الفصل الرابع

أخبار بريتشارد السارة

في وقتٍ متأخر من بعد ظهر اليوم التالي، عادت روث إلى منزلها قادمةً من القرية ووجدَت تافرنيك يعمل بجِدٍّ في قاربه. وضعَت سلَّتها وتوقَّفت بجانبه.

قالت متسائلة: «إذن، فقد عُدتَ من جديد.»

«نعم، عدتُ من جديد.»

«ولم يحدث شيء؟»

وافقَ بوهن: «لم يحدث شيء. ولن يحدث شيءٌ على الإطلاق الآن.»

فابتسمَت.

«هل تقصد أنك ستبقى هنا وتصنع القوارب طوال حياتك؟»

فقال معلِنًا: «هذا ما أنوي القيام به.»

وضعَت يدها على كتفه.

وقالت: «لا أصدِّق هذا يا ليونارد. هناك عملٌ آخرُ في انتظارك في مكانٍ ما في العالم، تمامًا كما هو الحال بالنسبة إليَّ.»

هزَّ رأسه والتقطتْ سلَّتها مرة أخرى مبتسمة.

وصرَّحَت بمرح: «ستأتي فرصتُك كما تأتي الفرصةُ لنا جميعًا. وعندها لن ترغبَ في الجلوس هنا ودفنِ مواهبك في الرمال طوال حياتك. هل سمعت ما سيحدث لي؟»

«لا! آمُل أن يكون شيئًا جيدًا.»

«ابنة عمي المفضَّلة لدى والدي ستأتي لتعيش معنا … لديَّ سبعٌ من بنات العمِّ إجمالًا، والزراعة لا تُدِرُّ دخلًا مناسبًا كما كانت من قبل؛ لذا ستأتي مارجريت إلى هنا. ويقول أبي إنها إذا كانت نشيطةً ومستعدَّة للعمل كما كانت في الماضي، فقد أعود إلى التدريس على الفورِ تقريبًا.»

سكتَ تافرنيك لحظة. ثم قام وألقى أدواته.

وصاحَ: «يا إلهي! لعلي سأصبح الوحشَ الأكثر أنانيةً على سطح الأرض! هل تعلمين أن أولَ فكرة خطرت ببالي هي أنني سأفتقدُكِ؟ أنتِ على حقٍّ أيتها الفتاة، عليَّ أن أخرج مما أنا فيه.»

اختفَت داخل المنزل، مبتسمةً، ونادى تافرنيك على نيكولز، الذي كان جالسًا بجوار السور.

وسأله: «قل لي يا سيد نيكولز، ما مقدار الوقت الذي تريده لإشعارك بأنني سأرحل؟»

أخرج ماثيو نيكولز غليونه من فمه.

وأجابَ: «حسنًا، لا أعلم بالتحديد، كما تريد. بيني وبينك، أصبحتُ بدينًا وكسولًا منذ أن أتيتَ. ليس هناك ما يكفي من العمل لشخصَين، وكلُّ ما في الأمر أنك لكونك شابًّا ونشيطًا، فقد تركتُ العمل كلَّه لك، وانظر إلى ذراعيَّ.»

رفعَ ذراعَيه.

ثم قال: «كانتا في السابق كلهما عضَلات، أما الآن فهما ليستا سوى ذراعَين مترهلتَين. ولا أشربُ في اليوم سوى كأسَين إضافيَّتَين من البيرة لتمضيةِ الوقت. يمكنك البقاءُ إذا أردتَ، أيها الشاب، ولكن يمكنك الخروجُ للصيد وترك العمل لي، وسأدفعُ لك المبلغ نفسَه؛ لأنني لا أقول إنني لا أحبُّ رفقتك. أو يمكنك الرحيل متى شئت، وهذه هي نهاية الأمر.»

بصق ماثيو نيكولز على الحجارة ثم أعاد غليونه إلى فمه. وجاءَ تافرنيك وجلسَ إلى جانبه.

وقال: «اسمعني يا سيدي، أعتقدُ أنك على حق. سأبقى أسبوعًا آخر لكني سأهوِّن على نفسي. وواصِل أنت العملَ في القارب الآن. سأجلسُ هنا وأدخِّن.»

امتعضَ نيكولز لكنه أطاعَ الأمر، وفي الأيام القليلة التالية ظلَّ تافرنيك يقضي وقتَه في التسكُّع. وعند عودته بعد ظهر أحدِ الأيام من تمشيةٍ طويلة، رأى شخصًا مألوفًا جالسًا على سور البحر أمام الورشة، شخصًا مألوفًا لكنه غريبٌ في هذه الأنحاء. كان السيد بريتشارد، مرتديًا قبعةً أمريكية من اللبد، ويُدخِّن سيجارًا شديدَ السواد. انحنى وحيَّا برأسه تافرنيك، الذي كان يُحدِّق به فاغرًا فاه.

