الفصل الخامس عشر

كان هال يعرف بيرسي هاريجان معرفة زملاء الدراسة. لم يكن غليظ القلب كوالِده العجوز القاسي؛ كان فقط مُنغمِسًا في الملذَّات، مثله مثل أي شخص يجد في حوزته كل شيء دائمًا، وقد كان ضعيفًا، مثل شخصٍ لم يضطر قطُّ إلى اتخاذ قرارٍ جريء. لقد ربَّته نساءُ العائلة لكي يصبح جزءًا مما يسمونه «صفوة المجتمع»؛ حيث يُنشئن لديه مفاهيم سامية عن مكانته الاجتماعية. لم تكن تُهيمن على حياة عائلة هاريجان إلا ذكرى مؤلمة وحيدة … وهي ذكرى البائع المتجوِّل، وكان هال يعلم أن هدف بيرسي الأكثر إلحاحًا هو أن يَعُدَّه الناسُ أرستُقراطيًّا حقيقيًّا وأصيلًا ومِعطاءً. وهذه هي المعلومات التي كان هال يستخدمها في معركته معه.

بدأ هال بالاعتذار محاوِلًا امتصاص غضب بيرسي وتهدئته. لم يكن في نيَّته أن يكون لقاؤهما على هذا النحو؛ بل كان الرجلان المسلَّحان هما مَن أجبراه على ذلك؛ إذ عرَّضا حياته للخطر. لقد كان من المروِّع أن يُطارَد ليلًا ويُطلَق عليه الرصاص! لقد فقدَ أعصابه حقًّا؛ ونسيَ حتى القدر الضئيل من حُسن الخلق الذي كان قادرًا على الحفاظ عليه كمساعِد عامل منجم. أحرجَ نفسَه، أجل يا إلهي، لقد أدركَ كيف بدا — بلا شكٍّ — في أعين الآخرين!

… ونظر هال إلى سترة عامل المنجم القذِرة، ثم إلى بيرسي. وجدَ بيرسي على وفاقٍ تام معه حتى الآن … لقد جعل من نفسه موضوعًا للسخرية، ومن بيرسي أيضًا! شعر هال بالأسف لهذا السبب الأخير، ولكن ها هما الآن، في ورطة، وكان أوانُ التراجع قد فاتَ بالتأكيد. أصبح الأمر علنيًّا … ولم يعد هناك مجال لإخفائه! ربما كان في إمكان هال إسكات صديقه الصحفي، وربما كان في إمكان بيرسي إسكات النادلَين وسائق القطار وقائد المعسكر والحارسَين المسلَّحَين … لكنه لم يكن ليستطيع إسكات جميع أصدقائه! لن يتحدَّثوا عن شيء آخر لأسابيع! سينتشر الخبرُ في جميع أنحاء ويسترن سيتي في غضون يوم واحد … هذه القصة الميلودرامية المذهلة والمثيرة لمساعِد عامل المنجم الذي اقتحم العربة الخاصة لابن ملك الفحم!

تابع هال قائلًا: «ولا بد أنك تعلم يا بيرسي، أن شيئًا كهذا يلتصق بالمرء. إنه شيءٌ سيُشكِّل الجميعُ فكرتهم عنك من خلاله ما حييت!»

قال الآخر في محاولة للرجوع إلى أسلوب عائلة هاريجان: «إنني لا أتورَّع أبدًا في الرد على انتقادات أصدقائي.»

تابع هال دون تهاون: «يمكنك كتابة نهاية القصة كما تريد. فإما أن يقولوا إنه فضَّل الإبقاء على ماله، وإما سيقولون إنه فضَّل الإبقاء على أرواح الناس. صدِّقني يا بيرسي، عائلتُك ليست في حاجة ماسَّة إلى تلك الأموال تحديدًا! عجبًا، لقد أنفقتَ أكثر من ذلك على رحلتك هذه بالقطار!»

وانتظر هال كي يمنح ضحيَّته وقتًا للنظر في الأمر.

وكانت نتيجة التفكير سؤالًا كان أجدر بالعجوز بيتر. «ما الذي ستستفيده من جرَّاء هذا؟»

