الفصل التاسع

خرج بيلي كيتينج مرة أخرى بعدما أخبرهم أنه يعرف رجلًا قد يكون على استعدادٍ للتحدُّث إليه بهدوء، وإعطائه فكرة عما كان سيحدث لهال. في تلك الأثناء، جلس هال وإدستروم لتناول العشاء مع ماكيلار. كانت العائلة تخشى استخدام غرفة الطعام في منزلها، لكنهم وضعوا طاولة صغيرة في ردهة الطابق العلوي. كان القلق باديًا على زوجة ماكيلار وابنته، وهو ما كشف لهال عن الحياة المرعبة في هذا البلد الذي تسيطر عليه صناعة الفحم. ها هُنَّ نساء أمريكيات، في منزل أمريكي، منزل يحمل أمارات الرقي والثقافة، إلا أنهن يشعرن ويتصرَّفن كما لو كُنَّ مُتآمِراتٍ روسيات، يتملَّكهن الرعبُ من سيبيريا والسوط الروسي!

غابَ الصحفي بضع ساعات، ثم عاد وفي جُعبته أخبار. قال: «استعِد للمتاعب أيها الشاب.»

«لماذا؟»

«جيف كوتون في المدينة.»

«كيف عرفت؟»

«رأيتُه في سيارة. إذا كان قد غادر نورث فالي في هذا الوقت، فذلك لأمرٍ خطير، يمكنك أن تكون متأكدًا من ذلك.»

«ماذا عساه أن يفعل؟»

«إنه أمرٌ لا يمكن التنبؤ به. ربما يبرحك ضربًا، وربما يطردك من المدينة ويُلقي بك في الصحراء، وربما يكتفي بإلقاء القبض عليك.»

فكَّر هال للحظة. ثم سأله: «أبتُهمة التشهير؟»

«أو بتهمة التشرُّد، أو للاشتباه بك في سرقة أحد بنوك تكساس، أو بتهمة قتل جدتك الكبرى في تَسمانيا. المهم أنه سيُبقيك في الحبس حتى تنتهي هذه المشكلة.»

قال هال: «حسنًا، لا أريد أن أُسجَن. أريدُ الذهابَ إلى ويسترن سيتي. أنا في انتظار القطار.»

أجاب كيتينج: «قد تضطر إلى الانتظار حتى الصباح. حدثت مشكلة في خط السكة الحديدية … تعطَّلت عربة شحن وتبعثَرت أجزاؤها على القضبان؛ سوف يستغرق الأمرُ بعضَ الوقت لإخلاء الطريق.»

ناقشوا هذه المشكلة الجديدة ما بين أخذٍ وردٍّ. أعربَ ماكيلار عن رغبته في أن يجلب ستة من أصدقائه ليحرسوا هال في أثناء الليل، وكان هال على وشك الموافقة على هذه الفكرة عندما فتحت ملاحظةٌ عَرَضية من كيتينج مَنحًى جديدًا للنقاش. إذ قال: «هناك شخصٌ آخر عطَّله حادث السكة الحديدية. إنَّه ابن ملِك الفحم!»

ردَّد هال: «ابن ملِك الفحم؟»

«الشابُّ بيرسي هاريجان. لديه عربة خاصة هنا … أو بالأحرى قطار بأكمله. فكِّر في الأمر … عربة طعام، وعربة استقبال، وعربتان كاملتان بكبائن للنوم! ألا تريد أن تكون ابنًا لملِك الفحم؟»

«هل جاء بسبب حادث المنجم؟»

ردَّد كيتينج: «حادث المنجم؟ أشكُّ في أنه قد سمعَ بالأمر. لقد قيل لي إنهم كانوا في رحلة إلى جراند كانيون، وبالقطار عربةٌ لنقل الأمتعة تحمل على متنها أربعَ سيارات.»

«هل العجوز بيتر معهم؟»

«لا، إنه في نيويورك. بيرسي هو المضيف. وقد أخرجَ إحدى سياراته من القطار واستقلَّها، وراحَ يجوبُ المدينة مع اثنين من أصدقائه وبعض الفتيات.»

