لقاءٌ مزعج
كانت عقاربُ الساعة تشير إلى الحادية عشرة والربع وكانت المسارح تُسرِّح حشودها الليلية المعتادة. وكانت أكثرُ الطرق ازدحامًا بالبشر في أي مدينة من مدن العالم العظيمة في أفضل حالاتها وأكثرها إشراقًا. وراحَ حاجبو المسارح في أزيائهم الرسمية في كل مكان يُطلقون صَفَّاراتهم، بينما امتلأت الشوارع بالمركبات التي تتحرك ببطء، وكانت الأرصفة تنبض بالحياة. انجرفَ الحشدُ الصغير الذي تجمَّع أمام الصيدلية بعيدًا. ففي نهاية الأمر لم يكن أحدٌ منهم يعرف بالضبط ماذا كانوا ينتظرون. كانت ثَمة شائعةٌ بأن امرأةً قد أغمي عليها أو وقع لها حادث. وبالتأكيد نُقِلَت إلى الصيدلية وإلى داخل الغرفة الداخلية التي كان بابها لا يزال موصَدًا. وتجمَّع عددٌ قليل من المارَّة معًا وحدَّقوا النظر بإمعانٍ وانتظروا بضعَ دقائق، لكنهم في النهاية فقَدوا الاهتمام وذابوا وسط الحشود. إنه مشهدٌ لأحد الطرق المزدحمة بالبشر، كان هذا الطريق حقًّا إحدى نبضات المدينة العظيمة التي يدقُّ قلبها ليلًا ونهارًا لمآسي الحياة. كان مساعد الصيدلي، يخدم اثنين من الزبائن العارضين بلا اكتراثٍ من وراء مِنضدة البيع. وعلى بُعد بِضع ياردات فقط، خلف الباب المغلق، كان الصيدليُّ نفسُه وطبيبٌ استُدعيَ على عجلٍ يصارعان من أجل إنقاذ حياة الفتاة التي ترقد على الأرض، مصدِرةً تأوُّهات خافتةً بين الحين والآخر من شفتَيها الزرقاوين.
شعَر تافرنيك بعبءٍ ضخم يُثقل كاهله وهو يقف بلا حولٍ ولا قوة أثناء هذا الصراع الرهيب؛ ولذا فقد تسلَّل بهدوء من الغرفة بمجرد أن همس الطبيب بأن الأزمة الحادة قد انتهت، ومرَّ عبر الصيدلية خارجًا إلى الشارع، ووقف شاردًا مذهولًا بين الحشود النابضة بالحياة. حتى في تلك اللحظات القاتمة، كانت فرديتُه تتحدث إليه. كان متحيرًا من تصرفه هو نفسه وطرح على نفسه سؤالًا — ليس بندم في واقع الأمر، ولكن بنوع من الفضول واستكشاف الذات الحقيقي — كما لو كان، من خلال تركيز عقله على تصرفاته الأخيرة، سيكون قادرًا على فَهم الدوافع التي أثَّرَت فيه. لماذا اختار أن يُثقل كاهل نفسِه برعاية هذه الشابة اليائسة؟ لنفترض أنها عاشت، ماذا سيحدث لها؟ لقد تحمَّل مسئوليةً محددة فيما يتعلق بمستقبلها؛ لأنه مهما كان ما فعله الطبيب ومساعده، فقد كانت سرعةُ استجابته وحضور ذهنه هما اللذَين منَحاها فرصتها الأولى في الحياة. بدون شك، لقد تصرف بحماقة. لماذا لا يختفي في الحشود وينتهي من هذا الأمر؟ ماذا يعنيه، رغم كل شيء، أن تعيش الفتاة أو تموت؟ لقد أدى واجبه … بل أكثرَ من واجبه. لماذا لا يختفي الآن ويدَعُها تُجرب حظَّها؟ تحدَّث إليه عقلُه بصوت عالٍ، وراحت مثلُ هذه الخواطر تتوارد إلى ذهنه.
