إتحاف السريان مكتبات الواتيكان وفلورنسا بمخطوطات شرقية

(١) هدية الجاثليق يهب آلاها الثالث

مثلما اشتغل علماء الموارنة في نقل مخطوطات شرقية إلى مكتبات أوروبا، ولا سيما إلى رومة وباريس هكذا أتحف أيمَّة السريان تلك المكتبات بطائفة من المخطوطات جليلة وثمينة. وأقدم من رواه التاريخ من هذا القبيل هو الجاثليق يهب آلاها الثالث (١٢٨١–١٣١٧)، الذي سيَّر إلى الحبر الروماني كتبًا ثمينة، وهدايا نفيسة وتحفًا لائقة.١
وكان ذلك على يد العلامة السرياني صوما الشهير، الذي وجهه أرغون ملك التتر (١٢٨٤–١٢٩٠م) في وفد من أرباب الدين والدنيا إلى بابا رومة وملوك أوروبا لإبرام عهود الاتفاق معهم.٢

(٢) هدية البطريرك أغناطيوس نعمة الله الأول

لما ارتحل البطريرك أغناطيوس نعمة الله الأول (١٥٥٧–١٥٩٠) إلى رومة على أثر تنزله عن السدة البطريركية عام ١٥٧٦، حمل معه طائفة من المخطوطات القديمة، ثم سعى لاستحضار غيرها من بلاد المشرق، فنقل إليه المطران موسى والشماس عبد النور ما توفقا إلى جمعه من الذخائر الكتابية. فما كان من البطريرك نعمة الله إلا أن أهدى كل ما اجتمع لديه من المخطوطات إلى المكتبة الواتيكانية وإلى مكتبة فلورنسا.

ومما يؤثَر عن البطريرك نعمة الله أنه ساعد البابا غويغوريوس الثالث عشر في تصحيح الحساب اليولي،٣ وقد تم استبدال هذا الحساب نهائيًّا في ١٥ تشرين الأول سنة ١٥٨٢ بالحساب الغويغوري، الذي اعتمدته أغلب شعوب الأرض شرقًا وغربًا.

(٣) هدية أحبار السريان على يد ليونرد هابيل القاصد البابوي

في السنة ١٥٨٣ أنفذ الباب غريغوريوس الثالث عشر إلى بلاد المشرق قاصدًا رسوليًّا خبيرًا باللغة العربية يسمى ليونرد هابيل. ولدى وصوله إلى حلب أخذ يفاوض أحبار الملة السريانية، وأعيانها في المهمة التي جاء لأجلها. وقد عرض عليهم حين ذاك أن يرسلوا شبانًا إلى رومة ليتكملوا بالعلوم. وحثهم على انتقاء أفضل ما عندهم من الكتب العلمية والطقسية لأجل طبعها وتعميم فوائدها، فجمع على يدهم كمية من المخطوطات وعاد بها إلى رومة.٤

(٤) هدية المطران طيمثاوس كرنوك والمطران أثناسيوس سفر والمفريان إسحق جبير

يؤثَر عن المطران طيمثاوس كرنوك السرياني († ١٧٢٤) أنه جمع عددًا وافرًا من المخطوطات المهمة، سريانية وعربية، واعتنى بنسخ كتب أخرى، ثم أهداها بأجمعها إلى المكتبة الواتيكانية.٥
وفي السنة ١٧٥٣ بيع دير السريان الذي شيدوه قديمًا في أكمة أسكولينو برومة،٦ وكان يحتوي على خزانة مخطوطات عامرة، جمعها مؤسسه السيد أثناسيوس سفر العطَّار († ١٧٢٨) في أثناء رحلاته إلى الأصقاع الأرمنية، والتركية، والفارسية، والهندية والأوروبية والأميركية.٧ ونسخ واستنسخ كتبًا عربية وسريانية أهدى منها قسمًا إلى المكتبة الواتيكانية،٨ وأضاف إلى خزانة ديره المشار إليه ما وقفه العلامة المفريان باسيليوس إسحق جبير († ١٧٢١) من المخطوطات والمطبوعات. وقد ضمت تلك الكتب برمتها بعد بيع الدير إلى المكتبة الواتيكانية.

