الرأسمالية العالمية والعدالة

بقلم جون أرونجا

في هذا المقال تنادي جون أرونجا بنشر رأسمالية السوق الحرة في أفريقيا، وتواجه من يعارضون السماح للأفارقة بالانخراط في الاقتصاد العالمي من خلال حرية التجارة. تدعم آراؤها التجارة الحرة على نحو منهجي، وهي تنتقد من يدعمون «مناطق التجارة» المحددة التي تقدم امتيازات خاصة (وأحيانًا تنتهك حقوق ملكية أبناء البلد) للمستثمرين الأجانب أو نخبة من المحليين ذوي الامتيازات وتنكر على غيرهم حرية التجارة أو الاستثمار على أسس متساوية. وهي تنادي باحترام حقوق ملكية الشعوب الأفريقية وبتطبيق رأسمالية السوق الحرة التي لم تشوهها الامتيازات وسلطات الاحتكار.

جون أرونجا هي سيدة أعمال ومنتجة أفلام من كينيا. وهي مؤسسة شركة أوبن كويست ميديا ذات المسئولية المحدودة والمديرة التنفيذية لها، كما عملت في عدد من مشروعات الاتصالات في أفريقيا. وقد أنتجت فيلمين تسجيليين لشبكة بي بي سي عن أفريقيا وهما «ممر الشيطان»، الذي وثقت فيه رحلتها التي امتدت على مدار ستة أسابيع، لمسافة خمسة آلاف ميل من القاهرة حتى كيب تاون، و«من الملوم؟»، الذي عرض لمناظرة/حوار بين أرونجا والرئيس الغاني السابق جيري رولينجز. وهي تكتب لموقع AfricanLiberty.org وشاركت في تأليف كتاب «ثورة الهاتف الخلوي في كينيا». حصلت أرونجا على شهادتها الجامعية في الحقوق من جامعة باكنجهام بالمملكة المتحدة.

***

من واقع خبرتي أجد أن الجزء الأكبر — ربما ٩٠ بالمائة — من الخلافات ينبع من نقص معلومات أحد الجانبين أو الآخر. وهذا أمر شديد الأهمية حين ينتقل الناس من ثقافة إلى أخرى. إننا نشهد موجة عظيمة من التجارة في أفريقيا، بين الأفارقة، بعد فترة طويلة من الانعزال بعضهم عن بعض بسبب سياسات حماية الإنتاج الوطني والقومية وسوء الفهم. وأعتقد أنه ينبغي علينا الاحتفاء بنمو التجارة هذا. يخشى البعض من زيادة التجارة، لكني أرى أنهم بحاجة للمزيد من المعلومات.

العولمة أمر قائم، وأعتقد أنه يجب علينا الترحيب بها؛ فقد مكنت من نقل المهارات، ووفرت التكنولوجيا الآتية من أرجاء العالم، وغير هذا الكثير. ومع ذلك، لم تصل العولمة للكثيرين. والسؤال هنا هو لماذا؟ قابلت الاقتصادي السويدي يوهان نوربرج، الذي ألف الكتاب المدهش «دفاعًا عن الرأسمالية العالمية» في عام ٢٠٠٢، وفوجئت بالكيفية التي تعامل بها مع المعلومات. فهو لم يقابل معارضي التجارة الحرة باستخفاف، بل استمع لهم، وتدبر وجهات نظرهم، وتحقق من معلوماتهم. واهتمامه بالمعلومات الواقعية هو ما قاده منذ البداية إلى اعتناق الرأسمالية.

كما أدهشتني الطريقة التي تبنَّى بها وجهات نظر أكثر الأشخاص تأثرًا؛ الفقراء. لقد سافر نوربرج حول العالم طارحًا الأسئلة. وهو لا يخبر الناس بما ينبغي أن تكون عليه آراؤهم، بل يسألهم عن آرائهم. وبسؤال الفقراء الذين منحوا الفرصة للعمل في التجارة — إما كتجار أو بائعين أو كموظفين في شركات تعمل في التجارة العالمية — كشف عن الحقائق التي غفل عنها المسئولون ذوو السلطة. هل جعلت تلك الوظيفة في المصنع الجديد حياتك أفضل أم أسوأ؟ هل جعل هاتفك المحمول الأول حياتك أفضل أم أسوأ؟ هل زاد دخلك أم نقص؟ كيف تسافر؛ على الأقدام، أم بالدراجة، أم بالدراجة النارية، أم بالسيارة؟ هل تفضل ركوب الدراجة النارية أم المشي؟ يصر نوربرج على النظر للحقائق على أرض الواقع. فهو يسأل الأشخاص المعنيين عن آرائهم وعما إذا كانت التجارة الحرة حسنت حياتهم أم لا. إنه يريد معرفة الآراء الفردية.

علينا أن نتساءل عما تفعله حكوماتنا بنا، لا ما تفعله من أجلنا وحسب. فحكوماتنا تؤذينا: فهي تسرق منا، وتمنعنا من التجارة، وتبقي الفقراء على حالهم المتدني. ليس مسموحًا للمستثمرين المحليين بالمنافسة بسبب انعدام سيادة القانون في الدول ذات الدخول المنخفضة. وربما هذا هو ما تسبب في جعلها دولًا ذات دخول منخفضة؛ لأن شعوبها ليست محل احترام من جانب حكوماتها.

تركز حكومات دول فقيرة عديدة على جذب «المستثمرين الأجانب»، لكنها لا تسمح لأبناء البلد بدخول السوق. إن فتح أبواب السوق والمنافسة أمام أبناء البلد ليس من أهدافها. يملك أبناء البلد الرؤية والفهم و«المعرفة المحلية»، لكن حكوماتنا في أفريقيا تبقي أبناء بلادها خارج السوق لمصلحة الأجانب أو الجماعات المحلية ذات المصالح الخاصة.