مع ذلك، ولأول مرة في حياته، احتلَّ عقلُه مكانةً ثانوية. كان يعرف جيدًا، حتى أثناء استماعه إلى هذه الأصوات، أنه كان يعدُّ الدقائق حتى يستطيعَ أن يعود. بعد أن قرر تمامًا أن السبيل الوحيد المعقول أمامه للمتابعة هو أن يعود إلى المنزل ويترك الفتاة لقدَرِها، وجد نفسه داخل الصيدلية في غضون ربع ساعة. كان الصيدلي قد خرج للتو من الغرفة الداخلية ووقف ينظر إليه وهو يدخل.
قال: «ستنجو الآن.»
أومأ تافرنيك برأسه. كان مندهشًا من إحساسه بالراحة.
أعلن: «يُسعدني ذلك.»
انضمَّ إليهما الطبيب وكانت حقيبته السوداء في يده استعدادًا للمغادرة. قدَّم نفسه إلى تافرنيك باعتباره الشخص المسئول.
قال: «ستكون الفتاة بخير الآن، لكنها قد لا تكون على طبيعتها يومًا أو يومين. لحسن الحظ، ارتكَبَت الخطأ المعتاد الذي يرتكبه الناس الذين يجهلون الدواءَ وآثاره … مع أنها تناولت سُمًّا يكفي لقتل أسرةٍ بأكملها.» وأضافَ بطريقة جافة: «كان من الأفضل أن تعتنيَ بها أيها الشاب. ستواجه مشكلة إذا أقدمَت على هذا الفعل مرةً أخرى.»
سأل تافرنيك: «هل ستحتاج إلى أي اهتمام خاص خلال الأيام القليلة المقبلة؟ الظروف التي أحضرتُها فيها إلى هنا ظروفٌ غير عادية إلى حدٍّ ما، ولستُ متأكدًا تمامًا …»
قاطعه الطبيب: «خذها إلى المنزل كي تستريح في فراشها، وستصبح بخير عندما تنام. يبدو أن بِنْيتها وصحتها العامة قويةٌ للغاية، رغم أنها أرهقت نفسها إلى أقصى درجة. إذا كنتَ بحاجةٍ إلى أي نصيحة أخرى وطبيبك الخاص غير متاح، فسآتي لأراها إذا أرسلتَ في طلبي. اسمي كامدن؛ رقم الهاتف ٧٣٤ جيرارد.»
قال تافرنيك: «سأكون سعيدًا بمعرفة قيمة أتعابك، إذا سمحت.»
أجاب الطبيب: «أتعابي جنيهان.»
دفعَ له تافرنيك، وانصرف الرجل. كان ظِل المأساة يمرُّ بالفعل. انضمَّ الصيدلي إلى مساعده الذي كان مشغولًا في صرف العقاقير من خلف منضدة البيع.
قال لتافرنيك: «يمكنك الدخول إلى الفتاة، إذا أردت. أعتقد أنها ستشعر بتحسنٍ في وجود شخص معها.»
دلفَ تافرنيك ببطءٍ إلى الغرفة الداخلية، وأغلقَ الباب خلفه. لم يكن مستعدًّا البتة لمثل هذا المنظر المثير للشفقة. كان وجهُ الفتاة شاحبًا تمامًا وهي مستلقيةٌ على الأريكة التي رفعوها إليها. كانت الروح القتالية قد استسلمت وخارت قُواها، وكانت في حالة انهيار كامل ومطلق. فتحت عينيها على دخوله، لكنها أغلقَتهما مجددًا على الفور تقريبًا — بدا له أن ذلك لم يكن عن وعي بوجوده أكثرَ منه بسبب إعيائها التام.
همس وهو يعبر الغرفة متجهًا إليها: «أنا سعيدٌ لأنكِ صرتِ أفضل حالًا.»
تمتمت بصوت غير مسموع: «شكرًا لك.»
وقفَ تافرنيك بجانبها ينظر إليها، وشعوره بالحيرة في ازدياد. بدت وهي ممدَّدة على أريكةِ شعرِ الخيل الصُّلبة، نحيفةً بشكل مثير للشفقة وأصغرَ من عمرها الحقيقي. كان العبوس، الذي اختفى من وجهها، بمثابة تمويه.