(٥) اشتغال أنطون طرازي في المكتبة الواتيكانية وهدية حفيده فيليب

ارتحل المقدسي أنطون طرازي (١٧٨٩–١٨٥٥) إلى رومة عام ١٨٢٩، فكلفه البابا بيوس الثامن ببعض أشغال في المكتبة الواتيكانية. فقام أنطون بتلك المهمة خير قام لأنه كان ذاك اطِّلاع واسع في العلوم الشرقية، ومتضلعًا من اللغات العربية والسريانية والإيطالية، واشتغل خصوصًا بقسم المخطوطات، فصرح بمزايا كلٍّ منها ورتبها في أمكنتها ترتيبًا علميًّا. ولأجل ذلك يقرأ في أحد سجلات المكتبة اسم أنطون طرازي بين رجال الفضل الذين حفظ هذا المعهد الكتابي ذكرًا طيبًا لخدمهم المشكورة.٩ وقد أتحف تلك المكتبة العامرة حفيده فيليب، واضع هذا التأليف بطائفة صالحة من المخطوطات والمطبوعات في أوقات مختلفة.

(٦) هدية الخورفسقفس يوسف داود الموصلي

بتاريخ ٣٠ أيلول ١٨٦٧ أنفذ الكردينال إسكندر برنابو رئيس مجمع نشر الإيمان في رومة رسالة إلى العلامة الخوري يوسف داود،١٠ موعزًا إليه أن يجمع كل ما يتيسر له جمعه، ويستنسخ ما يستحسن استنساخه من الكتب المخطوطة في شتى اللغات، فبذل الخوري يوسف وسعه في ذلك حتى حصل عددًا وافرًا من تلك الذخائر العلمية النادرة الوجود. وفي ١٣ حزيران ١٨٦٩ ارتحل الخوري يوسف داود إلى رومة، ونقل معه صناديق عديدة مشحونة بالمخطوطات، وجعلها في مكتبة نشر الإيمان.١١

ولما حرر المطران إقليميس يوسف داود صك وصيته الأخيرة بتاريخ ١٢ ك١ سنة ١٨٨٩، أوصى بطائفة معتبرة من مخطوطات مكتبته لخزانة كتب مدرسة نشر الإيمان المشار إليها؛ ذلك اعترافًا بجميل هذه المدرسة التي أرضعته أفاويق المعارف. ويقال: إن جميع تلك المخطوطات أصبحت في حوزة المكتبة الواتيكانية في الوقت الحاضر.

(٧) هدير دير الشرفة

في السنة ١٨٨٠ وافى إلى لبنان الأب أوغسطين شياسكا،١٢ وتعهد مدرسة الشرفة البطريركية بلبنان ومكتبتها. ونقل منها إلى رومة كتبًا نفيسة قديمة يرتقي عهد بعضها إلى القرنين الحادي عشر والرابع عشر.١٣

(٨) هدية الكردينال تبوني بطريرك السريان الأنطاكي

بعد ارتقاء البطريرك أغناطيوس جبرائيل الأول تبوني إلى السدة الأنطاكية عام ١٩٢٩، ارتحل إلى عاصمة الكثلكة قيامًا بالفروض التقليدية، خليفة مار بطرس. فانتقى حينذاك أغلى ما كان في خزانته الخاصة من المخطوطات القديمة، وأهداها إلى البابا بيوس الحادي عشر (١٩٢٢–١٩٣٩)؛ لتضم إلى المكتبة الواتيكانيكة التي كان يديرها هذا البابا قبل انتخابه حبرًا أعظم.

وعلى أثر توجيه الكرامة الكردينالية إلى البطريرك المشار إليه، جمع أيضًا طائفة معتبرة من المخطوطات السريانية والعربية والفارسية والتركية، يناهز عددها ماية وخمسة عشر مخطوطًا، بينها كتب منسوخة على رق الغزال يرتقي عهدها إلى القرن العاشر للميلاد. ولما سافر الكردينال البطريرك في السنة ١٩٣٧ إلى عاصمة الكثلكة نقلها معه فأضيفت إلى هديته السابقة في المكتبة الواتيكانية. هكذا اغتنت تلك المكتبة الشهيرة بكنز جديد قدمته الكنيسة السريانية على يد بطريركها الكردينال لرأس الكنيسة الكاثوليكية.١٤
وفي السنة التابعة ارتحل الكردينال البطريرك نفسه إلى رومة، وأتحف المكتبة الواتيكانية أيضًا بطائفة من المخطوطات العتيقة، لا تقل اعتبارًا وقيمة وعددًا عن المخطوطات التي أهداها إليها سابقًا.١٥

