بلمسة من عصاها السحرية: السحر والتحوُّل
«في الحكاية الخرافية الحقيقية، يجب أن يكون كل شيء عجيبًا — غامضًا وغيرَ مترابط — نابضًا بالحياة.»
لقد اقتُرح أيضًا مصطلح «الحكاية السحرية»، للتعبير عن ذلك النوع من الأدب كبديل أكثر دقة من مصطلحَي «الحكاية الخرافية» أو حتى «الحكاية العجائبية»؛ لأنه يبرز الدور المحوري للسحر في أحداث القصص وطبيعة عناصرها الفاعلية. تفترض هذه القصص أن الكائنات المرئية وغير المرئية تتواصل فيما بينها، وتقدِّم هذا كأنه أمر يحدث منذ الأزل، وتدور أحداثها في عالم ينبض بالحياة، تتحدث فيه الحيوانات وتتحرك الحجارة بمحض إرادتها.
لكن السحر له تاريخه المتغير، ومراحل صعوده وهبوطه، من الجنيات القروسطية إلى الهوس الرومانسي والتملك الروحي، ومن السحر الترفيهي المتشكَّك فيه، إلى الغرابة التكنولوجية المعاصرة.
وتعتمد الحكايات الخرافية الكلاسيكية، في نشر العجائب وإثارة الدهشة، على السحر كقوة سببية؛ أي يصير السحر جزءًا من نسيج الواقع اليومي، حيث تتغلغل قوًى غير مرئية في العالم، تحرِّكها كائنات سحرية، تتصرف غالبًا خارج نطاق سيطرة الأبطال وتُحدِث مفاجآت مستمرة، وتتصرف كما يحلو لها، وتخلق تأثيرات غير متوقعة، تتعارض مع قواعد الفيزياء والمنطق والاحتمالات. تتواصل الجمادات، مثل الذهب والزجاج والغابات والحيوانات، التي يمدها السحر بالحياة والشكل المادي، مع السامع والقارئ فتجذبهما إلى القصة، حيث كل شيء مُتغير، إذ يُضرَب عُرض الحائط بقوانين الطبيعة وتسير الحبكة وفقًا لقوانين السحر. يُستخدم الزجاج في صنع الأحذية، وأيضًا في تشييد الجبال، ويتخذ شكل مرآة تتكلم، أو يتهشم عندما يتخذ شكل فلكة الغزل وتنام صاحبته العذراء مع رحَّالة وضيع. وهكذا، تتمتع شخصيات الحكايات الخرافية بقوًى سحرية في كل الأحوال والظروف. ولا يسير العالم وفقًا للنواميس التي نعرفها؛ إذ يتقلص الزمان والمكان ويتمددان. تنام أورورا مئات السنين وتستيقظ شابة (رغم أن طاهي القصر، حين أُمر بطهيها، خشي من أن يكون لحمها قد صار قاسيًا بعض الشيء)؛ وينجو توم عقلة الإصبع من عشرات المصائب التي يواجه فيها خصومًا في حجم البراكين. ويمنح حذاء الفراسخ السبعة وعباءة التخفي الحماية، أو يصيران سلاحين خطرين إذا وقعا في الأيدي الخطأ.
سحر الطبيعة

إن التركيز على الطبيعة والأشباح من السمات الجلية لحركة الرومانسية، كما أن الحكاية الخرافية الحديثة التي تطورت عبر أعمال الأخوين جريم وغيرهما من جامعي القصص تعتمد على فكرة السحر الطبيعي. ويعمل السحر في الحكاية الخرافية الأوروبية بطريقةٍ تشبه عملَ الجاذبية أو ظاهرة المد والجذر أو السكون الذي يُخلِّفه الكسوف والخسوف؛ لأنه يعكس انسجامًا عضويًّا تطوَّر في المجتمع في أوائل العصر الحديث. كان الكيميائي السويسري باراسيلسوس أول من ربط بين العناصر والأقزام التي تحرس الكنوز (الأرض)، وحوريات السماء (الهواء)، وحوريات الماء (الماء)، والسلاماندر (النار)، ليصبح كلٌّ منها شخصيات نمطية في الحكايات الخرافية.

