الفصل السادس

أسئلة وأجوبة

جلسَ تافرنيك بعد ساعاتٍ قليلة يتناول وجبتَه المسائية في غرفة الجلوس الصغيرة في منزل سَكَني في تشيلسي. كان يرتدي ربطة عنق سوداء، وعلى الرغم من أنه لم يتطلع بعدُ إلى معطف عشاء، فإن تفاصيل هيئته وشكله أظهرَت أماراتِ اهتمام جديد. كانت بياتريس تجلس في مواجهته.

سألت بمجرد أن اختفت الخادمة الصغيرة التي أحضرت طبقهما الأول: «قل لي، ماذا كنت تفعل طوالَ اليوم؟ هل كنتَ تؤجِّر منازل أم تقوم بعمليات مسحٍ لأراضٍ أم تُسجِّل الحسابات، أم هل ذهبتَ إلى مارستون رايز؟»

كان هذا سؤالَها المعتاد. لقد كانت تهتمُّ حقًّا بعمله.

قال: «كنتُ أرافق زبونة أمريكية ثرية، مواطنةً من بلدك. ذهبتُ معها إلى جرانثام هاوس في سيارتها. أعتقدُ أنها تفكِّر في استئجاره.»

قالت بياتريس: «أمريكية! ما اسمها؟»

رفعَ تافرنيك نظره من طبقه إلى وجهِ الفتاة عبر المنضدة الصغيرة، والمزهرية ذات الزهور البسيطة التي كانت الشيءَ الوحيد الذي يُزيِّن المنضدة.

«قالت إن اسمها السيدة وينهام جاردنر!»

تلاشى السلامُ الذي غمر وجهَ الفتاة مؤخرًا في لمح البصر. وأمسكت أنفاسها، وقبضت على المنضدة أمامها بأصابعها. ومرة أخرى كانت — كما عرَفها في البداية — شاحبة ذات عينَين واسعتَين مرتعبتَين تلمعان وسط وجه هزيل.

قالت بياتريس لاهثة: «لقد ذهبَت إليك لاستئجار منزل؟ هل أنت متأكِّد؟»

وصرَّح تافرنيك بهدوء: «متأكِّدٌ تمامًا.»

«هل تعرَّفتَ عليها؟»

أقرَّ بجدية.

قال: «كانت المرأة التي وقفَت في الصيدلية في تلك الليلة لتُوقِّع اسمها في الدفتر.»

لم يعتذر بأيِّ شكل من الأشكال عن الصدمة التي سبَّبها لها. لقد تعمَّد أن يفعل ذلك. منذ ذلك الصباح الأول، عندما تناولا الإفطار معًا في محطة لندن بريدج، شعر أنه يستحق ثقتها، وإلى حَدٍّ ما كان يشكو من حجبها عنه.

«هل تعرَّفَت عليك؟»

اعترفَ قائلًا: «نعم. أُرسِلَ في طلبي ووجَدتُها في المكتب مع رئيسي في العمل. كنت متأكِّدًا من أنها تعرفَت عليَّ منذ البداية، وعندما وافقت على إلقاء نظرة على جرانثام هاوس، أصرَّت على أن أرافقها. وبينما كنا في السيارة، سألتني عنكِ. كانت تريد عنوانكِ.»

صاحت الفتاة مبهورة الأنفاس: «هل أعطيتها إياه؟»

«لا؛ قلت إنه يجب أن أستشيركِ أولًا.»

تنفَّسَت الصُّعَداء في ارتياح. ومع ذلك، كانت تبدو شاحبة ومرتعدة.

«هل قالت ما أرادتني من أجله؟»

أجابَ تافرنيك: «كانت غامضةً للغاية. تحدثَت عن خطرٍ لم تكوني تعرفين شيئًا عنه. وقبل أن أرحل، عرَضَت عليَّ مائة جنيه لأخبرها عن مكانكِ.»