(٩) هدية قورلس جرجس دلَّال مطران الموصل

اقتفى آثار من نوَّهنا بذكرهم من مشاهير السريان متروبوليت الموصل السيد قورلس جرجس دلال؛ فإنه أتحف المكتبة الواتيكانية عام ١٩٣٨ بعدد صالح من نفائس المخطوطات ونوادرها، نذكر منها: كتاب «الديدسقاليا»؛ أي تعليم الرسل مكتوبة على رق الغزال، ويرتقي عهدها إلى القرن الثامن للميلاد، ومما أهداه أيضًا مطران الموصل إلى الخزانة الفاتيكانية إنجيل ضخم كتب في القرن الثالث عشر للميلاد يبلغ طوله ٦٠ سنتيمترًا، وهو مزدان بصور مستبدعة ملوَّنة يزيد عددها على الخمسين صورة. ومما يلفت الأبصار أن جميع فصول الأناجيل، التي تُقرأ في الأعياد الممتازة مدوَّنة في هذا الكتاب الفريد بحروف ذهبية وملونة، وقد صرَّح العارفون بالمخطوطات القديمة أن لهذه التحف الكتابية قيمة أثرية كبرى فضلًا عن قيمتها المادية.

(١٠) هدية مار يوسف عمانوئيل الثاني بطريرك بابل

في السنة ١٩٣٩ يمَّم رومة السيد يوسف عمانوئيل الثاني بطريرك بابل الكلداني؛ ليهنئ البابا بيوس الحادي عشر (١٩٢٢–١٩٣٩) بيوبيله الكهنوتي الذهبي، فاغتنم تلك الفرصة وأهدى إلى قداسة الحبر الروماني إنجيلًا ثمينًا مكتوبًا على رق الغزال، سر به الحبر الأعظم سرورًا جزيلًا.١٦
١  سيرة يهب آلاها: طبعة بيجان سنة ١٨٩٥ ص٤٩.
٢  الحروب الصليبية في الآثار السريانية: ص٢٣٣.
٣  مجلة «الشرق المسيحي» الفرنسية في باريس: سنة ١٨٩٨ ص٢٠٩.
٤  مجلة الشرق المسيحي سنة ١٨٩٨ ص٢٠١–٢١٦.
٥  السلاسل التاريخية: ص٣٢.
٦  معجم مرلوني Morloni مجلد ٢٦ ص١٢٦ عمود ٢.
٧  السلاسل التاريخية: ص٣٢–٣٨.
٨  أخبار رحلة فرنسيس بيكة إلى أرمينية والعجم، للخوري إسحق أرملة: ص٧٥.
٩  الحلل الطرازية في الأسرة الطرازية: بقلم الخورفسقفس إسحق أرملة: ج١ ص٤١.
١٠  ارتقى إلى كرسي مطرانية دمشق في ٢٣ نيسان سنة ١٨٧٩ باسم إقليميس يوسف داود.
١١  كتاب «القلادة النفيسة في فقيد العلم والكنيسة» تأليف فيليب دي طرازي ص١٣.
١٢  صار كردينالًا في السنة ١٨٨٢.
١٣  طالع مخطوط «التحفة في تاريخ الشرفة» لكاتب هذه السطور ص٤١ و٤٤، وكتاب «الطرفة في مخطوطات دير الشرفة»: المقدمة ص٥–٦.
١٤  جريدة «صوت الأحرار» في بيروت بتاريخ ١٩ ت٢ سنة ١٩٣٧.
١٥  جريدة «البيرق» في بيروت: عدد ٢٣٦٦ في ١٩ آيار ١٩٣٨.
١٦  مجلة «النجم» في الموصل: مجلد ١ سنة ١٩٢٩ ص٥٧٦.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