في قفص الاتهام: لا تراهن على الأمير
في فترة ما بعد الحرب، نهضت النساء اللاتي نشأن على الحكايات الخرافية، واصطُحبن إلى أفلام ديزني الكلاسيكية مثل «بياض الثلج» (١٩٣٧) و«سندريلا» (١٩٥٠)، واحتججن على الأكاذيب والقوالب النمطية السلبية الموجودة في القصص، والتفكير القائم على التمني، والقيم المُشوَّهة، ومعايير الجمال غير الواقعية، والوعد السائد المُضلِّل بالسعادة الأبدية. كما شنَّت النساء هجومًا على عملية تطهير القصص الأصلية وتهذيبها، على يد رواة القصص وصنَّاع الأفلام، ليتسنى لهم تلقين الأطفال والمراهقين ما يريدون من قيم، بطريقة فيها من الخداع ما فيها. وندَّدن أيضًا بالحكايات الخرافية، باعتبارها أسلحة عمياء تستخدمها السلطة الأبوية والطبقة البرجوازية والعاملون في جراحة التجميل وصناعة الموضة والتحليلات النفسية الحريصة على كبح طاقات الفتيات ورغباتهن لتحقيق مآربهم.

تفشل بطلة مفضَّلة، مثل ذات الرداء الأحمر للأخوين جريم، في استخدام ذكائها والهروب من الذئب، في حين تنجح نظيرتها المغمورة دليلة المحتالة من «حكايات ألف ليلة وليلة» في التغلب على خصومها؛ كما ترفض الفتاة، في حكاية مدام دالنوي، حب الكبش حتى تفيض روحه حزنًا وكمدًا. وعلى العكس من ذلك، يبقى الحقد الدفين للساحرات وزوجات الأب الفاسدات، والضغينة التي لا تفتر أبدًا عند بعض الشقيقات، والغيرة القاتلة بين الأمهات والبنات، كما هو دون انتقاد. وفي الحقيقة، هذه الصور النمطية عن الشرور الأنثوية تخدم أيضًا المصالح الذكورية. فلم تكن الحكايات مجرد عوارض فحسب، وإنما أدوات استراتيجية أيضًا، تقوم على مبدأ فرِّق تسُد. وعلاوةً على ذلك، في عالم أكثر استقرارًا وازدهارًا، يأخذ التشوق لحياة أكثر أمانًا وراحة في الحكايات الخرافية، شكلَ الاستهلاكية الطبقية، والترقي المشبوه في السلم الاجتماعي، مهما كان الثمن. ومِثل هذه القيم المادية وقفت حجر عثرة في طريق النساء، اللواتي عقدن العزم على بناء عالم لا يكون فيه الزواج صفقةً تجارية، بل يعلو فيه شأن رفاهيتهن الداخلية واحتوائهن العاطفي. وأصبح قلب النظام هو شعار الحرب، أي تغيير الحكايات الخرافية قلبًا وقالبًا ورأسًا على عقب.
كانت الخطوة الأولى هي القراءة النقدية للنصوص، للكشف عن أن الحكايات ليست أوعية نقيَّة صافية تحتوي على حكمة القرويين كما يُزعَم، وإنما تعبير عن قيم جامعي القصص والمؤلفين، المقيدة بالزمن والطبقة الاجتماعية. واستعرضت الباحثة روث بوتيجهايمر، في كتابها «الفتيات الفاسدات والفتيان الفاسدون عند جريم» (١٩٨٩)، عبث فِلهِم جريم اللامتناهي في النصوص، بهدف إيجاد العُذر للرجال وإلقاء اللوم على النساء، من خلال تقليل حديث البطلات وإفساح المجال للفتيان للقيام بمزيد من الأفعال والخُطَب. على سبيل المثال، أجرى فِلهِم تعديلات كثيرة على حكاية «هانسل وجريتل»، لتبرير تصرُّف الأب. في الحكاية الصادرة عام ١٨١٢، يوافق كلٌّ من الأب والأم البيولوجيين، على هجر أطفالهما؛ أما في النسخة الصادرة عام ١٨٥٧ والأخيرة، فيتوسل الأب للمرأة — التي تحوَّلت إلى زوجة الأب — لتتراجع عن قرارها، لكنها تفرض سلطانها عليه. ومن أشهر الأمثلة على تدخلات فِلهِم، تنقيحه لحكاية «رابونزل». في النسخة الأولى، تُسدِل رابونزل شعرها للساحرة، فتصعد إلى البرج كعادتها، ثم تسألها الساحرة عن سبب ضيق ثيابها حول جسدها. حينها، تدرك الساحرة أن الفتاة الشابة تواعد شخصًا ما على الرغم من أنها حبيسة البرج، لا يطَّلع عليها رجل ولا وحش … فتقصُّ شعر الفتاة وتطردها لتلد أطفالها — لأنها تحمل توءمَين في بطنها — في البرية وحدها.