ضحكت بياتريس بهدوء.

وصرَّحَت: «هذا شأنُ إليزابيث دائمًا. لا بد أنك أثَرتَ غضبها بشدة. عندما تريد أيَّ شيء، فإنها تريده بشدةٍ بالفعل، ولن تُصدق أبدًا أنَّ هناك مَنْ ليس له ثمن. فالمال يعني كلَّ شيء بالنسبة إليها. إذا كانت تملكه، فهي تشتري، وتشتري، تشتري طوال الوقت.»

علَّق تافرنيك بجدية: «في ظاهر الأمر، بدا عرضُها سخيفًا للغاية. إذا كانت جادة، إذا كانت حقًّا ترغب بشدةٍ في أن تكتشف مكان وجودكِ، فستتمكَّن من ذلك بالتأكيد دون مساعدتي.»

ردت بياتريس: «لست متأكدةً من ذلك. لندن مكانٌ رائع للاختباء.»

بدأ قائلًا: «محقق خاص …»

هزَّت بياتريس رأسها.

وقالت: «لا أعتقد أن إليزابيث ستهتمُّ بتوظيف محقق خاص. قل لي، هل عليك أن تراها بخصوص هذا العمل مرة أخرى؟»

«أنا ذاهبٌ إلى شقتها في ميلان كورت صباحَ الغد في تمام الحادية عشرة.»

اتَّكأتْ بياتريس على كرسيِّها. واستأنفَت عشاءها على الفور. كانت تبدو كشخص مُنح هدنة. بدأ تافرنيك بطريقةٍ ما يستاء من صمتها المستمر. لقد كان يأمُل بالتأكيد أن تذهب على الأقل إلى حدِّ شرح سبب حرصها الشديد على إبقاء عنوانها سريًّا.

تابعَ بعد بُرهة من الصمت: «يجب أن تتذكري أنني في موقف حرج نوعًا ما فيما يتعلق بكِ يا بياتريس. أعرفُ القليل جدًّا لدرجة أني لا أعرفُ حتى كيف أجيب عن أسئلة كالتي طرحَتها عليَّ السيدة وينهام جاردنر بما فيه مصلحتك. أنا لا أشكو، لكن هل حالة التجاهل المطلق هذه ضرورية؟»

بدا أن فكرةً جديدة طرأت على بياتريس. نظرت إلى رفيقها بفضول.

وسألت: «قل لي، ما رأيك في السيدة وينهام جاردنر؟»

أجابَ تافرنيك برَوية، وبعد أن فكَّر لحظة.

قال: «اعتقدتُ أنها واحدة من أجمل النساء التي رأيتُها في حياتي. هذا لا يعني الكثير، ربما، لكنه يعني لي الكثير. كانت رقيقةً للغاية واهتمامها بكِ بدا حقيقيًّا جدًّا وحتى عاطفيًّا. أنا لا أفهم لماذا ترغبين في الاختباء من مثلِ هذه المرأة.»

أصرَّت بياتريس: «هل وجدتَها جذَّابة؟»

اعترفَ تافرنيك دون تردد: «لقد وجدتُها جذَّابةً للغاية بالفعل. كانت تتمتع بفتنة طاغية. كانت مختلفةً تمامًا عن جميع النساء اللواتي قابلتُهن في الفندق أو في أي مكانٍ آخر. لديها وجهٌ ذكَّرَني بطريقةٍ ما بلوحات السيدة العذراء التي أخذتِني لرؤيتها في المعرض الوطني ذلك اليوم.»

ارتجفَت بياتريس قليلًا. لسبب ما، بدا أن ملاحظته ضايقتها.

قالت: «أنا آسفةٌ للغاية، لأن إليزابيث أتت إلى مكتبك. أريدك أن تعدَني يا ليونارد بأنك ستكون حذرًا متى كنت معها.»

ضحكَ تافرنيك.