دخلت هذه الكائنات الخارقة للطبيعة إلى أذهاننا، مُعبِّرة عن سكان أرض الجنيات من خلال الثقافة الألمانية: فعبَّر الشاعر الألماني جوته بشكل درامي عن رؤية باراسيلسوس في مسرحيته الشعرية العظيمة «فاوست»؛ ورسم الفنان الألماني فيليب أوتو رونجي — الذي دوَّن على الورق لأول مرة الحكاية المؤثرة الاستثنائية «شجرة العرعر» — مشاهد كثيرة لأرض الجنيات بأرواحها وأطفالها المستبدَلين المغمورين بضوءٍ ذهبي من عالَم آخر. وتأثَّر الشعراء الإنجليز كثيرًا، لا سيما كولريدج، بهذه الرؤية الألمانية السائدة عن الغرابة الرعوية، وعَمِل كتَّاب الحركة الرومانسية في كل مكان على إثرائها. تسيطر رومانسية تراجيدية أخرى، على سبيل المثال، على مخلوقٍ فانٍ حين تظهر حورية مائية من أحد الينابيع في الحكاية الرومانسية الخرافية المفصَّلة للكاتب الألماني فريدريش دي لا موت فوكي التي ترجع إلى نحو عام ١٨١١؛ وبعد ذلك تتنقل هذه الحورية عبر الروايات الأدبية والقصائد الروائية لتستقر في نهاية المطاف بين دمى أميرات ديزني، وتصبح آريل، حورية البحر الصغيرة، بشعرها الأحمر، وذيلها الذي يشبه ذيل السمكة. تخلصت الأفكار الرئيسية السحرية، في تصور شاعر الحركة الرومانسية الألمانية نوفاليس، المنشغل بعلم الباطن، من كل المضامين الشفهية والدينية، كي تصبح شفرات رمزية تنطوي على حكمة خفية: كان يتوق إلى العثور على الزهرة الزرقاء، غايته المنشودة. وهكذا، تتحول الحكاية الخرافية، في أعمال الكتَّاب الحالمين، إلى رموز ميتافيزيقية. وينتمي كُتَّاب النصوص الأوبرالية مثل إيمانويل شيكانيدر مؤلف كلمات نص أوبرا «الناي السحري» لموتسارت، وهوجو فون هوفمانستال، مؤلف كلمات «المرأة التي لا ظل لها» لريتشارد شتراوس إلى هذا التقليد الرمزي، فلغتهم مليئة برموز غريبة لا تُنسى لكنها متجذرة بقوة في العواطف البشرية.
في أعماق الغابة
تسيطر النساء على أدوار الشر في الحكايات الخرافية. ومع ذلك، يتشارك الغيلان مع الساحرات في تعطشهن للدماء، لكنهم غالبًا ما يكونون عمالقة أغبياء، غير بارعين في السحر على الإطلاق. في الحكاية الإنجليزية الشهيرة «جاك ونبتة الفاصوليا»، يتمكن جاك المخادع من التفوق على الغول، بمساعدة زوجة الغول الطيبة. يُمثِّل جاك نموذج الشخصية المحتالة، وينتشر في الحكايات الخرافية الأوروبية وغيرها من التقاليد الشفهية.
يختبئ الأعداء في الغابات، وبعض الوحوش لا أمل في صلاحها، لكن: احذر الذئب. فقد يتنكر في صورة شخصية طيبة ولطيفة مثل الجدة في فراشها والقلنسوة على رأسها. في النسخ التقليدية الجريئة من حكاية «ذات الرداء الأحمر»، لا تنخدع ذات الرداء الأحمر بالذئب المتنكر في هيئة جدتها وفي فراشها. فهي «ليست لقمةً سائغة لأحد» بحسب وصف كارتر.
ومع ذلك تحيط الطبيعة البطل بعلاقات حميمية أيضًا، ويتضح أن كائنات كثيرة تقف إلى جانبه؛ فهي شجاعة، مخلصة وواسعة الحيلة. وفي حكايات «مدام كاثرين دالنوي» الوافرة، تبدو البراري أماكن موحشة، لكنها في الوقت نفسه تضم أصدقاء ومعاونين؛ مثل الفأر الصغير الطيب والكبش العاشق. وأظهرت دالنوي تأثُّرها بحكايات «ألف ليلة وليلة»، التي تكون فيها تحولات الحيوانات مُعقَّدة، وتنطوي على مغامرات عديدة، كما في «حكاية الدرويش الثاني»، التي فيها يتحول الأمير إلى قرد ويأتي بالأعاجيب بالنيابة عمن أنقذه. وفي «هانسل وجريتل» تصادق بطة الطفلين، وتحملهما على ظهرها إلى بيتهما سالمَين غانمَين. وفي إحدى الحكايات، يتضح أن سمكة قبيحة — سمكة موسى — تمتلك قوًى سحرية كإله قادر على تحقيق الأمنيات، حتى تطلب زوجة الصياد تحقيق أمنية مستحيلة. وفي حكاية «شجرة العرعر»، عندما تدفن الأخت عظام أخيها المقتول مع أمها تحت شجرة:
بدأت الشجرة تتحرك. فتباعدت الأغصان ثم تعانقت، كأنها تصفق بيديها في فرح. آنذاك، انبعث دخانٌ من الشجرة، وفي وسطه لهيب بدا متأججًا. بعد ذلك، خرج طائر جميل من وسط ألسنة اللهب، وبدأ يغني بصوت عذب جميل.