والقصة مع ما اشتملت عليه من تفاصيل خيالية متطرفة، تُفصح عن حقيقة الحمل في المراهقة بجلاء وبيان.
لكن فِلهِم وجد الإفصاح مُبالغًا فيه، فغيَّر سؤال رابونزل على النحو الآتي: «أخبريني، أيتها العرَّابة الساحرة، لماذا رفعُكِ للأعلى أصعب بكثير من رفع ابن الملك الشاب الذي يصل إليَّ في لمح البصر؟»
وهكذا، يحول المشهد رابونزل إلى فتاة حمقاء، في حين صوَّرتها النسخة الأصلية ضحية للجهل، والحكاية دعوة صريحة لتثقيف الصغار حول الجنس.
ويتعارض تزمُّت فِلهِم مع غِلظته حين يتعلق الأمر بالأحداث الوحشية البربرية؛ كان بوسعه أن يزعم أن رواية قصة شنيعة عن القتل على مسامع الأطفال مفيدة لما فيها من تحذير لهم من عواقب أفعالهم، ومع ذلك يحجم عن نقل الحقائق الحياتية للفتيات والفتيان الصغار من خلال الحكاية الخرافية. لكن هذه السمة بعينها لا يمكن الاستغناء عنها مهما كان السبب.
في المقابل، استوعبت النسويات ذلك الدور الذي تؤديه الحكاية الخرافية، فأصبحت التربية الجنسية بمعناها الأعم هدفَ تحدِّيهم للحكايات المُعدَّلة.
الصحوات
قدَّمت الكاتبتان الأمريكيتان، ساندرا جيلبرت وسوزان جوبر، دراسة بحثية رائدة عن كتابة النساء في العصر الفيكتوري، بعنوان «المرأة المجنونة في العلية»، نُشرَت في سنة ١٩٧٩، بعد أربع سنوات من إصدار دراسة «استخدامات السحر» لبيتلهايم. ركَّزت جيلبرت وجوبر في دراستهما على القراءات النسوية للحكايات الخرافية لأنها أداة أساسية لفهم وضع النساء آنذاك. ولم تعارضا نظريات بيتلهايم برمَّتها، بل أسَّستا أفكارهما عليها. وحفَّزتهما شخصية الأم الشريرة في «بياض الثلج» على شن هجوم شنيع على افتراضات بيتلهايم التي يشترك فيها مع الأخوين جريم، والدفاع عن العجائز القويات المستقلات النشطات، اللاتي يتعرضن للازدراء بكثرة في الحكايات الخرافية.
إطار رقم ٥: غضب آن سيكستون
تَحْتدُّ الشاعرة الأمريكية آن سيكستون ازدراءً للوعود التي تَعِد بها الحكاية الخرافية في كتابها «التحوُّلات»، الذي أصدرته عام ١٩٧١.
وتغوص سيكستون، وفي ذهنها «بريار روز» (الجميلة النائمة)، الأعماق المظلمة، منشدةً:
وتُعرِّض الإجابة بإدانة الصوت الأبوي — من وجهة نظر البطلة — فنشعر بالاشمئزاز:
إذا ما نظرت إلى ما يكمن تحت تصوُّر آن سيسكتون الرهيب، يمكنك استشعار انعدام الثقة بالعائلات، بالإضافة إلى الحدود الخانقة المفروضة على النساء. يمكنك سماع نبرة اليأس التي تصيب النساء بالجنون.