وكرَّر قولها: «حذر! ليس من المُحتمل أن تكون مهذبةً معي غدًا عندما أُخبرها أنني رأيتُكِ وأرفض أن أعطيَها عُنوانكِ. حذرٌ حقًّا! ماذا لدى موظفٍ فقير في مكتب توكيل عقاري ليخشاه من شخصيةٍ كهذه؟»

عادت الخادمة إلى الظهور بثاني وآخِر طبق. تحدَّثا بضع لحظاتٍ عن مواضيع عادية. ومع ذلك، فقد طرحَ تافرنيك بعد ذلك سؤالًا.

قال: «بالمناسبة، نأمُل أن نؤجِّر جرانثام هاوس للسيدة وينهام جاردنر. أفترضُ أنها لا بد أن تكون ثرية جدًّا؟»

نظرَت إليه بياتريس بفضول.

وسألت: «لماذا تأتيني للحصول على معلومات؟ أفترضُ أنها أحضرَت لكم مستندات؟»

أجابَ: «لم نصل إلى تلك المرحلة بعد. بطريقةٍ أو بأخرى، من طريقة حديثها ومظهرها العام، لا أعتقدُ أن السيد داولينج أو أنا قد شكَكْنا في وضعها المالي.»

علَّقت بياتريس مبتسمة: «لم أكن لأظنَّ أنك بهذه السذاجة قطُّ.»

انزعجَ تافرنيك حقًّا. وأثارت فضولَه التِّجاري.

استفسرَ: «هل تقصدين حقًّا أن السيدة وينهام جاردنر هذه ليست امرأةً ثرية.»

هزَّت بياتريس كتفَيها.

وردَّت: «إنها زوجةُ رجلٍ اشتهر بأنه ثريٌّ جدًّا. أما هي، فأنا متأكدةٌ من أنها لا تملك مالًا خاصًّا بها.»

سألَ تافرنيك: «أما زالت تعيش مع زوجها؟»

أغمضت بياتريس عينَيها.

وصرَّحت قائلة: «أنا أعرفُ القليل جدًّا عنها. آخِر مرة سمعتُ أنه اختفى، رحلَ، أو شيء من هذا القبيل.»

أصرَّ تافرنيك: «وليس لديها مال، باستثناءِ ما تحصل عليه منه؟ لا عقارات حتى، أو أي شيءٍ من هذا القبيل؟»

أجابت بياتريس: «لا شيءَ على الإطلاق.»

علَّقَ تافرنيك، وهو يفكِّر متجهِّمًا في اليوم الذي أضاعه: «هذه أخبارٌ سيئة للغاية. ستكون خيبةَ أمل كبيرة للسيد داولينج. عجبًا، سيارتها كانت رائعة، وتحدَّثَت كما لو كان المال ليس ذا أهميةٍ على الإطلاق. هل أفترضُ أنكِ متأكدة تمامًا مما تقولينه؟»

هزَّت بياتريس كتفَيها.

وأجابت بتجهُّم: «يجب أن أعرف؛ لأنها أختي.»

بقي تافرنيك بلا حراك على الإطلاق مدةَ دقيقة، دون أن ينبس ببنت شفة؛ كانت هذه طريقته في إظهار المفاجأة. وعندما تيقَّن من أنه قد فهمَ فحوى كلامها، تحدَّث مرةً أخرى.

كرَّر كلامها: «أختُكِ! هناك شبَهٌ بالطبع. أنتِ سمراءُ وهي شقراء ولكن هناك شبه.» ثم استأنفَ قائلًا: «هذا من شأنه أن يفسِّر قلقها للعثور عليكِ.»

ردَّت بياتريس: «هذا من شأنه أن يفسِّر أيضًا حرصي على ألَّا تجدَني.» وأضافت وهي تلمس يده بيدها لحظةً: «أتمنَّى لو كان بإمكاني أن أخبرك بكل شيء، ولكن هناك أشياء في الخلفية، أشياء مروِّعة، لدرجة أنني لا أستطيع التحدُّث عنها حتى معك، يا أخي العزيز.»

