أناهيت الصباح

صياغات

أصوغ فمي وأنا أتكلمُ عنكِ.
أصوغ عيوني وأنا أنظرُ إليكِ.
أصوغ أقدامي وأنا أتقدَّم نحوكِ.
أصوغ يدي وأنا ألمسكِ.
أصوغ رئتي وأنا أتنفَّسكِ.
أصوغ نهاري وأنا أخفقكِ.
أصوغ مصيري وأنا أتبعكِ.
أصوغ عقلي وأنا أفكِّر بكِ.
أصوغ العالمَ وأنا أحبُّكِ.

تراشق الفينيق

مسرى موكب سفنك من بعيد،
ومسرى طيور سنواتي تتهدَّم في الماء.
عيوني وقفت على مجاذيفك، وحركت قاربَك بخفة وحزن نحوي، القارب حرَّكته عيوني، أحضِّر كأسي.
تراشق الفينيق في الأعالي.
طائر الشمس يطلع من الماء ويحترق.
أنفاسي وقفَت على يديكِ وحركت قاربَكِ بخفةٍ وحزنٍ نحوي، القاربُ حرَّكته أنفاسي، أشمُّ رائحة الكأس، الضوءُ يتناسل حول مجاذيفِكِ، الرياحُ تتكاثرُ حولَ يدَيكِ، أنتظر قدومَك وأهيِّئ لكِ عيوني وأنفاسي.
تراشُق الفينيق في الأعالي.
نخلةٌ بطلعٍ أحمر،
وخضابٌ يبلُّ السماءَ.
قلبي وزنتُه لكِ فكان موفيًا، تنفرط خرز مسبحتي، قامتي قِستُ طولها،
فكانت قدرَ قامتك، الخمر يصعد حتى عيوني.
فعساي أكون مُبرَّأً مِن النقص، عساي أكون مُبرَّأً مِن الظلام، الظلام الذي في اللحم والعظام. الهيام أولًا ثم الغناء.
تراشق الفينيق في الأعالي.
شعب أحمر يدجِّج السماء بِصاياتِهِ الأرجوانية،
وينوح …
عساي أدخل في أُقْنُومك، وعساي ألتفُّ في صالاتك مثل حية وألدغ مَن حولك، وعساكِ تجددين لي أعضائي،
التراشق في الأعالي
طينٌ من قاع البحر أحمر
يدرز السفن.
عسى الهواء يتكاثر في أنفي ويحرِّكُ صدري أشدَّ وأجمل،
عسى الضوء يزداد في عيوني، وعساكِ تخلطيني.
التراشق يزداد.
خمورٌ تفوح مع ألسنة اللهب.
عساه يزداد في فمي ويُنطِقُني، عساك تُشمِّسيني، الهواءُ الذي هو نفخةُ الحياة مِن فمك، التراشُق يتعالى.
هيكل الشمس بين دجلة والفرات،
عساه يزداد ليجذبَك ويجذبني.
التراشق التراشق.
أصلكِ من إريدو
أيتها المُحمَّصة بالشمس.

دمٌ يطوف

ومضى في مجاعِله وتلقَّف آخرئذٍ الأرض،
فقالت له:
لنقم في الزرع ونغرف، من البحر، سمكًا ونصنع لنا اسمَين.
فقال: نعم، أريد ذلك.
فانتشر الطلعُ في شقوق الأرض وأخصبها
وطالَ نسلُهما أبعدَ الآفاق، وانتشرتُ في جسد أناهيت، أشمُّ المقفلَ الغامضَ وأعمى يومًا بعدَ آخر، فقالت:
ها أنت الآن جزء مني، ها أنت في جسدي،
فتكاثر يا حبيبي … تكاثر واجعل أعضاءك تنشطر،
ولتكن أجلَّ مخلوقٍ بين هذه المخاليق. وفي جسدي ليكن عشُّك ودثارك وقسوتك وشرابك؛ ولذلك أسمِّي جسدي الليلَ وأسمِّيكَ الدم، فلعلك تبقى هكذا إلى الأبد.
دمٌ يطوف في ليل.

