الفصل الخامس والثلاثون

عودة الجنس اللطيف

الحمد لله والحب! فقد عاد الجنس اللطيف. ومن أين عاد؟ عاد منهزما من حرب البدع الجديدة بدع الأعوام القريبة التي حاول فيها الفتيات أن يكون لهن أشكال الفتيان بلا فرق ولا تمييز فقد مرت بباريس فترة كانت الفتاة هي الفتى في كل شيء: في ترجيل شعره، وتصفيف طرته، وترتيب هندامه. وكان الفتى في حيرة من أمره لا يدري ماذا يصنع ليتميز عن الفتاة، وليس في مقدوره بالطبع أن يلجأ إلى الفارق الطبيعي يعلنه ليعرف الناس أنه فتى لا فتاة!

عاد الجنس اللطيف إلى إرسال الشعر، فانفتح باب الأمل أمام الشعراء ليتغزلوا من جديد في الجدائل الذهبية — فليس هنا شعر فاحم مع الأسف الشديد — وعاد الجنس اللطيف أيضًا إلى إعفاء النهود من الكبس والتجفيف، فعادت الطبيعة ترينا رمان الصدور بجانب تفاح الخدود. وغضت الفتاة النظر عن التمادي في تلك الضلالة العمياء، ضلالة الرجولة في جسم الأنوثة، وصارت تمشي وهي ضعيفة الخطو مِكسال، فتنقل القلب من مكان إلى مكان، وعرفت قيمة الحياء والخفر وتبينت أن سلاحها الحق هو نعومة الضعف لا خشونة القوة، فمضت تتثنى وتتكسر في رقة دونها أخواط البان.

•••

كانت مشكلة الأمس هي مشكلة الشعراء الذين حرمتهم المرأة المترجلة من عرائس الشعر والخيال، وقد فُضت هذه المشكلة والحمد لله، ووجد الشعراء أماكن القول. أما مشكلة اليوم فهي مشكلة الحلاقين، فقد زاد هؤلاء زيادة غير معقولة بسبب إقبال النساء والبنات على قص الشعر، وقد مضت بدعة الشعر المقصوص، فمن أين يعيش جيش الحلاقين العرمرم؟ هذه هي المشكلة، أو لك هي النقطة، كما يقول لافونتين. ولكن لا خوف، فالله عز شأنه يقول: وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَاوَكَأَيِّن مِّن دَابَّةٍ لَّا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