نهضَ تافرنيك على قدمَيه وأشعلَ سيجارة — وهي عادةٌ جديدة اعتادها — بينما شغلت بياتريس نفسَها بآلةٍ صغيرة لصُنع القهوة. جلسَ في مقعد وثير وراحَ يُدخن ببطء. كان لا يزال يرتدي ملابسه الجاهزة، لكن ياقته كانت ذاتَ شكل عصري، وربطة عنقه اختِيرَت بعنايةٍ وضُبِطَت بدقة. بدا أنه تطوَّر بطريقة ما.

سألَ: «بياتريس، ماذا أقول لأختكِ غدًا؟»

ارتجفت وهي تضع فنجانَ قهوته بجانبه.

أجابت: «قل لها، إن شئت، إنني بخيرٍ ولستُ مُعوِزة. وقل لها أيضًا إنني أرفض إرسالَ عنواني. قل لها إن هدفي الوحيد في الحياة هو الحفاظ على سرية مكاني بالنسبة إليها.»

عادَ تافرنيك إلى الصمت. كان يُفكِّر. كانت الألغاز شيئًا مرفوضًا بالنسبة إليه … كان يُبغضها. وقد شعرَ بضَغينةٍ شديدة ضد هذا السر تحديدًا. ومع ذلك، فقد نهاه حَدْسُه وفطرته عن استجواب الفتاة.

سألَ بعد وهلة: «بعيدًا عن الأمور الشخصية، إذن هل تنصحينني بالدخول في أي مفاوضاتٍ تجارية مع هذه السيدة؟»

ردَّت بياتريس بحزم: «يجب ألَّا تفكِّر في ذلك. عندما يتعلق الأمر بالمال، فإن إليزابيث تفتقرُ تمامًا إلى الضمير. الأشياء التي تريدها في الحياة ستحصل عليها بطريقة ما، ولكن دائمًا ما يكون ذلك على حساب الآخرين. في يوم من الأيام سوف تُضطرُّ إلى دفع ثمن ذلك.»

تنهَّد تافرنيك.

وقال: «إنه أمرٌ مؤسف للغاية. العمولة على تأجير جرانثام هاوس كانت ستكون كبيرة.»

ذكَّرَته قائلة: «على أي حال، هذه الخسارة تقع على شركتك فحسب.»

واصلَ حديثه قائلًا: «أنا لا أنظر إلى الأمور بهذه الطريقة. ما دُمت مديرًا لشركة داولينج آند سبينس، فإنني آخذُ هذه الأمور على محملٍ شخصي. ومع ذلك، هذا لا يهم. أخشى أنه موضوعٌ بغيض بالنسبة إليكِ، ولن نتحدَّث عنه أكثر من ذلك.»

أشعلَت سيجارةً وقد بدا الارتياحُ عليها قليلًا. ثم جاءت مرة أخرى إلى جانبه.

قالت: «ليونارد، أعلم أنني أسيء معاملتَك في عدم إخبارك بشيء، ولكن هذا ببساطة لأنني لا أريد أن أنزل إلى أنصافِ الحقائق. أودُّ أن أقول لك كلَّ شيءٍ أو لا شيء. في الوقت الحاضر لا أستطيع أن أخبرك بكل شيء.»

أجابَ: «حسنًا، أنا راضٍ تمامًا عن ترك الأمر لكِ لتفعلي ما تعتقدين أنه الأفضل.»