صاحَ السيد بريتشارد: «مرحبًا أيها الصديق القديم! أستطيع أن أركضَ وراءك إلى أقاصي الأرض كما ترى!»

فردَّ تافرنيك متعجِّبًا: «نعم، أرى!»

واصلَ بريتشارد: «تعالَ هنا ودَعْنا نتحدث.»

أطاعه تافرنيك. وتفحَّصه بريتشارد باستحسان. كان تافرنيك يرتدي ثيابًا غير مهندمة في تلك الأيام، لكنه تطوَّر بالتأكيد كرجل.

قال زائره: «أنت تبدو على ما يُرام. سأضحي بأي شيءٍ لأحصل على هذا اللون وهذه الأكتاف!»

اعترفَ تافرنيك قائلًا: «إنها حياةٌ صحية. هل تقصد أنك أتيتَ إلى هنا لرؤيتي؟»

فأعلن بريتشارد: «هذه هي الحقيقة؛ لقد أتيتُ إلى هنا لرؤيتك، وليس لأيِّ سبب آخر.» وتابعَ قائلًا: «المناظر الطبيعية وغيرها من الأشياء رائعةٌ هنا، ولن أنكرَ ذلك. لكنني أتيتُ إلى هنا لأتحدثَ إليك أنت. فهل أنت مستعد؟ هل أدخل في الموضوع مباشرة؟»

قال تافرنيك وهو يملأ غليونه ببطءٍ: «تفضَّل.»

تابعَ بريتشارد: «لقد رحلتَ عن كل شيء بشكل مفاجئ جدًّا. ولم يحتج الأمر مني إلى الكثير من التفكير لأدركَ السبب. بيني وبينك، لستَ أول رجل يُواجه موقفًا صعبًا بسبب تلك الشابة.» ثم تابعَ راجيًا: «لا تُقاطعني. أنا أعرفُ كيف كنتَ تشعر. وقد كانت فكرةً جيدة أن تأتيَ إلى هنا. فآخَرون قبلك جرَّبوا الجانب المظلم من نيويورك وباريس، ولم يكن هذا هو العلاج السليم. لقد كان جحيمًا، هذا ما كان عليه الأمر بالنسبة إليهم. والآن دعني أُسلِّم جدَلًا في البداية بأن تلك الشابة — بما أننا يجب أن نتحدث عنها — هي أجملُ بنات جنسها وأكثرهن فتنة، ولكنها لا تستحقُّ أن تضيِّع حياة حلزون، ناهيك عن حياة رجلٍ قوي.»

اعترَف تافرنيك باختصار: «أنت محق. أعرفُ أنني كنت أحمق … أحمق! لو كنت أستطيع أن أجد لفظًا آخرَ يصف حالتي، لكنتُ استخدمته، ولكني لا أجد سِوى هذا اللفظ. لقد تركتُ كلَّ شيء وأتيتُ إلى هنا. ولا أعتقدُ أنك أتيتَ إلى هنا فقط لتخبرني عن رأيك فيَّ، أليس كذلك؟»

اعترفَ بريتشارد: «كلا، على الإطلاق. لقد أتيتُ إلى هنا لأخبرك أولًا بأنك أحمق، إذا لزم الأمر. ولكن بما أنك تعرف هذا بالفعل، فهذا ليس السبب. سنتجاوز ذلك إلى المرحلة التالية، وتلك المرحلة هي، ما الذي ستفعله حيال حُمقك؟»

أعلنَ تافرنيك: «في اللحظة الراهنة، كنتُ أنوي أن أغادرَ هذا المكان. المشكلة الوحيدة هي أنني لستُ حريصًا جدًّا على الذهاب إلى لندن.»

أومأ بريتشارد برأسه مفكِّرًا.

وقال موافقًا: «لا بأس. فلندن ليست المكانَ المناسب للرجال على أية حال. وأنت لا تريد أن تتعلَّم الحيلَ المعتادة لكسب المال. فالمال الذي نَجنيه في المدن هو في الغالب مالٌ نجنيه بأصابعَ ملوَّثة. لديَّ عرضٌ آخر أقدِّمه لك.»

