خلافة عمر بن الخطاب

مضى أبو بكرٍ، وولَّاها عمرْ
الشمُس لا تُخلَفُ إلا بالقمرْ
ما مال حائطُ الهدى حتى اعتدلْ
والركنُ إنْ سَدَّ من الركن بدلْ
بزاهدٍ قام مكان الزاهدِ
مُجاهدٍ نابَ عن المجاهدِ
قلَّده في نزعهِ الصلاةَ
إن الوُلاةَ تزِنُ الولاةَ
بالمؤمنين نهض الأميرُ
مضطلِعٌ بأمرهم شِمِّير١
يوماه في الصُّحبةِ والإمامهْ
كلاهما السَّرْحة٢ والغمامهْ

•••

إسلامهُ للدين كان عِزَّا٣
رنَّح عِطْفَ المصطفى وهزَّا
صُلِّيَ في الكعبةِ لمَّا آمَنا
وطافَ بالبيتِ الطريدُ آمِنا٤
وكان في دين الجدود صُلبا
لا يأْتَلِي الدينَ الجديدَ ثَلْبَا

•••

ثار إلى حيثُ النبيُّ مُوعِدا
ومُبرِقًا بسيفه ومُرعِدا
فجاءَه مُوحِّدٌ من الزُّمَرْ
وقال جِئْ أهلَك فانظرْ يا عمر٥
وحَّدَتِ اللهَ ابنةُ الخطابِ
وآمَن السعيدُ في الأخطاب٦
فجاءَها معتزِمَ الشِّراسِ
وكان صلبًا خشِنَ المِراسِ٧
فراعَه من الخِباءِ هيْنمهْ٨
وصوتُ مستخفيةٍ مُرنِّمهْ
فقال: ما أسمع؟ قالت: طه
فلم يصوِّبْها ولا خطَّاها
قال، وعِرفانُ الصوابِ مَكرُمَه:
فاطمُ هذا منطِقٌ ما أكرمَهْ!
وآنستْ سكينةَ الحواري
من رجلٍ في صحوه سوَّار٩
كَحَمَلٍ مُدلَّلٍ صار الأسدْ
والصارمُ المسلولُ عاد كالمَسَدْ١٠
كأنما سقتْه أمَّ ليلى١١
أو أسمعتْ قيسًا١٢ حديثَ ليلى
فجاءَ نادِيَ النبيِّ فاهتدى
وكبَّر الهادي وهلَّ المنتدى
انظرْ إلى الحكمةِ كيف تُنشَدُ
والنفسِ بعد الغَيِّ كيف تُرشَد
لا تقضِ بالعُبوسِ والطلاقهْ
منَ امرئٍ حتى ترى أخلاقهْ
كم ليِّنٍ كالصِّلِّ١٣ يُخفي مَصرَعا
وأخشنٍ كالصخر يُئوي مَشرَعا
ما اتَّبع الحقَّ إذا تغلَّبا
كرجلٍ في باطلٍ تصلَّبا
والرأيُ مثلُ العهد في الجليلِ
يرعاه مَن يرعاه في القليلِ

•••

إن الذي رشَّح للمُلْكِ عُمرْ
أَيَّده بالعلم في خير العُمُرْ
كفى بصحبة النبي مَعْلَما
وبالنبي مرشدًا معلِّما
مَن صَحِب النَّجمَ تعالى وانفردْ
ومن دنا من ساحة البحر وردْ
عِلمٌ عليه من بيانٍ وخُلُقْ
ثلاثةٌ مَنْ زِنَّ للمُلكِ خلقْ
عابوه بالشدة وهي حُسْنُ
في رجلٍ للحقِّ منه حصنُ
ميسَّر في صُلْبِ والديهِ
لتُفتَح الدنيا على يديه
بالعدلِ والدِّرَّةِ طار بالعرب
وسار في الجوِّ بهم وفي السَّرَب١٤

