الفصل الحادي والعشرون

خرجَ قائد المعسكر، وبعد لحظات قليلة عادَ السجَّان ومعه وجبةٌ كانت على العكس تمامًا من الوجبات التي قُدِّمت إلى هال من قبل. كان هناك صينية تحتوي على لحم الخنزير البارد، وبيضتَين نصف مسلوقتَين، والقليل من سلطة البطاطس، وفنجان من القهوة مع لفائف وزُبد.

قال هال باستخفافٍ: «حسنًا، حسنًا! هذا أفضلُ حتى من شريحة من لحم البقر مع البطاطس المهروسة!» جلس يُشاهد الآخر وهو يفسح مكانًا للصينية على الطاولة أمامه دون أن يعرض عليه المساعدة. ثم خرج الرجل، وبدأ هال في تناول الطعام.

وقبل أن ينتهي، عاد قائد المعسكر. جلسَ على كرسيه الدوَّار، وبدا أنه يفكِّر. كان هال ينظر إليه ويبتسم بين القضمة والأخرى.

قال: «يا كوتون، تعلم أنه لا يوجد دليلٌ على حُسن تنشئة المرء أفضل من آداب المائدة. ستلاحظ أنني لم أدُسَّ منديلي في ياقتي، كما كان في وُسع أليك ستون أن يفعل.»

أجاب قائد المعسكر: «أفهمُك.»

وضع هال سكينه وشوكته جنبًا إلى جنبٍ في طبقه. وقال: «نسي خادمُك أن يُحضر وعاءَ غسل الأصابع. ولكن، لا يهم. يمكنك استدعاؤه الآن، ودعه يأخذ الصينية.»

استدعاه قائد المعسكر باسمه، وجاء السجَّان. قال هال: «للأسف، عندما كان رجالُك يُفتِّشونني في الليلة قبل الماضية، أسقطوا مِحفَظتي، لذلك ليس لديَّ ما أدفعه بقشيشًا للنادل.»

حدَّق «النادِل» إلى هال كما لو كان يرغب في عَضه، لكن قائد المعسكر ابتسم على مضضٍ. وقال: «اخرج يا جاس، وأغلق الباب.»

ثم مدَّ هال ساقَيه، واتخذ وضعيته المريحة مرة أخرى. وقال: «يجدُر بي القول إنني أُفضِّل كوني ضيفَك أكثر من كوني سجينك!»

صمتَا قليلًا.

شرع قائد المعسكر في الحديث: «لقد كنت أتحدَّث عن هذا الأمر مع السيد كارترايت. لا أدري كيف أتحقَّق من مدى خداعِك لي، ولكنه من الواضح بما فيه الكفاية أنك لستَ عامِل منجم. قد تكون نوعًا جديدًا من المحرِّضين ومُثيري الشغب، لكن فَلْتَلعنِّي السماءُ إن قلت إنني رأيتُ قطُّ محرِّضًا يتحلَّى بآداب حفلات الشاي. أعتقد أنك قد نشأت في عائلة ثرية، ولكن إذا كان الأمر كذلك، فلا يمكنني أن أتخيَّل السببَ الذي دفعكَ إلى أن تفعل ذلك.»

قال هال: «أخبرني يا كوتون، هل سمعتَ من قبل عن الملل؟»

أجاب الآخر: «نعم، ولكن ألستَ صغيرًا على هذا الشعور؟»

«ماذا لو أنني رأيتُ آخرين يعانونه، وأردتُ أن أُجرِّب العيشَ بطريقة مختلفة عن طريقتهم؟»

«إذا كان الأمر كذلك، فلا بد أنك لا زلت تدرس في الجامعة.»

«سأعودُ لحضور سَنتي النهائية هذا الخريف.»

«في أي كلية أنت؟»

قال هال: «ما زلتَ تشكُّ فيَّ، أرى ذلك!» وابتسمَ. ثم، فجأة وبروحٍ لا يمكن أن تولِّدها إلا ساحاتُ الجامعات المقمِرة وحياة الترف، غنَّى:

«كان مَلِك الفحم رجلًا عجوزًا ومَرِحًا،
وقد كان رجلًا عجوزًا ومَرِحًا حقًّا،
أنشأ كليةً تملؤها المعرفة …
مَرحى لي ولكم!»

سأل قائد المعسكر: «أيُّ كلية تلك؟» واستأنف هال الغناءَ:

«أوه، يا ليزا-آن، اخرجي معي،
القمر يسطع ببهاءٍ في شجرة الأروكاريا!
أوه، لقد بدأت يا ليزا-آن
أُغَني لكِ أغنية هاريجان!»

علَّقَ قائد المعسكر عندما انتهت الأغنية: «حسنًا حسنًا! هل هناك الكثير مثلك في كلية هاريجان؟»

«شِرذمةٌ صغيرة … تكفي لتحريك المياه الراكدة.»

«أهذه هي فكرتُك عن الإجازة؟»

«كلَّا، إنها ليست إجازة؛ إنها دورة صيفية في علم الاجتماع التطبيقي.»

قال قائد المعسكر: «أوه، فهمت!» وابتسمَ رغمًا عنه.

«طوال العام الماضي سمحنا لأساتذة الاقتصاد السياسي بأن ينقلوا إلينا نظريَّاتهم. لكن بدا أن النظريات لا تتطابق مع الحقائق بطريقة ما. فقلتُ لنفسي: «يجب أن أتحقَّق منها.» تعرف تلك العبارات، ربما … الفَردانية، مبدأ عدم التدخُّل، حرية التعاقُد، حق كل إنسان أن يعمل لدى مَن يشاء. وها أنت هنا ترى مدى صحة هذه النظريات على أرض الواقع … قائد معسكر، بابتسامة قاسية على وجهه ومسدس في جيبه، ينتهك القوانين حتى قبل أن يتسنَّى للحاكِم التصديقُ عليها.»

قرَّر قائد المعسكر فجأة أنه اكتفى من «حفل الشاي» هذا. ومن ثَم، نهضَ واقفًا لإنهائه. وقال: «إذا لم تمانع أيها الشاب، سندخل في صلب الموضوع!»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