قال برقة: «يجب أن نُغادر من هنا في غضون بضع دقائق. سيرغبون في إغلاق الصيدلية.»
تمتمَت قائلة: «أنا آسفةٌ للغاية أنْ سبَّبتُ لك كل هذه المشاكل. يجب أن ترسلني إلى المستشفى أو دار العمل الخاصة بغير القادرين … أي مكان.»
سأل: «هل أنتِ واثقةٌ من أنه لا يوجد أيُّ أصدقاء يمكنني أن أرسل إليهم؟»
«لا يوجد أحد!»
أغمضَت عينيها وجلس تافرنيك هادئًا تمامًا في نهاية أريكتها، ومرفقه على ركبته، ورأسه على يده. والآن بعد أن توقَّف الزبائن عن التدفق إلى الصيدلية، دخلَ الصيدلي.
قال: «أعتقد لو كنتُ مكانك، لأخذتُها إلى المنزل الآن. في الغالب سرعان ما ستستغرق في النوم وتستيقظ أقوى بكثير. لقد أعددتُ لها وصفةً طبية هنا في حالة شعورها بالإرهاق.»
حدَّق تافرنيك في الرجل. آخذها إلى المنزل! كان حسُّه الفكاهي ضعيفًا جدًّا ولكنه وجد نفسه يحاول تخيُّل وجه السيدة لورانس أو السيدة فيتزجيرالد إذا عاد معها إلى النُّزُل في مثلِ هذه الساعة.
استفسر الصيدلي بفضول: «أفترض أنك تعرف أين تعيش؟»
أجابَ تافرنيك قائلًا: «بالطبع. أنت على حق تمامًا. أستطيع أن أقول إنها قويةٌ بما يكفي الآن للسير حتى الرصيف.»
دفعَ فاتورة الأدوية، ورفَعاها عن الأريكة. وسارت بينهما ببطء إلى الغرفة الخارجية. ثم بدأت تستندُ إلى أذرعهما ونظرت إلى الصيدلي نظرةً مثيرة للشفقة إلى حدٍّ ما.
ورجَته: «هل يمكنني الجلوس لحظة؟ أشعرُ بالإعياء.»
وضَعاها على أحد الكراسيِّ المصنوعة من الخيزران المواجهة للباب. وخلط لها الصيدليُّ بعض أملاح النشادر.
تمتمت قائلة: «أنا آسفة، آسفةٌ جدًّا. سأتحسَّن في غضون بضع دقائق.»
وفي الخارج، قلَّ عدد المشاة، ولكن السيارات والعربات المنطلقة من أمام المطعم الكبير في الجهة المقابلة كانت لا تزال تتدفق ببطءٍ لتوصيل الزبائن الذين أنهَوا عَشاءهم. ووقفَ تافرنيك عند الباب يراقبهم بلا حَراك. كانت حركة المرور متوقفةً مؤقتًا ووقفَت أمامه مباشرة تقريبًا سيارة ملأته روعتُها البسيطة عجَبًا. كان السائق والخادم على حد سواءٍ يرتديان زيًّا أبيضَ تقريبًا. بالداخل كان ثمة مزهرية تتدلى من سقف السيارة. وجلس رجلٌ وامرأة في مقعدَين وثيرَين. كان الرجل داكنًا وله مظهر أجنبي. أما المرأة فكانت شديدةَ الجمال. كانت ترتدي عباءة طويلة من فرو القاقم وتاجًا من اللؤلؤ.
