تعقيب

عَلم المؤلف من تجاربِه السابقة أن الكثيرَ من الناس، الذين يقرءون رواية مثل رواية «مملكة الفحم»، يرغبون في معرفة ما إذا كانت تحكي عن واقعٍ حقيقي. ويكتبون له متسائلين عما إذا كان عليهم النظر إليها على هذا النحو، ويطلبون الأدلة ليتيقَّنوا، هم وغيرهم، من الأمر. ونظرًا إلى كونه قد ردَّ على آلاف من هذه الرسائل طوال حياته، فقد رأى أن من الفطنة أن يرُدَّ على بعضها مُقدَّمًا.

تُقدم رواية «مملكة الفحم» صورة لحياة العُمَّال في معسكرات العمل غير النقابية في عدة أجزاءٍ من أمريكا، وقد تجنَّب المؤلف ذكر اسم مكانٍ بعينه؛ لأن مثل هذه الأوضاع موجودة في مناطق متباعدة؛ مثل فرجينيا الغربية، وألاباما، وميشيجان، ومينيسوتا، وكولورادو. معظم تفاصيل الصورة التي رسمها مُجمَّعة في الولاية الأخيرة، التي زارها المؤلف في ثلاث مناسبات في أثناء «إضراب الفحم الكبير» في العامَين ١٩١٣ و١٩١٤، وفي أعقابه مباشرة. يُقدِّم الكتاب صورة حقيقية للأحوال والأحداث التي شاهدها في هذا الوقت. وغالبًا، جميع الشخصيات لأشخاص حقيقيين، وكل حادثة ذات طابعٍ اجتماعي لم تكن حادثة حقيقية فحسب، بل ومُتكررة أيضًا. الحياة التي تُصوِّرها رواية «مملكة الفحم» هي الحياة التي يعيشها اليوم مئات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال في «أرض الحرية» هذه.

يمكن للقارئ الذي يرغب في الحصول على أدلة أن يجدَ مُراده بسهولة. فلم يُجرَ هذا الكم من التحقيقات لإضرابٍ قطُّ إلا لإضراب الفحم في كولورادو. ومستنداتها التي في حوزة المؤلف لا يمكن أن تقل عن ثمانية ملايين كلمة، ويحوي الجزء الأكبر منها شهادة تحت القَسَم في ظل إشرافٍ حكومي. يوجد في البداية تقرير لجنة الكونجرس، وهو وثيقة حكومية مكوَّنة من ثلاثة آلاف صفحة مُكدَّسة بالكلمات، التي تبلغ نحو مليونَي كلمة، وشهادات تُعادلها في عدد الكلمات مُدلًى بها أمام اللجنة الأمريكية للعَلاقات الصناعية، وهي أيضًا وثيقة حكومية، وتقرير خاص عن إضراب كولورادو، أُعِدَّ للجنة نفسها في سجلٍ من ١٨٩ صفحة، يدعم كل ادعاء في هذه القصة، وما يقرب من أربعمائة ألف كلمة من الشهادات المقدَّمة أمام لجنة عُيِّنَت بِناءً على اقتراح حاكم ولاية كولورادو، وتقرير أعدَّه القَس هنري إيه أتكينسون، الذي حقق في الإضراب بصفته مُمثِّلًا للمجلس الاتحادي لكنائس المسيح في أمريكا، ولجنة الخدمة الاجتماعية للكنائس الجماعية، وتقرير لتحقيقٍ مفصَّل أجرته ميليشيا ولاية كولورادو، ونشرات أصدرها كلا الطرفين في أثناء النزاع، والشهادات التي أُدلي بها في تحقيقات الطب الشرعي المختلفة، وأخيرًا، المقالات التي كتبها كُتَّاب مختلفون وهي موجودة في ملفات صحيفة «إيفريبوديز»، وصحيفة «ذا متروبوليتان»، وصحيفة «ذا سيرفي»، وصحيفة «هاربر ويكلي»، وصحيفة «كولير ويكلي»، وجميعها في أثناء عام ١٩١٤.