كان الطائر أخاها، الذي وُلِد من جديد وتحوَّل إلى طائر عنقاء آية في الجمال، ليأخذ انتقامه:
وتستمر الحكاية إلى نهايتها المأساوية:
وبينما كانت (الزوجة / زوجة الأب) تخرج من الباب، … طااااخ! ألقى الطائر حجر الرحى فوق رأسها فتهشَّم وقضت نحبها. سمع الأب ومارلين صوت الارتطام القوي، فخرجا. ووجدا دخانًا وألسنة لهب ونارًا تتصاعد من البقعة، وعندما انطفأت النار، كان الأخ الصغير واقفًا هناك. وتناول يدَي أبيه ومارلين، وغمرت السعادة الجميع. بعد ذلك، دخل ثلاثتهم إلى المنزل، وجلسوا إلى المائدة، وتناولوا الطعام.
بعد القضاء على الأم الشريرة، اجتمعت العائلة من جديد حول مائدة الأب، وبُرِّئ الأب تمامًا من التهام لحم ابنه الميت.
ليس كل السحرة الأقوياء مطبوعين على الخير أو الشر دائمًا؛ فهذا التقلب يزيد من التأثير الدرامي للحكاية الخرافية: قد يتحوَّل الجن إلى الفضيلة ويساعدون الأبطال والبطلات بكرم بالغ؛ ويمكن لساحرة مثل الأم هولي، التي تُسبِّب انهمار الثلوج عندما تنفض أغطية فراشها المصنوعة من الريش، أن تُغيِّر من أقدار فتاة طيبة، لكنها تعامل شقيقتها الشريرة السيئة بقسوة بالغة.
وفي تعليق شهير لعالم الأنثروبولوجي كلود ليفي شتراوس يذكر أن الحيوانات «مُثيرة للفِكر»، فهي في الحكايات الخرافية لا تتحدث عبثًا، بل تفتح أفقًا لفهم التجربة الإنسانية: الخوف من الحب والجنس، من العنف والقسوة، من الظلم، ومن النضال الأبدي من أجل البقاء. إن تقليد الكائنات المتحوِّلة الناطقة، من كل صنف ونوع، قديم قدم الأدب نفسه: فحكايات الحيوانات وحكايات الوحوش موجودة في الثقافات المصرية واليونانية والهندية القديمة، كما أن إيسوب، السارد الأسطوري في الأدب الكلاسيكي، له نظراء حول العالم، وهم يلقون الدروس والعِبَر على ألسنة الغربان والنمل والأسود والقرود وابن آوى والثعالب والحمير للسخرية من حماقات البشر ومثالبهم، مع استعراض روح الدهاء والمعنويات المرتفعة السائدة في فن الحكاية الخرافية.
وعلى عكس حكايات الحيوانات الرمزية، حيث تُستخدم الصفات الفعلية والملاحظة للحيوان لتوضيح المغزى (فالقرود ذكية؛ وأسماك القرش مفترسة كما في حكاية «قلب قرد» من زنجبار)، يظهر الوحش في الحكايات الخرافية الرومانسية في هيئة خيالية مثل الكائنات الأسطورية كالتنين أو الثعبان أو القزم الأصفر أو «الدودة الخضراء الضخمة» (في إعادة سرد أنطونيا سوزان بيات لحكاية مدام دالنوي «الثعبان الأخضر»). يمكن أن يظهر العريس الوحش في صورة حيوان كان فيما مضى يشكل خطرًا حقيقيًّا، مثل الذئاب والدببة والخنازير البرية والخنازير الوحشية (مثل الوحش الذي اختاره والتر كرين لرسوماته المعقدة الزاهية الألوان في «الجميلة والوحش»). تخيَّلت مدام دي مورا زوجًا غير مرغوب في صورة وحيد القرن؛ الذي كان آنذاك جديدًا وغير مألوف في المجتمع الأوروبي. وفي كثير من الأحيان، تهدد وحوش هجينة ضخمة مغطاة بالقشور أو الأنياب أو الأشواك، حياة البطلة، بل قد تغتصبها، في بيئات غريبة بعيدة أو في أماكن مألوفة قريبة. ويتحوَّل الأبطال إلى هيئات غريبة، وأحيانًا قبيحة، ومخيفة؛ مثل ثعبان أو غراب أو تمساح أو نمر، وتكون هذه الهيئة المشوهة غالبًا إشارة ظاهرة إلى الشر الكامن داخلهم. لكن ضحايا التحول السحري يُمكن أيضًا أن يكونوا أبرياء، ويتخذون أشكالًا أكثر وداعة وهشاشة، بل عبثية، مثل الحمار، أو الكبش، أو الضفدع، أو الطائر، أو القنفذ.
ورغم كل هذا الظلام، يبقى الخير حاضرًا لا يُمحى، فالساحرات والعفاريت والغيلان والوحوش مهما بلغت سطوتها، لا تستطيع أن تطفئ جذوة الخير المتأصلة في قوة الحياة المتدفقة عبر الطبيعة. هذا التيار النابض يبث الحياة في كل ما يلمسه مهما كان ساكنًا خاملًا. ولا يعتمد في وجوده على الحلول بالأفراد أو أجسادهم، لكن كما ينمو ذيل آخر للسحلية عندما يُقطَع ذيلها، فإن ضحية الحكاية الخرافية نادرًا ما تُستأصل نهائيًّا.