بعد قراءات دقيقة نقدية للحكايات الخرافية، تراوحت استراتيجيات النسويات من الهجاء الحاد والسخرية والمحاكاة الهزلية إلى طرف النقيض في الطيف الأدبي، وهو الرومانسية، من خلال «إعادة تصوُّر» الحكايات الخرافية بطريقة مبتكرة حاذقة، بحسب تعبير الشاعرة أدريان ريتش. وتضمنت إعادة تصوُّر الحكايات الخرافية — التي تقوم بدور الأدلة الإرشادية لثورة النساء — إعادة تشكيل العناصر المكوِّنة للقصة استعدادًا لبثِّ روح الحياة فيها من جديد.
تأخذ إعادة التصور، في كثير من الأحيان، ما قد سُمِّي ﺑ «نقيض الحكاية»، حيث تقبض الحكاية الجديدة على زمام القديمة و«تحكيها بشكل غير مباشر». لكن جاذبية الحكايات الخرافية الساحرة لا يمكن مقاومتها، لا سيما للخيال الأنثوي، كما يبدو، بل تزيدها المعالجات جاذبيةً فوق جاذبيتها. وتُعَد الدراسة الرائدة لجاك زيبس، «إبطال التعويذة السحرية» (١٩٧٩)، هجاءً متواصلًا متأثرًا بالأفكار الماركسية ضد تسليع الحكايات الخرافية وتجميلها (مصطلحان شبه مترادفان). لكن تحت وابل هذه الانتقادات يَكمُن غضبُ عاشقٍ تعرَّض للخيانة؛ إذ كان زيبس مناصرًا متحمسًا للحكايات الخرافية ومدافعًا مستمرًّا عن قيمتها الجوهرية التحررية. وهو في ذلك يوافق بينجامين، الذي زعم في مقال «الحكواتي» أن للحكاية الخرافية قوةً تُحرِّر العقول، قائلًا: «يُعطي (الحكواتي) نصائح، ليست ذات خصوصية مثل الأمثال، بل عامة مثل كلام الحكماء. فمن خلال الحكواتي يواجه الرجل التقي نفسه.»
ماذا يعني ذلك الاعتقاد؟ وكيف يُمكن أن يتجسَّد في الحكايات الخرافية خاصةً تلك المتعلقة بالنساء؟ ومن أبرز الأعمال التي بزغت من وسط الانفجار الأنثوي «الغرفة الدموية» لأنجيلا كارتر، وهو يجمع بين الكتابة الخيالية المبدعة والنقد البليغ. ونُشرت الحكايات الخرافية العشرة — على منوال الوصايا العشر لكن الدنيوية — في نفس عام إصدار «المرأة المجنونة في العلية»، في عام ١٩٧٩، ولا تزال تحظى بمزيد من القراء عامًا بعد عام، وتؤثر في الأجيال اللاحقة من النساء.
أرادت كارتر أن تستعرض الحكايات الخرافية — بحسب تعبيرها — كي تكشف عن محتواها الجنسي المبطَّن. ومن خلال نصوص نثرية تفيض بالمحسنات البديعية والأسلوب الجذل، تتناول كارتر الشخصيات النمطية والصور الجمالية الجذابة والتحوُّلات الدرامية المحورية وتنقلها بإيجاز درامي يشبه الهلوسة. ويوحي عنوان القصة بأن كارتر فتحت الباب المحظور لجيل من الشابات، بتصوُّرها لذي اللحية الزرقاء على أنه رجل خبير بالوضاعة بليد، نصف وحش، ونصف مستبد من نظام بائد، يثير شهوتها على غير المتوقع: «لأول مرة في حياتي المتقوقعة البريئة، أحسست في نفسي الرغبة بممارسة الرذيلة، بطريقة أذهلتني.»
في حكاية «إيرل كينج» التي تظهر فيها أصداء القصيدة الروائية المخيفة للشاعر الألماني جوته عن الموت الذي يطارد طفلًا، تتذكر كارتر ألحان الموسيقي النمساوي فرانز شوبرت، لكنها تضم إليها ذكريات أورفيوس، والتحوُّل إلى طيور (من حكاية الأخوين جريم «جوريندا وجورينجل»)، والأزواج القتلة، والبطلة المحتالة التي تتغلب على مختطفها، في سبع صفحات فحسب. وفي «طفل الثلج» التي هي نسخة مُنقَّحة للحكاية الأصلية «بياض الثلج»، لا ترفض كارتر تصور الحكاية لمفهوم الغَيرة المُهلِكة الشرسة بين النساء، بل تتناولها بكثير من المبالغة، فيجد القارئ نفسه وجهًا لوجه مع أهوال علاقات القوة المُستحضَرة، فيتعلم كيفية مقاومتها — ربما.