على سبيل المثال، القيود الثقيلة الموجودة حاليًّا وتكبل المنافسة، مثل الأعمال المصرفية وإمدادات المياه، تتجاهل قدرة أبناء شعبنا على استخدام معرفتهم المحلية بالتقنيات والتفضيلات والبنية التحتية. ليس من «العولمة» في شيء أن تمنح امتيازات خاصة ﻟ «المستثمرين الأجانب» بينما أبناء البلد مهمشون وغير مسموح لهم بالمنافسة. إذا كانت «المناطق الاقتصادية الخاصة» التي تقيمها الحكومات لجذب «المستثمرين الأجانب» فكرة طيبة، فلماذا لا يسمح للسواد الأعظم من الشعب بالاستفادة منها؟ لماذا تعتبر مناطق امتيازات خاصة، وليس جزءًا من التجارة الحرة المتاحة للجميع؟ يجب أن تعني حرية التجارة المنافسة الحرة لخدمة الشعب، لا أن تكون امتيازات خاصة ممنوحة لنخبة من أبناء البلد الذين لا يريدون منافسة أو لمستثمرين أجانب يحظون بلقاءات خاصة مع الوزراء.

ليس من «التجارة الحرة» أن تستطيع الشركات العالمية الحصول على امتيازات خاصة من الحكومات، وليس من «التجارة الحرة» أن تُمنع الشركات المحلية، على يد حكوماتها، من دخول السوق. فالتجارة الحرة تتطلب سيادة القانون على الجميع، وحرية الجميع في الانخراط في أكثر الأفعال طبيعية؛ التبادل الاختياري الطوعي.

لن يأتي رخاؤنا كأفارقة من المساعدات الأجنبية أو الأموال السهلة. لقد حظينا بكثير من هذه الأمور في أفريقيا، لكن لم يكن لها تأثير إيجابي على حياة الفقراء. إن هذا النوع من «المساعدات» يزيد الفساد ويقوض سيادة القانون. فالمساعدات تأتي مشروطة بشراء الخدمات من أشخاص بعينهم في الدول المانحة للمساعدات. وهذا يشوه العلاقات التجارية. وأسوأ ما في الأمر أن «المساعدات» تفصل الحكومات عن شعوبها؛ لأن من يسددون ثمنها ليسوا في أفريقيا، بل في باريس أو واشنطن أو بروكسل.

يمكن أن تشوه التجارة وتصير غير حرة على يد النخب المحلية التي تسيطر على الوزراء بطرق ليست بخفية. فيمكن أن تشوه التجارة من خلال منح حقوق الاحتكار بغرض إقصاء المنافسين المحليين والأجانب على حدٍّ سواء. والأدهى من ذلك أنه يمكن تشويه التجارة حين تحصل النخب الأجنبية على حقوق الاحتكار من الحكومات المحلية من خلال صفقات المساعدات المشروطة بالتواطؤ مع حكوماتها نفسها؛ صفقات تقصي المنافسين المحليين والأجانب لأنها نهائية. كل هذه القواعد تحد من الأسواق ومن حريتنا. وهكذا نجبر على شراء السلع والخدمات التي قد لا تكون بأعلى جودة أو بأفضل سعر؛ لأننا لا نملك حرية الاختيار. وانعدام الحرية هذا يكبحنا ويديم الفقر.

ومع ذلك فنحن لا نُسلب الأسعار الأقل والجودة الأعلى وحسب، بل نُسلب من فرصة الابتكار، والاستفادة من عقولنا من أجل تحسين أحوالنا بواسطة طاقتنا وتفكيرنا. وعلى المدى البعيد تكون هذه الجريمة أعظم في حقنا. إن سياسات حماية الإنتاج الوطني والامتيازات لا تديم الإفلاس الاقتصادي وحسب، بل تسبب أيضًا جمود الفكر وفقد الشجاعة والشخصية والإرادة والتصميم والإيمان بأنفسنا.

إن ما نحتاجه هو المعلومات. نحن بحاجة للتحدث إلى الناس على أرض الواقع، وبحاجة للتحقق من الحقائق نفسها. في أغلب الأحيان لا تكون هذه الأمور أسرارًا، لكن يندر أن يوجد من يهتم بالنظر. والأدلة دامغة على أن رأسمالية السوق الحرة وحرية التجارة والمساواة في الحقوق تحت سيادة القانون تؤدي إلى رخاء جموع البشر.

إن ما نحتاجه هو رأسمالية السوق الحرة التي تمنحنا المساحة لتحقيق ما بوسعنا. يوضح عالم الاقتصاد هرناندو دي سوتو، من دولة بيرو، في كتابه «لغز رأس المال» كيف أن الفقراء يمكنهم تحويل «رأس المال الميت» إلى «رأس مال حي» لتحسين حياتهم. ليس نقص رأس المال قدرًا محتومًا، ونحن في أفريقيا نملك الكثير من رأس المال، لكن أغلبه لا يمكن استخدامه لتحسين حياتنا؛ فهو «ميت». إننا بحاجة لتحسين حقوق الملكية كي نجعل رأسمالنا الوفير «رأس مال حي» يمدنا بالحياة. إننا بحاجة للتملك، وبعبارة أخرى، نحن بحاجة لأن تُحترم حقوقنا. إننا بحاجة للمساواة أمام القانون. إننا بحاجة لرأسمالية السوق الحرة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