حيوات مسحورة وجمادات تنبض بالحياة
في عالم الحكاية الخرافية، لا تحتاج الأشياء إلى أن تكون حية كي تتفاعل، فالجمادات تنبض بالحياة، والأشياء اليومية تتحول إلى كيانات سحرية مختلفة بمجرد أن تمس بكلمات التعويذة الصحيحة. وغالبًا ما تكون هذه الكلمات سرية، لا يعرفها إلا الساحرة أو المشعوذ أو الحيوان المساعد، وأحيانًا يلتقطها الأبطال بالمصادفة، فيستخدمونها بدورهم. في حكاية «الجميلة النائمة»، تغدق الجنيات اللاتي يحضرن حفلة تعميد الأميرة الرضيعة «بريار روز» الهدايا عليها، لكن إحداهن لا تُعطى صحنًا ذهبيًّا لتتناول الطعام فيه، فتشعر بالغضب وتلقي عليها التعويذة التالية: «في عيد ميلادها الخامس عشر، ستجرح الأميرة نفسها بالمغزل وستخرُّ صريعةً على الفور!» تتدخل جنية أخرى فتخفف اللعنة — في بعض الأحيان تكون أصغر الجنيات الحاضرات سنًّا — وعلى الرغم من أنها ليست قوية بما يكفي لإلغاء اللعنة تمامًا، فإنها تعلن أن بريار روز بدلًا من أن تموت عندما يجرحها المغزل، ستنام نومًا عميقًا مائة عام …
وعلى الفور يعطي الملك والملكة الأمر بإتلاف كل المغازل. لكن الأميرة بعد سنوات تصعد برجًا في القلعة، وتجد عجوزًا تغزل، فتتحقق التعويذة المشئومة.
تعتمد التعاويذ السحرية في جوهرها على الكلمات، مثل «افتح يا سمسم»، «رابونزل! رابونزل! أسدلي شعرك!». وتفترض ديناميكيات السرد فاعليتها، فلا تجد أحدًا في حكاية خرافية يسخر من لعنة، أو نبوءة، أو تحذير صارم.
وفي هذا السياق، تمنح الأشياء الجامدة قوة فاعلة (مثل تميمة الأميرة بدر البدور، ومصباح علاء الدين في «ألف ليلة وليلة»، ومفتاح ذي اللحية الزرقاء الدموي، وحذاء سندريلا الزجاجي)، وتتطور حبكة القصة وتتحرك الأحداث وتتغير المصائر من خلال هذه الأشياء التي تتحرك بكامل إرادتها، وغالبًا ما تكون مقترنة بتعويذات سحرية (مثل البساط السحري، والهراوة السحرية التي تهاجم كل الوافدين الجدد، والمفرش السحري الذي دائمًا ما يقدم وليمة عند بسطه، والمرآة السحرية في «بياض الثلج»، التي تخبر الملكة الشريرة بالحقيقة). هذه الحيوية الغريبة في الأشياء تضفي على عالم الحكاية إحساسًا دائمًا بأن هناك قوًى غير مرئية تتربص؛ فسحر الحكاية لا يتجلى فقط في السحرة الأقوياء والساحرات الآكلات لحوم البشر والغيلان والأقزام وأرواح الماء الناطقة والحيوانات الناطقة، بل في الجمادات نفسها التي تنقلب حية فتزيد من حدة الإثارة والغرابة والرعب، في ذلك الجو الذي يهيمن عليه السحر. فالعوالم السحرية مناطق خطرة.
وتُبنى حبكات الحكايات الخرافية على مبادئ أساسية أخرى للتفكير السحري، بالإضافة إلى السحر الطبيعي وقوى الحياة، ومن بين هذه المبادئ التحول الجسدي، وفاعلية اللعنات والوعود. هذه العناصر تحكم منطق الحبكات الدرامية، مع أن المنطق ليست الكلمة المناسبة للاستخدام هُنا؛ إذ ينشأ عن السحر مفاجآت مستمرة، تضرب بقوانين الاحتمال عُرض الحائط. إن الاحتمال الضمني والقائم دائمًا بحدوث التحوُّل، يعني أن أبطال الحكاية الخرافية، مثل اليتيم وشقيقته في «شجرة العرعر»، والبطل الطائش مثل علاء الدين، والبطلة العفيفة مثل بيتروسينيلا (النسخة الإيطالية من رابونزل)، قد يتحولون، بالمعنى الحرفي للكلمة في بعض الأحيان، وبمعناها المجازي في أحيان أخرى. فبضربة حظ يرتقي الأبطال إلى أعلى المراتب أو يُلقى بهم في الحضيض. ونحن القرَّاء نكون دائمًا في صفهم، نحبس أنفاسنا عند كل منعطف، كأن اللعنة ستطالنا نحن أنفسنا، أو ربما يُحكَم علينا بالموت على يدَي زوجة أبٍ قاسية، أو ساحرة حمراء العينَين قصيرة النظر.
