الفصل العاشر

لم يَنَم هال إلا قليلًا في تلك الليلة. فقد استلقى وسط أصوات غطيط ثمانية من الأشخاص المقيمين معه في نُزُل «ريمينيتسكي»، تجتاح ذهنه سيناريوهاتٌ مختلفة ربما تحدث غدًا. كان بعضُها بعيدًا عن أن يكون سيناريوهاتٍ سارة؛ فقد حاول تصوُّر نفسه بأنفٍ مكسور، أو بجسده مُغطًّى بالقطِران والريش. تذكَّر نظريتَه في التعامل مع اللصوص. كانت «الشركة العامَّة للوقود» لصًّا عملاقًا ومُروِّعًا؛ من المؤكَّد أن هذا كان الوقت المناسب ليقول لنفسه: «فلتهرب بجلدك!» لكن بدلًا من ذلك، فكَّر هال في إدستروم والجمْع الذي معه، وتساءل عن القوة التي جعلتهم مُتَّقدي الحماس في سبيل بلوغ هدفهم.

عندما حَلَّ الصباحُ، صعِدَ إلى الجبال؛ حيث يمكن للمرء أن يتجوَّل ويجدِّد قوته المعنوية. وعندما توارت الشمس وراء قمم الجبال، تبِعها هو أيضًا، والتقى بإدستروم وسيكوريا أمام مكتب الشركة.

أومَئُوا برءوسهم لتحيَّته، وأخبر إدستروم هال أن زوجته تُوفِّيت في نهار هذا اليوم. ولأنه لم يكن هناك متعهِّد لدفن الموتى في نورث فالي، رتَّب مع إحدى صديقاتها أن تتولَّى نقل الجثمان إلى بيدرو كي يتمكَّن هو من حضور المقابلة مع كارترايت. وضع هال يدَه على كتف الرجل العجوز، لكنه لم يحاول أن يُعزِّيَه بكلمة؛ فقد رأى أن إدستروم قد واجه الأزمة وأنه كان جاهزًا لأداء واجبه.

قال الرجل العجوز: «هيا»، ودخل الثلاثة إلى المكتب. بينما كان الموظف ينقل رسالتهم إلى غرفة المكتب الداخلية، وقفوا دقيقتَين، وهم يُبدِّلون في وقفتهم ما بين قدمٍ والأخرى في اضطرابٍ، ويديرون قبعاتهم في أيديهم مقهورين أذلاء.

ظهر السيد كارترايت أخيرًا عند الباب، بهيئته النحيلة الهزيلة المغلَّفة بهالة من السلطة الواضحة للعيان. سأل: «حسنًا، ما الأمر؟»

قال إدستروم: «نودُّ التحدُّث إليك، إذا سمحت. لقد قرَّرنا يا سيدي أننا نريد أن يكون لدينا مراقِب للأوزان.»

«ماذا؟» خرجت الكلمة كضربة سَوط.

«نودُّ أن يكون لدينا مراقِب للأوزان، يا سيدي.»

سادت لحظةٌ من الصمت. «تعالوا هنا.» اصطفوا داخلين إلى غرفة المكتب الداخلية، وأَغلقَ الباب.

«حسنًا. ما الأمر؟»

كرَّر إدستروم كلماته مرة أخرى.

«ما الذي وضعَ هذه الفكرة في رءوسكم؟»

«لا شيء يا سيدي؛ كل ما هنالك أننا نرى أننا سنكون أكثر رضًا في هذه الحالة.»

«هل تعتقدون أنكم لا تحصلون على أوزانكم الصحيحة؟»

«حسنًا يا سيدي، كما ترى … بعض الرجال … نعتقد أنه سيكون من الأفضل لو كان لدينا مراقب للأوزان. نحن على استعدادٍ أن ندفع له.»

«مَن سيكون مراقب الأوزان هذا؟»

«جو سميث، إنه بيننا هنا.»

استعد هال لمواجهة عينَي الآخر. قال السيد كارترايت: «أوه! إذن إنه أنت!» ثم، بعد وهلة، قال: «إذن، لهذا السبب كنتَ مُبتهجًا!»

لم يشعر هال بالابتهاج على الإطلاق في تلك اللحظة، لكنه امتنعَ عن قول ذلك. سادَ الصمت.

«الآن، لماذا تريدون إضاعة أموالكم أيها الرجال؟» أخذَ المشرِف يجادلهم، مُوضِّحًا سخافة الفكرة، وأنهم لا يسعُهم أن يكسبوا أيَّ شيء جراء هذا التصرف. يعمل المنجم على نظامه الحالي لسنواتٍ، ولم يكن هناك أي شكوى. وأوضح أنه لا يُعقَل أن شركة كبيرة ومسئولة بحجم «الشركة العامَّة للوقود» يتردَّى بها الحال إلى أن تحتال على عُمَّالها من أجل الحصول على بضعة أطنان من الفحم! وأخذ يُعدِّد المزيدَ من الحُجج والأسباب، لعدة دقائق.

قال إدستروم عندما انتهى الآخر من كلامه: «يا سيد كارترايت، تعلم أنني عملتُ طوال حياتي في المناجم، ومعظمها في هذه المنطقة. إنني أتحدَّث إليك عن علمٍ عندما أقول إن هناك حالة من الاستياء العام تعمُّ أنحاء هذه المعسكرات؛ لأن الرجال يشعرون أنهم لا يحصلون على أوزانهم الصحيحة. تقول إنه لا توجد شكوى عامة؛ أنت تفهم السبب وراء ذلك …»

«ما السبب؟»

قال إدستروم بلطفٍ: «حسنًا، ربما لا تعرف السبب … لكن على أي حال، قرَّرنا أننا نريد تعيين مراقب للأوزان.»