وجدَ تافرنيك، الذي كان اهتمامه بالمارة سطحيًّا تمامًا، نفسه لسببٍ ما ينجذب بفضولٍ من خلال هذه اللمحة السريعة إلى عالم الرفاهية الذي لا يعرف عنه شيئًا؛ وينجذب أيضًا إلى وجه المرأة الرقيق الذي يتمتع بجمالٍ غير مألوف. التقَت عيناهما وهو يقف هناك، جامدًا بلا حَراك، متحجِّرًا في مكانه عند المدخل. استمر تافرنيك في التحديق، غير مبالٍ، وربما غير واعٍ، لفظاظةِ تصرفه. أشاحت المرأة بنظرها بعيدًا بعد لحظة إلى واجهة عرض الصيدلية. وبدا أن فكرة مفاجئة راودتها. تكلَّمت عبر سماعة الهاتف الموجود بجانبها والتفتت إلى رفيقها. وفي الوقت نفسه، مال الخادم من مكانه، ومدَّ ذراعه في تحذير وركنَت السيارة ببطءٍ إلى جانب الرصيف. تحسَّسَت السيدة بيدها لحظةً في حقيبة من الساتان الأبيض كانت موضوعةً على الطاولة المستديرة أمامها، وسلَّمَت قصاصة من الورق عبر النافذة المفتوحة للخادم الذي كان قد نزل بالفعل وكان يقف منتظرًا. وتوجَّه على الفور ناحية الصيدلية، مارًّا بتافرنيك، الذي ظلَّ واقفًا في المدخل.
سلَّم الورقة إلى الصيدلي قائلًا بلهجة آمِرة: «هلا تركب هذا على الفور من فضلك؟»
أخذها الصيدلي في يده واستدار على نحوٍ آلي نحوَ غرفة تحضير الأدوية. وفجأة توقَّف ونظر إلى الوراء وهزَّ رأسه.
سألَ: «لمَنْ هذه الوصفة الطبية؟»
أجابَ الرجل: «لسيدتي. اسمها مُدَوَّن.»
«أين هي؟»
«بالخارج؛ إنها في انتظار الدواء.»
صرَّح الصيدلي: «إذا كانت تريد حقًّا هذا الدواءَ الليلة، فعليها أن تدخل وتوقِّع في الدفتر.»
نظر الخادم عبر منضدة البيع لحظةً نظرةً خاوية إلى حدٍّ ما.
استفسر قائلًا: «هل أقول لها ذلك؟ إنها مجرد وصفة دواء منوِّم. الصيدلي الخاص بها يركِّبها بلا مشاكل.»
أجابَ الرجل الذي يقف خلف منضدة البيع: «قد يكون الأمر كذلك، لكن كما ترى، أنا لستُ الصيدليَّ الخاص بها. من الأفضل أن تذهب وتخبرها بذلك.»
انطلقَ الرجل في مُهمته دون أن يلقي نظرة على الفتاة التي تجلس على بُعد بِضعِ أقدام منه.
وقال لسيدته: «أنا آسف جدًّا يا سيدتي، رفضَ الكيميائي تركيب الوصفة الطبية إلا إذا وقَّعتِ في الدفتر.»
صرَّحت: «حسنًا، إذن، سأحضر.»
خرجت المرأة من السيارة بمساعدة خادمها، ورفعت تنورتها البيضاءَ المصنوعة من الساتان بكلتا يدَيها وخطَتْ بخفةٍ عبر الرصيف. انتحى تافرنيك جانبًا ليسمح لها بالمرور. بدَت بالنسبة إليه حقًّا مخلوقةً من ذلك العالم الآخر الذي لا يعرف عنه شيئًا. حركتها البطيئة والرشيقة، لمعة تنورتها، جوربها الحريري، وميض الأبازيم الماسية على حذائها، العطر الهادئ المنبعث من ملابسها، اللمسة الناعمة من فِرائها وهي تمر بجانبه … كلُّ هذه الأشياء كانت في الواقع غريبةً عنه. تبعتها عيناه باهتمام جذل وهي تقتربُ من منضدة البيع.
سألتِ الصيدلي: «هل تريدني أن أوقِّع على وصفتي الطبية؟ سأفعل ذلك، بكل سرور، إذا لزم الأمر، ولكن شريطة ألا تجعلني أنتظر طويلًا.»
كان صوتُها منخفضًا جدًّا وموسيقيًّا للغاية، وكادت الابتسامة الطفيفة من شفتَيها المتعبتَين تبدو مثيرةً للشفقة. حتى الصيدلي شعر بتعاطفه الإنساني معها. واستدار على الفور إلى رفوفه وبدأ في تحضير الدواء.
قال معتذرًا: «آسفٌ، يا سيدتي، أنْ طلبتُ ضرورة حضروكِ إلى هنا. سوف يعطيكِ مساعدي الدفتر لتتكَّرمي بالتوقيع فيه.»
