الفصل السادس

تأخُّر الفهم

كان الانطباعُ الأول الذي راودَ تافرنيك عن إليزابيث أنه لم يَقدُرها حقَّ قَدْرها على الإطلاق، حتى في أكثر أفكاره جموحًا. لم يتخيَّلها قطُّ بهذا الجمال الرائع الفاتن الأخَّاذ. كانت قد استقبلته، بعد تأخير طويل، في غرفة الجلوس الخاصة بها بفندق كلاريدج … وكانت عبارةً عن غرفة ضخمة مؤثَّثة كصالون. وكانت إليزابيث واقفة، عندما دخلَ، تقريبًا في وسط الغرفة، مرتدية عباءةً طويلة من الدانتيل وقبعة ذات ريش أسود متدلٍّ. نظرَت إليه، عندما فُتِحَ الباب، كما لو كانت مرتبكةً لحظة. ثم ضحكَت بنعومة ومدَّت يديها.

صاحت مندهشة: «عجبًا، بالطبع أتذكَّرك! كيف لم أستطع، حين قرأتُ بطاقتك، أن أتذكَّر أين سمعتُ الاسم من قبل! أنت موظفٌ لدى وكيل العقارات الخاص بي، أنت مَنْ رفضَ أن يأخذ أموالي، ومَنْ كان وقحًا للغاية معي منذ اثني عشَر شهرًا.»

كان تافرنيك هادئًا جدًّا. ووجد نفسه يتساءل عمَّا إذا كان هذا ادعاءً كاذبًا، أم أنها قد نسيته بالفعل. ثم قرَّر أنه كان ادعاءً.

فقال لها: «وأنا أيضًا مَنْ كان ليلةً ما في شقتك في ميلان كورت، عندما كان زوجُكِ …»

أوقفَته عن الاستمرار في الكلام بإشارة آمِرة.

ثم قالت راجيةً إياه: «أعفِني من فضلك. كانت تلك الأيام فظيعة للغاية … ومملَّة جدًّا أيضًا! أتذكَّر أنك كنتَ من النقط المضيئة في هذا الظلام الدامس. وكنتَ مختلفًا تمامًا عن أي شخص قابلتُه من قبل، وأثرتَ اهتمامي بشدة.»

ثم نظرت إليه وهزَّت رأسها ببطءٍ.

وقالت: «شكلك لطيفٌ للغاية. ملابسُك تليق بك وقد اكتسبتَ سُمرة جذابة، ولكنك لا تبدو رائعًا وصعب المراس كما كنت.»

فردَّ باقتضاب: «أنا آسفٌ لذلك.»

واصلتْ قائلة: «وقد أتيتَ لرؤيتي! هذا لطيفٌ جدًّا منك! لقد كنتَ مغرَمًا بي يومًا ما، كما تعلم. قل لي، هل استمرَّ ذلك؟»

فأجابَ برَوية: «هذا هو بالضبط ما جئتُ لاكتشافه. حتى الآن، أنا أميل إلى الاعتقاد بأنه لم يستمر.»

نظرَت إليه بسخريةٍ وتأبَّطتْ ذراعه.

وقالت بإلحاح: «تعالَ واجلس وأخبرني لماذا. كن صريحًا معي الآن. هل هذا لأنك تعتقد أنني أبدو أكبرَ سنًّا؟»

قال تافرنيك ببطءٍ: «لقد فكَّرتُ فيكِ ساعاتٍ عديدةً كلَّ يوم عدة أشهر، ولم أتخيَّل أبدًا أنكِ جميلة بهذه الدرجة التي تبدين بها الآن.»

صفقَت بيديها.

وصاحت: «وأنت تعني ذلك أيضًا! توجد النبرة المقنعة المبهجة نفسُها في صوتك. وأنا متأكِّدة من أنك تعني ما تقوله. أرجو منك أن تستمرَّ في عشقي يا سيد تافرنيك. فليس لديَّ شخصٌ يثير اهتمامي في الوقت الحاليِّ على الإطلاق. هناك كونت إيطالي يريد الزواج مني، لكنه فقيرٌ للغاية؛ وهناك شابٌّ أسترالي يتبعني في كل مكان، لكني لستُ متأكِّدة منه. وهناك فتًى إنجليزي أيضًا سينتحر إذا لم أقل له «موافقة» هذا الأسبوع. بشكل عام، أعتقدُ أنني أشعر بالأسف لأن الناس يعرفون أنني أرملة. أخبرني يا سيد تافرنيك، هل ستعشقني أنت أيضًا؟»

أجابَ تافرنيك: «لا أعتقدُ ذلك. أعتقدُ أنني شُفيت.»

