خاتمة الكتاب
مملكة الحكايات الخرافية … قد تكون مكانًا للنشوة، لكنها في جوهرها أرض الشَّجَن، (التي تفيض) برموز المعاناة.»
في «حكاية الخادمة»، للكاتبة الأمريكية بولا فوكس، تسأل المؤلفة حينما كانت طفلةً صغيرة: «ما الفرق بين القصة والكذبة؟» فتجيب جدتها بنفاد صبر: «الكذبة تخفي الحقيقة، أما القصة فتحاول العثور عليها.» تبذل الطفلة جهدها «كي تفهم مغزى قولها …» فتقول لها الجدة، مهدئةً خاطرها: «هوِّني على نفسكِ. ستفهمين كل شيء في وقته.»
بعد ذلك، تضيف بولا فوكس: «لقد خضتُ تجارب كثيرة جعلتني أفهم أن جدتي كانت تتمتع ببصيرة نافذة، وأن الشيء الواحد، بالنسبة إليها، قد يفضي إلى معنًى أعمق وأوسع.»
الحكايات الخرافية هي قصصٌ تبحث عن الحقيقة، وتفتح أعيننا على معانٍ عميقة، وفي هذا تفسير لحضورها المتزايد في الأدب والفنون والسينما والرقص والغناء. كانت الحكايات الخرافية فيما مضى مثل النور وسط الظلام. لكن في ظل الصراعات، والكوارث البيئية، والتوترات المختلفة، باتت الوعود الزائفة، والحلول السهلة مرفوضة، مما أدى إلى «قص أجنحة» الحكايات الخرافية؛ إذ صار الأمل يبدو كأنه كذبًا متعمدًا. وأصبح تقديم الحكايات على طريقة ديزني لاند يحمل دلالة سلبية، وإن لم تكن الأفلام المبكرة لديزني غير منقحة كما يشاع دائمًا. إن «تحقيق الأعاجيب المتخيلة»، الذي اعتبره تولكين هدف الحكاية الخرافية، فقد بريقه ولمعانه، فقد صارت سماؤه ملبَّدة بالغيوم. كانت الحكايات في السابق متميزة عن الملاحم والتراجيديات بأجوائها المبتهجة، لكن النسخ الحديثة تقترب أكثر فأكثر من تلك الأشكال السردية الجادة. ورغم أن هناك من لا يزال يستخف بالحكايات الخرافية ويرى فيها سذاجة أو طفولية، فإن الغالبية العظمى باتت تعتبرها من أعمق وأثمن الإبداعات في تاريخ البشر وثقافتهم، وأصبحت تُعامَل على أنها نصوص مقدسة من زمن أصيل ابتدأت فيه المخيلة الإنسانية أولى محاولاتها، كأننا مخططات سردية أصلية دونت في وقت كانت فيه الحقيقة واضحة ومستقرة.
ولهذه الأسباب بدأت الحكايات الخرافية شيئًا فشيئًا تتحول إلى خرافات؛ قصص يتشاركها الجميع حول أعقد المعضلات، لا تنشر التفاؤل أو التعزية، وإنما تحمل في ثناياها حكمةً وعمقًا وفكرًا وتنويرًا. تتحدث الباحثة الأمريكية ماريا تاتر عن «شرارة» الحكايات الخرافية، أو «القدرة على تحفيز قوانا الخيالية حتى تبدأ عين العقل في رؤية المشاهد التي تخلقها مجرد كلمات على الصفحة»، ومن خلال استحضار أبعاد التجربة الإنسانية التي لم نكن نعرفها من قبل، يُولِّد عالم الجنيات مجموعةً من الأحاسيس والمشاعر مثل الخوف والمتعة والرهبة والرضا. وأصبحت أصعب مهمة في عصرنا الحاضر هي تقديم حكاية عن التخلي عن أطفال في الغابة وساحرات آكلات للحوم البشر، بطريقة تناسب الصغار في عيد الميلاد المجيد، دون أن تفقد جاذبيتها للأكبر سنًّا والأوسع اطلاعًا، أو تخترق معايير الأمانة في النقل. وبمرور الوقت، يزداد الميل لترك الحكايات الخرافية لنا، نحن البالغين.
وها نحن نسير في الغابة المظلمة، نتلمَّس فتات الخبز، ونحاول البحث عن الطريق. لكن الطيور قد التقمت فتات الخبز ولا معين لنا سوى أنفسنا. والآن حان وقت أن نتكاتف جميعًا في اقتفاء آثار الخبز وقراءة الإشارات. وفي هذا السياق، تقدم الحكاية الخرافية لنا شيئًا يحفزنا على المضي قُدمًا. ومع أنه ليس بالشيء الكثير، لكنه سيكفي. إنه بداية لا بأس بها.