نزلَ المساعِد تحت المنضدة، ونهضَ مرة أخرى على الفور وفي يده دفتر أسود وقلمٌ وحبر. وانشغلَ الصيدليُّ في مهمته؛ وكانت عينا تافرنيك لا تزالان مُنصَبتَين على هذه المرأة التي بدَت له أجملَ شيء رآه في حياته. لم يكن هناك مَن يراقب الفتاة. وكان الصيدلي أول مَن رأى وجهها، وكان ذلك في مرآة. فتوقَّف عن خلط عقاقيره واستدار ببطء. كان التعبير الذي ارتسم على وجهه كفيلًا بأن يتبع الجميع عينَيه. كانت الفتاة تجلس منتصبةً على كرسيِّها، وقد تلوَّنَت وجنتاها فجأةً بلون أحمرَ دامٍ، وأمسكت أصابعها بالمنضدة كما لو كانت تستمدُّ منها الدعم، واتسعَت عيناها، بشكل غير طبيعي، وتوهَّجَت في بياضها بنار مستعِرة. كانت السيدة آخِرَ من أدارت رأسَها، وفجأةً سقطتْ من يدها زجاجةُ ماء الكولونيا التي أخذَتها من على المنضدة، وتحطَّمَت على الأرض. بدا أن كلَّ التعبيرات اختفَت من وجهها؛ بل إن الحياة نفسَها بدَت أنها فارقَته. أولئك الذين كانوا يُشاهدونها رأوا فجأةً امرأة عجوزًا تنظر إلى شيءٍ تخاف منه.
يبدو أن الفتاة وجدَت قوةً غير طبيعية. جرَّت نفسها واقفة واستدارت بعنف إلى تافرنيك.
صاحت بصوت منخفض: «خُذني بعيدًا. خذني بعيدًا على الفور.»
لم تتكلم المرأة عند منضدة البيع. وتقدَّم تافرنيك بسرعة إلى الأمام ثم تردد. كانت الفتاة واقفةً على قدمَيها الآن قابضةً على ذراعَيه بقوة. وتوسلت عيناها إليه.
توسلت بصوتٍ أجش: «يجب أن تأخذني بعيدًا، من فضلك. أنا بصحة جيدة الآن — جيدة جدًّا. أستطيع المشي.»
افتقار تافرنيك إلى الخيال جعَله في وضع جيدٍ في ذلك الوقت. فعل ببساطةٍ ما قيل له، فعَله بطريقة آلية تمامًا، دون طرح أيِّ أسئلة. وخطا إلى الشارع والفتاة تتكئ بشدةٍ على ذراعه، ودلفَ على الفور تقريبًا داخل سيارة أجرة مارَّة كان قد أشار لها من عند عتبة الصيدلية. ونظرَ خلفه وهو يُغلق الباب. كانت المرأة تقف هناك، نصفَ مستديرةٍ نحوه، ولا تزال على وجهها الهامدِ تلك النظرةُ الغريبة الجامدة. كان الصيدلي يميل نحوها متسائلًا ما إذا كان سيمرُّ بواقعة أخرى خلال عمله الليلي. وكان ماء الكولونيا يتدفق في مجرًى صغير عبر الأرضية.
سألَ سائقُ سيارة الأجرة تافرنيك: «إلى أين يا سيدي؟»
كرَّر تافرنيك: «إلى أين؟»
كانت الفتاة تتشبثُ بذراعه.
همست: «قل له أن يقود سيارتَه بعيدًا عن هنا، يقود إلى أي مكان، لكن بعيدًا عن هنا.»
أمره تافرنيك: «قُدْ في طريق مستقيم، على طول شارع فليت ثم هولبورن. سأعطيك العنوان لاحقًا.»
غيَّر الرجل سرعته وزادت سرعةُ السيارة. جلسَ تافرنيك هادئًا تمامًا، مذهولًا من هذه الأحداث المدهشة. كانت الفتاة بجانبه متشبِّثةً بذراعه، وتبكي بشكل يكاد يكون هيستيريًّا، ممسِكةً به طوال الوقت كما لو كانت في حالة من الرعب.