هزَّت كتفَيها وضحكَت ضحكة موسيقية.

وتابعَت: «لكنك تقول إنك ما زلت تعتقد أنني جميلة، وأنا متأكِّدة من أن ملابسي مثالية … لقد أتت مباشرةً من باريس.» وأضافت وهي تُمرِّرها من بين أصابعها: «أتمنى أن الدانتيل يروق لك. كما أن جسمي ما زال رشيقًا كما هو، أليس كذلك؟»

ثم وقفت وراحت تلفُّ حول نفسها ببطءٍ. وبعد ذلك جلسَت فجأةً ممسكة بيده.

وقالت بتوسُّل: «أرجو منك ألَّا تقول إنك تظن أنني أصبحتُ أقلَّ جاذبية.»

فردَّ تافرنيك: «فيما يتعلق بمواطن جاذبيتك الشخصية، فأعتقدُ أنها ما زالت على الأقل رائعةً كما كانت دائمًا. وإذا كنتِ تريدين الحقيقة، فأعتقدُ أن سبب عدم استمراري في عشقكِ هو أنني رأيتُ أختكِ الليلة الماضية.»

فصاحت متسائلة: «رأيتَ بياتريس! أين؟»

قال تافرنيك: «كانت تُغني في قاعة موسيقى بائسةٍ في الجهة الشرقية حتى يجد والدُها نوعًا من العمل. وقد امتنعَ الناس عن إسكات والدها من أجل خاطرها فحسب. إنها تجوب البلد بصُحبته. ويعلم الله ما يَجْنياه من أموال، لكنه يبدو مبلغًا زهيدًا بما فيه الكفاية! فبياتريس ترتدي ثيابًا رثَّة وتبدو نحيفةً وشاحبة. إنها تُكرِّس أفضل سنوات حياتها لما تتخيَّل أنه واجبها.»

فسألت إليزابيث ببرود: «وكيف يؤثر هذا عليَّ؟»

فأجابَ تافرنيك: «بهذه الطريقة فحسب. لقد سألتِني كيف كان بإمكاني أن أجدَكِ جميلة أكثرَ من أي وقتٍ مضى، ومع ذلك أتوقَّفُ عن عشقكِ. السبب هو أنني أعرفُ أنكِ أنانية لأقصى درجة. لقد آمنتُ بكِ من قبل. كلُّ ما كنتِ تفعلينه بدا لي صحيحًا. كان ذلك لأنني كنتُ أحمق؛ لأنكِ ملأتِ عقلي بأوهام مستحيلة، لأنني رأيتُكِ وكلَّ ما فعلتِه من خلال مِرآةٍ مشوَّهة.»

سألتْه: «هل أتيتَ إلى هنا لتكون وقحًا؟»

فأجابَ: «على الإطلاق. جئتُ إلى هنا لأعرفَ إن كنتُ قد شُفيت.»

بدأتْ تضحك، بنعومةٍ شديدة في البداية، ولكنها سرعان ما ألقتْ نفسَها للخلف بين الوسائد ووضعت يدَها بدلال على كتفه.

وصاحت: «أوه، أنت لم تتغيَّر! ما زلتَ كما أنت يا عزيزي، حفنة من الصراحة والصدق والجهل. إذن فستكون ضحيةً لأسلحة بياتريس الفتَّاكة رغم كل شيء.»

اعترفَ تافرنيك: «لقد طلبتُ من أختكِ الزواج. وقد رفضَت.»

قالت إليزابيث وهي تمسح الدموع من عينيها: «لقد كانت حكيمةً جدًّا. كتجرِبة أنت محبَّبٌ إلى النفس. أما كزوج فستكون مستحيلًا بشكلٍ رهيب. هل ستبقى وتصطحبُني للعشاء هذا المساء؟ أعتقدُ أنك تملك الآن بلا شكٍّ بدلة رسمية.»

هزَّ تافرنيك رأسه.