وقد أعدَّ المؤلف مجموعة من المقتطفات من هذه المصادر المتنوعة، التي اعتزم نشرها في هذا الكتاب، ولكن في أثناء وجود مخطوطة الرواية في أيدي الناشرين، ظهرت وثيقة واحدة يبدو أنها، لأهميتها وثِقَل سُلطتها، قد استَبعدت جميع الوثائق الأخرى. وصدر قرار المحكمة العليا لولاية كولورادو في القضية التي تضمنت عددًا من أهم المسائل التي أثيرت في رواية «مملكة الفحم». ليس من المعتاد أن يحالف الحظ كاتب رواية عن الحياة المعاصرة إلى درجة أن يرى أعلى محكمة في البلاد تؤكد صحة ما ذكره في عمله!

في انتخابات نوفمبر عام ١٩١٤، في مقاطعة هويرفانو، كولورادو، أُعيد انتخاب المرشح الجمهوري جيه بي فار لمنصب رئيس الشرطة، وهو شخص معروف في جميع أنحاء مناجم الفحم بلقب «ملك مقاطعة هويرفانو»، وقد فاز بأغلبية ٣٢٩ صوتًا. طعن منافسه، المرشح الديمقراطي، في الانتخابات بدعوى «سوء السلوك، والاحتيال، والفساد». حكمت محكمة المقاطعة لصالح فار، ونُظرت القضية للاستئناف أمام المحكمة العليا للولاية. في ٢١ يونيو عام ١٩١٦، بعد أن قضى فار كامل فترة ولايته تقريبًا، أصدرت المحكمة العليا قرارًا بإقالته هو وجميع المنتخَبين معه، وحُسم الأمر من جميع النواحي لصالح المستأنِفين.

كان قرار المحكمة طويلًا … نحو عشرة آلاف كلمة، ولن يهتم القارئ بجوانبه القانونية المتخصصة. ويكفي إعادة نشر فقراته الأساسية. سيتعين على القارئ دراسة هذه الفقرات دراسة مُتَأنِّية، آخذًا في اعتباره، ليس فقط الجريمة المحددة التي أدانتها المحكمة، ولكن أيضًا آثارها الواسعة النطاق. كانت جريمة لم يُسبَق لها مثيل إلى درجة جعلت قضاة المحكمة، وهم الرجال الذين اختيروا لمنصبهم لخبرتهم في تاريخ الجرائم، يقولون: «لا نجد مثيلًا لها في الاحتيال في الكتب، ويجب أن نسعى لتحقيق نص القانون ورُوحه في حكومة حُرة، ليكونا معيارَ الحكم على مثل هذا السلوك.» وتجدر الإشارة إلى أن هذه «الجريمة غير المسمَّاة» لم تكن ناجمة عن عاطفة، بل عن سياسة؛ فقد كانت جريمةً خُطِّط لها عمدًا ونفَّذتها شركات هادفة إلى الربح ذات قوة هائلة. وليتخيل القارئ نفسية الرجال ذوي الثروات الكبيرة الذين أمروا بهذه الجريمة ابتغاءَ الحفاظ على ثرواتهم وزيادتها، وليدرك موقف هؤلاء الرجال تجاه عمَّالهم العاجزين، وليسأل نفسه عما إذا كان هناك أي فعل صوَّرته رواية «مملكة الفحم» قد يمنع مثل هؤلاء من إصدار أوامرهم بمثل تلك الجرائم.

