّوس، أين كان يريد أن يطعنك.» ثم تابعَ: «والآن، يا سيدتي العزيزة، يبدو لي أنني قد ظلمتُكِ في شيءٍ واحد، على أي حال. اعتقدتُ بالتأكيد أنكِ ساعدتِ في إراحة العالم من ذلك الشاب. من أين أتى؟ ربما يمكنكِ إخباري بذلك.»

هزَّت كتفَيها.

وقالت: «أعتقدُ أنني أستطيع أن أفعل ذلك. اسمَع، لقد رأيتُ كيف كان حاله الليلة، لكنك لا تعرف ما معنى العيش معه. كان جحيمًا!» واستأنفَت وهي تنتحب: «كان جحيمًا حقًّا! كان يشرب، ويتعاطى المخدرات، كان كلُّ ما يستطيع خادمُه أن يفعله هو إجباره على ارتداء ملابسه. كان مستحيلًا. كان يمتصُّ مني رحيقَ الحياة.»

قال بريتشارد موجِّهًا إياها: «استمري.»

وتابعَت قائلة: «ليس هناك الكثير لأقوله. وجدتُ منزلًا في مزرعة قديمة … المكان الأكثر عزلةً في كورنوول. وانتقلنا إلى هناك، وتركتُه هناك … مع ماذرز. ووعدتُ ماذرز بأنه سوف يحصل على عشرين جنيهًا في الأسبوع عن كل أسبوع يُبقي سيدَه بعيدًا عني. فاحتجزه بعيدًا مدةَ سبعة أشهر.»

سألَ بريتشارد: «وماذا عن قصتكِ … عن اختفائه أثناء السباحة؟»

قالت بتحدٍّ: «أردتُ أن يعتقد الناس أنه مات. كنتُ أخشى أنه إذا وجدتَه أنت أو أقاربه، فسأُضطرُّ إلى أن أعيش معه أو أتخلى عن المال.»

أومأ بريتشارد برأسه.

«والليلة كنت تعتقدين …»

تابعت: «كنت أعتقدُ أنه شقيقه جيري. كان الشبهُ بينهما مدهشًا دائمًا، كما تعرف. وقيل لي إن جيري كان في المدينة. فشعرتُ بالتوتر، بطريقةٍ ما، وأرسلتُ برقيةً لماذرز. وتلقيتُ ردَّه الليلة الماضية فقط. لقد ذكرَ أن وينهام كان آمنًا ومرتاحًا تمامًا، ولم يكن حتى قلقًا.»

قال بريتشارد: «تلك البرقية أرسلها وينهام نفسُه. أعتقدُ أن من الأفضل أن تسمعي ما لديه.»

فتراجعَت منكمشة.

«لا. لا أستطيع تحمُّلَ رؤيته مرة أخرى!»

وأصرَّ بريتشارد: «أعتقدُ أن من الأفضل أن تفعلي. يمكنني أن أؤكِّد لكِ أنه لن يؤذيَكِ على الإطلاق. سأضمن لكِ ذلك.»

غادر الغرفة. وسرعان ما عاد متأبطًا ذراعَ وينهام جاردنر. وكان الأخير يبدو كأنه طفلٌ مدلَّل ألحقَ به العار. جلسَ متجهمًا على كرسيٍّ وهو يُحدِّق في كل الموجودين. ثم أخرجَ دُمية صغيرةً مجعَّدة، ملفوفًا حول رقبتها خيطٌ أسود من القطن، وبدأ يؤرجِحُها أمامه، وهو يضحك على إليزابيث طوال الوقت.

سأل بريتشارد: «أخبرنا، ماذا حدث لماذرز؟»

توقَّفَ عن أرجحة الدمية، وارتجفَ للحظة، ثم ضحك.

وقال: «أنا لا أمانع. أعتقد أنني لا أمانع في إخباركم. أترى، أيًّا كان وضعي عندما فعلتُ ذلك، فأنا مجنونٌ الآن … مجنون تمامًا. صديقي بريتشارد هنا يقول إنني مجنون. لا بد أنني مجنونٌ وإلا لم أكن لأحاولَ إيذاء تلك السيدة الجميلة العزيزة هناك.»

كان يُحدِّق في إليزابيث، التي انكمشَت في مقعدها.

وواصلَ قائلًا: «لقد هرَبَتْ مني منذ مدة، سئمَتْ مني حَدَّ الموت. ظنَّت أنها حصلَت على كل أموالي. لكنها لم تفعل. هناك المزيدُ والمزيد من الأموال. هربَت وتركتني مع ماذرز. كانت تدفع له أجرًا أسبوعيًّا كبيرًا لتضمنَ صمتي، حتى لا يسمح لي بالذَّهاب إلى أي مكان خشيةَ أن أتحدَّث، ولإبقائي بعيدًا عنها حتى تتمكَّن من العيش هنا ورؤية جميع أصدقائها وإنفاق أموالي. في البداية لم يكن لديَّ مانع، ثم بدأتُ أمانع، وغضبتُ من ماذرز، ولم يكن ماذرز ليسمح لي بالمغادرة، لذلك منذ ثلاث ليالٍ قتلته.»

