القسم الأول
الفلسفة هي نظرية الكثرات. وكل كثرةٍ تتضمن عناصر فعلية
وعناصر افتراضية. ليس ثمة موضوعٌ فعلي بصورة محضة. كل فعلي
يحيط نفسه بضباب من الصور الافتراضية. هذا الضباب يتصاعد من
حلقات متزامنة الوجود ممتدة بدرجة أو بأخرى، تتوزَّع فوقها
الصور الافتراضية وتسري. هكذا يبعث جزيء فعلي ويمتص
افتراضيات قريبة بدرجة أو بأخرى، من أنواع مختلفة. وتسمى
افتراضية من حيث إن انبعاثها وامتصاصها، خلقها ودمارها، تجري
في زمن أصغر من الحد الأدنى الممكن التفكير فيه من الزمن
المتصل، ومن حيث إن هذا الإيجاز يبقيها منذ ذلك الحين خاضعةً
لمبدأ عدم اليقين، أو عدم التحدُّد. كل فعلي يُحيط نفسه بدوائر
من الافتراضيات المتجددة دومًا، تبعث كلُّ واحدة منها أخرى،
وكلها تحيط وتتفاعل فوق الفعلي («في مركز سحابة الافتراضي
ثمة أيضًا افتراضي من رتبة أرقى … كل جزيء افتراضي يحيط نفسه
بكونه الافتراضي، ويقوم كل جزيء منها بدوره بنفس الشيء إلى
ما لا نهاية …»)١ بفضل الهُوية الدرامية للديناميات، يكون الإدراكُ
بمثابة جزيء: يحيط الإدراكُ الفعلي نفسه بضبابية صور افتراضية
تتوزع فوق حلقات متحركة تتباعد شيئًا فشيئًا، وتكبر شيئًا فشيئًا،
تتشكل وتتبدد. إنها ذكريات من أنواع مختلفة: تُسمى صورًا افتراضية من حيث إن سرعتها أو
إيجازها تبقيها هنا خاضعة
لمبدأ اللاوعي.
الصور الافتراضية لا تنفصل عن الموضوع الفعلي بقدر ما لا
ينفصل هذا الأخير عن تلك الصور. تعمل الصور الافتراضية إذن
على الفعلي. من هذه الوجهة للنظر فإنها تقيس، فوق مجموع
الدوائر أو فوق كل دائرة، متصلًا
continuum، فضاءً
spatium [سباتيوم] يتحدَّد
في كل مرة بأقصى زمن يمكن التفكير فيه. وتناظر هذه الدوائر
المتسعة بدرجة أو بأخرى للصور الافتراضية، طبقات عميقة بدرجة
أو بأخرى للموضوع الفعلي. وتشكل هذه الدوائر القوة الدافعة
الكلية للموضوع: طبقات هي ذاتها افتراضية، وفيها يصبح
الموضوع الفعلي بدوره افتراضيًّا.٢ الموضوع والصورة كلاهما هنا افتراضيان، ويؤسسان
مستوى المحايثة الذي يذوب فيه الموضوع الفعلي، إلا أن الفعلي
يكون قد مر بسيرورة تفعيل
d’actualisation تؤثر
على الصورة مثلما تؤثر على الموضوع. ومتصل الصور الافتراضية
متشظٍّ، والسباتيوم [المتصل الفضائي] مقطوع وفق تحللات زمنية
منتظمة أو غير منتظمة. وتنكسر القوة الدافعة الكلية
للموضوع الافتراضي إلى قوًى مناظرة للمتصل الجزئي، بسرعات
تجوب السباتيوم المقطوع٣ الافتراضي لا يكون أبدًا مستقلًّا عن التفردات
singularités التي تقطعه
وتقسمه فوق مستوى المحايثة. وكما بيَّن ليبنيتز، فإن القوة هي
افتراضي في طريقه إلى التفعيل، كما هو الحال بالنسبة للفضاء
الذي تنتقل فيه. ينقسم المستوى إذن إلى كثرة من المستويات،
متتبعًا انقطاعات المتصل وانقسامات القوة الدافعة التي تحدِّد
تفعيلًا للافتراضيات، لكن كل المستويات لا تصنع سوى مستوًى
واحد، وفق المسار الذي يقود إلى الافتراضي. يضم مستوى
المحايثة في آنٍ واحد الافتراضي وتفعيله، دون أن يكون هناك حدٌّ
قابل للتحديد بين الاثنَين. الفعلي هو المكمل أو الناتج، موضوع
التفعيل، لكن هذا الأخير ليس له ذاتٌ سوى الافتراضي. التفعيل
ينتمي إلى الافتراضي. وتفعيل الافتراضي هو التفرد، بينما
الفعلي ذاته هو الفردية المتأسسة. الفعلي يسقط خارج المستوى
مثل فاكهة، بينما يربطه التفعيل بالمستوى كأنه ما يحوِّل
الموضوع إلى ذات.
١
Michel Cassé,
Du vide
et de la
création,
Editions Odile Jacob, p. 72-73.
Et l’étude de Pierre
Lévy, Qu’est-ce que le
virtuel?,
editions de la
Découverte.
٢
Bergson,
Matière
et mémoire,
Editions du centenaire, p. 250
(les chapitres II et III analysent la
virtualité du souvenir et son
actualisation).
٣
Cf. Gilles
Chatelet, Les Enjeux du
mobile,
Editions du Seuil, p. 54–68
(des “vitesses virtuelles” aux “découpages
virtuels”).