يستعرض قرار المحكمة في البداية الخطوط العريضة للقضية، مستدلًّا في معظمه بأقوال محامي المدعى عليه، فار؛ ومن ثَم، ولأغراضٍ عملية، يمكن اعتبار ما يلي شأنًا خاصًّا بشركات الفحم في ملكيتها: «حول آبار جميع المناجم تتجمَّع مقالب الفحم، ومكتب الإدارة، والمتاجر، والسقائف، والمباني الملحَقة، وبالقرب منها تتجمَّع، على مرمى حجر، أكواخ عمال المناجم المبنية على أرضٍ مملوكة لشركة التعدين. وجميع سكان المعسكر هم عمال في المنجم. لا توجد صناعة أخرى. هذا هو «المعسكر». يبدو أن الظروف نفسها كانت موجودة في «المعسكرات المغلقة» الثمانية كلها، وأن تلك الظروف تمثَّلت بوجه عام في أن أعضاء اتحاد عُمَّال المناجم الأمريكي، ومنظميهم النقابيين أو محرضيهم كانوا ممنوعين من دخول المعسكرات، ويبُعَدون قدر الإمكان، وتحقيقًا لهذه الغاية نُشر الحراس على الحدود. كان من بين المعسكرات الثمانية «المغلقة على نفسها» معسكر «والسِن»، الذي كان لا يزال، في وقت المحاكمة، محاطًا بسياجٍ وُضِع في بداية الإضراب في أكتوبر عام ١٩١٣، فضلًا عن معسكرَي «روس» و«كاميرون» المحاطَين بسورٍ جزئيًّا، واللذين لم يُحاطا بسورٍ كليًّا على الإطلاق. من المسلَّم به أن كل شخص يدخل هذه المعسكرات والضواحي كانت الشركات تلزمه بالحصول على تصاريح، ويقال إن هذا الأمر كان «ضروريًّا للصناعة».»

ثم تابعت المحكمة على النحو التالي:

«دخلت القوات الفيدرالية المنطقة في مايو عام ١٩١٤، وأجمع الشهود على عدم وقوع أي أعمال عنفٍ خطيرة بعد ذلك، وظلَّ الأمن مُستتبًّا حتى بدء الانتخابات وبعدها وحتى وقت هذه المحاكمة.

في ظل هذه الظروف، غيَّر مُفوِّضو مجلس المقاطعة في يوليو ١٩١٤ بعضَ الدوائر الانتخابية، بحيث يُشكِّل كلُّ معسكر من هذه المعسكرات دائرة انتخابية، مع استثناءٍ واحد، وهو عندما تضم المنطقة عددًا من المزارع؛ في هذه الحالة تُشكَّل هذه الدوائر بحيث تشمل الأسوار والأراضي المحيطة بكل معسكر، التي تكون محمية بالأسوار في بعض الحالات، وبالحراس المسلَّحين في جميعها. وهكذا وُضِعَت كل دائرة انتخابية بموجب هذا القانون غير المسبوق للمفوضين حصريًّا داخل الأراضي الخاصة بشركة من شركات الفحم وخضعت لسيطرتها الخاصة، ومن ثَم أصبح لهذه الشركات السلطة للإعلان — على نحوٍ استبدادي — عمَّن يجوز لهم أن يكونوا جزءًا من هذا الكيان السياسي للدولة، الذي تعمَّد مفوِّضو المقاطعة فرض سيطرتهم عليه بالكامل، ومَن لا يجوز لهم ذلك.

وبِناءً عليه، امتلكت شركات الفحم جميعَ الأراضي والمباني في الدوائر الانتخابية، التي تشكَّلت على هذا النحو، وخضعت لسيطرتها؛ وأصبح كلُّ شخصٍ مقيم في هذه الدوائر موظفًا في هذه الشركات الخاصة أو الشركات الحليفة لها، مع استثناءٍ وحيد، وهو أن كل قاضٍ أو كاتب أو موظف انتخابات، فيما عدا أصحاب الحانات، وشريك فار، هو موظف في شركات الفحم.

أُقيمت مقرات الاقتراع على أرض الشركات وفي مبانيها؛ وحُفظت قوائم التسجيل داخل المكاتب أو المباني الخاصة لتلك الشركات، واستُعمِلت وعومِلت معاملة الملكية الخاصة.

هكذا كانت دوائر الانتخابات العامة، وتحوَّلت آليات الانتخابات العامة إلى الهيمنة المطلَقة والسيطرة الإمبراطورية لشركات الفحم الخاصة، وأصبحت تستخدمها بشكلٍ مطلقٍ وخاصٍّ كما لو كانت مناجمها، ولأغراضها الخاصة، ولا يجوز لأي شخصٍ دخولها لأغراضٍ عامة أو خاصة إلا بإذن صريحٍ من هذه الشركات الخاصة.