سرَتْ بين الجميع رجفةٌ من الرعب. وبدأ وينهام جاردنر يُقلِّب بصره من واحد إلى الآخر. وبدا أن خوفهم المتدرج قد وصلَ إليه.

فصاحَ قائلًا: «ماذا تقصدون بأن تَبْدوا بهذا الشكل؟ ما المشكلة؟ كان مجردَ خادم لي. أنا وينهام جاردنر، المليونير. لن يضعَني أحدٌ في السجن بسبب ذلك. إلى جانب ذلك، لم يكن يجدرُ به أن يحاول إبعادي عن زوجتي. على أي حال، هذا لا يهم. أنا مجنونٌ للغاية. والمجانين يستطيعون أن يفعلوا ما يحلو لهم. يجب أن يُحجَزوا في مستشفًى للأمراض العقلية مدة ستة أشهر، وبعد ذلك يتماثلون للشفاء تمامًا ويبدَءون من جديد. لا أمانع في أن أكون مجنونًا مدة ستة أشهر.» ثم قال متذمرًا: «إليزابيث، تعالَي وكوني مجنونةً أنتِ أيضًا. لم تكوني لطيفةً معي. هناك الكثير من المال … الكثير. ارجعي بعضَ الوقت وسأريكِ.»

سأل بريتشارد: «كيف قتلتَ ماذرز؟»

أوضحَ وينهام جاردنر: «لقد طعَنتُه عندما كان ينحني إلى أسفل. كما ترى، عندما تركتُ الكلية اعتقدَ والدي أنَّ من مصلحتي أن أفعل شيئًا. وأجرؤ على قولِ إنه كان على حق، لكنني لم أرد أن أفعل شيئًا. درَستُ الجراحة مدة ستة أشهر. والشيء الوحيد الذي أتذكَّره هو كيفية قتلِ رجلٍ من خلف الكتف اليُسرى. تذكَّرتُ هذا. وكان ماذرز رجلًا بَدينًا، وانحنى حتى كاد معطفه أن ينفجر. فما كان مني إلا أن مِلْت نحوه واخترتُ البقعة المحددة، فانهار تمامًا.» ثم استأنفَ قائلًا: «أتوقَّع أنك ستجدُه لا يزال في مكانه. لا أحدَ يقترب من المكان أيامًا وأيامًا. اعتاد ماذرز على تركي محبوسًا والقيام بكلِّ التسوق بنفسه. أتوقع أنه يرقدُ هناك الآن. يجب أن يذهب شخصٌ ما ليتفقد الوضع.»

كانت إليزابيث تنشِجُ بهدوء. وشعر تافرنيك بجبينه يتفصَّد عرقًا. كان هناك شيءٌ مروع في الطريقة التي يتحدَّث بها هذا الشاب.

وتابعَ وينهام: «لا أفهم لماذا تَبْدون جميعًا بهذه الجدِّية. لن يؤذيَني أحدٌ بسبب هذا. أنا مجنونٌ الآن. كما ترون، أنا ألعبُ بهذه الدُّمية. الرجال العقلاء لا يلعبون بالدُّمى. رغم ذلك، آمُل أن يُحاكموني في نيويورك. فأنا مشهورٌ في نيويورك. وأعرفُ كلَّ المحامين والمحلفين. أوه، إنهم يفعلون كل أنواع الحيل في نيويورك!» ثم التفتَ فجأةً إلى بريتشارد وسأله: «قل لي، هل تعتقد أنهم سيُحاكمونني هنا؟ لن أشعر بالراحة هنا.»

توسَّلَت إليزابيث قائلةً: «خُذوه بعيدًا. خذوه بعيدًا.» فأومأ بريتشارد برأسه.

وقال: «اعتقدتُ أنه من الأفضل أن تسمعي. سوف آخذُه بعيدًا الآن. سأرسل برقية إلى مركز الشرطة في سانت كاثرين. من الأفضل أن يذهبوا ويرَوا ما حدث.»

أخذَ بريتشارد أسيره مرةً أخرى من ذراعه. فقاوم الشاب بعنف.

وصرخ: «أنا لا أحبك يا بريتشارد. لا أريد أن أذهب معك. أريد أن أبقى مع إليزابيث. أنا لا أخاف منها حقًّا. أعلم أنها تريد قتلي، وأنها ذكية جدًّا … أوه، إنها ذكية جدًّا! أودُّ البقاء معها.»

قاده بريتشارد بعيدًا.

وقال: «سنرى ذلك لاحقًا. من الأفضل أن تأتيَ معي الآن.»

أُغلق الباب خلفهم. وترنَّح تافرنيك في مشيته.

وقال: «عليَّ أن أذهب. عليَّ أن أذهب أنا أيضًا.»

كانت إليزابيث تنشج بهدوء. وبدَت أنها لا تكاد تسمعُه. ثم استدار تافرنيك مرةً أخرى وهو على عتبة الباب.

وسألها: «ذلك المال، المال الذي كنتِ ستُقرضينني إياه … هل هو ماله؟»

نظرَت إلى أعلى وأومأت برأسها. ثم خرجَ تافرنيك ببطءٍ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