•••

فلم يزل دِعامةَ الإسلامِ
وهامةَ الصحابة الأعلامِ
سمْحًا جوادًا في سبيل الله
نَدْبا١٥ عن الحقوق غيرَ لاهِ
مجاهدًا ببِيضِه وسُمرهِ
وشُهْبِهِ ودُهْمِهِ وحُمرهِ١٦
وعنبرَ العُبَّادِ في الجوامعِ
وسَمَر الزهَّاد في الصوامعِ
وقاضيًا كالذَّكَرِ اليماني
لم يأتِه في سَنةٍ خَصْمان
حتى تلقَّى الحظَّ أسنى أكبرا
أمَّ الصفوفَ وترقَّى المِنبرا
حِباءُ١٧ مَن قاسَ الصنيع وَقَدَرْ
إن الجزاءَ بأوانٍ وقدَرْ
فليس يدري المسلمون سيِّدا
أبركَ وجهًا منه أو أندى يدا
مَن يَلقَهُ في طِمْره١٨ يُلاقِ
ركنَ الحقوق حائطَ الأخلاقِ
وُلاتُه في ملكهم رُهبانُ
والفلْكُ حيث ساقها الرُّبَّانُ
خليفة يَعُسُّ في الإعتام١٩
ويطبخُ الطعامَ للأيتامِ
طريقُه في العدلِ قطُّ ما سُلِكْ
مَن ذا قضى لسُوقةٍ على ملِكْ؟!٢٠
فتُوحُهُ للحَق فَضْلُ الْبَاري
والجزْلُ من هِباته الكبارِ
إِسْكَنْدَرُ الخَيلِ وَإنْ لم يَرْكبِ
الأرضُ مِنْ أيَّامِهِ في مَوْكِبِ
أقامَ في مَرْكَزِه بِيثْربَا
وَشَرَّق القنا به وغرَّبا
ثَوَى وساق نُجَبَ الصِّحَاب
بُورِكَ في البحرِ وفي السَّحابِ
بَقِيَّةٌ مِنْ أُحُدٍ وَبَدْرِ
مِنْ كل غابٍ طَلَعت وخِدرِ
مَحا مُرورُ الدَّهر مُسوَدَّ اللِّمم
وهم كأمسِ حُمُسٌ٢١ مُرْدُ الهِممْ
«بالقُدْسِ» جيشقٌ دونه رُهبانُهُ
تحرَّمت بِعَدْلهم صُلْبانهُ
وجحْفلٌ تحتَهمُ الإيوانُ
كلُّهمُو كِسْرَى أنوشروانُ
وفَيْلقٌ على جَوَانِبِ الْهَرَمْ
تقلدُوا الحقَّ وسُرْبِلُوا الْكَرَمْ
لَوْ هَبَّ فرعونُ لَخَالَ مُوسى
بِجانِبَيْه يَعْرِضُ النَّامُوسَا
تَعَهَّدُوا الفَتْح بالاخْتِطَاطِ
ووصَلوا الْكُوفَةَ بالفُسطاطِ
وَراءَهم مُسَهَّدُ الفُؤادِ
موكَّلُ العيُونِ بالقُوَّادِ
يَبْعَثُ بالزَّادِ ويُرسِلُ المدَدْ
وَيُنِفذُ الكتْبَ ويأخذ العُدَدْ
مُبارَك على المدَى مَجْدُودُ
وللجدود كُلِّهَا حُدودُ
إذا دَعَا بِوَجْهِهِ مُشيرا
نَحْوَ السَّماءِ اسْتَقْبَلَ البَشِيرا
حَتَّى جَلا كسْرَى عن المَدَائِنِ
وآبَ بالإيوَانِ والخزائنِ
وشاطرتْهُ مُلْكَها الْقَيَاصِرهْ
والقُدْسُ فيما بذلتْ وناصِرَهْ
فتحٌ يُرِي الحوادِثَ الإباءَ
إذا الفُتُوحُ أصبحتْ هَبَاءَ
أهْدى على الدهْرِ إلى الإسلامِ
ما بين أعلى النيل والسلامِ
أرضٌ أصابَت من نَدَى السَّماءِ
خيرَ النَّباتِ وعُيُونَ الماءِ
وعالَمٌ باقٍ على عَهْد العَرَبْ
وإنْ مَضى الدهْرُ عَلَيْهِمْ وضرَبْ
ما ضَيَّع الدِّينَ ولا اللسانَا
ولا يَدَ الفارُوقِ والإحْسانَا
١  المجرب الماضي في الأمور.
٢  الشجرة العظيمة.
٣  إشارة إلى قول الرسول: اللهم أيد الإسلام بعمر بن الخطاب.
٤  أي صار المسلمون يطوفون بالبيت مجاهرين آمنين، وكانوا لا يستطيعون ذلك.
٥  هو نُعَيْم بن عبد الله.
٦  ابن عم عمر وختنُه، والأخطاب: جمع خِطْبٍ، وهو الذي يخطِب المرأة، والمراد السعيد بكونه خِطْب فاطمة أخت عمر.
٧  المِراس: المأخذ والمعالجة.
٨  الصوت الخفيُّ.
٩  ذو الحدَّة والشدَّة.
١٠  حبل من ليف.
١١  كنية الخمر.
١٢  مجنون بني عامر.
١٣  الثعبان الخبيث.
١٤  الطريق في الأرض.
١٥  الشهم المنتدَب لعظائم الأمور.
١٦  أي يجمع خيله ودوابه.
١٧  العطاء.
١٨  الثوب البالي.
١٩  الظلام.
٢٠  إشارة إلى حديث جبلة بن الأيهم الذي لطم سوقة فاقتصَّ له عمر منه.
٢١  شبان أشدَّاء لم تَشِبْ لهم همم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