يبدو من السجلات أن الشركات قد استخدمت هذا الحق في تحديد مَن يجوز له أن يدخل مثل هذه الدوائر الانتخابية المزعومة مع جميع الطبقات، من تجار أو حرفيين أو غير ذلك، وسواء أكانت أعمالهم عامة أو خاصة. يبدو في الواقع أنه حدث ذات مرة أن الحاكم والمساعد العام للولاية في أثناء وجودهما في مهمة رسمية قد مُنِعوا من دخول أحد هذه المعسكرات المغلَقة على نفسها.

وأنه في يوم الانتخابات، اضطُر المراقبون والمنافسون الديمقراطيون لدائرة منجم «والسن» الانتخابية، وكان أحدهما هو نيلي المرشَّح الديمقراطي لمنصب رئيس الشرطة؛ إلى جلب جنود فيدراليين، والالتجاء إلى حمايتهم ومرافقتهم إلى المنطقة وإلى صناديق الاقتراع، وأن هؤلاء الجنود ظلُّوا يحرسونهم في أثناء النهار ولجزءٍ من الليل …

ولكن إذا كان هناك أي شكٍّ فيما يتعلق بوضع المعسكرات المغلقة والدوائر الانتخابية، واستبعاد مُمثِّلي الديمقراطيين من مناقشة قضايا حملتهم الانتخابية داخل الدوائر التي تضم تلك المعسكرات، فستُبدِّده تمامًا شهادة الشاهد وينزل لصالح المطعون في انتخابه (فار). فقد شهد بأنه كان مقيمًا في بويبلو، وكان مديرًا لشركة كولورادو للوقود والحديد، وأن معسكرات روس وليستر وإيديال وكاميرون ووالسن وبيكتو وماكنالي هي المعسكرات الخاضعة لولايته. وأنه كان المسئول العام عن المعسكرات، وأنه لا يوجد مسئولٌ للشركة في كولورادو أعلى منه في هذا الصدد باستثناء الرئيس، وأن المشرف، وغيره من الموظفين، تحت إشرافه، وأن القوات الفيدرالية جاءت إلى المكان في الأول من مايو عام ١٩١٤، واستمرت به حتى يناير عام ١٩١٥. وأنه في جميع تلك المعسكرات حاول إبعاد الأشخاص الذين كانوا مُعادين لمصالح الشركة، وأنها كانت ملكية خاصة؛ وقد تعاملت شركته معها على هذا الأساس، وأنه من خلاله افترضت الشركة ومسئولوها أن مِن حقِّها ممارسة السلطة فيما يتعلق بمَن يجوز له الدخول ومَن لا يجوز له الدخول، وأنه إذا استطاع شخصٌ ما أن يجعل الرجل عند البوابة أو المشرف على المناجم يعتقد أنه لم يكن، بأي شكلٍ من الأشكال، على صلة باتحاد عُمَّال المناجم، أو أنه في خدمتهم بصفته محرضًا، فإنه يُسمح له بدخول المنجم. وأنه لا يمكن لأي شخصٍ نعتبره خَصمًا لنا أن يدخل المناجم للتواصل الاجتماعي أو غير ذلك، وأنه هو والموظفون الذين يعملون تحت قيادته في إمكانهم أن يُقرروا ما إذا كان أي شخص قد جاء إلى هناك لغرض التحريض. وأن السيد ميتشل، رئيس اللجنة الديمقراطية، على حد قوله، كان يُعَد من بين المحرضين، وكان يدير صحيفةً وعلى صلة مباشرة أو غير مباشرة مع اتحاد عُمال المناجم، وأن السيد نيلي، المرشح الديمقراطي لمنصب رئيس الشرطة، كان يُعَد من المضرِبين، وأنه كان يُعَد شخصيةً تستحق الشجب. وأنه عندما وصلت القوات الفيدرالية، أعادوا السلام والنظام، ولم يعُد هناك أعمال شغب بعد ذلك، ولم تكن الشركة تخشى شيئًا إلا الاضطرابات بين العُمال عندما كان الجنود هناك. وعندما سئُل عما إذا كان قد منع إجراء المناقشات في المعسكر، ضد مناصرة موقف الشركة، أجاب: «… لم نشجع على ذلك.» لم تكن الشركة لتشجع المنظمين النقابيين على القدوم إلى المعسكر، مهما كان سلوكهم سلميًّا، ولم تسمح للأشخاص بالقدوم إلى المعسكر لمناقشة المسائل المبدئية مع موظفي الشركة، أو لخوض الجدال معهم أو الاحتكام إلى رأيهم أو مناقشة الأمور معهم على أُسُسٍ معقولة؛ لأنه كان معروفًا من خلال التجربة أنه إذا سُمِح لهم بالحضور، فسيبدءون بالتهديد بالعنف. قد لا يلجئُون إلى أي عنفٍ في ذلك الوقت، لكن قد يؤدي ذلك إلى خوف الناس ومغادرتهم، وقد كانوا حريصين على الاحتفاظ بموظفيهم. كما سُئل عما إذا كان العمل هناك يعتمد على قرار المسئولين، فأجاب أن المشرف ربما كان ليُستفسَر منه عن طبيعة عمله. وأن أي شخص كان فار يأمر بأن يُمنَح تصريحًا لدخول المعسكر كان من المرجح أن يحصل على التصريح …

