الفصل التاسع والعشرون

وصلا إلى المنزل الذي كان يقيم فيه جون إدستروم. فتحت زوجة العامل الباب لهما. وردًّا على سؤال هال، قالت: «إن حال الرجل العجوز سيئ للغاية.»

«ما خَطبُه؟»

«ألم تعلم أنه أصيب؟»

«لا، كيف؟»

«لقد ضربوه يا سيدي. كسروا ذراعه، وكادوا يحطمون رأسه.»

صاح هال وماري فيما يُشبه الجوقة: «مَن فعل ذلك؟ متى؟»

«لا نعرف مَن فعل ذلك. كان ذلك قبل أربع ليالٍ.»

أدرك هال أنه لا بد أن هذا قد حدث في أثناء هروبه من منزل ماكيلار. وسألها: «هل أحضرتم له طبيبًا؟»

«نعم يا سيدي، لكننا لا نستطيع أن نفعل الكثير؛ لأن زوجي عاطل عن العمل، وعليَّ أن أعتني بالأطفال والنزلاء.»

ركض هال وماري إلى الطابق العلوي. كان صديقهما العجوز مُستلقيًا في الظلام، لكنه تعرَّف على صوتَيهما ورحَّب بهما بصيحة واهنة. أحضرت المرأة مصباحًا، فرأياه مُستلقيًا على ظهره، ورأسه معصوبة بضمادات، وذراعه ملفوفة بالجبائر. لقد بدا في حالة شديدة السوء، وعيناه العجوزتان اللطيفتان غائرتان ومُنهَكتان، ووجهه … تذكر هال ما كان جيف كوتون يدعوه به، «ذلك الواعظ العجوز الشاحب الوجه!»

عرفوا قصة ما حدث في أثناء رحلة هال إلى قطار بيرسي. صرخ إدستروم مُحذِّرًا الهاربين، وانطلق ليركض خلفهم؛ وعندئذٍ مرَّ به أحد حراس المنجم، وضربه على عينه فأسقطه أرضًا. اصطدم رأسه بالرصيف، وظل هناك فاقدًا الوعي لعدة ساعات. وعندما صادفه أحدهم أخيرًا واستدعى شرطيًّا، فتَّشوا جيوبه، ووجدوا عنوان هذا المكان الذي احتفظ به مكتوبًا في قصاصة من الورق. كان هذا كل ما حدث … باستثناء أن إدستروم امتنع عن أن يُرسل إلى ماكيلار طلبًا للمساعدة؛ لأنه كان متأكدًا من أنهم جميعًا يعملون على فتح المنجم، ولم يشعر أن له الحق في إزعاجهم بمشكلاته.

استمع هال إلى كلام الرجل العجوز الواهن، ثم عادت إليه موجة من الغضب ولَّدتها لديه تجربته في نورث فالي. ربما كان الأمر غبيًّا؛ لأن ضرب رجل عجوز يفتعل المشكلات كان نوعًا ما مهمة بسيطة من مَهام حراس المناجم. ولكن بالنسبة إلى هال، بدا هذا الأمر، من بين كل الاعتداءات التي رآها هو، أكثر ما يميز تجاهل الشركة المطلق لكل ما هو أفضل في الحياة. هذا الرجل العجوز الذي كان لطيفًا للغاية، وصبورًا للغاية، والذي عانى كثيرًا، ولم يتعلم أن يَكره أحدًا، والذي حافظ على إيمانه نقِيًّا! ماذا كان إيمانه يعني لبلطجية الشركة العامَّة للوقود؟ ما الذي نفعته به فلسفته، وورعه، وآماله للبشرية؟ لقد سدَّدوا إليه ضربة في أثناء مرورهم به، وتركوه مُلقًى … حيًّا كان أو ميتًا، فقد كان الأمران سواء.

لقد حصل هال على بعض الرضا من مغامرته الصغيرة في زي الأرملة، وبعض آخر من نصر ماري الشخصي، ولكن هناك، عندما استمع إلى قصة العجوز الهامس، مات رضاه واندثر. أدرك مرة أخرى الحقيقة المُرة لتجربته الصيفية، وهي أنها باءت بالهزيمة. هزيمة نكراء ومطلَقة! لقد تسبَّب في إزعاجٍ مؤقتٍ لرؤساء العمل، لكن الأمر لم يكن ليستغرق ساعات ليدركوا أنه قد قدَّم لهم خدمة حقيقية عندما ألغى لهم الإضراب. سيُديرون عجلة الصناعة من جديدٍ، وسيكون حال العمال تمامًا كما كان قبل أن يصبح جو سميث، مسئول الإسطبل والمساعد، بينهم. ماذا عن كل ذلك الحديث الذي دار عن التضامن، عن الأمل في المستقبل، ما الذي يمكن أن يصل إليه على المدى الطويل، الدوران اليومي لعجلات الصناعة؟ سينال عمال نورث فالي الحق نفسه الذي طالما نالوه … الحق في أن يكونوا عبيدًا، وإذا لم يهتموا لذلك، فسينالون الحق في أن يكونوا شُهَداء!

جلست ماري ممسكة بيد الرجل العجوز، وهمست له بكلمات تعاطف دافئة، بينما نهض هال وراح يسير في العلِّية الصغيرة وقد استشاط غضبًا.

قرر فجأة أنه لن يعود إلى ويسترن سيتي؛ سيبقى هنا، وسيُحضر محاميًا أمينًا، ويخطط لمعاقبة الرجال الذين ارتكبوا هذا الانتهاك. سيحتكم إلى القانون إلى أقصى درجة؛ فإذا لزم الأمر، سيبدأ معركة سياسية، كي يضع حدًّا لسيطرة شركات الفحم في هذا المجتمع. سيجد شخصًا يكتب له هذه الشروط، وسيجمع الأموال وينشر صحيفة للتعريف بهم! قبل أن تأكل نيران غضبه نفسها، رأى نفسه يترشح لمنصب الحاكم ويطيح بمنظومة الحزب الجمهوري … كل ذلك بسبب محقق مجهول من شركة الفحم ضرب عاملَ منجم عجوزًا شاحب الوجه، وصدمه بالرصيف في الشارع، وكسر ذراعه!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