«مَن الذين يرافقونه؟»

«لم أستطع معرفة ذلك. كما ترى، يصلح هذا خبرًا لصحيفة «جازيت» … ابن ملِك الفحم، يأتي بالمصادفة في اللحظة التي يُواجه فيها مائةٌ وسبعة من عبيده مصيرهم المشئوم في المنجم! ليتني استطعتُ أن أستحثَّه على الإدلاء برأيه في الحادث! ليتني حتى استطعتُ أن أستنطِقَه ليقول إنه لا يعرف شيئًا عنه!»

«هل حاولتَ؟»

«ولماذا أنا صحفي إذن؟»

«وماذا حدث؟»

«لا شيءَ سوى أنه جعلني عاجِزًا عن فعل شيء أمامه.»

«أين كان هذا؟»

«في الشارع. فقد توقَّفوا بسيارتهم عند صيدلية، ومن ثَمَّ تقدَّمتُ نحوهم. وسألته: «هل أنتَ السيد بيرسي هاريجان؟» كان ينظر إلى الصيدلية ورائي. فقلتُ: «أنا صحفي، وأودُّ أن أسألك عن الحادث الذي وقعَ في نورث فالي.» قال بنبرةٍ مستغرَبة يتجمَّد لها الدمُ في العروق: «معذرة!» ناشدتُه: «كلمة واحدة.» أجابَ: «لا أُدلي بأحاديث صحفية»، وكان هذا كلُّ شيء … وواصلَ النظر خلفي، وكان الجميعُ ينظرون أمامهم. لقد تحوَّلوا إلى جليدٍ بارد منذ أن لفظتُ كلمتي الأولى. وشعرتُ بالدم يتجمَّد في أوصالي كأنني دودة مُتجمِّدة!»

سادَ بعضُ الصمت.

علَّق بيلي: «أليس من العجيب أن تنبثق أسرة أرستقراطية إلى الوجود بهذه السرعة! إنك عندما تنظر إلى تلك السيارة، ومَن بها من حشدٍ وتفاخرهم، تظن أنهم يسودون العالَم منذ عهد ويليام الفاتِح. وكان العجوزُ بيتر قد جاءَ إلى هذا البلد بائعًا مُتجوِّلًا!»

قال ماكيلار: «بينما نحن هنا لا نكفُّ عن الكَدِّ.»

قال الصحفي: «وسنواصل كَدَّنا حتى نصلَ إلى هاوية الانحدار الاجتماعي في غُضون جيل قادم.» ثم، بعد دقيقة، أضافَ: «ولكن هناك فتاة فريدة من نوعها في تلك المجموعة! لقد أسرتني بالتأكيد! أتدري كلَّ ذلك الزغبَ الذي يرتدونه … تلك الملابس الناعمة الوَبرية، التي تجعلك تتذكَّر البساتين في فصل الربيع. بدت هذه الفتاة مثل زهرة التفاح.»

تساءل هال بلطفٍ: «هل يستميلك سحرُ النساء وجمالهن الآسِر؟»

قال الآخر: «أجل. أعلم أنَّ كل هذا زائف، ولكنه يجعل قلبي الصغير يخفق على أي حال. لطالما أردتُ دائمًا أن أصدِّق أنهن جميلاتٌ حقًّا كما يَبدون.»

اكتستِ ابتسامةُ هال بمسحة من الحنين، وردَّد:

«أوه، يا ليزا-آن، اخرجي معي،

القمرُ يسطع ببهاء في شجرة الأروكاريا!»

ثم توقَّف ضاحكًا. وقال: «لا تُبدِ مشاعرَك يا سيد كيتينج. فقد تتلاعب بك المرأةُ إن أبديتَها.»

«أتتلاعب بي أنا؟ أتتلاعب بصحفي وضيع الحال؟»

ضحك هال: «بل تتلاعب بك كرجلٍ! لا أريدُ أن أتهم المرأة بشيء، ولكن للنساء دورهن في هذه الحياة، وعليهن أن يُمارسنه دائمًا.»

سادَ بعضُ الصمت. أخذَ الصحفي ينظر إلى عامل المنجم الشاب بفضولٍ مفاجئ. وقال: «اسمع، لطالما حيَّرني أمرُك. كيف لك أن تعرف هذا القدر عن سيكولوجية الطبقة المترَفة؟»

قال هال: «كنت أمتلك المال في يومٍ من الأيام. وتدهور الحالُ بعائلتي بالسرعة نفسها التي لمعَ بها نجمُ عائلة هاريجان.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