لم تكن هناك إلا محاولة واحدة لعقد اجتماعٍ سياسي في الدوائر الانتخابية المغلقة. وجاءت شهادة جوزيف باترسون، الذي حاول عقد هذا الاجتماع، كما يلي:

«كان هناك اجتماعٌ سياسي في أوكفيو. ونظرًا إلى أن مشرف منجم أوكفيو كان صديقًا مُقربًا إلى السيد جونز، فقد كتب له رسالة يطلب فيها الإذن بعقد اجتماع سياسي. وتلقَّى مساء السبت رسالة مفادها أن في إمكانه عقد مثل هذا الاجتماع. وفي اليوم السابق للاجتماع، تلقَّى الشاهد رسالة هاتفية من مساعد المشرف، حيث استفسر الأخير عما إذا كان الشاهد سيأتي إلى هناك ليُسبِّب أي مشكلة، وأجاب الشاهد بأنه بالطبع لا، وأنه إذا شعر المشرف بذلك فلن يأتوا. وقد أبلغ المشرف بأنه وآخرين سيعقدون اجتماعًا سياسيًّا للحزب الديمقراطي. صرَّح المشرف جونز أن الشاهد عليه أن يأتي إلى المكتب في تلك الليلة قبل أن يذهب إلى مبنى المدرسة لغرض الاجتماع، وأنه عندما وصل الشاهد إلى الاجتماع كان هناك نحو ستة أو ثمانية من المتحدثين باللغة الإنجليزية ومن اثني عشر إلى أربعة عشر مكسيكيًّا. وكان المشرف، والسيد مورجان، والسيد برايس بالخارج معظم الوقت. لاحظ الشاهد أن المشرف قد وقف مع الرجال القليلين الذين جاءوا نحو مبنى المدرسة، وتحدث إليهم ثم استداروا للعودة إلى المعسكر. حدث هذا عدة مراتٍ؛ بمجرد أن يتحدثوا إلى مورجان يعودون. بعد أن رأى الشاهد ذلك، دلف إلى مبنى المدرسة، وقال إنه لم تكن هناك فائدة من عقد أي اجتماعات، وإنه لا يبدو أن أحدًا كان مسموحًا له أن يأتي. كان من المفترض أن يُعقد هذا الاجتماع في مبنى مدرسةٍ عامة مُقامة على ممتلكات الشركة. وكان يجب الحصول على إذن من مشرف شركة تعدين أوكفيو لعقد الاجتماع السياسي المذكور.»

يبدو أن عدد الناخبين المسجَّلين في الدوائر الانتخابية المغلَقة كان يتجاوز، إلى حدٍّ كبيرٍ، عددَ الأصوات التي أُدلي بها، وهذا في حد ذاته كان كافيًا للمطالبة بإجراء تحقيقٍ مفتوحٍ وعادلٍ فيما يتعلَّق بأهلية الناخبين المزعومين.