واصلَت: «ليونارد، بطبيعة الحال أنت تعتقد أني غيرُ منطقية. ليس بيدي شيء. ثمة أشياءُ بيني وبين أختي معرفتها كابوسٌ دائم بالنسبة إليَّ. خلال الأشهر القليلة الماضية من حياتي أصبح الأمرُ بمثابة رعب تام. هذا ما دفعني إلى الاختباء في بلينهايم هاوس، وأوصلَني حتى إلى القرار الذي اتخذتُه في تلك الليلة عند شارع إمبانكمنت. كنتُ قد قررتُ أنني قبل أن أعود مرةً أخرى، وقبل أن أطلب العون منها أو من أي شخص متصلٍ بها، فسوف أفعل ما حاولتُ فعله في الوقت الذي أنقذتَ فيه حياتي.»

نظرَ إليها تافرنيك بدهشة. كانت بالفعل تحت تأثير عاطفة جياشة. يبدو أن ذاكرتها قد أعادتها إلى عالم آخر، إلى مكان بعيد عن تلك الغرفة الصغيرة القذرة التي يتشاركانها معًا، عادت إلى عالم كانت فيه الحياةُ والموت أمورًا تافهة، حيث كانت العواطفُ الجامحة غيرَ مقيَّدة، وكان الرجال والنساء يتنقَّلون بين أمور الحياة العارية. كاد يشعر بالإثارة من ذلك. كان شيئًا جديدًا بالنسبة إليه، لمسة من إصبَع سحريةٍ على جَفنَيه. ثم مرَّت اللحظة واستعاد نفسه مرة أخرى، شخص واقعي، عادي.

قال: «دعينا نغضَّ الطرف عن هذا الموضوع أخيرًا. عليَّ أن أرى أختك بخصوص العمل غدًا، ولكنها ستكون المرة الأخيرة.»

تمتمت: «أعتقدُ أنك ستكون حكيمًا.»

ذهبَ إلى الجانب الآخر من الغرفة وعادَ بصحيفة.

وقال: «رأيتُ موسيقاكِ في القاعة عندما دخلت. هل ستغنين الليلة؟»

كان السؤالُ بلهجته العادية تمامًا. أعادها السؤال إلى عالم الأمور اليومية كما لم يستطع أي شيء آخر أن يفعل.

قالت: «نعم، أليس هذا حظًّا سعيدًا؟ ثلاث مرات في أسبوع واحد. لم أعلم بالأمر إلا منذ ساعة واحدة.»

استفسرَ: «أهو عشاءٌ بالمدينة؟»

أجابت: «شيءٌ من هذا القبيل. سأكون في وايتهول رومز في تمام العاشرة. إذا كنتَ متعبًا يا ليونارد، من فضلك دعني أذهب وحدي. أنا حقًّا لا أمانع. يمكنني ركوب حافلة إلى الباب، والعودة بالطريقة نفسها.»

قال: «أنا لستُ متعبًا. لأصدُقَكِ القول، نادرًا ما أعرفُ ماذا يعني الشعور بالتعب. سأذهبُ معكِ بالطبع.»

نظرَت إليه بإعجابٍ لحظي ببِنْيته القوية، ووجهه القوي المفعم بالحياة.

ثم قالت: «يبدو الأمر مزعجًا للغاية، بعد يوم طويل من العمل أجرُّك معي إلى الخارج مرةً أخرى.»

ابتسمَ.

وأكَّد لها: «أحبُّ أن آتيَ حقًّا.» ثم أضافَ بعد توقف لحظة: «إلى جانب أني أحبُّ أن أسمعكِ تُغنين.»

سألت وهي تنظر إليه بفضول: «أحقًّا تقصد ذلك؟ لقد شاهدتُك مرة أو مرتَين عندما كنتُ أغني لك. هل تهتم حقًّا بغنائي؟»

«بالتأكيد أهتم. كيف يمكنكِ الشكُّ في ذلك؟» ثم استدركَ ببطءٍ: «بالطبع أنا لا أفهم الموسيقى، أو أي شيء من هذا القبيل، أكثر مما أفهم الصور التي تأخذينني لرؤيتها، وبعض الكتب التي تتحدثين عنها. هناك الكثير من الأشياء التي لا يمكنني استيعابها بالكامل، ولكنها كلها تُخلِّف في نفسي شعورًا بالسعادة والمتعة. إن المرء لَيشعر بها، حتى إذا كان لا يقدرُها حقَّ قدْرِها.»