كان من الواضح أن المشرِف قد أُخِذَ على حين غِرة، ولم يكن يعرف بالضبط كيفية مواجهة الأمر. قال أخيرًا: «لك أن تتخيَّل مدى الاستياء الذي ستشعر به الشركة عندما يتنامى إلى علمها أن عمالها يعتقدون أنها تخدعهم …»

«نحن لا نقول إن الشركة تعلم بالأمر يا سيد كارترايت. من الممكن أن يكون هناك بعضُ الأشخاص الذين يستغلُّوننا، دون أن تكون للشركة أو لك أي علاقة بالأمر. ولذا، فإننا نريد مراقبًا للأوزان، لحمايتك وحمايتنا نحن أيضًا.»

قال الآخرُ بفتورٍ وجفاء: «أشكرك.» كشفت نبرةُ صوته أنه كان يحاول جاهدًا أن يبدو متماسكًا. وأضافَ أخيرًا: «جيد جدًّا. كفانا حديثًا في هذا الشأن، إذا كنتم قد اتخذتم قراركم وعقدتم عزمكم. سأخبركم بقراري لاحقًا.»

كان هذا بمنزلة طردٍ لهم، ومن ثَم استدارَ مايك سيكوريا بتواضُعٍ، وتوجَّه نحو الباب. لكن إدستروم كان أحد أفراد الجَمْع الذين لم «يتنحَّوا جانبًا» بسهولة، ورمقه مايك، ثم عادَ إلى الصف على عجلٍ، كما لو كان يأمل ألا يلاحظ أحدٌ جنوحَه.

قال إدستروم: «إذا سمحت يا سيد كارترايت، نرغب في معرفة قرارك، لكي يبدأ مراقِب الأوزان عمله في الصباح.»

«ماذا؟ هل أنتم على عجلة من أمركم إلى هذا الحَدِّ؟»

«ليس هناك ما يدعو للتأخير يا سيدي. لقد اخترنا رجلنا، ونحن على استعدادٍ لأن ندفع له.»

«مَن هم الرجال المستعدون لأن يدفعوا له؟ أنتما الاثنان فحسب.»

«لستُ في موقعٍ يُخوِّل لي ذكر أسماء الآخرين يا سيدي.»

«أوه! إذن هي حركة سرية!»

«بطريقة ما … نعم يا سيدي.»

قال المشرِف، بنبرة تُنذِر بالسوء: «حقًّا! وأنتم لا تهتمون برأي الشركة في هذا الشأن!»

«ليس الأمر كذلك يا سيد كارترايت، ولكننا لا نرى مجالًا لأن تعترض الشركة على شيء. إنه إجراءُ عملٍ بسيط …»

قاطعه الآخر: «حسنًا، إذا كنتم ترَون الأمرَ بسيطًا، فإنني لا أراه كذلك.» ثم تمالك زمامَ نفسه قائلًا: «افهموني، الشركة لن يكون لديها أدنى اعتراض على رغبة العُمال في التأكد من أوزانهم، إذا كانوا يعتقدون حقًّا أنَّ الأمر ضروري. الشركة دائمًا على استعدادٍ لفعل الصواب. لكنها مسألة لا يمكن تسويتها دون سابق تفكير. سوف أخبركم لاحقًا.»

طردهم مرة أخرى، والتفت العجوزُ مايك مجددًا، وإدستروم أيضًا. ولكن، هنا انضمت إليهم نملةٌ أخرى لتشاركهم الخندقَ نفسه. سأل هال: «متى ستكون مستعدًّا للسماح لمراقب الأوزان ببدء العمل يا سيد كارترايت؟»

رمقه المشرِف بنظرة حادَّة، ومرة أخرى بدا واضحًا أنه بذلَ جهدًا كبيرًا في محاولة تمالُك أعصابه. أجاب: «لستُ مستعدًّا للرد. سأخبركم في أقرب وقتٍ يُناسبني. هذا كلُّ شيء الآن.» وبينما كان يتحدَّث فتح الباب، وكانت حركته تحمل إيماءة آمِرة.

قال هال: «يا سيد كارترايت، ليس هناك قانونٌ يمنعنا من الحصول على مراقب للأوزان، أليس كذلك؟»

بدا من النظرة التي رسمتها هذه الكلماتُ على وجه المشرِف أنه يعرف القانون جيدًا. قَبِلَ هال هذه النظرة باعتبارها الإجابة، وتابع: «لقد اختارتني لجنةٌ من العُمال لأقوم بدور مراقب الأوزان، وقد أخطَرَتْ هذه اللجنةُ الشركةَ على النحو الواجب. هذا يجعلني مُراقبًا للأوزان، على ما أعتقد، يا سيد كارترايت، ومن ثَم فكل ما يجب عليَّ فعله هو أن أتولَّى مهام وظيفتي وأضطَلع بواجباتي.» ودون أن ينتظر ردًّا من المشرِف، مشى نحو الباب، وتبِعه رفيقاه اللذان كانا في حالة ذهولٍ بعض الشيء.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