يبدو من الشهادة أنه في هذه المناطق المغلَقة يوجد الكثير من أولئك الذين صوَّتوا، ولم يكونوا ممن يستطيعون التحدث باللغة الإنجليزية أو قراءتها، وأنه في كثير من الحالات، ساعد قُضاة الانتخابات هؤلاء، من خلال التأشير على بطاقات الاقتراع لهم، في وقوع مخالفة للقانون. مرة أخرى، يبدو أن بطاقات الاقتراع قد طُبِعَت بحيث … (يواصل قرار المحكمة توضيحه بالتفصيل للطريقة التي طُبِعَت بها بطاقات الاقتراع، بحيث يمكن التحكُّم في التصويت بمساعدتها.) وهكذا لم يكن هؤلاء الناخبون يختارون مُرشَّحيهم، ولكن، تحت إشراف الشركات، كانوا يضعون علامة الصليب فحسب عندما يجدون حرف R المحدد على ورقة الاقتراع، ومن ثَم فلم يكن الاقتراع تعبيرًا عن الرأي أو نابعًا من قرارٍ، لم تكن ممارسة ذكية للاقتراع، ولكن كان اقتراعًا تُمليه على الناخبين شركاتُ الفحم، تمامًا كما كان سيُصبح الحال لو أن وُكلاء هذه الشركات قد وضعوا العلامات في أوراق الاقتراع دون تدخل من الناخبين. لا يمكنك التفكير في إساءة استخدام أكثر غدرًا وشناعة للانتخابات …

يؤكد المحامي أن المناطق المغلَقة كانت «ضرورية للصناعة»، ولهذا السبب كان سلوك شركات الفحم في أثناء الحملة مبرَّرًا. وبغض النظر عن مدى انتقاد مثل هذا السلوك عندما يتعلق الأمر بأنشطة هذه المجموعات ضمن نطاق ملكيتها الخاصة، تبقى الحقيقة أنه لا يوجد أي مبرر لذلك عندما كانوا يتعاملون مع هذه المنطقة بعد أن خُصِّصَت لاستخدام العامة، ولا سيما فيما يتعلق بحق الأشخاص في ممارسة واجباتهم وسلطاتهم بصفتهم ناخبين في حكومة شعبية.

في واقع الأمر، يبدو أن أعضاء مجلس مُفوِّضي المقاطعة وجميع موظفي المقاطعة الآخرين كانوا من الجمهوريين، وكما ذكر محامي المطعون في انتخابه، فقد كانت شركات الفحم تنظر إلى نجاح المرشحين الجمهوريين باعتباره أمرًا مهمًّا لمصالحها. يبدو أن العلاقة الوثيقة بين شركات الفحم والمسئولين الجمهوريين ومرشحيهم كانت واضحة للغاية قبل الحملة الانتخابية وفي أثنائها، إلى درجة تجعل المرء يفترض أن هؤلاء المسئولين اعتبروا واجباتهم تجاه شركات الفحم أهم من واجباتهم العامة. وإذا زُعِم أن تلك المناطق المغلَقة لم تُشكَّل مراعاةً لراحة هذه الشركات ومصالحها، أو أنها لم تُشكَّل على هذا النحو بِناءً على نصيحة هذه الشركات وموافقتها، يكون ذلك طعنًا في الذكاء البشري، وإنكارًا للتجربة الإنسانية. كان الغرض الواضح من إنشاء مناطق جديدة هو إتاحة الفرصة لشركات الفحم لإجراء الانتخابات والسيطرة عليها في تلك المناطق، مثلما جرت هذه الانتخابات. الاستنتاج الذي لا يمكن تجنُّبه هو أن هذه المناطق القريبة قد شكَّلها مُفوِّضو المقاطعة بالتواطؤ مع مُمثِّلي شركات الفحم، إن لم يكن بأوامرها الصريحة.

