الفصل الثالث عشر

عند وصول هال إلى الشارع الرئيسي في القرية، رأى الحشد أمام المكتب. عرف من نظرةٍ واحدة أن شيئًا ما قد حدث. كان الرجال يركضون في هذا الاتجاه وذاك، يومئون، ويصرخون. وكان البعض يأتون في اتجاهه، وعندما رأوه بدءوا يصيحون في اتجاهه. أول مَن وصل إليه كان كووفوسكي، ذلك البولندي الهزيل، الذي جاءه لاهثًا، لا يقوى على التقاط أنفاسه من شدة الانفعال. «لقد طردوا لجنتنا!»

«طردوهم؟»

«طردوهم! من الوادي!» كان الشاب الصغير يُلَوح بذراعَيه في إيماءاتٍ عنيفة؛ وبدت عيناه كأنها توشك على الخروج من رأسه. «أخرجوهم بالقوة! مجموعة كاملة من الرجال المسلحين! رآهم الناس … يخرجون من الباب الخلفي. قيَّدوا أذرُع الجميع. أمسك هؤلاء المسلحون بلجنتنا، ولم يسمحوا لهم بالصراخ، لم يستطيعوا فعل شيء! كانت في انتظارهم عربات … ماذا تُسميها؟»

«أتقصد سيارات؟»

«نعم، ثلاث سيارات! وضعوا الجميع فيها، بسرعة هكذا … وانطلقوا كالريح! خرجوا من الوادي، ذهبوا جميعًا! لقد أخمدوا إضرابنا!» واختتم البولندي الشاب حديثه بتنهيدة يأسٍ مريرة.

صاح هال: «لا، لن يخمدوا إضرابنا! ليس بعد!»

وفجأة انتبه إلى حقيقة أن شقيقه قد جاء في أعقابه … لاهثًا بقوة؛ لأن الركض قد أجهده وأنهك قُواه. أمسك إدوارد أخاه هال من ذراعه، وهو يصرخ: «دعك من هذا، أقول لك!»

وهكذا، فبينما كان هال يستفسر من كووفوسكي، كان يكافح بنصف وعيه، ليُحرِّر نفسه من قبضة أخيه. تفاقم الوضع فجأة، حيث أطلق الشاب البولندي صرخة كأنه قِطٌّ غاضب، وذهب نحو إدوارد بأصابع ممدودة كالمخالب. كان شقيق هال الموقَّر يوشك أن يتخلَّى عن وقاره، لولا أن هال تدخَّل وكبح جماح كووفوسكي بذراعه الأخرى. ثم قال مخاطبًا أخاه: «دعه وشأنه! إنه أخي!» وعندها تراجع الشاب البولندي إلى الخلف، ووقف يشاهد الموقف مشدوهًا.

رأى هال أندروكولوس يركض نحوه. كان الصبي اليوناني في الشارع خلف المكتب، وقد شهد خروج اللجنة، أخذوا تسعة أشخاص … واكوب، وتيم رافيرتي، وماري بيرك، ومارسيلي، وزاماكيس، وروسيك، وثلاثة آخرين وهم مَن تولَّوا مهمة الترجمة لزملائهم في الليلة الماضية. تمَّ كلُّ ذلك بسرعة كبيرة إلى درجة أن الحشد لم يكَد يُدرك ما يحدث.

والآن، بعد أن فهم الرجال ما حدث، احتشدوا جميعًا في حالةٍ من الغضب. هزُّوا قبضاتهم، وهتفوا بتحدٍّ في أوجه المسئولين والحراس الذين وقفوا على مرأًى منهم ومسمعٍ في مدخل مبنى الشركة. انطلقت صيحات غضب مُدوية معلنةً الرغبة في الانتقام.

استطاع هال أن يدرك على الفور مخاطر الموقف، كأنه رجلٌ يشاهد أمامه اشتعال فتيل قُنبُلة. الآن، إذا كان لهذا الحشد المتعدد اللغات أن تكون له قيادة، فلا بد أن تكون قيادة حكيمة وهادئة وواسعة الحيلة.

عندما اكتشف الحشد وجودَه، اندفعوا نحوه كالموج. تجمَّعوا حوله وهم يهتفون. لقد خسروا بقية أفراد لجنتهم، ولكن كان لا يزال لديهم جو سميث. جو سميث! فليَحيَ جو! ليُحاول المسلحون أخذه، إن استطاعوا! لوَّحوا بقبعاتهم، وحاولوا أن يرفعوه على أكتافهم كي يراه الجميع.

صاحوا به أن يُلقِي خطابًا، وبدأ هال يشُقُّ طريقه إلى درج أقرب مبنًى، وإدوارد ممسكًا بمعطفه. كان إدوارد يشُقُّ طريقه بصعوبة متدافعًا وسط الحشود، واضطر إلى التخلي عن وقاره … لكنه لم يتخلَّ عن شقيقه. وعندما أوشك هال على صعود الدرج، جاهد إدوارد في محاولة يائسة أخيرة، صارخًا في أُذُنه: «انتظر لحظة! انتظر! هل ستحاول التحدث مع هؤلاء الغوغاء؟»

«بالطبع. ألا ترى أن مشكلةً ستحدث إن لم أفعل ذلك؟»

«ستُعرِّض نفسك للقتل! ستتسبَّب في نشوب معركة، وسيُطلقون النار على هؤلاء الأشقياء المساكين! تعقَّل يا هال؛ فقد أحضَرَت الشركة حُراسًا مسلحين، بينما أصدقاؤك لا سلاح معهم.»

«لهذا السبب بالضبط يجب أن أتحدث!»

جرت المحادثة في ظروف صعبة، والأخ الأكبر متشبث بذِراع أخيه الأصغر، بينما الأصغر يسعى للإفلات منه، وصاح الحشد في صوتٍ واحدٍ: «فلتُلقِ خطابًا! فلتُلقِ خطابًا!» كان هناك بعض الأشخاص القريبين، مثل كووفوسكي، الذين لم يستسيغوا اعتراض هذا الغريب لطريق بطلهم، وأظهروا أمارات الاستعداد «للتدخل»؛ لذلك تخلى إدوارد أخيرًا عن محاولته المضنية، وصعد الخطيب الدرج وواجه الحشد.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