ومع أن السحر يعمل وفقًا لمبادئ أساسية، فإن تجلياته تختلف من ثقافة لأخرى، ومن عصر لآخر؛ مما يضفي جوًّا من الإثارة والتنوع على الحكايات الخرافية. في النسخة الكلاسيكية الفرنسية من سندريلا، «ساندريو أو الحذاء الزجاجي الصغير» للكاتب شارل بيرو، تستخدم الجنيَّة العرَّابة قوتها السحرية في استحضار الحذاء والفستان وعربة اليقطين والسائق الجُرَذ والخدم السحالي، ولكن مغزى الحكاية يميل إلى الواقعية السياسية: يؤكد بيرو في الدرس المستفاد في نهاية الحكاية، بحكم خبرته التي اكتسبها من العمل في البلاط، ضرورةَ أن يكون في حياة كل فرد هذه الشخصية، أي راعٍ نافذ يدعمه اجتماعيًّا. الجنيَّة هي العامل الأساسي في التحوُّلات التي تحدث في القصة، لكن شارل بيرو يحوِّل مصدر قوتها من العالم الخارق للطبيعة إلى العالم الاجتماعي، من الآلهة إلى طبقة النبلاء والأرستقراطيين.
سِحر التحول
إن الطريقة التي يصطدم بها السحر بالواقع نفسه، مُحدِثًا كل هذه التقلبات والانعطافات غير المتوقعة، ترتقي بالحكاية إلى عالم المفاجآت. ويسعنا القول إنها ترتقي بها إلى عالم القدرة على إثارة الدهشة، كما أدرك كليف ستيبلز لويس؛ لأننا قد سمعنا القصة من قبل ونعرف ما سيحدث. سيتعرف الأمير على سندريلا؛ وستُهزُّ بياض الثلج في تابوتها هزًّا عنيفًا فتلفظ التفاحة المسمومة التي كانت تخنقها؛ وستلقى زوجة الأب الشريرة مصيرها المشئوم؛ وهذه المعرفة السابقة بالأحداث تزيد شعورنا بالرضا عندما تنتهي الحكاية بنهاية سعيدة ولا تنقصه.
يُعبِّر والتر بنجامين، الذي كتب عام ١٩٣٦مقالًا مُلهمًا مهمًّا بعنوان «الحكواتي»، عن إعجابه بفكرة تحقيق العدالة في الحكايات الخرافية من خلال السحر. ويعلق بأن الحكايات الخرافية تعطي الأمل بانتصار «الذكاء والمعنويات المرتفعة» في النهاية على قوى الشر الخبيثة.
يرتبط التحول في الحكايات الخرافية ارتباطًا جليًّا بالأساطير، كما أن تنويعات الحكايات الخرافية تضفي لمسات جديدة على التراث: على سبيل المثال، تستحضر «مبارزات الساحرة»، أو مشاهد التحول المستمر أثناء قتال إحدى الشخصيات مع شخصية أخرى، نضال الكائنات المتحوِّلة مثل إلهة البحر ثيتس التي كانت تحاول أن تنقذ نفسها من الزواج من بيليوس، وفي حين أن الأساطير لا تنتهي بنهاية سعيدة (إذ يتغلب بيليوس على ثيتس وتحمل في النهاية بأخيليس)، تنتهي معارك الحكايات الخرافية بهزيمة العدو أو انتصار البطل نصرًا مؤزرًا. في المقابل، قد يكون الثمن الذي يدفعه البطل باهظًا؛ إذ تنتهي المعركة الفاصلة بين الأميرة والجني الشرير في «حكاية الدرويش الثاني» بهلاك الجني في نهاية الحكاية، لكن الأميرة تُصاب بحروق بالغة جرَّاء تحولاتها النارية ولا تتمكن من النجاة. يشير هذا للتوجه السائد في الحكايات الخرافية في أوائل القرن العشرين، حتى إن المخرجة السينمائية الألمانية لوتيه رينيجر عندما عالجت نفس المشهد في فيلمها «مغامرات الأمير أحمد» (١٩٢٦)؛ جعلت «ساحرة جبل النار» تتغلب على عفاريت الواق واق. وخلال معركة شرسة من التحولات المتلاحقة، تتغير أشكال خصومها من أسد إلى عقرب إلى أفعى، إلى نسر إلى قطة إلى ديك … وينقضون ويهجمون ويصارعون، ويتحولون ما بين هيئة وأخرى بسلاسة تامة على ما يبدو.

