الفصل الثلاثون

في النهاية، كان على هال بالطبع أن يلجأ إلى الأمور العملية. جلس بجوار السرير وأخبر الرجل العجوز بلباقة أن أخاه قد أتى لرؤيته وإعطائه بعض المال. هذا الأخ كان لديه الكثير من المال، الذي يُتيح لهم نقل إدستروم إلى المستشفى، أو كان في إمكان ماري أن تبقى هنا بالقرب منه وتعتني به، إذا فضَّل ذلك. توجَّها إلى صاحبة المنزل، التي كانت واقفة في المدخل، كان لديها ثلاثة نُزلاء في منزلها الصغير، على ما بدا، ولكن إذا تمكَّنت ماري من مشاركة السرير مع طفلَيها، فقد يُدَبَّر الأمر. على الرغم من احتجاج هال، قبلت ماري هذا العرض، وقد أدرك ما جال في ذهنها … ستأخذ بعضًا من أمواله لسد حاجة العجوز إدستروم إليه، لكنها ستأخذ منه بأقل قدرٍ ممكن.

لم يكن جون إدستروم يعلم بالطبع شيئًا عن الأحداث منذ إصابته، ومن ثَم أخبره هال بالقصة باختصار … ولكن دون ذكر التحوُّل الذي حدث لمساعِد عامل المنجم. أخبره بالدور الذي لعبته ماري في الإضراب، وفي محاولة الترويح عن الرجل العجوز المسكين، أخبره كيف رآها تمتطي صهوة حصان أبيض كبياض الثلج، وترتدي رداءً أبيض ناعمًا ولامعًا، كأنها جان دارك، أو قائدة لموكب اقتراع.

قالت ماري: «بالطبع، فهو يَلفت الانتباه دائمًا إلى هذا الفستان القديم!»

نظر إليها هال، فرآها ترتدي الفستان القطني الأزرق القديم نفسه. قال: «ثمة شيء غامض بشأن هذا الفستان. إنه أحد الفساتين التي تقرئين عنها في القصص الخيالية، التي تُرقِّع نفسها دائمًا، وتحتفظ بنفسها جديدة ومُستوية. لا يحتاج المرء إلا إلى ثوبٍ واحدٍ كهذا!»

أجابت: «بالطبع يا فتى. ليست هناك جِنيَّات في معسكرات الفحم … إلا لو كنت أنا الجنية، التي تغسل ثوبها في الليل وتُجفِّفه على الموقد وتكويه في صباح اليوم التالي.»

قالت هذا ببهجة لا تتزعزع، ولكن حتى عامل المنجم العجوز، الذي كان مُستلقيًا في آلامه على تخته، أدرك مأساة ألا يكون لفتاة شابة إلا فستان واحد قديم وهي في العمر الذي تتزوج فيه الفتيات. نظر إلى الفتى والفتاة الشابَّين، ورأى اهتمامهما الواضح المتبادَل، وكعادة العجائز، كان على استعدادٍ للمساعدة في التوفيق بينهما. غامر قائلًا في وهنٍ: «قد تحتاج إلى بعض أزهار البرتقال.»

ضحكت ماري، وهي لا تزال ثابتة، وقالت: «مُوافقة!»

قال هال بشجاعة متسرعة: «بالطبع، هي نفسها زهرة! وردة في معسكرٍ للتعدين … وقد تنازع الشعراء من أجلها في قصائدهم. أحدهما يريدك أن تتركها في ساقها، وآخر يريدك أن تجمع براعم الورد بينما لا يزال ذلك ممكنًا … فالوقت يمُر!»

قالت ماري: «الأمر مختلط عليك. منذ قليل كنت أمتطي حصانًا أبيض.»

قال إدستروم العجوز: «أتذكَّر أنكِ كنتِ نملة في وقتٍ ليس ببعيدٍ، يا ماري.»

أصبح وجهها جادًّا. كان المزاح بشأن مأساتها الشخصية أمرًا، بينما المزاح بشأن الإضراب أمرٌ آخر. «نعم، أتذكر ذلك. قلتَ إنني سأبقى في الطابور! لقد كنتَ أكثر حكمة مني يا سيد إدستروم.»

«هذا أحد الأشياء التي يكتسبها المرء مع التقدم في السن يا ماري.» حرَّك يده العجوز المطوية نحوها. وسألها: «هل ستستمرين الآن؟ هل أنت الآن نقابية يا ماري؟»

أجابت مسرعةً وعيناها الرماديتان تلمعان: «أنا كذلك بالفعل!»

قال: «ثمة قولٌ مأثور … مَن يثور مرة يثور دائمًا. اعثُري على طريقة تتلقَّين بها بعض التعليم يا ماري، وعندما يحين وقت الإضراب الكبير، ستُصبحين أحد مَن يتطلع إليهم عُمال المناجم. سأكون هنا، أعلم ذلك … يجب أن يأخذ الشباب مكاني.»

أجابت: «سأؤدي دوري.» كان صوتها منخفضًا؛ كان الأمر كما لو أن الرجل العجوز قد باركه.

كانت المرأة قد نزلت إلى الطابق السفلي لتعتني بأطفالها، وقد عادت الآن لتقول إنه كان هناك رجلٌ نبيلٌ عند الباب، يريد أن يعرف متى يأتي شقيقه. تذكر هال فجأة … لقد كان إدوارد يذرع الأرض جيئة وذهابًا في الخارج، ولم يكن معه أحد إلا «بائع الخردوات المتجوِّل»! كان عزمُ الأخ الأصغر على البقاء في بيدرو قد بدأ بالفعل يضعُف نوعًا ما، والآن ضعُفَ أكثر؛ فقد أدرك أن الحياة مُعقَّدة، وأن الواجبات تتعارض! تعهَّد لعامل المنجم العجوز مرة أخرى أنه لن يعاني العَوز، ثم ودَّعه وداعًا مؤقتًا.

انطلق، وذهبت ماري حتى رأس الدرج معه. أمسك بيد الفتاة الكبيرة الخشنة بين يديه … دون أن يراهما أحدٌ هذه المرة. وقال: «أريدك أن تعلمي يا ماري أن لا شيءَ سيُنسيني إياكِ، أو سيُنسيني عُمال المناجم.»

صاحت: «آه، يا جو! لا تدعْهُم يُبعدونك عنا! نحن في حاجة ماسة إليك!»

أجاب: «سأعود إلى المنزل بعض الوقت، ولكن يمكنك التأكد أنه بغض النظر عما يحدث في حياتي، فسأُقاتل من أجل العُمال. عندما يأتي الإضراب الكبير، كما نعلم أنه قادم في بلد الفحم هذا، فسأكون هنا لأؤدي دوري فيه.»

قالت وهي تنظر إلى عينَيه بشجاعة: «بالتأكيد يا فتى، ووداعًا لك يا جو سميث.» لم ترمش عيناها، لكن هال لاحظ رعشة في صوتها، ووجد نفسه مدفوعًا ليأخذها بين ذراعَيه. كان الأمر محيِّرًا للغاية. كان يعلم أنه أحبَّ جيسي آرثر، وتذكر سؤالًا طرحته عليه ماري ذات مرة … هل يستطيع أن يُحبَّ فتاتَين في وقتٍ واحدٍ؟ لم يكن ذلك متوافقًا مع أي مبادئ أخلاقية نشأ عليها، ولكن يبدو أنه استطاع ذلك!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