وكارتر هي أنثى ذئب عجوز متمرسة تقود أشبالها، مثل «أليس أنثى الذئب» المتوحشة، في منعطفات الرغبة الجنسية. لكن مشاغبتها المرحة التي تركز الضوء في كثير من الأحيان على زوايا الجنس المظلمة، دفعت الكثير من أخواتها في الحركة إلى نبذها، لتبقى شخصية متمردة مثيرة للجدل. وهذا ما كانت تتمناه. فقد قالت أيضًا: «الحكاية … تستأثر بوظيفة أخلاقية فريدة؛ وهي إثارة القلق.»
لقد أصبحت حكاية «الغرفة الدموية» الميثاق التأسيسي للحكاية الخرافية الحديثة، وعملت على صحوة ملايين القراء (لا سيما الفتيات) الذين قرءوها للمرة الأولى. وليس من المبالغة القول إن كتابات كارتر غيَّرت آفاق ذلك الفن الأدبي. وبالطبع، في حالتي (وأظن أنني أُمثِّل النموذج النمطي للفتيات)، زوَّدتني بمعرفة ضرورية وجديدة عن الجنس. لكن، على عكس غالبية الحكايات الخرافية، وغالبية الحكايات الخيالية الجنسية التي تباع بكثرة في عصرنا الحاضر بلا شك، تمتاز كتابات كارتر بسحرها الخاص؛ فلا يعرف أسلوبها النثري الخجل في احتفائه وازدرائه الجارح ونقده اللاذع. كما تقدِّم أداءً ينبض بالحركة والحيوية، وتستعرض مهارتها في استخدام اللغة والسخرية والتعريض والعبارة والمفردات. وتتسم كارتر بمرحها وعمقها وشجاعتها الحيوية وهي تحاول إعادة تشكيل عوالم ممكنة جديدة، لا تخضع فيها البطلات لرغبات الآخرين، وإنما يفهمن رغباتهن الذاتية ويبادرن لإشباعها، حيث لا تفرض البنيات الاجتماعية قيودًا على الأرواح الحرة. وخضعت عناصر حكايات كارتر لمحاولات تقليد كثيرة؛ فقد أعطت مواضيع الاستعباد والشهوانية الأنثوية المحرمة الفرصة للكتاب الأقل مهارة لكتابة «أمي الفاتنة»، لكن كارتر والحكايات الخرافية نفسها بريئة من هذه الأصداء.
يمكنكَ القول إن عام ١٩٧٩ شهد ازدهار الحكاية الخرافية، حيث قامت أنجيلا كارتر بحركة استفزازية متعمدة ومشينة في صورة مقال «المرأة السادية»، الذي أيَّدت فيه إباحية الماركيز دي ساد، واعتبرتها أداة للتوعية النسوية. ونشرت الدار النسوية الجديدة، «فيارجو»، المقال. بشكل عام، رأت كارتر في الحكايات الخرافية لشارل بيرو والأخوين جريم ومدام دالنوي اللاحقة، الهيمنة الذكورية المُفترَضة، بأعراضها المثيرة للإزعاج بشدة، وتواطؤ النساء مع القمع الذكوري والاستغلال الجنسي، ومع ذلك أحبَّت الحكايات وأمضت وقتًا في ترجمتها والتفاعل معها.