وعلى عكس الأساطير الكلاسيكية، تُعيد الحكايات الخرافية ضحايا التحولات السحرية إلى هيئتهم الأصلية، أو تجعلهم أجمل بكثير من ذي قبل. وتؤدي استعادة هيئة الأبطال الأصلية إلى التعرُّف على حقيقتهم: فعندما يسقط قِناع الوحش، يظهر الأمير الحقيقي من تحته. وفي كل الحالات، كانت الهيئة الخارجية تُخفي الجوهر الداخلي، ويتطلب الأمر حدثًا جللًا، لتغيير مصير الوحش تمامًا. يتبع هذا الصنف من الحكايات الخرافية عن الوحوش منحنًى سرديًّا يسير كالآتي: تبدأ القصة بتعويذة أو لعنة تحبس البطل في هيئة مروعة وتحوله إلى وحش، وبعد سلسلة من المِحن والأهوال يتم التعرُّف على البطل وتحقيق الإنجاز (هذه هي حكايات سندريلا لكن مع بطل رجل لا امرأة). في بعض الأحيان، تتبع الحبكة منطقًا عاطفيًّا أو نفسيًّا، لكن ليس دائمًا؛ فالأثر الذي تُحدِثه الحكايات الخرافية يعتمد في جانب كبير منه على غياب التفسير غيابًا تامًّا، وعلى غموض المقدمات والنتائج غموضًا ما بعده غموض: كيف أصبح الوحش وحشًا؟ لماذا هانز قنفذ؟ وهكذا تُصاغ هذه القصص في قوالب تقليدية؛ مما يجعلنا — قرَّاءً أو مستمعين — نتوقع ما سيحدث تاليًا، لكن حلَّ عقدة القصة يستلزم مسارات غير متوقعة ومتعرجة، مثل حرق جلد الأفعى في النار في حكاية «ملك الأفاعي» للكاتب الإيطالي جامباتيستا باسيلي، أو قذف الضفدع على جدار غرفة نوم الأميرة في حكاية «الأمير الضفدع». ومن حين لآخر — كما في مجموعة الحكايات الخرافية الرائعة التي يعيد استحضارها الكاتب الدنماركي هانز أندرسن في حكاية «البجعات البرية» — لا تعود الشخصية إلى هيئتها الأصلية تمامًا، ويبقى أثر الحيوان حاضرًا، كما يحدث مع أحد أخوة البطلة المحوَّلين الذي بقي جناح مكان ذراعه؛ لأن البطلة لم تسنح لها الفرصة لإنهاء القميص الذي كانت تنسجه وتخيطه بمشقة كبيرة من الزهور النجمية أو القراص. ينبعث بقوةٍ عبق سحر عالم الحكايات الخرافية من ذلك الكُمِّ غير المكتمل، ومن ذلك الجناح المتبقي.
إطار رقم ٢: التحول الحيواني: صمت الظبي
في حكاية «الأخ الصغير والأخت الصغيرة» للأخوين جريم، تلاحق زوجة الأب الشريرة التي «يمكنها أن ترى عبر جفونها» (فيليب بولمان) الطفلين اللذين هربا إلى أعماق الغابة؛ وتُلقي تعويذة على أنهار الغابة ثلاث مرات. عند الاستماع إلى قرقرة الماء، تستطيع الأخت الصغيرة، مثل أبطال الأساطير، فك شفرة التعويذة، وتفهم ما يقوله الماء؛ وعندما يشرع أخوها في أن يغرف الماء بيديه، تصرخ: «لا تشرب! ماء الينبوع مسحور. وأي شخص يشرب منه سيتحول إلى نمر. دعْه، دعْه! ستُمزقني إربًا!»
عند الينبوع الثاني، تسمع الفتاة تحذير الماء بأن أي شخص يشرب منه سيتحول إلى ذئب. ومرةً أخرى، تنجح في منع أخيها، من شرب الماء. لكن في المرة الثالثة، يكون قد فات الأوان: يشرب أخوها الماء، «وعلى الفور يتغير وجهه، فيزداد طولًا ويغطيه شعر ناعم، وتتحول أطرافه إلى سيقان ظبي، ثم يقف مترنحًا حائرًا، بعد أن تحوَّل إلى ظبي صغير أو شادن.»
بعد ذلك، وكما في التحولات الأوفيدية (نسبة للشاعر الروماني أوفيد)، يحتفظ الظبي بقدرات الأخ الصغير الإدراكية والانفعالية البشرية، لكنه يصير في دوافعه الغريزية مثل الحيوان؛ ولذا لم يعد يستطيع الكلام، ويلوذ بالفرار عند سماع أبواق الصيادين.
تكشف هذه الحكاية الخرافية الرقيقة الشاعرية وجودَ علاقة جوهرية بين البشر وجميع الظواهر. ولا تسير هذه العلاقات وفقًا لمبادئ أخلاقية أصيلة؛ إذ يعمل السحر بشكل اعتباطي. يمكن أن تتحول الينابيع إلى كائنات شريرة، لكنها تتمتع بقوًى محدودة؛ ويمكنها أن تحذِّر ضحاياها المحتملين، لكن عليها أن تطيع التعويذة التي ألقتها عليها الساحرة. والأهم من كل ذلك، تفترض الحكاية الخرافية أن الأخ الصغير يُمكن أن يتحول إلى حيوان. دون أن يعلق أحد على ذلك، ولا على عودته إلى هيئته البشرية. ولن تكون هذه حكاية من مجموعة الأخوين جريم إذا أبدى أحدهم دهشته.