لا يمكن أن تكون هناك انتخابات حرة وصريحة ونزيهة كما يُصوِّرها الدستور حيث تعمل الشركات الصناعية الخاصة على قمع الرأي العام، وإنكار الممارسة الحرة للاختيار على يد الناخبين من ذوي السيادة، وإملاء الأوامر على جميع موظفي الانتخابات والتحكم بهم، وحظر المناقشة العامة للمسائل العامة، وإصدار الأوامر التعسُّفية التي تحدِّد أي المواطنين المسموح لهم، وأيهم غير المسموح لهم، بأسلوبٍ سلمي ولأغراضٍ مشروعة، بالمشاركة في الانتخابات أو دخول الأراضي العامة …

إنها حالة من الاحتيال لا نطالعها في الكتب، وعلينا أن نسعى إلى تحقيق نصوص القانون ورُوحه، ليكونا معيارَ الحكم على مثل هذا السلوك …

لم يكن الحرمان من الحق في التجمُّع السلمي لأي غرضٍ آخر إلا للتأثير في الانتخابات. لم تقع أي إضرابات في إحدى هذه المناطق بعد إنشائها، حتى وقت الانتخابات، وحتى وقت هذه المحاكمة. وكانت القوات الفيدرالية حاضرة في جميع الأوقات للحفاظ على السلام وحماية الأرواح والملكية. لم يكن هناك سببٌ لتوقُّع حدوث أي اضطراباتٍ. ومن ثَم، فقد كان هذا الإنكار الوقِح انتهاكًا فاسدًا ولا يُغتفَر لحقوق المواطنين الطبيعية وغير القابلة للتصرف.

لا يعتمد الدفاع على أدلة مُتضاربة، بل على الادعاء بأن إجراء الانتخابات كان له ما يبرره، وهو أنه «ضروري للصناعة».

سمعنا الكثير في هذه الولاية خلال السنوات الأخيرة عن التذرُّع بمبدأ «الضرورة العسكرية» في تبرير مسألة إنكار الحقوق الأصيلة والدستورية للمواطنين، ولكننا نعتقد أن هذه هي المرة الأولى في تجربتنا التي نسمع فيها عن أن انتهاك الحقوق الأساسية للأحرار يُحاوَل تبريره بحجة أنه «ضروري للصناعة».

حتى لو سلَّمنا بأنه قد يكون هناك بعض التخفيف في حجة الضرورة العسكرية على أساس النظرية التي تزعم أن مثل هذه الأعمال مفادها تصرفات الحكومة نفسها، من خلال ذراعها العسكرية، وبغرض الحفاظ على السلام والسلامة العامة، ولكن أن تَنتهِك شركة خاصة، بقواتها المسلحة الخاصة، الحقوقَ الأكثر قدسية لمواطني الدولة، وتجد العذر الشرعي في أن ذلك «ضروري للصناعة»، فهذا أمرٌ فَوضَوي إلى درجة لا يمكن أن تقبلها المحكمة.

من الواضح أن هذه الحالة تأتي ضمن استثناء آخر للقاعدة؛ حيث يبدو أن النتائج قد تأثَّرت بتحيُّز قاضي المحاكمة.

إن القراءة المتأنِّية للمستندات تُظهِر أن المحكمة رفضت قدرًا كبيرًا من الأدلة الواقعية والصحيحة التي قدَّمها المنافسون، بدرجة تُمكِّن من الاستنتاج بأن قاضي المحاكمة كان متأثرًا بالتحيُّز، إلى الحد الذي جعله — على الأقل — مُتَّهمًا بنقل الدعوى من محكمة إلى أخرى، ويكون كافيًا في حد ذاته لتبرير بطلان الحكم …

وللأسباب المتقدمة، فإن المحكمة تُبطِل الحكم في كل قضية أمامنا، وتحكم بأن الاستطلاع بأكمله في الدوائر المذكورة، وهي نيجرهيد، ورافينوود، ووالسن ماين، وأوكفيو، وبريور، وروس، وكاميرون، مُلغًى وباطل، كأنه لم يكن، وأن الانتخاب في جميع الدوائر المذكورة مُلغًى على هذا الأساس. وبذلك تكون للمتنافسين في المقاطعة الأغلبية المطلَقة، وحق التعيين في المناصب التي ترشَّحوا لها.