قال تافرنيك: «تفضَّل. ما هو هذا العرض؟»

قال بريتشارد، مغيِّرًا زاوية سيجارِه في فمه: «بلدٌ جديد، أرضٌ بِكر، جبال ووديان، وأنهار عظيمة لعبورها وبرودة وحرارة لتتحملها، أرض غنيةٌ بالمعادن … البعض يقولون ذهَب، ولكن دَعْك من هذا. يوجد بترول في أجزاءٍ منها، ويوجد قصدير، ويوجد فحم، ويوجد آلافٌ وآلاف من الأميال من الغابات. أنت مسَّاحُ أراضٍ، أليس كذلك؟»

ردَّ تافرنيك باقتضاب: «لقد اجتزتُ كلَّ اختباراتي بنجاح.»

أصرَّ بريتشارد: «أنت الرجلُ المناسب لهذا المكان. لديَّ إجازةٌ مدةَ عامَين … لقد سئمتُ من حياة المدينة حقًّا … وسأضعُك على المسار الصحيح. أنت لا تعرف الكثير عن التنقيب بعد، أليس كذلك؟»

«لا شيء على الإطلاق!»

تابعَ بريتشارد: «ستعرف قريبًا. سنبدأ من وينيبيج. بِضع خيول وبعض المرشدين وزوجان من الخيام. سنقضي عشرين أسبوعًا يا صديقي دون أن نرى بلدة. ما رأيك في ذلك؟»

تمتَم تافرنيك: «رائع!»

«سنتَّجه إلى الغرب مدةَ عشرين أسبوعًا. أنا أعرفُ طريقة بدء العمل ككلٍّ. وأعرفُ أيضًا واحدًا أو اثنَين من الرأسماليِّين، وأراهنُك أنك ستستطيع تحديد موضع بعضٍ من أروع العقارات في كولومبيا البريطانية.»

قال تافرنيك معترضًا: «لكنني لا أملك بنسًا واحدًا.»

فردَّ بريتشارد وهو يسحب جريدةً من جيبه: «أنت كاذبٌ في هذا. شاهد الإعلان بنفسك: «ليونارد تافرنيك، حرصًا على مصلحته.» حسنًا، لقد ذهبتُ إلى هؤلاء المحامين … أو على الأحرى إلى مارتن محاميك القديم. أخبرتُه أنني كنت أتتبَّع خُطاك، فقال: «بحق السماء، أرسِلْه لي على الفور!» حقًّا يا تافرنيك، لقد أضحَكني حين وصفَ لي الطريقة التي اقتحمتَ بها مكتبه وقلتَ له بأن يأخذ أرضَك مقابل النفقات التي تكبَّدَها، ثم خرجتَ من المكتب بسرعة الريح. عجبًا، لقد تعاملَ في هذا الأمر بحيث اضطُرُّوا إلى شراء أرضك، وأخذوه شريكًا. لقد جنى قدرًا هائلًا من المال، ولا يحتاج منك إلى أيِّ نفقات، أما عن أموال أرضك، بالإضافة إلى أموالك التي كانت لديه، فكلها هناك في انتظارك.»

كان تافرنيك يُدخِّن غليونه برصانة. وكانت عيناه موجَّهتَين نحو البحر، لكن قلبه كان يخفق على أنغامٍ جديدة ورائعة. أن يبدأ حياته من جديد، حياة رجل حقيقي، هناك في الخلاء، هناك في المساحات الشاسعة المفتوحة! كان هذا مذهلًا حقًّا! استدار وأمسكَ بريتشارد من كتفه.

ثم صاحَ: «أخبرني يا بريتشارد، لِمَ تفعل كلَّ هذا من أجلي؟»

ضحك بريتشارد.

وقال: «لقد أسديتَ لي معروفًا، وأنت رجلٌ بمعنى الكلمة. تمتلك الشجاعة والإقدام … وهذا ما أحبُّه. لم تكن تعرف شيئًا، وكنتَ ساذجًا وجاهلًا مثل شابٍّ يعمل في متجر ريفي، لكن يا إلهي! كنت تتمتَّع بخِصال رائعة، وأنا نويت أن أردَّ لك المعروف، إذا استطعت. ستغادر معي هذا المكان غدًا، وفي غضون ثلاثة أسابيع سوف نُبحر.»

خرجَت روث مبتسمةً من المنزل.

وقالت راجية: «ألن تُدخِل صديقَك لتناوُل العشاء يا سيد تافرنيك؟» ثم أضافت بصوتٍ منخفض: «لعلها أخبارٌ سارة؟»

فقال تافرنيك: «الأخبار الأفضل. الأفضل على الإطلاق!»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