ذهبت إلى مقعده.

قالت بحزن: «أنا سعيدة؛ لأن هناك شيئًا أفعله ويعجبك.»

نظر إليها بلوم.

وقال: «عزيزتي بياتريس، كثيرًا ما أتمنى أن أجعلكِ تفهمين كم كنتِ مفيدةً ومهمة بالنسبة إليَّ.»

قالت برجاء: «قل لي من أي ناحية؟»

أكَّدَ لها: «لقد أعطيتِني فكرةً عن أشياءَ كثيرة في الحياة كنت أجدها محيِّرة للغاية. افهَميني، أنتِ سافرتِ، أما أنا فلم أفعل. أنتِ اختلطتِ مع جميع فئات الناس، أما أنا فالتزمتُ بيئةً واحدة طوال حياتي. لقد أخبرتِني بأشياء كثيرة سأجدها مفيدةً جدًّا فيما بعد.»

ضحكَت قائلة: «يا إلهي، أنت تُكسِبني غرورًا شديدًا!»

أجابَ: «على أي حال، لا أريدكِ أن تنظري إليَّ يا بياتريس بأي شكل من الأشكال كشخصٍ مُحسِن. أنا مرتاحٌ هنا أكثرَ بكثير من الفندق وهذا لا يكلِّفني المزيد من المال، خاصة منذ أن بدأتِ في ممارسة هذا العمل الغنائي. بالمناسبة، أليس من الأفضل أن تذهبي للاستعداد؟»

كتمَت تنهيدةً وهي تبتعد وتصعد ببطءٍ إلى الطابق العلوي. يبدو أنه ما من أحد على وجه الأرض أكثر نمطية من هذا الشابِّ ذي الملامح الصارمة المتمحور حول ذاته، الذي مدَّ ذراعه وانتشلها من هذه الدوامة. ومع ذلك بدا لها أن هناك شيئًا غيرَ عادي في عدم قدرتها على الاقتراب منه. كانت مقتنعة بأنه كان صادقًا تمامًا، وليس فقط فيما يتعلق بمشاعره الفعلية تجاهها، ولكن فيما يتعلق بجميع أهدافه. بدا أن جنسها لم يكن موجودًا بالنسبة إليه. وبدا أن حقيقة كونها جميلة، وتزداد جمالًا مع تحسُّن صحتها بشكل يومي، ليس لها أيُّ اعتبار بالنسبة إليه على الإطلاق. كان يُظهِر اهتمامًا بمظهرها أحيانًا، لكنه كان اهتمامًا من نوع غير شخصي تمامًا. كان يُعرب ببساطةٍ عن رأيه بقوله إنه راضٍ أو غير راضٍ، كمسألة ذوق لا أكثر ولا أقَل. خطر لها في تلك اللحظة أنها لم ترَه قطُّ مسترخيًا حقًّا. ولم تظهر عليه أيُّ مشاعر تقترب من الحماس بأي حال من الأحوال، إلا عندما كان يجلس أمام تلك الخريطة الضخمة المعلَّقة الآن في الغرفة الأخرى، ويَجول فيها مِن قسم إلى آخَر، مُمسِكًا بقلم رصاص في يدٍ وبممحاة في اليَد الأخرى، وحتى في ذلك الحين كان الحماس الذي يُبديه مستقًى دائمًا من الجمادات. فجأةً ضحكت مِن نفسها في المرآة الصغيرة، كانت ضحكةً هادئة ولكنها نابعة من القلب. كان هذا هو المَلاكَ الحارس الذي أرسله لها القدَر! ليت إليزابيث تستطيع فقط أن تفهم!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