أيها الماضي

رأفةً بي أيها الماضي!
رأفةً بي!
لا تجرجرني هكذا في صالاتِكَ كالذبيحةِ.
لا تذهب بي إلى الغرف المغلقةِ.
لا تقرأ لي هذه الشفرات على الحائطِ،
ولا تلك الرموز في عيون مَن أحببت.
رأفةً بي يا تاريخَ جسدي!
لا تتعجَّل وتُشعلني في فراديسك
أنا الواجم الملتبس.
مَن، إذا مرَّ عليَّ، لا يجدني أُحدقُ في المطلق؟
أنا الصافن في الجوهر،
المخدوع بخرائطي، أنا المتبتِّلُ.
مَن، إذا مرَّ عليَّ، لا يجدني أصلِّي؟
أنا المزدحم بالعبادة، أنا الجِرارُ تتدفَّق.
مَن، إذا مرَّ، لا يتبتَّل؟
أنا أول المياه (إنكي)،
بكلمتي تتقدم أقدامي،
بكلمتي طعامي يتوفَّر،
بكلمتي المنغلق ينفتح.
أنا الناسلُ.
مَن، إذا مرَّ عليَّ، لا يجدني أزرعُ؟
عندما حضنتُ الليلَ انولد الفجرُ،
عندما حضنتُ الفجرَ انولدَت الكلمةُ.
رأفةً بي أيها الماضي، رأفةً بأوهامي!

أنتِ يا مَن بالزهور

أنتِ، يا من بالزهورِ تضربين أعضائي فتُشفَى،
زهرةٌ لرأسي اسمُها يدُكِ،
زهرةٌ لوجهي اسمُها مرآتُكِ،
زهرةٌ لأذني اسمها أغنيتُكِ،
زهرةٌ لفمي اسمها كأسُكِ،
زهرةٌ لحنجرتي اسمها أصابعكِ،
زهرةٌ لذراعي اسمها قيودكِ،
زهرةٌ لضلعي اسمها حَوَّاؤكِ،
زهرةٌ لفخذي اسمها فخذُكِ،
زهرةٌ لساقي اسمها طوقُكِ،
زهرةٌ لقدمي اسمها أرضكِ،
أنتِ، يا مَن بالزهور …

أدخل عليك

هَبْني أدخل عليك وأنتَ خارج شرنقَتِكَ،
فسأجمع آنذاك أجزاءك،
وأصِلُ قِطعَك.
بعض تاريخكَ في يدي،
وبعضه في قلبي،
فلماذا أنتَ بعيد؟
هَبْني أدخل عليك وأنت في غفرانِ خطاياك،
فسألضم خرز عيونك وأشتل حَنْدَقُوق فمك،
وسأغطيك بأغشيتي الماجنة.
ماذا تخبئ هناك؟
ماذا تخبئ في جمالك؟
ماذا تخبئ في هدوئك؟
هَبْني أدخل عليك،
فسأبل فمك بكلام غريب،
وسأطعمك الحروف وأشرق في لسانك.
هَبْني أدخل عليك،
فسأقيم المدينة لأجلك وأضيء مسالكها
بنفخة من فمي، وأجعلها لك شمسيات مفتوحات،
وسأضع لمجذافك الدفة ولحصانك السرج ولبرجك العيون.
قربي أو قرب النبع،
ستظهر فراشات غريبة … تغني.
هَبْني أدخل عليك،
فأدخل فيك وأتجول في حقولك،
وأشم أعضاءك،
وأصنع مقامًا لي هناك،
أعرِّش في شرايينك،
وأتدفق.
زُخَّ عليَّ يا مطر،
زُخَّ عليَّ واغسل مكياجي،
ودعني أشبه الطبيعة في كل شيء.

قبل أن أجيء

قبل أن أجيء
درزتُ عظامي، وشكَّلتُ فخذي،
شكلتُ يدي وذراعي لك.
قبل أن أجيء
أزهرتُ بستاني، وعطشتُ فمي،
ودهنت عيوني بك.
قبل أن أجيء
جعلت وجهي شاحبًا،
وقامتي مثل غصن؛
لأليق بكَ.
قبل أن أجيء
أضأتُ شَعري وطيبته،
جعَّدتُه لك وطويتُ فيه نجومًا وآسًا،
ولك دورقتُ صدري، وهيَّأتُ مزارع التين
تحت جلدي.
قبل أن أجيء
ضربت بشرتي بأعوادِ خوخ،
ووضعت المشاعلَ في عظامي.
قبل أن أجيء
أوقفتُ قلبي عن الدقِّ،
ورئتي عن النَّفَس،
ورأيت أنك ستُعيدُ الدقَّ لقلبي أقوى،
والنَّفَس لرئتي أشد.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