الفصل الخامس

اعتراضات

إلى هنا انتهيت من بيان الاشتراكية، ولكني ذاكر فيما يلي بعض اعتراضات وجَّهها بعضهم إلى الاشتراكيين ومذهبهم للرد عليها.

فمن ذلك اتهام الاشتراكيين بأنهم ضد الدين ينوون إلغاءه عندما يستولون على أَزِمَّةِ الحكومة. وهذه فِرْيَةٌ لا أساس لها. فإن الاشتراكية تضم بين دعاتها المؤمن والْمُعْطِّلَ، والمسيحي والمسلم واليهودي على السواء. وهي قبل شيء نظام مالي لا دخل له في الدين.

ومن الاعتراضات أيضًا القول بأن الاشتراكيين ثوريون ينوون الاستيلاء على الحكومة عنوة ويعملون بعد ذلك على مصادرة الأملاك ومطاردة الأغنياء. فإن هذا الكلام أولى أن ينسب إلى تخبط المعتوهين منه إلى تفكير العقلاء، وجهاد الاشتراكيين في الانتخابات البرلمانية دليل على أنهم يدخلون البيوت من أبوابها. ويريدون الوصول إلى أغراضهم بالوسائل الشرعية.

ومن اعتراضات الأغبياء القول بأن دعاة الاشتراكية متذبذبون في مبادئهم، يجمعون المال لأنفسهم ويريدون حرمان الأغنياء منه. وهذا هراء محض. فالاشتراكي يرى أن أثمن شيء في العالم الآن، كالعلم والراحة والصحة، بل والمسكن والخبز، متوقفة على المال. فهو لذلك يشتغل له مضطرًّا. ولكنه يدعو الناس في الوقت نفسه إلى الاشتراكية لأنه يراها أضمن لراحة البال وأقرب إلى أمنية السعادة. ولسان حاله يقول: «أعطوني التعليم المجاني العالي لأبنائي، وافتحوا المستشفى لي وقت مرضي، واضمنوا لي عملًا حتى لا أقع في البطالة، وادفعوا لي أجرًا مناسبًا وأنا أتنازل لكم عن كل ما أمتلك، أما الآن فإنا نتزاحم ونتغالب، حتى نصل إلى الاشتراكية».

ويعترض بعض المتفلسفة على الاشتراكية بقولهم إنها تعوق الانتخاب الطبيعي. فتجعل الضعيف الذي رسمت له الأقدار الموت والهزيمة في الحياة يعيش وينتصر على حساب الأقوياء. وهذا كذب؛ لأن كل غرض الاشتراكية أن يتساوى الناس في فرصة الإثراء والسباق في ميدان الأعمال. وليس غرضها أن تساوى بينهم في المكافأة. ولا يساعد الانتخاب الطبيعي مثل أن يكون الزواج في الأمة مبنيًّا على الحب الصحيح، كما يكون في الاشتراكية، لا على المال أو الجاه أو الرتبة كما هو حاصل الآن. فالاشتراكية تعين — ولا تعوق — الانتخاب الطبيعي من هذا الوجه. وتعينه أيضًا بإلغاء مبدأ الإرث، فلا يعيش فيها أبناء الأغنياء الذين لا يستطيعون كسب معاشهم بأنفسهم كما يعيشون الآن بفضل ما ورثوه عن آبائهم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