الفصل الثاني

اتجه كيتينج إلى الهاتف مرة أخرى لإجراء «مكالمة خارجية»، تمتم بشيء عن طبعته الأخيرة، وعادَ ليطرح المزيد من الأسئلة حول تجربة هال وما تجشَّمه خلالها. وسرعان ما سمعَ قصة أول محاولة لخوض هذا الشاب للعبة الدعاية؛ فرجعَ بظهره إلى الوراء وغاصَ في كرسيه، وضحكَ حتى اهتز جسدُه كله، «مثل وعاءٍ من ﺣﻠﻮى الهلام» كما تصفُ أنشودة الروضة.

صاحَ: «جراهام! تخيَّل يا ماكيلار، لقد روى هذه القصة لجراهام!»

بدا أن الاسكتلندي قد وجدَ الأمرَ مضحِكًا بالقدر نفسه؛ وأوضحَا معًا أن جراهام كان الصحفي السياسي لدى صحيفة «إيجيل»، وهي صحيفة في بيدرو مملوكة لزعيم الإمبراطورية. البعضُ يسمُّونه وضيعَ صحافة ألف ريموند؛ إذ لم يكن يترفَّع عن القيام بأي عمل مهما كان وضيعًا.

صاح هال، «ولكنه أخبرني أنه مراسِلٌ لدى وكالة الأنباء الغربية!»

أجابَ بيلي: «إنه كذلك أيضًا.»

«ولكن هل تُوظِّف وكالةُ الأنباء جواسيسَ لصالح «الشركة العامة للوقود»؟»

أجابَ الصحفيُّ بطريقة جافة: «عندما تفهم لعبة الصحافة على نحوٍ أفضل، ستدرك أنَّ كلَّ ما تكترث به وكالةُ الأنباء في المراسِل هو ضرورة احترامه للملكية. إذا كان احترامُ الملكية هو الأساس عنده، فسوف يتمكَّن من معرفة ماهية الأخبار، والطريقة الصحيحة للتعامُل معها.»

حوَّل كيتينج حديثَه إلى الاسكتلندي. فسألَه: «ألديكَ آلةٌ كاتِبة في المنزل يا سيد ماكيلار؟»

قال الآخر: «لديَّ واحدة قديمة … عرجاء مثلي.»

«سأتدبَّرُ أمري بها. أودُّ أن أدعو هذا الشاب إلى الفندق الذي أقيم فيه، لكني أعتقد أنَّ من الأفضل أن يبقى بعيدًا عن الشارع قدر الإمكان.»

«أنت مُحق. إذا أردتَ نصيحتي، فلتأخذ الآلة الكاتبة في الطابق العلوي، حيث لا توجد فرصة لتلقي رصاصة عبر النافذة.»

صاح هال: «يا إلهي! أهذه أمريكا، أم إيطاليا في العصور الوسطى؟»

أجابَ ماكيلار: «إنها إمبراطورية ريموند. لقد أطلقوا النار على صديقي توم بيرتون بينما كان واقفًا على دَرج منزله. كان يعارِض النظام، وكان لديه أدلة كان سيقدِّمها إلى هيئة المحلَّفين الكبرى حول عمليات تزوير الاقتراع.»

بينما كان كيتينج منشغلًا بأمر «المكالمة الخارجية»، واصلَ الاسكتلندي العجوز محاولته لإقناع هال بخطورة موقفه. فقد تعرَّض مؤخرًا أحد المنظمِّين النقابيين لدى اتحاد عُمَّال المناجم للضرب في وَضح النهار، وتُرِكَ فاقدًا للوعي على الرصيف، وقد شاهدَ ماكيلار المحاكمة وتبرئة المعتدِيين اللذَين ارتكبا هذه الجريمة … ذلك لكون رئيس هيئة المحلَّفين صاحِب إحدى الحانات، وأحد أتباع ريموند، ولكون أعضاء هيئة المحلَّفين الآخرين مكسيكيين، لا يمكنهم أن يفهموا كلمة من إجراءات المحكمة.