قال هال: «بيرسي، يجب أن تعلم أنني لن أستفيد شيئًا! إذا كنت لا تستطيع أن تفهم الأمر على نحوٍ آخر، فلتعتبر أنك تتعامل مع رجلٍ غير مسئول. لقد مررتُ بالكثير من الأحداث الفظيعة … طاردني قادة المعسكرات كثيرًا … أجل يا بيرسي، ذلك الرجل المدعو كوتون لديه ست رصاصاتٍ في مسدسه! سأُصاب بالجنون.» ولاحت في عينَيه البُنيتَين نظرة شرسة كانت كفيلة أن تقنع رجلًا أقوى من بيرسي هاريجان بحقيقة الوضع. وأضاف هال: «لم أعُد أُفكِّر إلا في شيء واحد يا بيرسي … أن أُنقِذ عُمَّال المناجم هؤلاء! أنت مخطئ ما لم تدرك مدى الأسى الذي أُعانيه. لقد سعيتُ في الأمر حتى الآن بصفتي غير الرسمية! فقد فعلتُ كلَّ شيء بصفتي جو سميث، مساعِد عامِل المنجم. لو كنت قد أعلنت عن اسمي الحقيقي … حسنًا، ربما لم أكن لأتمكَّن من حملِهم على فتح أبواب المنجم، ولكن كنت على الأقل سأتسبَّب في الكثير من المتاعب للشركة العامة للوقود! لكنني لم أستطع فعل ذلك؛ فأنا أعرف حجم الفضيحة التي ستنجم عن ذلك، وكنت مضطرًّا إلى التفكير في والدي. ولكن إذا رأيتُ أنه ليس هناك حلٌّ آخر، إذا كان الأمر يتعلق بترك هؤلاء الناس يهلكون، فسألقي بكل شيء آخر في مهب الريح. أخبر والدَك بذلك؛ أخبره أنني هدَّدت بإطلاق يَد هذا الرجل كيتينج وإعلان الأمر … سأُدين الشركة، وأناشِد الحاكِم، وأثير الاضطراب، وليُلقوا القبضَ عليَّ في الشارع، إذا لزم الأمر، لأُعلِن الحقائق على رءوس الأشهاد. كما ترى، فإن الحقائق معي يا بيرسي! لقد كنت هناك ورأيتُ بأم عيني. ألا يمكنك أن تستوعبَ ذلك؟»

لم يُجِبِ الآخر، ولكن كان من الواضح أنه استوعبَ الأمر.

أردف هال: «من ناحية أخرى، انظر كيف يمكنك إصلاح الأمر، إذا اخترتَ أن تفعل ذلك. كنتَ في رحلة ترفيهية عندما سمعتَ بهذه الكارثة، وهرعتَ إلى هناك وأصدرتَ الأمر، وفتحتَ المنجم، وأنقذتَ حياة موظَّفيك. هكذا ستكتب عنك الصحف.»

أدرك هال، من خلال مراقبة ضحيَّته من كَثَب ومحاولة تلمُّس أفكاره، أنه قد أخطأ في نهجه. على الرغم من فظاظة أصل آل هاريجان، فقد علموا أن استجلاب الأنظار ليس من الأرستقراطية في شيء.

سارع هال بأن قال: «حسنًا إذن! لا داعي لذكر اسمك إذا كنت تُفضِّل ذلك. فالتقاريرُ تحت تصرُّف الرؤساء في المعسكر، وسوف يتعاملون مع الأمر بالطريقة التي تريدها. الشيء الوحيد الذي يُهمُّني هو أن تأخذ قطارك إلى هناك وتأمر بفتح المنجم. هل ستفعل ذلك يا بيرسي؟»

كان هال يُحدِّق إلى عينَي الآخر، مُدرِكًا أن حياة عُمَّال المناجم أو موتهم رهنُ إيماءةٍ منه. «حسنًا؟ ما جوابُك؟»

صاحَ بيرسي: «هال، سيُريني أبي الويل!»

«حسنًا، ولكن من ناحية أخرى، ما سأُريك إياه هو الويل بعينه، بل هو أسوأ؟»

سادَ الصمتُ مجددًا. «اذهب يا بيرسي! بالله عليك!» وكانت نبرة هال يائسة ومثيرة للقلق.

وفجأة، استسلم الآخر. وقال: «حسنًا!»

تنفَّس هال الصُّعَداء. وأضافَ قائلًا: «لكن انتبِه! لا تسمح لهم بخداعك هناك! سيحاولون التلاعُب بك … وقد يصل بهم الأمر إلى رفض الانصياع لك. ولكن يجب أن تتمسَّك بموقفك … لأنني، كما ترى، سأستمر، لن أستسلم حتى يُفتَح هذا المنجم. لن أتوقَّف أبدًا حتى ينزل رجال الإنقاذ إليه!»

«هل سيذهبون إلى هناك يا هال؟»

«سيذهبون؟ يا إلهي؛ يا رجل، إنهم يطالبون بفرصة للذهاب! لقد كادوا يقومون بأعمال شغبٍ من أجل ذلك. سأذهب معهم، وأنت أيضًا يا بيرسي … جميع مجموعتنا من العاطلين سيذهبون! وعندما نخرج من هناك، سوف نتعلَّم شيئًا عن صناعة تعدين الفحم!»

قال ابن ملك الفحم: «حسنًا، سأذهبُ معك.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