نجد كذلك أن جيه بي فار، المُدَّعى عليه بالخطأ، لم يكن رئيس شرطة مقاطعة هويرفانو المنتخَب حسب الأصول ولم يعُد كذلك، وأن إي إل نيلي، المدعي بالخطأ، كان، ولا يزال، رئيس شرطة المقاطعة المنتخَب حسب الأصول. وعليه، نأمر بأن إيه إل نيلي، فورًا وبموجب الأهلية التي يتطلَّبها القانون، يتولى واجبات منصب رئيس الشرطة، ويضطلع بها في مقاطعة هويرفانو المذكورة …»

نكتفي بهذا القدر فيما يخُص آراء المحكمة بشأن سياسة تعدين الفحم. وعليه، فإن المؤلف يريد أن يذكُر نقطة أخيرة. وهي ألَّا يترك القارئ الكتاب معتقدًا أنه نظرًا إلى طرد مجموعة واحدة من المسئولين الفاسدين من مناصبهم في إحدى المقاطعات الأمريكية، فإن العدالة أصبحت بذلك مَصونة، ولم تعُد هناك حاجة إلى القلق بشأن الظروف المذكورة في رواية «مملكة الفحم». فهزيمة «ملك مقاطعة هويرفانو» ليست إلا خطوة واحدة في طريقٍ طويلٍ يتعيَّن على عمال المناجم في كولورادو أن يخوضوه إذا أرادوا أن يصبحوا رجالًا أحرارًا في يومٍ من الأيام. وتظل القوة الصناعية للشركات الكبرى بمنأًى عن هذا القرار، وهي قوة أكبر من أي سلطة سياسية مارستها في أي وقتٍ مضى حكومةُ مقاطعة هويرفانو، أو حتى ولاية كولورادو. هذه القوة الصناعية هي جذرٌ عميقٌ وواسع الانتشار، وما دام سُمح لهذا الجذر بالنمو والتوغُّل، فسيُرسل مرارًا وتكرارًا نباتاته السامة المتمثِّلة في «سوء السلوك، والاحتيال، والفساد». إن المواطنين والعاملين في هذه المجتمعات الصناعية، سواء في ولاية كولورادو، أو في فرجينيا الغربية، أو ألاباما، أو ميشيجان، أو مينيسوتا، أو في حظائر شيكاجو، أو مصانع الصلب في بيتسبرج، أو مصانع الصوف في لورانس، أو مصانع الحرير في باترسون، سيجدون أنهم لن ينعموا بالسلام أو الحرية حتى يقضُوا على نظام الإنتاج من أجل الربح، ويؤسسوا في مجال الصناعة ما يُفترَض أنهم يتمتعون به بالفعل في مجال السياسة … حكومة شعب، يديرها الشعبُ، من أجل الشعب.

ملاحظة: في اليوم الذي انتهى فيه المؤلف من قراءة الأدلة على الظروف الواردة في رواية «مملكة الفحم»، ظهر المقال التالي في جريدته اليومية:

عُمَّال مناجم كولورادو يطالبون بالإذن في الإضراب (بقلم إيه بي نايت واير)

دنفر (كولورادو)، ١٤ يونيو … مسئولو اتحاد عُمَّال المناجم، الأعضاء الممثِّلون لهذا التنظيم العاملون لدى شركة كولورادو للوقود والحديد، أرسلوا برقية إلى مسئوليهم الوطنيين يطلبون فيها الإذنَ بالإضراب.

وفي الجلسة الصباحية اتُّخذ قرارٌ يُعبِّر عن استنكار تصرُّف جيه إف ويلبورن، رئيس شركة الوقود، لعدم حضوره الاجتماع الذي كان جزءًا من «برنامج السلام» لمنع الخلافات الصناعية في الدولة خلال الحرب.

كانت تظلُّمات العُمال، حسب ما قاله جون ماكلينان، المتحدث باسمهم، تتمحور حول تنفيذ ما يُسمَّى ﺑ «خطة روكفلر» في المناجم. وقال ماكلينان إن فشل السيد ويلبورن في حضور الاجتماع ومناقشة هذه المظالم مع العُمال قد عجَّل باندلاع الإضراب.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