علَّق هال، وهو يحاول الابتسام في محاولة واهنة: «إنها تمامًا هيئة المحلَّفين التي توعَّدني بها جيف كوتون!»

أجابَ الآخر: «نعم، ولا يُخطِئون مطلقًا في ذلك؛ إذا أرادوا إبعادَك، ففي إمكانهم فعل ذلك. إنهم يتحكَّمون في زمام الأمور بأكملها هنا. أعرفُ كيف تُدار الأمور؛ لأنني كنت أنا نفسي أشغل منصبًا سياسيًّا، حتى اكتشفوا أنهم لا سبيل أمامهم إلى استمالتي واستغلالي لصالحهم.»

تابع العجوز الاسكتلندي موضِّحًا أنه قد انتُخِبَ قاضي صُلح، وحاولَ أن يضع حدًّا للإتاوات التي كان رجال الشرطة يأخذونها من نساء البلدة؛ وقد أُجبِرَ على الاستقالة، وأحالَ أعداؤه حياتَه جحيمًا. وقد كان مرشَّحًا في الآونة الأخيرة لمنصب قاضي المقاطعة عن القائمة التقدُّمية، وتحدَّثَ عن جهوده ومَساعيه في إجراء حملة انتخابية في معسكرات الفحم … كيف صادروا منشوراته، ومزَّقوا ملصقاته الدعائية، وكيف مَثل أنصارُه أمام المحاكمات «الصُّورية». كان الأمرُ تمامًا مثلما أوضحَه أليك ستون، رئيس العُمَّال، إلى هال. ذلك أنَّ قاعات الاجتماعات في بعض المعسكرات تكون مملوكة للشركة، وفي معسكرات أخرى تكون مملوكة لأصحاب الحانات الذين لهم الحظوة بفضل علاقتهم بألف ريموند. وفي الأماكن القليلة التي توجد فيها قاعاتٌ يمكن استئجارُها، كان النظام يُغالي في تقديم وسائل ترفيه منافِسة للتعتيم على أنشطة الاجتماعات والحملات، فكان يقيم حفلاتٍ موسيقية مجانية ويقدِّم الجِعة مجانًا لإبعاد الحشودِ عن ماكيلار.

طوال هذا الوقت كان بيلي كيتينج يواصل عبارات الغضب والتوبيخ عبر الهاتف انتظارًا «للمكالمة الخارجية». وتمكَّن أخيرًا من تلقي مكالمته، وسادَ الصمتُ في الغرفة. قال: «مرحبًا يا برينجل، أهذا أنت؟ معك كيتينج. حصلتُ على سَبْقٍ صحفي كبير عن حادث نورث فالي. هل صدرت الطبعة الأخيرة بعد؟ أوصِلني بجيم. مرحبًا جيم! هل دفترُك معك؟» ثم شرعَ بيلي، الذي كان من الواضح أنه يتحدَّث إلى كاتب مختزِل، في سرد القصة التي حصلَ عليها من هال. وكان يتوقَّف بين الحين والآخر لتكرار كلمةٍ أو تهجِّي أخرى، وقد صحَّح له هال بعضَ التفاصيل مرة أو مرتَين. هكذا، وفي غضون ربع ساعة، كانوا قد أنهوا المهمة، وتوجَّه كيتينج بالحديث إلى هال.

قال: «ها أنت ذا يا بُني. ستَجوبُ قصتُك شوارعَ ويسترن سيتي في غضون ساعة أو أكثر قليلًا، وستصلنا الأخبار في أقرب وقتٍ عندما يتمكَّنون من الاتصال بنا. واسمع نصيحتي، إذا أردتَ أن تنجو بنفسك، فلتحرص على الخروج من بيدرو وقتما يحدثُ ذلك!»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