تقديم الترجمة الإنجليزية

تم التكليف بعمل محاورات ككتاب حوارات تقليدي في سلسلة تحمل نفس الاسم تضمَّنت حوارات مع كتاب من أمثال رومان ياكوبسون ونعوم تشومسكي. ورغم ذلك، كما يقول دولوز في التصدير لهذه الطبعة، سرعان ما اتضح أن شكل «الحوار» كان غير مناسب: أن آلية «السؤال والجواب» كان لها تأثيرُ إجباره على وضع لا يعود لديه فيه ما يقوله. ما كان الأمر بحاجة إليه هو شكل يمكن أن تحدث فيه «محاورة» دون فرض ترتيب خارجي، قسري على فكر دولوز. وكانت النتيجة شكلًا يكون فيه كل فصل «محاورة» تتكون من نصفَين يرتبطان ويعملان معًا بكثرة من الطرق. وفي الفصل الأول نجد النصف الأول بتوقيع دولوز والثاني بتوقيع «مُحاوِرته» interlocutor كلير بارنت. أما في الفصول الأخرى فإن النصفَين غير موقعَين ولم يعُد ممكنًا استخلاص المساهمات الفردية.

ليس الكتاب إذن «حوارًا» أو «محادثة»، رغم أن به عناصر من كلَيهما. إنه ينمو في اتجاهات عديدة، دون مبدأ تنظيمي شامل. وإذا استخدمنا مصطلحات دولوز فإنه الكتاب بوصفه آلة حرب، الكتاب بوصفه «ريزومة». ليس ثمة مراتبية الجذر، والجذع، والغصن، بل كثرة من البراعم المتشابكة فيما بينها تنبت في كل الاتجاهات. إنه من ثم شرح وكذلك تمثيلٌ ﻟ «التعددية الدولوزية».

وهذه «المحاورات» هي ذاتها إنباتات لسمينار دولوز الشهير في جامعة فانسين (حيث كانت كلير بارنت مشاركًا منتظمًا). وكان هذا يجري صباح كل ثلاثاء، في قاعة سمينار ضئيلة، تختنق بالدخان لم يكن يجد مقعدًا فيها إلا من يصلون مبكرين قبلها بساعة. ستكون «استكشافات» دولوز غير رسمية بأسئلة ومقاطعات متكررة. وستتراوح النقاشات من سبينوزا إلى الموسيقى الحديثة، ومن علم التعدين الصيني إلى غناء الطيور، من اللغويات إلى حرب عصابات الجريمة … ستنمو الريزومة، وتنتشر التمييزات. وكان على عاتق المشاركين أن «يصححوا» الثنائيات التي ينتقل بها دولوز، «أن يصلوا إلى الصيغة السحرية التي ننشدها جميعًا التعددية = الواحدية، بالمرور خلال كل الثنائيات التي هي العدو، العدو الضروري تمامًا.» ويمكن رؤية هذه السيرورات تعمل هنا.
هذا الكتاب ذاته «ينمو من منتصف» السلسلة البارزة من الأعمال التي أنتجها دولوز وفيليكس جاتاري خلال أعوام السبعينيات: ضد-أوديب (١٩٧٢م)، كافكا: نحو أدب أقلياتي (١٩٧٥م)، الريزومة (١٩٧٦م)، وألف مسطح (١٩٨٠م). ومن بين كل هذه الأعمال، فإن محاورات هو أكثرها «شخصية» وسهولة منال مباشرة. وستكون جميعها متاحة قريبًا مترجمة. لأول مرة، ستكون لدى المتحدث بالإنجليزية فرصة لإجراء تقييم مناسب لمحاولة راديكالية وأصيلة ﻟ «التفكير» في تعددية نشيطة. ورغم أن هذه المحاولة تعمل على خلفية من الحياة الثقافية الفرنسية تصبح بالفعل عتيقة على نحو غريب، فإن لها أيضًا روابط هامة مع طرق التفكير الإنجليزية. وتتضح هذه الروابط في مناقشة تفوق الأدب الأنجلو-أمريكي في الفصل الثاني. هكذا يبدو دولوز من هذا الكتاب إمبيريقيًّا وبراجماتيًّا من طراز خاص: ليس «براجماتيًّا سلبيًّا» يقيس الأشياء على الممارسة بل براجماتي «بنَّاء» هدفه هو «صناعة المواد لكبح القوى، للتفكير في ما لا يقبل التفكير».
نود أن نشكر البروفيسور دولوز لمساعدته في الترجمة. وقد سعينا إلى ترجمة «المصطلحات المحورية» بطريقة تتسق مع الترجمات الحديثة لمجمل أعماله. ونود أن نشكر بريان ماسومي Brian Massumi، مترجم ألف مسطح، على اقتراحاته وتعليقاته.
وقد انتهجنا أثر الترجمات الأسبق في ترجمة agencement إلى assemblage الكلمة الفرنسية لها معنًى إيجابيٌّ وكذلك معنًى سلبيٌّ، «طريقة للتجميع أو الترتيب» وكذلك «التنظيم أو الترتيب» الناتج. وسبب لنا مصطلح mot d’ordre الهام بعض الصعوبة. معناه الحرفي هو «word of order» [كلمة نظام] لكن الترجمة المعتادة هي «slogan» [شعار]. وأراد البروفيسور دولوز ترجمة «تشدد على العلاقة مع الكلمة أو مع اللغة على الأقل» (مثلما في mot de pass [password]). وأخيرًا استقررنا على order-word [كلمة-الأمر]. وهذه هي أيضًا الترجمة التي تبناها بشكل مستقل بريان ماسومي.
عادةً ما تُترجم الكلمة الفرنسية ritournelle بكلمة refrain [نغمة قرار/لازمة موسيقية] بالمعنى الموسيقي، وكذلك تغطي التيمة المتكررة لغناء الطائر. وبعد النقاش مع البروفيسور دولوز اخترنا كلمة «ritornello» [ريتورنيللو] باعتبارها الترجمة الأنسب. ويستخدم الكتاب بشكل متكرر مركبات فعل devenir مثل devenir-femme أو devenir-animal. وليس المعنى معنى شيء «يصبح امرأة» حيث «الكينونة امرأة» هي نتيجة الصيرورة بل بالأحرى «صيرورة امرأة خالصة»، دون ذات أو موضوع؛ ومن ثم ترجمنا مثل تلك التعبيرات المركبة باعتبارها، مثلًا، «صيرورة-امرأة». ولا يجب تفسير هذا على أنه يتضمَّن أن شيئًا، «امرأة»، مثلًا، «يصير». وقد قدم البروفيسور دولوز لهذه الترجمة هامشًا جديدًا لشرح استخدامه لمصطلح «hecceity». وقد قدمنا بعض الشروح الأخرى في هوامش المترجمين المميزة بعلامة ().

نودُّ أن نشكر كل من قدموا لنا النصيحة والعون، بما في ذلك مارتين جوجين، وبول باتون، وبالأخص روبرت جاليتا. أما كارولين ديفيدسون وريتشارد ويليامز، فلم يكتفيا بمساعدتنا وتشجيعنا بل كان عليهما أن يعانيا عملية الترجمة عن قرب غير مريح.

هيو توملينسون
باربارا هابرجام

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