وفي وقت لاحق من مسيرتها في الكتابة، انشغلت أنجيلا كارتر بجمع الحكايات الخرافية. لكنها لم تُعِد تصوُّر الحكايات أو تعدِّلها أو تُحسِّنها. انبعثت من مختاراتها القصصية روحُ مقاومةٍ أكثر مرحًا من «الغرفة الدموية». وفي تلك المختارات، جمعت كارتر فتيات محتالات ماهرات جريئات مشاغبات (لم تكن الضحية بياض الثلج بينهن) وألحقت بهن مجموعة من النساء العجائز القويات العنيدات: كانت تحب المرأة الحيزبون على سبيل المثال. أعادت اكتشافهن بعد أن كُنَّ قد أصبحن شخصيات منسية من تراث شعبي قديم مُهمَل، وأزالت عنهن الغبار، ثم صنَّفتهن وَفق الأقسام التالية: «الفتيات الصالحات وأين يمكنك العثور عليهن»، و«العقول الجبارة والأساليب الملتوية»، و«الجميلات». وهي بذلك تريد أن تستفيد من كونها امرأة وكاتبة، فجاءت حكايتها متأثرة ﺑ «نقيض الحكاية»، والأمل يشوبه السخرية.
لا تزال تلك الفترة المليئة بالإثارة والمعارضة تتردد أصداؤها بقوة؛ فاسم «أنجيلا كارتر» يجذب جماهير عريضة، حتى بعد وفاتها بعشرين عامًا، كأنها نجمة روك. لكنها نفسها كانت تشكك في قدرتها، أو غيرها، على إحداث أي تغيير، كما كانت تعي جيدًا تحذيرات الفيلسوفَين الألمانيَّين هربيرت ماركوز وثيودور أدورنو، أن في إطار النظام الحالي للأسواق والإعلام، أي فعل أو عمل هدَّام سينتهي المطاف باستيعابه وإزالة ضرره. ومع ذلك، لم تتخلَّ عن نضالها. فكما جذبتها الحكايات الخرافية ولم تستطع مقاومتها، دفعتها قيمها الكريهة، في نظرها، أن تُفسِد عذوبتها، فتشابكت الرومانسية والتهكم في محاولتها الشرسة لإعادة صياغة الحكايات الخرافية. كانت كارتر طوباوية وهجائية، ونشبت داخلها معركة لم تُحسَم بين المثالية واليأس.
ولقد حفَّزت الروح المعارضة للحكاية الخرافية النسوية، ازدهار الأدب القصصي الخيالي لليافعين، بما يحتوي من خيالات راسخة، تسلط الضوء على حيوات الفتيات — وبعض الفتيان — عَبر إعادة استحضار «رابونزل» و«بياض الثلج» وغيرهما من الكلاسيكيات. وأصبحت الاحتجاجات المُحتدِمة في سبعينيات القرن العشرين، من مسلَّمات النشر للأطفال وجلسات العواصف الذهنية لمنتجي الأفلام. واستعانت شركات الأفلام المتحمِّسة، في قطاع الترفيه العالمي الواسع، بكاتبات السيناريوهات مثل جينيفر لي (فيلم «ملكة الثلج» ٢٠١٣) وليندا ولفيرتون (فيلم «مولان» الذي يدور حول أميرة صينية محاربة؛ وفيلم «الأميرة والوحش»، وفيلم «علاء الدين»). وتتميز الأفلام ببطلاتها المبتهجات المفعمات بالحيوية القويات البنية؛ مما يحقِّق بوضوح طلبَ الجماهير بتوفير نموذج إيجابي يُحتذى به. لكن الأفلام في كثير من الأحيان تعكس التوتر الحاصل، فتطرح أفكارها حتى وهي تحاول جاهدةً ألا تفعل ذلك؛ على سبيل المثال، الأغنية الافتتاحية التي تتقاطر سخرية من فيلم «رابونزل»، وهي «الأم تعرف الأفضل»، تواصل بشكل حاسم دعمَ تمرُّد المراهقين وإلقاء اللوم على الشخصيات السلطوية النسائية الأكبر سنًّا. لكن إجمالًا ساهم نقد المحللين النفسيين والنسويات في أثناء استقصائهم للأسرار المظلمة لجوهر الحكاية الخرافية في تغيير شكل هذا الفن الأدبي.