تعاني البطلات أيضًا من إخفاء مهين لهوياتهن الحقيقية تحت الرماد والأوساخ، أو يستترن بعباءة من الخشب، أو بمعطف من الأسل، أو بإهاب حمار أو دب. ولا «يتحولن» إلى هيئات حيوانية مثل بوتوم أو الملك الضفدع، لكن يتخفَّين بمحض إرادتهن للهرب من حبيب غير مرغوب فيه، وأحيانًا يكون هذا الحبيب غير المرغوب فيه هو الأب، كما في الحكاية الخرافية «جلد الحمار». كانت حبكة زنا المحارم هذه شائعة جدًّا آنذاك، حتى صارت حكاية «جلد الحمار» نموذجًا للحكاية الخرافية في عصر شارل بيرو. وجد عالِم الإنسانيات جيمس ماكتاجارت، في أثناء جمعه للحكايات في ريف إكستريمادورا الإسبانية، أن بطلة النسخة الإسبانية من حكاية «جلد الحمار» كانت تلف نفسها بجلد بجعة. حينها، شعر بالحيرة (إذ لم يحدث يومًا أن وُجِد بجع في ذلك الجزء من العالم). لكن سرعان ما اكتشف أن تضخم الغدة الدرقية كان منتشرًا في تلك المنطقة حينذاك، وأدرك أن صورة الطائر الكبير بحوصلته المنتفخة ما هي إلا انعكاس للرقبة المشوهة المتورمة الناجمة عن اختلال وظيفة الغدة الدرقية، وأن الحكاية الخرافية المشهورة اكتستْ بالظروف الخاصة لذلك المجتمع المحلي.
تتعرض البطلات للتشويه الجسدي أكثر من الأبطال الذكور، لكن هذا النوع القاسي من التحول الجسدي يمكن علاجه بطريقة إعجازية، مثل العثور على اليد المقطوعة داخل سمكة، أو عندما تُشفى أجسادهن المثخنة بالجراح والإصابات بفضل تدخل السلطان هارون الرشيد (بمساعدة جنية تدين له بالولاء والطاعة)، كما في حكايات الحمَّال والسيدات الخمس من بغداد في «ألف ليلة وليلة». لكن، لم تكن مسألة نوع الجنس تُشكِّل فارقًا، عندما يتعلق الأمر بأن تلتهم الوحوش البطلات ثم تلفظهن فتخرج أجسادهن كاملة غير منقوصة. بطريقة سحرية، تُستخرج ذات الرداء الأحمر وجدَّتها، من معدة الذئب، وينجو توم عقلة الإصبع بعد أن ابتلعه أحد الغيلان.
إن إبطال تحوُّل البطل إلى حيوان وغير ذلك من تحولات، وما ينجم عن ذلك من التعرف على قَدْر البطل ومناقبه، يمد الحكايات الخرافية الكلاسيكية بالإطار الذي يميزها عن غيرها. وأشهر الحكايات الخرافية في المجموعة الشعبية المعروفة باسم «حكايات العريس الوحش» هي «الجميلة والوحش»، التي كتبتها جين-ماري لوبرنس دي بومون، التي كانت تعمل مربيةً في إنجلترا، ونشرتها عام ١٧٥٨في مجلة «الآنسات»، وهي مجلة متنوعة المواضيع أسَّستها بغرض تعليم تلميذاتها. كانت بومون قد عالجت نسخة سابقة ومعقدة وطويلة، هي «الجميلة والوحش» (١٧٤٠)، للكاتبة الفرنسية جابريل سوزان باربو دي فيلينوف، إحدى سيدات الصالونات الأدبية (مجموعة سيدات اشتهرن باستضافة اجتماعات الأدب والثقافة في منازلهن). في رواية فيلينوف، كان الوحش قد أُلقيت عليه لعنة من عرَّابته الكبرى بعدما رفض تقربها منه. نقَّحت بومون الحكاية الخرافية من الزخارف المبهرجة، وعدَّلتها بما لا يتنافى مع الأخلاق؛ فحولت الحكاية الخرافية إلى تحالف نموذجي، مُستحضِرةً القصص الرومانسية البرجوازية المصمَّمة لتهدئة الفتيات الشابات عندما يواجهن شبح الزواج التقليدي؛ فجاءت الحكاية بمثابة دعوة للفتيات لقبول الزيجات التي يرتبها الأب ولو كان زوج المستقبل لا يرقى إلى معاييرهن. تطمئنهن الحكاية بأنهن في نهاية المطاف سيحببن أزواجهن.
لقد أصبحت قصة بومون من أكثر الأعمال الكلاسيكية التي حظيت بإعجاب كبير من الجماهير، وخضعت لكثير من التعديلات، وتحولت إلى أعمال فنية عديدة، لكنها لم تنجح في إخفاء التيار الشهواني الذي يسري بقوة في كل قصص الوحوش. عندما صنع جون كوكتو فيلمه «الجميلة والوحش» في عام ١٩٤٦، اختار جان مارياس لأداء دور الوحش؛ إذ كان يشع طاقة وحيوية، فمَن ينسى كيف بدا أنه يشتعل نارًا عندما رفضته بيلا، وكيف انبعث الدخان من جسمه كله واحترقت مخالبه وفروته ببطء بعدما قتل فريسته، في حين حزن حزنًا واضحًا عندما أبصر تجليات طبيعته المتوحشة؟ في الحقيقة، يحقق مارياس بقناعه الكامل الكثيف الشعر، مزيجًا لا يقاوم من البشاعة والجاذبية، ولا يزال تجسيد كوكتو لحلم عن قوة الحب يمارس تأثيره الساحر على الجماهير لأكثر من نصف قرن.