وقال: «أنا آسفٌ. لديَّ بالفعل ارتباط.»

نظرَت إليه بفضول. هل أصبح غيرَ مهتم بها حقًّا؟ لم تكن معتادةً على أن يتملَّص منها الرجال.

فسألته فجأةً: «قل لي، لماذا أتيت؟ أنا لا أفهم. أنت هنا، ومع ذلك تُمضي وقتك في التحدُّث معي بوقاحة. ثم أطلبُ منك أن تصطحبَني إلى العشاء فترفض. هل تعلم أنه ما من رجل في لندن بأسرها لم يكن ليقفزَ اغتنامًا لهذه الفرصة؟»

أجابَ تافرنيك: «هذا مُحتمل جدًّا. ليس لديَّ خبرةٌ في مثلِ هذه الأمور. كلُّ ما أعرفه أنني سأفعل شيئًا آخر.»

فهمسَت قائلةً: «شيءٌ تريد بشدةٍ أن تفعله؟»

ردَّ تافرنيك: «سأذهب إلى قاعة موسيقى صغيرة في وايت تشابل، وسأقابل أختَكِ وسأضعها في سيارة أجرة وآخذها لتناول العشاء، وسأضغط عليها حتى تعِدَ بأن تكون زوجتي.»

ضحكَت قائلة: «أنت بالتأكيد معجبٌ مخلصٌ بالعائلة. ربما كنتَ تحبها طوال الوقت.»

فقال معترفًا: «ربما كنت كذلك.»

هزَّت رأسها.

وقالت: «أنا لا أصدق ذلك. أعتقدُ أنك كنتَ مغرمًا بي في يوم من الأيام. وأعتقدُ أنك كنتَ ستظلُّ مغرمًا بي الآن لولا أن لديك مثلَ هذه الأفكار القديمة السخيفة.»

نهضَ تافرنيك واقفًا.

وقال: «سأذهب. وهذا سيكون الوداع. فغدًا سأذهب إلى كولومبيا البريطانية.»

اختفَت ضحكتها لحظةً عن وجهها. وبدا عليها الجدية فجأة.

وقالت متوسلة: «لا تذهب. اسمعني. أعرفُ أنني لستُ طيبةً مثل بياتريس، لكني معجبةٌ بك … وكنتُ كذلك دائمًا. وأعتقدُ أن هذا بسبب صدقك الرائع. فأنت من نوع مختلف عن الرجال الذين يلتقي بهم المرء. أنا بالأحرى شخصٌ متهوِّر. وفي بعض الأحيان تكون مقابلةُ شخص مثلِك أمرًا يدعو إلى الراحة والطمأنينة. فأنت بمثابة مَرسًى. ابقَ وتحدَّث معي قليلًا. اصطحبني إلى الخارج الليلة. لقد طلبتَ مني أن أخرج معك مرة، كما تعلم، ولكني رفضت. الليلة أنا مَنْ أطلب منك.»

هزَّ رأسه ببطءٍ.

وقال بحزم: «هذا وداع! أعتقد، رغم كل شيء، أنكِ لم تكوني قاسيةً معي في تلك الأيام، لكنكِ علَّمتِني درسًا مريرًا للغاية. لقد جئتُ إليكِ اليوم خائفًا مرتجفًا. وربما كنتُ خائفًا من أن الأسوأ لم ينتهِ بعد، وأن هناك ما هو قادمٌ في المستقبل. أما الآن، فأنا أعلم أنني حُر.»

ضربَت الأرض بقدمها.

وقالت بصراحة: «لن تمشي بهذه الطريقة.»

فابتسم.

وواصل قائلًا: «هل تعتقدين أنني لا أفهم؟ أنتِ تريدينني أن أبقى فقط لأنني قادرٌ على الذهاب؛ لأن لمسةَ أصابعكِ، وتلك النظرة في عينيكِ لا تقودانني إلى الجنون الآن. تريدين أن تُجرِّبي سَطوتَكِ عليَّ مرةً أخرى. لن أسمح بذلك. أنا مقتنعٌ بأنني شُفيت بالفعل، لكن ربما يكون من الأسلم عدمُ المخاطرة بأي شيء.»

أشارت إلى الباب.

وقالت بلهجة آمِرة: «حسنًا إذن، يمكنك الذهاب.»