واحتلَّ كتاب «الاتجاهات الأبوية» للكاتبة إيفا فايجس مركز الصدارة في حركة النسوية فيما بعد الحرب العالمية الثانية، عندما نُشِر عام ١٩٧٠؛ وبعد مرور جيل بأكمله، كتبت فايجس «حكايات البراءة والخبرة» (٢٠٠٣)، وهو سرد جذاب لطيف لعلاقتها بحفيدتها. كانت فايجس تقرأ الحكايات الخرافية مع حفيدتها، وتلاحظ مدى تعقيد استجابتها، فتخلط ملاحظاتها الفطنة المُحبَّة بقصة أخرى عن طفولتها في الماضي البعيد، ثم تقلُّ النبرة الشخصية وهي تحكي عن المعضلات التي لا تزال الحكايات الخرافية تضع فيها النساء. وتظل ذكريات الكاتبة عن برلين قبل الحرب وملاحقة عائلتها اليهودية واعتقال أبيها وحصوله على العفو لأجل حظه السعيد جدًّا، ثم رحيلهم إلى المنفى في لندن عام ١٩٣٩، تروح وتجيء وهي تراقب حفيدتها وتكتنفها برعايتها. لقد تُوفي أجدادها في معسكرات الاعتقال؛ وقد أثَّرت هذه المعرفة غاية التأثير في تصوُّرها لمصير الجدة في حكاية «ذات الرداء الأحمر». ولم تسرد على حفيدتها هذه القصة.
كل قصة يُمكن روايتها بطريقة مختلفة: تُدرك إيفا فايجس بفطرتها، عَبْر السرد، أثَرَ الحكايات الخرافية. فمشهد قراءة الحكاية وسردها، يُمكن أن يفضي إلى التعزية وإشباع الرغبة، لكن إيفا فايجس ليست غافلة عن المخاطر التي ينطوي عليها:
جزءٌ من روتين قراءة الحكايات أن أضع ذراعي اليمنى حولها، فأمنحها الدفء والأمان، وأقلب الصفحات بيدي اليسرى … أتوقف لأشير للتفاصيل الثانوية في الرسومات الملونة، مثل بومة تجثم فوق غصن، وسطح منزلٍ من كعك الزنجبيل، يبدو لذيذًا مثيرًا للشهية. فأكرر، كما فعلت في مناسبات سابقة، أن الساحرات ليس لهن وجود في الحياة الحقيقية وإنما في الحكايات فحسب.
وتطرح وفيات الأمهات، وشرور زوجات الأب، وشهية الغيلان وتواطؤ زوجاتهم، والأبوان اللذان يهجران أطفالهما — التي هي من سمات الحكايات الخرافية القاسية — تحديًا تلو الآخر أمام سرد القصص. تتوقف فايجس عند «بياض الثلج» وتقول:
أستأنفُ السرد بالحكاية الحزينة ﻟ «بياض الثلج»، التي حبلت بها أمها في منتصف فصل الشتاء، بشعرها الأسود وبشرتها الملائكية، إلا أن الأم تلفظ أنفاسها الأخيرة وهي تلدها.
يدق ناقوس الخطر في عقلي، وأنا أتلفظ بهذه الكلمات بصوتٍ عالٍ. فأشرح لها بسرعة أنه، في الأيام الغابرة البعيدة، كانت النساء أحيانًا تموت عند وضعها لمولودها، لكن لم يعُدْ ذلك يحدث الآن قطعًا. تنتظر ابنتي مولودها الثاني، وقد بدأت بالفعل تظهر على طفلتها الأولى علامات انعدام للأمن، فلم تكن بحاجة إلى أن تقلق على فقدانها لأمها تمامًا …
يبدِّد طقس التهيؤ للنوم، حيث تستقر الطفلة في أحضان جدتها، خطر التهديد الذي تطرحه القصة ويذيبه؛ لكن قد لا يكون ذلك كافيًا أو قد لا يمُدُّها بما يكفي من الدفء. تعلِّق فايجس: «قد يخلق القتال جوًّا ممتعًا، لكن حتى نقطة معينة. أين هذه النقطة؟ هذا هو السر الذي لا إجابة له.»
إن الهجوم الباسل الذي شنته الكاتبات النسويات على الحكايات الخرافية كشف حقًّا عن المحتويات المستترة في ثناياها، لكن نتائجه لم تكن مُتوقَّعة. إن مشكلات البطولة الأنثوية يواجهها جميع الباحثين، ذكورًا وإناثًا، لكنهم مُسلحون بمعارف وتوقعات مختلفة عما كان في السابق، عندما كانوا يشقون طرقًا جديدة عَبْر شجيرات الورد الشائكة (نسبةً لحكاية الجميلة النائمة).