سِحر الكلمات
النبوءات، واللعنات، تتحقق لا محالة. من الرسائل المهمة التي تسعى الحكايات الخرافية إلى توصيلها «حذار مما تتمنى». وأخرى «حذار من الوعود التي تقطعها». وثالثة «حذار مما تنطق به من كلمات». فما إن تخرج الكلمة من عقالها، لا يمكنك الرجوع فيها. وهكذا، يولي هذا النوع من الفن احترامًا عميقًا لأثر الكلمات في العالم والقصص أيضًا. من بين كل العناصر القوية الفاعلة المسحورة في القصص، تبقى الكلمات هي الأكثر سحرًا وحياة. وتتشكل التعاويذ من الكلمات المكررة والكلام المقفَّى والألفاظ التي لا معنى لها؛ وعندما تظهر في الحكايات الخرافية، تأتي غالبًا في صورة أبيات شعرية — كالألغاز والأناشيد القصيرة — وهي تنتمي إلى نفس عائلة الأنماط اللفظية التي نجدها في أغاني العدِّ، وأغاني ألعاب القفز، وأغاني الأطفال في المهد.
تنبع متعة المقاطع من عبثيتها، وغالبًا ما تُنشد مرارًا وتكرارًا؛ إذ إن النمطية تنسج التعويذة نسجًا أكثر إحكامًا، ويساعد تكرار صيغتها ثلاثًا في تعظيم قوتها. وتتسم الأسماء بهزليتها وغموضها مما يجعلها تَعْلق بالذاكرة: فبعدما يحبس أولد رينكرانك الأميرة في برج زجاجي، يخبرها بأن اسمها صار من الآن «الأم مانسروت». ويناديها قائلًا:
وقد تتحول الحالة إلى أجواء كوميدية مرعبة:
كما قد تتحول إلى أجواء غريبة وشاذة، كما في الحكاية الشعبية الإنجليزية «الرءوس الثلاثة في البئر»؛ حين يرتفع كل رأس من أعماق البئر بصورة مخيفة ويسأل:
وعند تحقيق أمنيته، يتعهد ﺑ:
غالبًا ما تتوارث الأجيال مِثل هذه الشذرات الشعرية من مصادر مجهولة وغير مؤرخة. على سبيل المثال، ذلك الخليط من الأمثال الشعبية والأقوال المأثورة والأحاجي والإشارات في حديث المهرج من مسرحية «الملك لير»، أو إدجار الذي يتنكر في شخصية توما المسكين، أو أوفيليا المجنونة، جمعه شكسبير، من مستودع زاخر بالمصادر المجهولة القديمة والمُلغزة في أحيان كثيرة، في أثناء كتابة مسرحيته. إن هذه الشبكة من الكلمات تأسر شخصيات القصة في حبالها، بقدر ما تهدف بطبيعة الحال إلى إبهارنا.
تتسع أنماط التكرار، من القوافي والتعاويذ السحرية القصيرة، إلى بنية السرد بأكملها، مع بنية داخلية تعيد تمثيل حدث مشابه مرارًا وتكرارًا، غالبًا ثلاث مرات، وأيضًا ست مرات وسبعًا في بعض الأحيان، وفي «ألف ليلة وليلة» في آلاف الوقائع المتزايدة.
والسحر، بصفته اتفاقًا بين الممارس والعميل، يتطلب جمهورًا ليكون شريكًا فيه؛ فهو يعتمد على موافقة المشاركين على «ذلك التعطيل الطوعي لعدم التصديق» الذي استحضره كولريدج في مقولته الشهيرة، لصالح العناصر الخارقة للطبيعة في قصائده. وتحمل القافية والتكرار والإيقاع سواء في النثر أو الشعر، رواسب التقاليد الشفهية، وتعمل مثل الأدوات التذكيرية. كما تلفت الانتباه إلى الراوي، الذي يفتتح وينهي الحكاية بعبارة ثابتة لتأطير ما سيُروى بوصفه حكاية خرافية، ويساعدنا في دخول العالم الذي يسوده التفكير السحري. وتستلزم هذه الوسائل اللفظية موافقة المشاهدين على قبول ما هو آتٍ مهما كان مستبعدًا. يمكن للمرء أن يقول إنها تلقي تعويذة.
بهذه الطريقة، يستخدم راوي القصص أدوات السحر اللفظي، فتتغلغل العناصر الحيَّة، التي تنسبها الحكاية الخرافية إلى عالم الظواهر، بالقصص نفسها، وتجعلها نوعًا أدبيًّا مستقلًّا بذاته.