انحنى لها، وكانت أصابعه بالفعل على المقبض. ولكنها فجأةً نادت عليه.

«ليونارد! ليونارد!»

فالتفتَ إليها. كانت تتَّجه نحوه بذراعَين ممدودتَين وعينَين مغرورقتَين بالدموع، وصوتٍ متهدِّج.

وقالت متوسلة: «أنا وحيدة جدًّا. ولقد فكَّرتُ فيك كثيرًا. فلا تبتعد عني بقسوة. ابقَ معي الليلة بأي ثمن. تستطيع أن ترى بياتريس في أي وقت. لكنني أنا مَنْ أحتاج إليك الآن أشدَّ الاحتياج.»

نظر حوله إلى الشقة الفخمة؛ ونظر إلى المرأة التي استقرَّت أصابعُها المتلألئة بالجواهر على كتفَيه. ثم فكَّر في بياتريس بثوبها الأسود الرثِّ ووجهها الشاحب الصغير، فأزاحَ يديها بلطفٍ شديد عن كتفَيه.

وقال: «لا، لا أعتقد أنكِ تحتاجين إليَّ أكثرَ مما أحتاج إليكِ. هذه نزوةٌ من نزواتكِ. أنت تعرفين ذلك وأنا أعرفُ ذلك. فهل يستحقُّ الأمر أن يلعب أحدُنا بالآخر؟»

سقطَت يداها على جانبَيها. واستدارت مُشيحةً بوجهها لكنها لم تقل شيئًا. ورفعَ تافرنيك، بنزعةٍ مفاجئة لم يكن فيها أيُّ شيء من الرغبة — والقليل جدًّا، في الواقع، من العاطفة — أصابعها إلى شفتَيه، ثم انسحب من الغرفة. نزلَ الدرَج، مفعَمًا بإحساسٍ رائع بالنشوة، وسموِّ الروح الذي لم يستطع فهمَه. وبينما كان يسير بطربٍ إلى الفندق الذي يُقيم فيه، بدأ يدرك مدى خوفه السابق من هذه المقابلة. لقد أصبح رجلًا حرًّا رغم كل شيء. لقد زال السحر. ويمكنه أن يفكِّر فيها الآن كما تستحقُّ أن يفكِّر فيها، بوصفها امرأةً بارعة ذات خبرة، امرأة أنانية، بلا قلب، وبلا ضمير. لقد هربَ من بَراثنها. ولم تَعُد تعني شيئًا بالنسبة إليه حتى لو عرَفَ أنها في تلك اللحظة ترقد على أريكتها التي ترنَّحَت عليها عندما غادر الغرفة، وهي تبكي بمرارة.

لأكثرَ من ساعة تحمَّل تافرنيك الروائح والأجواء السيئة لقاعة الموسيقى الصغيرة البائسة تلك، وهو يُراقب بفارغ الصبر في كل مرة يتمُّ فيها تغيير الأرقام. ثم أخيرًا، قرب نهاية البرنامج، ظهر المدير في المقدمة.

وأعلن: «سيداتي وسادتي، يؤسفني كثيرًا أن أبلغكم أنه بسبب إصابة الآنسة بياتريس فرانكلين بوعكةٍ صحية، فلن تتمكَّنَ هي ووالدها من الظهور الليلة. ويسعدني أن أعلن عن فقرةٍ إضافية، تؤديها الأخَوات دي فير في عملهن الكوميدي الرائع.»

اختلطَت همهماتُ الاستنكار مع بعض الهتاف. وغادر تافرنيك مكانه وتوجَّه إلى الجزء الخلفي من القاعة. وعلى الفور توجَّه إليه المدير.

قال تافرنيك: «أنا آسفٌ لإزعاجك يا سيدي، لكنني سمعتُ إعلانك الآن في القاعة. فهل تستطيع أن تعطيني عنوان البروفيسور فرانكلين؟ أنا صديق، وأودُّ أن أذهبَ لرؤيتهما.»

أشار المدير إلى حاجب المسرح.

وقال باقتضاب: «هذا الرجل سيُعطيك إياه. إنه قريبٌ جدًّا. سأزورهما بنفسي بعد العرض لأعرفَ كيف حال السيدة الشابة.»

حصلَ تافرنيك على العُنوان وانطلقَ في سيارة الأجرة التي كانت تنتظره. أنصتَ السائقُ إلى الاتجاه برِيبة.

ثم قال: «إنه حيٌّ فقير يا سيدي.»

فقال له تافرنيك: «يجب أن نذهب إلى هناك.»

وصَلا إليه في غضون دقائق، كان شارعًا بائسًا بالفعل. وطرقَ تافرنيك باب المنزل الذي توجَّه إليه بقلبٍ متوجس. فتحَ البابَ بعد لحظاتٍ قليلة رجلٌ بلا ياقة يرتدي نصفَ ثيابه، ويلبس نعلًا خفيفًا للسجاد.

سأل بفظاظة: «حسنًا، ماذا هناك؟»

استفسر تافرنيك: «هل البروفيسور فرانكلين هنا؟»

بدا الرجل وكأنه على وشك أن يصفق الباب في وجهه، لكنه أحجَم عن ذلك.

وقال: «إذا كنتَ صديقًا للبروفيسور، كما يُسمِّي نفسه، ولديك أيُّ أموال يمكنك إنفاقها، فمرحبًا بك، أما إذا كنتَ تسأل فقط من باب الفضول، فدعني أخبرك أنه كان يُقيم هنا لكنه رحل، وإذا ترك الأمر لرغبتي لكان قد رحل منذ أسبوع، هو وابنته أيضًا.»

قال تافرنيك معترضًا: «لا أفهم. كنتُ أعتقد أن السيدة الشابة مريضة.»

فردَّ الرجل: «قد تكون مريضةً أو لا. كلُّ ما أعرفه أنهما عجزا عن دفع الإيجار، وعجزا عن دفع فاتورة الطعام، وعجزا عن دفع ثمن المشروبات التي كان الرجل العجوز يُرسل في طلبها. لذلك تحدَّثتُ إليهما الليلة بصراحة، فرحلا.»

صرخَ تافرنيك: «على الأقل أنت تعرف إلى أين ذهبا!»

فقال الرجل: «ليس لديَّ أيُّ فكرة. بكل صراحة يا سيدي، لا أعرفُ أين ذهبا على الإطلاق، فقد سئمتُ منهما تمامًا، وهما مَدينان بنحو ثمانية عشر جنيهًا وستة بنسات، إذا كنتَ مهتمًّا بالدفع.»

وعده تافرنيك: «سأعطيك جنيهًا ذهبيًّا، إذا أخبرتني أين هما الآن.»

تذمَّر الرجل قائلًا: «ما فائدة وضع شروطٍ خرقاء كهذا الشرط! لو كنتُ أعرف مكانهما، لكنتُ حصلتُ على الجنيه الذهبي على الفور، لكنني لا أعرف، وهذا هو الموضوع باختصار! وإذا كنتَ لن تدفع الثمانية عشر جنيهًا والستة بنسات، حسنًا، فلقد أجبتُ عن جميع الأسئلة التي ترغب في الإجابة عنها.»

وعده تافرنيك: «سأجعلها جنيهَين ذهبيَّين. سوف أُبحر إلى أمريكا في الصباح الباكر، ويجب أن أراهما أولًا.»

مالَ الرجل إلى الأمام نحوه.

وقال: «اسمعني هنا، إذا كنتُ أعرفُ مكانهما، فإن الجنيه الذهبي سيكون كافيًا تمامًا بالنسبة إليَّ، لكنني لا أعرف، وهذا هو الأمر بصراحة. وإذا كنتَ تريد البحث عنهما، فلو كنتُ مكانك لكنت جرَّبتُ الفنادق الرخيصة. فمن المحتمل جدًّا أن يكونا في أحدها.»

وصفقَ الباب فاستدار تافرنيك مبتعِدًا. ونظر عبر الشارع يَمنةً ويَسْرة، ونظر إلى ما وراء ذلك وفكَّر في أميالٍ وأميال من الشوارع، والعدد الذي لا يحصى من المداخن، والشِّعاب الضخمة للمدينة العظيمة الممتدة على مساحة شاسعة. في الساعة الثامنة من صباح اليوم التالي، عليه أن يُغادر إلى ساوثهامبتون. فهل فات الأوان، رغم كل شيء، بعد أن اكتشفَ الحقيقة؟

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